إنتقل بعد ذلك إلى مدينة باتنة لمواصلة التعليم الإبتدائي ولما حصل على الشهادة الإبتدائية عاد إلى أهله , و قد قررّت عائلته الإستقرار في مدينة بسكرة , حيث زاول فيها العربي بن مهيدي دراسته , التي أكملها شطرا كبيرا منها في مدينة قسنطينة .
تحمسّ وهو في مدينة قسنطينة للإنضمام إلى الكشافة الإسلامية , و تأتى له ذلك في العام 1939 , و سرعان ما أصبح قائد فوج الفتيان في هذه الكشافة التي كانت تغرس في أطفال الجزائر مبادئ الوطنية و حب الجزائر و المبادئ الإسلامية واللغة العربية .
و يقول معاصرو الشهيد البطل العربي بن مهيدي أنّه كان مولعا بمشاهدة الأفلام الحربية التي تحكي سير مقاومين و ثوار ومتمردين على أسيادهم الإستعماريين و الإقطاعيين , و ذهب غعجابه بالثائر المكسيكي زاباتا إلى حد إطلاقه هذا الإسم على نفسه كإسم حركيّ قبل إندلاع الثورة الجزائرية , ومن أسمائه الحركية الأخرى الحكيم والبسكري نسبة إلى مدينة بسكرة …
و يضيف معاصروه أنّ العربي بن مهيدي كان يحب سماع الطرب الجزائري الأصيل , بالإضافة إلى حبّه للمسرح والفنون و الثقافات .
و مثل دور المفكر و الثائر الذي ينشر الفكر الوطني والقيم الوطنية كما ورد في مسرحية في سبيل التاج التي ترجمها إلى اللغة العربية المنفلوطي .
ومن خلال كل هذه الإهتمامات إستطاع العربي بن مهيدي أن يبني شخصية متكاملة تجمع بين الثورة و المقاومة , الفن والثقافة , والوعي والحكمة , و قد ساهم دخوله في الحركة الكشفية إلى إكتسابه لخبرة التنظيم وضرورته لإنجاح أي عمل ناجح ..و لم ينس العربي كرة القدم التي أدمن عليها , و تحول إلى مدافع بارع في فريق مدينة بسكرة . وقد كتب عنه أحد العارفين به في عدد 20 أغسطس 1957 من جريدة المجاهد التي كانت تتحدث باسم الثورة الجزائرية آنذاك يقول أنه "شاب مؤمن، بر وتقي، مخلص لدينه ولوطنه، بعيد كل البعد عن كل ما يشينه. كان من أقطاب الوطنية ويمتاز بصفات إنسانية قليلة الوجود في شباب العصر، فهو من المتدينين الذين لا يتأخرون عن أداء واجباتهم الدينية، لا يفكر في شيء أكثر مما يفكر في مصير بلاده الجزائر، له روح قوية في التنظيم وحسن المعاملة مع الخلق ترفعه إلى درجة الزعماء الممتازين. رجل دوخ وأرهق الاستعمار الفرنسي بنضاله وجهاده"
هذا بإيجار العربي بن مهيدي الذي كان يؤمن أن الإستعمار الفرنسي الغاشم لجأ ويلجأ إلى كل الأساليب العلمية و الثقافية و العسكرية و السياسية و الإجتماعية لإخضاع الشعب الجزائري لسيطرته البغيضة , و بالمقابل فإنّ المستعمر – بفتح الميم – عليه أن يستخدم كل الأساليب والإمكانات لتفكيك الإستعمار و القضاء عليه . تجربته السياسية الأولى بدأت مع حزب الشعب الجزائري الذي كان من أقوى الأحزاب في ذلك الوقت , و إعتقلته القوات الفرنسية عقب أحداث الثامن من ماي – أيار 1945 و في المعتقل لجأت القوات الفرنسية إلى تعذيبه وإستنطاقه , و خرج من المعتقل بعد ثلاثة أسابيع قضّاها في زنزانة خاصة بالتعذيب و إستنطاق الوطنيين الجزائريين .
يعتبر العربي بن مهيدي واحدي من أركان الثورة الجزائرية و المؤسسّين لها و الباعثين لها , إنضم إلى المنظمة الخاصة وفي ظرف وجير أصبح مسؤول الذراع العسكرية لهذه المنظمة في مدينة بسكرة . و في هذه المرحلة قويت علاقته بالمجاهد محمد بوضياف الذي كان مسؤولا عن الشرق الجزائري و أصبح العربي بن مهيدي نائبا له ..و إنتقلا سوية إلى الجزائر العاصمة . وبعد حل المنظمة الخاصة وتأسيس لجنة 22 التي أطلقت الثورة الجزائرية المباركة , كان العربي بن مهيدي واحدا من أهم اللبنات في هذه اللجنة التي دشنت إنطلاقة الثورة الجزائرية .
كانت القوات الفرنسية تعتبر العربي بن مهيدي أحمد الأعمدة الفقرية لهذه الثورة , و أبرز مهندسي هذه الثورة التي أرقّت الجيش الفرنسي الذي كان يعمل على فرنسة الجزائر إلى الأبد . و حملّته القيادات العسكرية الفرنسية مسؤولية إطلاق الثورة الجزائرية في الجزائر العاصمة و التي كان الإستعمار الفرنسي مطمئنا إلى أنها أصبحت واحة للمستعمرين والمحتلين …
كان الشهيد البطل يقول : ألقوا الثورة إلى الشارع يلتقطها الشعب , و بالفعل ألقيت الثورة إلى كل شوارع الجزائر فحمل لوائها كل الجزائريين , و كان النصر المؤزّر حليفا للجزائر والجزائريين .
إعتقلته القوات الفرنسية في سنة 1957 و عرضته لتعذيب لا يتحمّل وزره أحد , وظلّ رابط الجأش , صابرا محتسبا , صامتا وكاظما حتى لأوجاع وعذابه الجسدي الفظيع , و إنبهر القادة الفرنسيون لقوة تحملّه و صبره , و قال بعضهم : العربي بن مهيدي جبّار في ثورته , و جبّار في مواجهة التعذيب وسجانيه , و ظلّ يقاوم التعذيب و صرخاته الوحيدة كانت للّه وللجزائر , فقد كان يكررّ كلمة التوحيد أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله , كما ظل يرددّ : تحيا الجزائر حرةّ مستقلة …
وفارق الحياة في شهر آذار – مارس 1957 , إنتقل هو إلى الرفيق الأعلى فيما الثورة المقدسة التي خططّ لها مع المجاهدين إنتقلت إلى الشوارع والمدن و المداشر و الجبال و الصحاري و الوديان , و إلى كل جحر من جحور الجزائر , وإلى كل جبل من جبال الجزائر