والله ما نعرف
سامحني
لا عليك شكرااا
إخوان الصفا وخلان الوفا هم مجموعة سرَّانية من الفلاسفة المسلمين العرب من القرن الرابع الهجري، و/أو الحادي عشر الميلادي، الذين حاولوا أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في تلك الأيام. ويقال إن جماعة إخوان الصفا انبثقت من الفكر الإسماعيلي، وتحديدًا في البصرة لكن الأرجح هو أن الإسماعيليين قد تبنو فكر هذه المجموعة. وقد كانت اهتمامات هذه الجماعة كانت متنوعة وامتدت من العلم والرياضيات إلى الفلك والسياسة. فقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها. أما الهدف المعلن من هذه الحركة فكان "التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس". فما هي هذه الرسائل؟
رسائل إخوان الصفا
تقسم رسائل إخوان الصفا، التي تعبر عن فلسفتهم، إلى أربعة أقسام هي:
– الرسائل التعليمية الرياضية وتتضمن 14 رسالة في العدد والهندسة وعلم النجوم والجغرافيا والموسيقى والنسبية والأخلاق… الخ.
– تليها، وتابعة لنفس التصنيف التعليمي، 17 رسالة في الصورة والحركة والسماء والعالم والكون والفساد والآثار العلوية والمعادن والطبيعة والنبات والحيوان والجسد ومختلف المعارف. ثم…
– الرسائل النفسانية والعقلية وتشتمل على 10 رسائل في مبادىء الموجودات العقلية والفلسفة والعقل والأدوار والعشق… الخ. وأخيرًا
– الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية، وتتضمن 11 رسالة في هذه الأمور وما يعتقدون.
فلسفتهم
تأثر إخوان الصفا بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية، وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف، ولكنهم لم يتأثروا على الإطلاق بفكر الكندي. واشتركوا مع فكر الفارابي والإسماعيليين في نقطة الأصل السماوي للأنفس وعودتها إلى الله. وكانت فكرتهم عن منشأ الكون أنه يبدأ من الله ثم إلى العقل، ثم إلى النفس، ثم إلى المادة الأولى، ثم الأجسام والأفلاك و العناصر والمعادن والنبات والحيوان. فكانت نفس الإنسان، من وجهة نظرهم، جزءًا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى "البعث الأصغر"، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله "البعث الأكبر". وكان إخوان الصفا على قناعة بأن الهدف المشترك بين الأديان والفلسفات المختلفة هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان.
كانت كتابات إخوان الصفا، ولا تزال، مصدر خلاف بين علماء الاسلام، وشمل الجدل التساؤل حول الإنتماء المذهبي للجماعة، فالبعض اعتبرهم من أتباع المدرسة المعتزلية والبعض الآخر اعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية وذهب البعض الآخر إلى حد وصفهم بالإلحاد والزندقة، ولكن إخوان الصفا أنفسهم قسموا العضوية في حركتهم إلى 4 مراتب:
1. مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
2. مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
3. مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
4. المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء.
تاريخ ظهورهم
مرَّ العرب، في عصر الراشدين، بمرحلة انغلاق على الفلسفة والعلوم، إذ اهتموا بالغزوات حتى جاء العصر الأموي، وكما يبدو أنه لم يتكيف مع العالم الجديد، حيث كل ما كتب في عهدهم، وما بعد، إنما كانت كتابات بين طرفين كلٌّ منهما يمدح نفسه ويسب الآخر، حتى حلَّ العصر العباسي حيث بدأوا بترجمة الكتب اليونانية المترجمة من السريانية إلى العربية في الطب والفلسفة، فشغفت عناصر كثيرة بالفلسفة اليونانية شغفًا عظيمًا، إذ رعى أبو جعفر المنصور طبقة من المترجمين الذين ساهموا في نقل الميراث الفكري الإغريقي، واستمرت هذه الحركة في عهد هارون الرشيد، وبلغت القمة في عهد المأمون حيث أنشئت دار الحكمة في بغداد. وقد أثَّر هذا الانفتاح الفكري، وفي شطر من العهد العباسي برز مفكرون مسلمون ساعون إلى التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية، أشهرهم الكندي والفارابي وابن سينا. وقد تطورت هذه الجهود في البحث الفلسفي لتصير حالاً جماعية تمثَّلت في نشوء جماعة مستورة عُرفت باسم إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء، والتي اشتهرت بتصنيفها مجموعة من الرسائل في مختلف فروع الفلسفة والعلوم الإنسانية. وقد لاقت هذه الرسائل رواجًا كبيرًا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
الثابت أن إخوان الصفاء ظهروا، كما يذكر ابن الطقطقي في كتابه الفخري في الآداب السلطانية، حين "اضطربت أحوال الخلافة، ولم يبق لها رونق ولا وزارة. تملَّك البويهيون، وصارت الوزارة من جهتهم والأعمال إليهم". وكان البويهيون، الذين سيطروا على العراق، من الشيعة الذين اتبعوا مذهب الزيدية، وهي من أقرب الفرق إلى آراء مذهب السنَّة، ذلك أنها لا ترى حصر الإمامة في سلالة الإمام الحسين بن علي، كما أنها لا تشارك غيرها من الفرق الشيعية في ذمِّ الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، أو القدح في الصحابة الذين لم يبايعوا الإمام علي بالخلافة بعد وفاة النبي. لهذا يذهب البعض إلى القول بأنهم من المتشيعة، وأنهم إما من الإسماعيليين أو الإثني عشرية، والأرجح من مذهب الزيدية لأن في رسائلهم مسح من الشيعية؛ ولكنهم في ذات الوقت يخرجون عن حدود كافة الفرق الإسلامية في الفكر والمعتقد، إذ لهم فكرهم الانتقائي، وهم يجمعون بين الكثير من المعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية، ويبتغي أصحابهم جمع حكمة كل الأمم والأديان. مذهبهم، بحسب تعبيرهم في الرسالة 45،
يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها، وذلك أنه النظر في جميع الموجودات بأسرها، الحسية والعقلية، من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليها وخفيها، بعين الحقيقة، من حيث هي كلها مبدأ واحد، وعلة واحدة، وعالم واحد.
وتبرز هذه النظرة الإنتقائية التوفيقية بشكل خاص في تحديد الإخوان لمزايا الإنسان الكامل، وقد وجدوه في
العالم الخبير الفاضل، الذكي المستبصر، الفارسي النسبة، العربي الدين، الحنفي المذهب، العراقي الآداب، العبراني المخبر، المسيحي المنهج، الشامي النسك، اليوناني العلوم، الهندي البصيرة، الصوفي السيرة.
كما في الرسالة 22.
أهدافهم
كانت غاية إخوان الصفا التقريب بين الدين والفلسفة في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين والفلسفة لايتفقان. وقد قيل (من تمنطق فقد تزندق). لهذا فهم يعرِّفون الفيلسوف على أنه الحكيم، وأن الفلسفة هي التشبُّه بالإله على قدر الطاقة البشرية، وبالاستشهاد بأقوال الفلاسفة، كسقراط وأرسطوطاليس وأفلاطون وفيثاغوراس وغيرهم، والتي تصبُّ في نهر الحكمة الواحد الدافق، بما يتوافق مع أقوال الأنبياء كافة، التي استهانت بأمر الجسد ودَعَتْ إلى خلاص النفس من أسْر الطبيعة وبحر الهيولى بالعلوم وأولها علم الإنسان بنفسه، ثم علمه بحقائق الأشياء. وقد أكدوا أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، لا ينبغي التوقف عندها، بل الترقِّي في سلََّم الصعود إلى الحالة الأخيرة الملكية. وهذا ما يقولون:
هل لك، يا أخي، أن تصنع ما عمل فيه القوم كي يُنفَخ فيك الروح، فيذهب عنك اللوم، حتى لا ترى إلا يسوع عن ميمنة عرش الربِّ قد قرَّب مثواه كما يُقرِّب ابن الأب، أو ترى مَن حوله من الناظرين. أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن حتى ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريحون. أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك يحيكها أفلاطون وإنما هي أفلاك روحانية، لا ما يشير إليه المنجِّمون.
وذلك أن علم الله محيط بما يحوي العقل من المعقولات، والعقل محيط بما تحوي النفس من الصور، والنفس محيطة بما تحوي الطبيعة من الكائنات، والطبيعة محيطة بما تحوي الهيولى من المصنوعات، فإذا هي أفلاك روحانية محيطات بعضها ببعض.
أسمائهم
عمل إخوان الصفا في الخفاء، ويقال أن ابن المقفع كان أحدهم؛ ففي كليلة ودمنة، حيث يتوجه دبشليم الملك بالكلام لبيدبا الفيلسوف في مطلع قصة الحمامة المطوقة يقول له:
… حدثني، إن رأيت، عن إخوان الصفاء. كيف يبدأ تواصلهم ويستمع بعضهم ببعض.
يجيب الفيلسوف
إن العاقل لا يعدل بالإخوان شيئًا، فالإخوان هم الأعوان على الخير كله، والمؤاسون عند ما ينوب من المكروه.
احتار الباحثون في كل العصور في قضية من هم إخوان الصفا لهذا لجأوا إلى الحدس والتخمين في معرفة محرري تلك الرسائل المجهولة التوقيع. ينقل أبو حيان التوحيدي أسماء خمسة من مؤلفي هذه الرسائل في كتابه الإمتاع والمؤانسة – الكتاب الذي يضم مسامرات سبع وثلاثين ليلة أمضاها التوحيدي في منادمة الوزير أبي عبد الله العارض. ويأتي ذكر إخوان الصفا في الليلة السابعة عشرة حيث يسأل الوزير عن زيد بن رفاعة وعن مذهبه، ويجيب الكاتب:
هناك ذكاءٌ غالبٌ، وذهنٌ وقادٌ، ويقظةٌ حاضرة، وسوانح متناصرة، ومتسعٌ في فنون النظم والنثر، مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة، وحفظ أيام الناس، وسماعٍ للمقالات، وتبصرٍ في الآراء والديانات، وتصرفٍ في كل فنٍ… وقد أقام بالبصرة زمانًا طويلاً، وصادف بها جماعةً لأصناف العلم وأنواع الصناعة؛ منهم أبو سليمان محمد بن معشر البيستي، ويعرف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني والعوفي وغيرهم، فصحبهم وخدمهم؛ وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة، فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى الفوز برضوان الله والمصير إلى جنته، وذلك أنهم قالوا: الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات؛ ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة، وذلك لأنها حاويةٌ للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية.
أسلوب عملهم
اعتمد إخوان الصفاء التقية في تنظيمهم وهو المبدأ الذي اعتمده جميع السرّانيين. قد وساعدت هذه التقيِّة على رواج رسائلهم واستمرار فكرهم لقرون عديدة، وبقائه كمنهل ثري لكلِّ الفلاسفة الذين أتوا من بعدهم كابن سينا والفارابي والسجستاني والكرماني وناصر خسرو ونصير الدين الطوسي وغيرهم. كان على المرشد أو الداعي أن يتحلَّى بمجموعة من الصفات مثل
أن يكون أبًا شفيقًا، وطبيبًا رفيقًا، لا نزقًا ولا خرقًا ولا منحرفًا ولا متجبرًا ولا متكبرًا ولا متغيرًا، ولا يحمِّل أحدًا فوق طاقته، ولا يكلِّفه فوق وسعه، يبرز لمريديه بروز النفس الكلِّية للنفس الجزئية، في جليل هيبته وجميل هيئته… الخ.
يقول عبد الحميد الكاتب إن أغلب فكر إخوان الصفا مستمد من الفكر الصابئي، لأن الفكر الصابئي كان متداولاً في العهد العباسي والأموي من خلال جهابذة العلم والأدب الصابئة من أمثال ثابت بن قرة وأبو اسحاق الصابئي وغيرهم. فقد ذكر المؤرخون، كما جاء في كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين، عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت، والذي كان قد برز من بين أقرانه، وأصبح من إخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيًا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، أو من كان حكيمًا كاملاً في أجزاء علوم الحكمة. الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي) المندائية، والتي تعني المتبحر.
كانت حركة إخوان الصفا انعطافًا إنسانيًا حدث على أرض العراق، إذ رغم الانكسارات التي حلت به فهو الأول في العالم في استنباط العجلة والقوانين والمدينة الحكومة ثم الكتابة المسمارية، التي هي أول كتابة لاصورية وبها بدأ تسجيل التاريخ. وفي بغداد كانت الثورة الأولى في عالم الطب. وكذلك حركة إخوان الصفا التي أعطت اندفاعًا للفلسفة اليونانية والفكر الحر، وكانت إحدى دفعات العراق للتاريخ.
شكرااااااااااا جزيلا والله ساعدتني أخي العزيز