تخطى إلى المحتوى

بعض الآداب التي يجب مراعاتها في المساجد 2024.

السنة عند دخول المسجد والخروج منه وفضل الذكر عنده
قال ابن بطة رحمه الله" وَمِنْ اَلسُّنَّةِ تَقْدِيمُ اَلرِّجْلِ اَلْيُمْنَى عِنْدَ دُخُولِ اَلْمَسْجِدِ وَتَأْخِيرُهَا إِذَا خَرَجَ"
وفيه حديث أنس – رضي الله عنه – قال: ((مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكِ الْيُسْرَى)) خرجه الحاكم وصححه على شرط مسلم.
وقال رحمه الله "عِنْدَ اَلدُّخُولِ" – يعني: دخول المسجد- "اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اَلنَّبِيِّ وَسَلِّمْ وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ مِثْلُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ" وهذا لحديث فاطمة الذي رواه أحمد رحمه الله تعالى في مسنده والترمذي وابن ماجه، وفي سنده انقطاع، فلذلك أعله الترمذي وقال: حديث حسن وليس إسناده بمتصل.
ولكن يشهد له حديث أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه – عند مسلم في صحيحه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ, وَإِذَا خَرَجَ فليقل اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ)) بدون لفظة السلام "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله" فهذا قد صح في صحيح مسلم رحمه الله تعالى وما ذلك إلا لأن الدخول إلى المسجد سبب لرحمة الله تبارك وتعالى فيحتاج الإنسان إليها أثناء دخوله ومكوثه وصلاته في المسجد ، فناسب أن يقول ((اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ)) والخروج لأنه سعي في الأرض وطلب للرزق ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُ‌وا فِي الْأَرْ‌ضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ﴾ فناسب أن تقول ((وافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ)) ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُ‌وا فِي الْأَرْ‌ضِ﴾ أخرجوا خرجتم من المساجد، وابتغوا من فضل الله، فناسب أن تقول ((وافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ)) فهذا سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
****
حكم ركعتي تحية المسجد
أما مسألة الركعتين اللتين هما تحية المسجد فكثير من الناس وبالأخص يوم الجمعة إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس تعظيما منه للخطبة؛ فلا يريد أن يشتغل عنها بصلاة، يجلس تعظيما منه لأمر الخطبة فلا يريد أن يشتغل عنها بشيء صلاة أو غيرها؛ وهذا نراه إلى يوم الناس هذا، وما يمنعك إلا إنك مصلٍ وإلا ترد عليه؛ فإن ذلك ليس إلا للإمام.
(( فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يَخْطُبُ يوما في أصحابه فدَخَلَ رَجُلٌ فجلس فرآه النبي – صلى الله عليه وسلم – فقطع الخطبة فسأله أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ)) فأمره بصلاة ركعتين، ويُقال إن هذا الرجل هو سُليك الغطفاني.
فإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قطع الخطبة وأقبل على الرجل يسأله: هل صليت ركعتين؟ لأنه يحتمل أن يكون صلى في مكان لم يره فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم تقدم، هذا الاحتمال وارد فواجه النبي – صلى الله عليه وسلم – جاء في وجهه؛ فإن الإنسان قد يُصلي في مكان السنة -تحية المسجد- ثم يتقدم ليرى الخطيب في مكان آخر؛ فالنبي – صلى الله عليه وسلم – احتمل له هذا فقال ((أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْن)) فقطع الخطبة وأمر بأن يُصلي ركعتين فدل ذلك على وجوب أداء هاتين الركعتين اللتين هما تحية للمسجد ، فهما من السنة اللازمة لا يجلس الإنسان حتى يُصليها. والناس يقعون في الجهل بها – كما قلت- وخصوصًا في يوم الجمعة؛ ولذلك نص عليه المصنف بقوله:" وإِنْ كَانَ يَوْمُ اَلْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ" لأن أكثر ما يقع فيه الناس في هذه الصورة، صورة ماذا؟ إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يجلس ليستمع الخطبة وقد حصل ذلك كما قلنا- في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – فصححه – صلى الله عليه وسلم – وبين فدل ذلك على أن هاتين الركعتين لا يُعفى عنهما فهما واجبتان على من دخل المسجد.
وصليا تحية للمسجد *** قبل الجلوس فادر واعمل تهتدِ
والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ)) فدل ذلك على أن الأمر هنا بالنهي عن الجلوس أمر وجوب؛ فلا تستبيح الجلوس إلا بها، وهذا هو السبب -والله أعلم – أن الناس يتساهلون فيها ويجهلونها في يوم الجمعة خاصة.
وينبغي للمسلم أن لا يتحدث في المسجد بحديث أمور الدنيا والفضول في هذا, وقد كره ذلك الجمع من السلف رحمهم الله تعالى فينبغي أن تصان المساجد عن ذلك, فإن المساجد إنما هي للصلاة وذكر الله وقراءة القرآن كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن هذه الأحاديث التي وردت ما رواه عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ حَلَقًا حَلَقًا إِمَامُهُمُ الدُّنْيَا، فَلا تُجَالِسُوهُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ)) هم في المسجد ولا يتحدثون إلا في أمور الدنيا وهذا الحديث عند الطبراني كما ذكر المحشي عندكم وهو عند الطبراني في الكبير.
وأيضًا هو عند ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود وجاء أيضًا عن أنس رضي الله عنه عند الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أنه قال ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَجْلِسَ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ لَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ حَدِيثُهُمُ الدُّنْيَا)) يعني أهل الإيمان إذا دخلوا المساجد تركوا الدنيا وأقبلوا على صلاتهم وعبادتهم وذكرهم لم؟ لأن الله جل وعلا يقول ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْ‌فَعَ وَيُذْكَرَ‌ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴿٣٦﴾ رِ‌جَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَ‌ةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ الآية.
فدل ذلك على أن أهل الإيمان لا يلهيهم شيء عن طاعة الله تبارك وتعالى إذا دخلوا هذه المساجد فهؤلاء الإيمان فيهم ضعيف فحينئذٍ يغلب عليهم مع أنهم في أعظم موقع ينبغي أن يتقوى إيمانهم فيه ألا وهو المسجد فإن عدوهم قد حبسه الله تبارك وتعالى عنهم في مثل هذه البقعة المباركة إذا دخل واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، قدم رِجله اليمنى وأخر اليسرى، وصلى ركعتين واستعاذ بالله جل وعلا من الشيطان الرجيم في استفتاحه ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ)) فحينئذ يكون قد عُصم من الله تبارك وتعالى وهذا الأثر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما لم يحش عليه المصنف وهو عند ابن أبي شيبة في الإيمان والحاكم في المستدرك والخلال في السنة عند ابن أبي شيبة في جزئه الصغير في الإيمان وسنده عن عبد الله بن عمرو صحيح، ومنها ما قاله الحسن البصري رحمه الله:"سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ حَلقًا حَلقًا حَدِيثُهُمْ الدُّنْيَا لَا تُجَالِسُوهُمْ فَإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَرَكَهُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ " وهذا أخذه حسن عن شيوخه من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين تقدم ذكر حديثهم، وحديث حسن رحمه الله تعالى هذا المقطوع من قوله عزاه عندكم المحشي إلى شعب الإيمان وهو أيضًا عند الإمام أحمد في كتاب الورع وذلك؛ لأن هؤلاء النّاس في آخر الزمان لا يقومون لهذه المساجد حرمتها فبدل أن ينظر إلى أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من أمور الدنيا وإنّما هي لذكر الله ولتلاوة القرآن وللصلاة ونحو ذلك هؤلاء عكسوا القضية فجعلوها لدنياهم.
****
حكم دخول الصبيان والنساء والمجانين إلى المساجد
قال ابن بطة رحمه الله في معرض ذكر المنهيات" وَدُخُولُ اَلصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْمَجَانِين وَالْجُنُبِ وَالِاتِّفَاقُ " يعني: في المسجد؛
فأما الصبيان والمجانين: فلعله ذهب إلى حديث واردٍ في ذلك وهو حديث واثلة بن الأصقع – رضي الله عنه – قال: ((قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ، وَمَجَانِينَكُمْ)) الحديث؛ ولكن هذا الحديث لم يصح، فهو حديث ضعيف، ولا يثبت في هذا الباب شيءٌ.
والصبي إما أن يكون ابن سبعٍ وإما أن يكون دون ذلك؛فإن كان ابن سبعٍ فما فوق فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قد أمر بإحضارهم إلى المساجد في قوله: ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ)) فهو مأمورٍ بأن يُؤتى به للمسجد للصلاة، ويُضرب عليها إذا بلغ العشر سنين حتى يتعودها، فهو من أهل الحضور.
  • وإن كان دون ذلك؛ فإن كان في الصلاة مع أبيه أو وليه فلا بأس بذلك؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد حمل أُمامة ونزل إلى حسن وحسين، وتأخر في السجود عندما ارتحله ابنه الحسن.
  • وإن كان في غير الصلاة فإنه ينبغي أن تُجنب المساجد هؤلاء الذين هم أصغر من السبع؛ لأنهم لا يفهمون وربما أتلفوا في المساجد فلعبوا وخربوا إذا كان في غير الصلاة.
وقد فصَّل إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى في هذا حيث ذكر كلام نحوًا مما ذكرناه من كلام أهل العلم والشاهد أن منع الصبيان والنساء والمجانين والجنب مطلقًا المساجد فيه نظر.
ولعل المصنف اعتمد في منع النساء المساجد على حديث: ((نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – النساء عن الخروج إلى المساجد في جماعة الرجال)) وهذا الحديث أيضًا لا يصح.
ولعله اعتمد في الجنب أيضًا على حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ((أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ، – يعني بيوت أصحابه – رضي الله عنهم – فَإِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا لِجُنُبٍ)) وهذه الأحاديث كلها ضٍعاف، لاتثبت؛ لا حديث النهي عن الصبيان والمجانين، ولا حديث النساء الذي سمعتم، (( نهى النساء عن الخروج إلى المساجد في جماعة الرجال)) ولا حديث ((فَإِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا لِجُنُبٍ)) فهو في سنن أبي داود رحمه الله وهو ضعيف الإسناد.
والنساء جاء المنع عن منعهن من حضور المساجد إذا ترخصن فالأمر بالعكس، ((لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ)) فالأمر على عكس هذا، الأمر الصحيح على عكس ذلك أن المرأة إذا استأذنت إلى المسجد وأمنت الفتنة ما هناك فتنة ما يكون زمن فتن فإنه لا بأس بأن تخرج ولا يجوز للرجل أن يمنعها إذا استأذنت إلى المسجد وبيتها خير لها كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – وأما الجنب فحديثه هو هذا وهو حديث ضعيف، وقد صح عن عطاء الخرساني رحمه الله التابعي الجليل المشهور أنه قال: رأيت رجالًا من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يجلسون في المسجد وهم جنب إذا توضئوا وضوء الصلاة فهؤلاء أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يفعلون ذلك، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى إلى الترخيص للجنب في أن يبقى في المسجد إذا توضأ، رخص للجنب أن يبقى في المسجد ويمكث فيه إذا توضأ وضوءه للصلاة نقل ذلك عنه إسحاق بن منصور في مسائله فلعل المصنف اعتمد على هذه الأحاديث وفيها كما رأيتم الضعف، وأما المجانين فليست المساجد فقط التي تصان عنهم بل يصان عنهم كل ما يخشى إتلافه لأن المجنون لا يضبط نفسه لزوال عقله والمساجد من ضمن ذلك، وذلك لأنه ربما فعل ما لايجوز له فعله فيه فربما يطرأ عليه البول أكرمكم الله فيبول في المسجد لأنه لا عقل له وهكذا.
****
النهي عن اللغط في المساجد
هكذا نهي عن "كَثْرَةُ اللَّغَطِ " لأن ذلك يكون سببا للتشويش على المصلين والتالين.
كثرة اللغط: يعني كثرة الكلام ورفع الصوت؛ لأن فيه تشويشا على المصلين والتالين القارئين للقرآن فنهي عنه لما يذهب من الخشوع عند المصلي ومن التفكر والتدبر في القرآن عند القارئ، ولا شك أن كثرة اللغط أعظم سبب في إذهاب ذلك فإنها تذهب الخير وتذهب العلم وتذهب الفكر وتنسي الإنسان، ومن أوضح الأدلة على ذلك حديث ليلة القدر ((إني خرجت وأنا أريد أن أخبركم عن ليلة القدر أي ليلة هي)) لما قال أُريتها ((فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون ذلك خيرًا)) الحديث.
فالشاهد أن كثرة اللغط والجدال والخصام والملاحاة هذه في المساجد لا تصلح لأن فيها تشويشا على المصلين وإذهابا لخشوعهم، وفيها تشويش أيضا على التالين وإذهاب لتفكيرهم وتدبرهم لكلام ربهم.
****
النهي عن البيع والشراء في المساجد
هذا لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِد)) رواه أحمد وأبو داود والترميذي وحسنه وابن خزيمة
كذاك لا تتخذ طريقا *** ولا لبيع وشراء سوقا
فالمساجد ليست أسواقًا فإنّما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن وأمّا السوق فإذا خرجت ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
****
النهي عن إنشاد الضوال في المساجد
أمّا إنشاد الضوال فالنبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة ((إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ))
وهذا نحن نعاني منه اليوم كثيرا في المساجد التي لها أسوار نجد أصحاب السواك يبيعونها داخل المسجد ونجد أصحاب الساعات يبيعونها في حوش المسجد ونجد أصحاب العطور يبيعونها في حوش المسجد، المسجد الذي له أسوار، وأنا كثيرا ما رأيت ذلك في منطقة مكة في جدّة خاصة يدخلون الى سور المسجد ويبيعون فيه ((فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)) لأنّ المساجد ليست أسواقًا
كذاك لا تتخذ طريقا *** ولا لبيع وشراء سوقا
((وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فقولوا " لَا رَدَّها اللَّهُ عَلَيْكَ)) هكذا أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
والنشد والمقتاد يتقيها *** كذا الحدود لا تقام فيها
كذا بها أسلحة لا تشهر *** ومن بها يرفع صوتًا يزجر
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك كله، فإنشاد الضوال فيها لا يجوز، يذهب إلى خارج الباب ويقف كلما نزل فوج من المسجد سألهم: هل وجدتم كذا؟ هل وجدتم كذا؟ أما أنه يدخل داخل المسجد فهذا يؤدي به إلى دعوة الناس عليه؛ امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن نقول له: ((لَا رَدَّها اللَّهُ عَلَيْك)) فيحصل بعكس ما أراد، يخرج بعكس ما أراد. أراد أن يعرف ضالته ويهتدي إليها، فدعي عليه بأن لا يهدى إليها، فهذا عكس ما أراد. فينطبق عليه:
رام نفعًا فضر من غير قصد *** ومن البر ما يكون عقوقًا
فربما دعي عليه وصادف وقت إجابة فلا ترجع عليه ضالته.
وينبغي أن يعلم الناس هذا، فإن الناس يجهلون كثيرًا من الأحكام، وخصوصًا في مثل هذه الأيام.
****
النهي عن إنشاد الشعر ورفع الصوت وسَلِّ السيوف في المساجد
قوله رحمه الله:"وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ" والمراد بالشعر شعرًا معينًا لا كل الشعر. وفيه حديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: ((نَهَى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عَنْ تَنَاشُدِ الأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِد)), وبوب على هذا ابن خزيمة في الصحيح قائلًا: "باب ذكر الخبر الدال على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما نهى عن تناشد بعض الأشعار في المساجد لا جميعها " هذه ترجمة ابن خزيمة على هذا الحديث وقد أباح لحسان أن يهجو المشركين في المسجد، ودعا له أن يؤيد بروح القدس ما دام مجيبًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
نعيد، حديث عبد الله بن عمرو، عند ابن خزيمة: ((نَهَى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عَنْ تَنَاشُدِ الأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِد)). وبوب عليه قائلًا "باب ذكر الخبر الدال على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما نهى عن تناشد بعض الأشعار في المساجد لا عن جميعها"
كيف استدل على هذا؟ إذ قد أباح لحسان أن يهجو المشركين، ودعا له أن يؤيد بروح القدس ما دام مجيبًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
ويدل عليه أيضًا ما ذكره المحشي عندكم، هذا هو الذي أشار إليه ابن خزيمة ((كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ يَهْجُو الكفار)) خرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.
فالشاهد أن هذا دال على نوع من الشعر، وقد تكلم عليه المصنف هنا بقوله: "وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ وَالْغَزَلِ" والغزل لا خير فيه؛ لأنه إنما يكون فيه الفجور أو الطريق إلى الفجور -نعوذ بالله من ذلك-؛ لأنه فيه تشبيه بالنساء، وذكر محاسن النساء، ووصف حالهن وخلقهن، وهذا كله ينافي حرمة المساجد.
فأما الدفاع عن دين الله، وعن رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعن دعوة الإسلام، وعن مبادئه العظيمة فلا بأس بذلك.
وعمر – رضي الله عنه – لما أنكر على حسان إنشاده الشعر في المسجد، قال: " قد أنشدته بين يدي من هو خير منك ". فدل ذلك على أن هذا إنما هو في نوع خاص.
" وَرَفْعُ الصَّوْتِ " كذلك " وَسَلُّ السُّيُوفِ " الأسلحة كذلك، كذا بها أسلحة لا تشهر , وفي هذا ما جاء من حديث جبير بن مطعم وذكره المُحَشِّي عندكم جزاه الله خيرا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا تسل السيوف)) حديث جبير بن مطعم بن عدي بن عبد شمس بن نوفل بن عبد مناف ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنه يروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيه ضعف.
****
حكم الارتفاق بالمسجد واتخاذه للصنعة
يعني جعل المسجد مرفقًا من المرافق العامة، إما أن يتخذه حانوتًا أو يتخذه مخبزًا أو يتخذه محل حدادة ونحو ذلك، هذه مرافق فلا يتخذه مرفقًا من المرافق العامة التي يفعل فيها ما يشاء كما لو جلس بحديقة أو في أرض براح فلا يتخذه مرفقا يعني لحاجته وصنعته وتجارته هذا المراد ويدل عليه السياق والارتفاق بالمسجد واتخاذه للصنعة يعني مرفق من المرافق الذي ينتفع بها وتقدم الكلام على التجارة في المساجد.
قال ابن بطة رحمه الله: "مكروه كله" لأنه هذه المساجد إنما بنيت وشيدت لذكر الله تبارك وتعالى والصلاة وقراءة القرآن وتعليم العلم النافع فهذه وظيفتها وهذه مهمتها أما أن تتخذ أسواقًا ومحلات تجارية هذا لا يجوز لما في ذلك من الإهانة لها والاستخفاف بحرمتها وتقدمت بعض الأحاديث معنا بالأمس في نوع من الأعمال والمهن التي نهى عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المسجد.
****
من السنة التسليم إذا خرجت من مسجد أو غيره
قال ابن بطة رحمه الله" مِنَ اَلسُّنَّةِ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ دَخَلْتَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ, وَتُسَلِّمَ إِذَا خَرَجْتَ"
أراد به التنبه على أن كثيرا من الناس يغفل عن التسليم عند الخروج؛ فالتسليم عند الدخول مشتهر بين الناس؛ إذا دخلت مجلسًا سواء كان في مسجد أو في غيره؛ فإنك تُسلم ونادر من لا يسلم؛ لكن المفارقة إذا قمت تغادر هذا المجلس فكثير من الناس يجهل السلام في الانصراف.
ويدل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وقد ذكره المُحشي عندكم قال ((إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ ، فَلْيُسَلِّمْ ،فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ ، فَلْيُسَلِّمْ ، فَلَيْسَ الْأَوَّلُ بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرِ)) يعني: التسليمة الأولى التي هي تسليمة الدخول ليست بأحق وألزم عليك من الآخرة الثانية.
الثانية مثلها فينبغي عليك أن تسلم إذا جئت منصرفا مغادرًا من هذا المجلس.
****
فتاوى متعلقة بالمساجد
سؤال – بسبب الفتنة الآن في ليبيا صاروا يقطعون الكهرباء، وتأتينا ساعات قليل من النهار، والجو هذه الأيام حار عندنا -كل الناس عندها هذه الأيام حارة هذا الآن التوقيت العالمي أنت في السادس من أغسطس وأغسطس هو التوقيت العالمي للحر في عموم العالم – فهل لنا أن نصلى في ساحة المسجد – يعني البهو، حوش المسحد بهو المسجد، ساحة المسجد – أو على الأقل التراويح دون الفريضة؛ لأن الصلاة داخل المسجد تشق على الناس بسبب الحر والرطوبة؟
ما المانع أن تصلي في فناء المسجد ، على هذا عمل الناس قديما قبل أن تأتي الكهرباء؛ إذا جاء الحر خرجوا إلى الباحات باحات المساجد هذه وساحاتها؛ وأفنيتها، وفرشوها وصلوا. نعم؛ ونحن أدركنا هذا في الصغر؛ بل كانوا من شدة الحر قبل أن تأتي هذه المكيفات يرشون البواري- الحصر- يرشونها بالماء فتبرد ونصلي عليها ، فالشاهد لا مانع من ذلك أبدا.
****
سؤال – يقول بعض المساجد عندهم مولدات كهربائية، والناس يشحنون جولاتهم منها؛ ويأخذون كذلك ماء الشرب؛ ومن الناس من يأخذ للشرب والغسيل لعدم وجود الكهرباء عندهم. فهل هذا جائز؟
هذا مُشَرَّك؛ يقول بعض المساجد عندها مولدات كهربائية والناس يشحنون جولاتهم منها؛ يعني هذه المولدات الكهربائية لإنارة المساجد، وإضاءتها وتبريدها،وتبريد مياهها لا يجوز لك أن تأخذ منها لجوالك؛ لأن هذا التبريد، وهذه الإضاءة وهذا الماء إنما هو وقف على المسجد للحاجة إليه؛ فهذه الإضاءة خاصة بالمساجد، وهذه الكهرباء خاصة بهذه المساجد فلا يجوز لك.
وأما أخذ ماء الشرب من البرادات الموقفة للشرب فإن كنت تريد أن تشرب جاز لك، أما إن كنت تريد أن توضأ به فلا يجوز؛ لأنه موقف ومسبل للشرب فقط؛ فأنت حينئذٍ آخذ له وصارف له فيما لا يجوز أن يُصرف فيه، فلو توضأ إنسان من ماء سبيل وقف للشرب، فالوضوء غير صحيح أعد الوضوء؛ فالشرب لا بأس أما الغسيل لأ.
****
وأيضا يقول: – ظاهر السؤال يسأل- هل يجوز أخذ الكهرباء بعد من هذا لأن ما عندهم كهرباء يستخدموها في الغسيل؟
يعني في الغسالات؛ هذا لا يجوز أيضًا ؛ فلا يحوز شحن الأجهزة الخاصة ولا استخدام السحب منه للسلوك الكهربائية التي يؤدى منها التيار إلى هذا البيت فتشتغل عليها الغسالات الكهربائية؛ لأن هذه الكهرباء وقف على هذا المسجد أو هذه المساجد.
****
وهذا يقول كيف يميز المرء بين المصلى والمسجد؟
المسجد وقف للناس مفتوح يأتونه ويصلون فيه الصلوات جميعًا وهذا يعرفه كل مسلم ولله الحمد، أما المصلى فكما قلت لكم في أثناء الكلام لو فتحوا في الطابق الأرضي من عمارة وباعها، جاء الثاني وقال أنا ما أبغي أفتحها للصلاة أنا أحتاج العمارة أنا عندي خمس أسر الدور الأرضي أسرة، والدور الثاني أسرة، والدور الثالث أسرة، والدور الرابع أسرة، والخامسة أسرة أبي تسكن في هذه العمارة ما تكفينا له الحق أن يقفل هذا المصلى لأنه ليس مسجدا نعم.
****
سؤال عن حكم الصدى في المساجد بحيث تتكرر معه آخر الآيات.
هذا قد تكلمنا فيه كثيرًا، هذا مما لا ينبغي للإخوان أن يفعلوه، خصوصًا الذي يذهب بحروف، أو يردِّد حروف، ويُخرج الكلمة عن وضعها الصحيح، هذا لا يجوز، يعني مثل ما تقول ﴿كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾؛ ررررة، هذا لا يجوز أبدًا، فعليهم أن يأتوا بالسماعة اللطيفة التي لا يخرج معها إلَّا الحرف كما يقرأه القارئ، أمَّا بررررة، هذا لا يصح.
****
سؤال :ما حكم الصلاة في المحراب؟
جائزة ولا شيء فيها ، مالك – رحمه الله – وبعض السلف الأولون كرهوا الصلاة في الطاق الذي هو المحراب الآن ولكن بعد ذلك العلماء كلهم على خلاف هذا واستقر العمل عليه.
والحمد لله تبارك وتعالى وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
****
(المصدر)
موقع ميراث الأنبياء
شرح الإبانة الصغرى لفضيلة الشيخ د. محمد بن هادي المدخلي حفظه الله

بارك الله فيك

جزاك الله خيرا

الجيريا

جزاك الله خيرا

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة NewCom الجيريا
بارك الله فيك

وفيك بارك الله

بارك الله فيك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة * أبو فراس * الجيريا
جزاك الله خيرا

آمين وإياك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقبل الله منكم
و أحسن اليكم و جزاكم خيرا وبارك فيكم
و أعانكم على ذكره وشكره وحسن عبادته
و رزقكم الهدى والتقى والعفاف والغنى
و الإخلاص في الأقوال والاعمال
و جعلكم مفاتيحا للخير مغاليقا للشر
وأدخلكم جنة الفردوس من غير حساب ولا عذاب

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رجل الفضاء الجيريا
الجيريا

جزاك الله خيرا

نورتينا ربي نورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.