يقول الدكتور الصلابي
كان السنوسيون منذ زمن المؤسس الأول للحركة الامام محمد بن علي السنوسي مهتمين بأمر الجهاد في الجزائر وواصل الملك ادريس جهوده المادية والمعنوية لدعم ثورة الجزائر التي اندلعت في 1/11/1954م وقد اثبتت الوثائق التاريخية جهوده العظيمة، وأعماله الجسيمة في هذا الباب، فقد ذكر السيد مصطفى احمد بن حليم في كتابه صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي في الباب التاسع تحت عنوان ثورة الجزائر ودور ليبيا الخطير في مساندتها مايقيم الحجة والبرهان على
صدق الملك ادريس لدعمه للثورة الجزائرية، فقد ذكر السيد
مصطفى بن حليم عندما كان بالقاهرة أن الرئيس جمال
عبدالناصر اتصل به ودعاه لاجتماع منفرد معه، وفاجأه
قائلاً: أنه يود أن يتحدث معه عن الثورة الجزائرية التي اندلعت وشرح جمال عبدالناصر لمطصفى بن حليم أنه اتفق مع الملك سعود والأمير فيصل على أن تقوم المملكة العربية السعودية بتقديم كافة الأموال اللازمة لشراء السلاح والعتاد والإمدادات اللازمة للثورة الجزائرية وأن يقوم رجال الجيش المصري والمخابرات بشراء ذلك السلاح والعتاد وإيصاله الى الحدود الليبية وهو يأمل أن يشرف رئيس الحكومة (السيد مصطفى بن حليم) بنفسه بنقل ذلك السلاح والعتاد عبر ليبيا الى الحدود الجزائرية حيث يستلمه منه ممثلوا الثورة الجزائرية ثم قال جمال عبدالناصر لمصطفى بن حليم أولعلك ستخشى الفرنسيين وتخاف بطشهم؟).
فرد عليه مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا سابقاً وقال له: (ياريس لعلك لا تعرف أن جد الملك
إدريس جاء الى ليبيا من الجزائر هارباً من الطغيان
الفرنسي وأمضى حياته في نشر الدعوة الاسلامية وإيقاظ
الأمة الاسلامية لتقاوم موجة الطغيان والتنصير الفرنسي، ووالد الملك ادريس ظل يقاوم تغلغل المد الفرنسي في تشاد والسودان والنيجر، حتى لقي وجه ربه والسيد احمد الشريف والملك ادريس أفنيا عمرهما في الجهاد ضد الطليان… ورد جمال عبدالناصر على هذه الاجابة المقنعة بقوله:
(ألاتستوعب الدعابة ؟ إنني أعرف كل هذا وأعرف أن
الليبيين أبطال جهاد ولكنني رغبة
أن أرى رد فعلك
لقد وافق الملك ادريس على تمرير السلاح عبر مصر عبر الاراضي الليبية
وقاو بتوجيه المسؤوليين باتخاد الاجراءات اللازمة وعدم تعيض استقلال البلد لاي هزة
وقام
مدير عام قوة دفاع برقة الفريق قام محمود بوقويطين باتخاذ إجراءات الرقابة التي ستصاحب قوافل السلاح عبر برقة، واتخذ رئيس الوزراء مجموعة خيرة من ضباط مدينة طرابلس يشرف عليهم المجاهد العقيد عبدالحميد بيّ درنه للإشراف على هذه المهمة الخطيرة وباشر الليبيون مع إخوانهم الجزائريين تنفيذ ما اتفقوا عليه وتسرب السلاح من ليبيا إلى الجزائر تدريجياً واستمر هذا الحال في سرّية وكفاءة تامتين لمدة سنة تقريباً وكان الملك رحمه الله يبارك تلك الأعمال الجبارة
لقد وقف الملك وحكومته وشعبه مع القضية الجزائرية ،
وكانت الحكومة الليبية شديدة الحرص
على الادعاء بأنها تقف موقفاً محايداً تماماً، فبينما
تعطف على آمال الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال إلا أنها لا تساعد على أعمال العنف! ولذلك فهي تدعو فرنسا وثوار الجزائر الى الجلوس
الى طاولة المفاوضات للوصول الى حل سلمي! كان كل هذا
ستار دبلوماسي لأن مساعدات ليبيا للجزائر زادت
نوعاً ومقداراً بل سمح للمؤسسات الشعبية في أنحاء
ليبيا بتكوين جمعيات شعبية لنصرة الشعب الجزائري وجمع التبرعات، وإرسال برقيات التأييد للثورة الجزائرية، وبرقيات الشجب للحكومة الفرنسية، وكانت الحكومة الليبية برئاسة بن حليم تدعي أن لا دخل لها بالأعمال
الشعبية العفوية، وأن خير سبيل أمام فرنسا هو الاستجابة
لنصائحها باتباع الطرق السلمية مع الثورة الجزائرية
وإيقاف القمع والقتل والتشريد التي تقوم بها القوات
الفرنسية في الجزائر
وقام الملك إدريس بطلب رسمي من الجنرال ديجول الذي أصبح رئيساً
للجمهورية بأن يطلق سراح أحمد بن بلاّ ورفاقه من السجن أو على الأقل أن يخفف وطأة السجن إلى اقامة جبرية أو شيء من هذا القبيل وأجاب الجنرال ديجول على طلب الملك إدريس بواسطة سفير ليبيا بفرنسا مصطفى بن حليم الذي حمله ديجول رسالة إلى الملك إدريس بأن مسعاه لن يذهب سدى، وبعد أيام نُقل أحمد بن بلاّ ورفاقه إلى فيلا في ضاحية (شانتييي) بجوار باريس
وفي يناير عام 1961م،
زار ليبيا الكونت دوباري، موفداً من طرف الجنرال ديغول رئيس
الجمهورية آنذاك، واستقبله محمد عثمان الصيد بصفته رئيساً للحكومة في طرابلس وكان الكونت دوباري يحمل رسالة خطية من ديغول للملك إدريس السنوسي، وأبلغ المبعوث الفرنسي السيد محمد الصيد رئيس الوزراء أن الجنرال ديجول يريد إبلاغ الملك إدريس عبر هذه الرسالة، أن فرنسا ستعمل قريباً على إيجاد حل لقضية الجزائر يضمن مصلحة الجزائريين ويلبي المطامح العربية، لكنه يرجو من القادة العرب خاصة أولئك الذين تعرف عليهم إبان الحرب العالمية الثانية، ومنهم الملك إدريس تفهم ظروف فرنسا الداخلية، ومساعدته حتى يمكن اخراج هذا الحل إلى حيز الوجود، وبالفعل لم تمضي أربعة أشهر حتى بدأت مفاوضات الاستقلال بين فرنسا والجزائر في 20 مايو 1961م في ايفيان.
عقب إطلاق سراح أحمد
بن بله ورفاقه الأربعة، وكان يطلق عليهم (الزعماء الخمسة) من السجون
الفرنسية، قام هؤلاء الزعماء بزيارة إلى ليبيا واحتفى بهم الليبيون حكومة وشعباً احتفاءً كبيراً، واستقبلهم الملك إدريس السنوسي، وحثهم على التضامن ونكران الذات وذكرهم بالحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول
رجعنا من الجهاد
الأصغر إلى الجهاد الأكبر) وطلب منهم الإهتداء بهذا الحديث ودعاهم
إلى نبذ جميع أشكال الخلاف والشقاق والأنانية التي تضر إن وجدت بالجزائر واستقلالها
إن المملكة الليبية بحكومتها وشعبها ساعدت ثوار الجزائر في معركتهم المقدسة ضد فرنسا
وقاموا بمد الثورة بالسلاح والذخائر والمساعدات
ان جميع الساسة والقادة العسكريين زمن المملكة الليبية والذين كانت لهم علاقة مباشرة بمد الثورة في
الجزائر يشهدون أن الملك رحمه الله كان مسانداً لحركة
الثورة، وحريصاً على نجاحها، ولم يقصر معها لامادياً،
ولامعنوياً
يقول الكاتب سعيدالجطلاوي
لقد تحدث الكثيرون عن سيرة الملك إدريس ويجدر أن نشير إلى بعض اللذين
عاصروه ،وأتصلوا به شخصيا واطلعوا عن قرب على الكثير من اخلاقه الرفيعة،
ففي مقال نشر في صحيفة الشرق الاوسط في عددها بتاريخ 32 يوليو 1983م نعى
السيد مصطفى بن حليم – رئيس وزراء ليبي سابق- الملك إدريس السنوسي ( رحمه
الله) وتحدث عن جهاد ليبيا تحت قيادته،وكان ضمن ماقاله عن شخصيته :: لقد
عرفت الملك إدريس ( رحمه الله) معرفة واسعة وحميمه على مدى نصف قرن تقريبا
عرفته منذ ان كنت صبيا وعملت معه وزيرا ثم رئيسا للوزراء ثم مستشارا له ،
كما عرفته وأنا مواطن عادي، وكما عرفته وهو لاجئ في مصر وكنت دائما اتردد
عليه في ملجئه بالقاهرة وفي طول نصف قرن عرفت فيه المجاهد المسلم الزاهد
المتواضع لم يعر مباهج الحياة الدنيا أي اهتمام ،وكان الملك المؤمن الورع
والآب العطوف والقائد الحكيم المتواضع،كما كان يحن دائما للهجرة إلى مكة
والمدينة ليجاور من في الأراضي المقدسة.
مرة واحدة رأيته يتلوى ألما ويبكي دما ويهدر هديرا وهو الهادئ الصبور كان
ذلك يوم سقوط القدس الشريف في أيدي الصهاينه، كان يخشى الله في السر والعلن
وفي سنة 1955م عندما أنشأت الجامعة الليبية تبرع بقصر المنار في بنغازي
ليكون لها مقرا، وكذلك فعل سنة 1956م عندما تنازل عن قصر الغدير كمقر
للكلية العسكرية وكان دائم التردد على الأراضي المقدسة للحج والعمرة.
ويقول الدكتور مجيد خدوري عن دوره في إنشاء الدولة الليبية وتحقيق الوحدة
الوطنية : إن الدور الذي قام به الملك إدريس في إنشاء الدولة الليبية بالغ
الأهمية إذ أنه لم يكتف بأن أقدم على العمل بجرأة لتخليص برقة من ايطاليا
في الحرب العالمية الثانية فحسب بل استعمل نفوذه الشخصي وحنكته السياسيه
لإقناع أصحاب النفوذ من الزعماء الطرابلسيين بوجوب الألتفاف حول النظام
الأتحادي الذي لولاه ماكانت لتتم وحدة ليبيا قط ولما كان حفيدا وخليفة
للسيد محمد بن علي السنوسي – مؤسس الحركه السنوسيه-فضلا عن ذلك فقد كسب
ايضا ثقة زعماء القبائل البرقاويه واحاط نفسه بنفر من الرجال المقتدرين
الذين تفانوا في تأييده كان بعض هؤلاء الزعماء قد تبعوه إلى المنفى
والآخرون ظلوا في البلاد لمقاومة الطليان مثل عمر المختار..وأما المؤرخ –
دي كاندول- صاحب كتاب [ الملك إدريس عاهل ليبيا] فقد قال : على الرغم من
محاولات تشويه صورة الملك إدريس في أذهان الناس ،وتهويل بعض نقاط الضعف
التي لاينفرد بها عن بقية البشر ، إلا أن الحقبة الطويلة التي قضاها في
خدمة بلاده وامته قد ترسخت في اعماق التاريخ بما يكفي للصمود امام كل
المساعي الخبيثه.
كان الملك :محمد إدريس السنوسي- ملك ليبيا-(رحمه الله تعالى)يرى أن الحياة
السعيدة لاتقوم الا علي الدين والعلم والاخلاق ومن أقواله:{ إن سنن الإسلام
السياسيه تعتمد علي دعائم متينة محكمة، فلو حفظت هذه السنن وسيست بها
الحكومة الإسلاميه لما أصاب دولة الإسلام ما أصابها، لاريب أن ضعف المسلمين
يرجع إلى إهمال هذا النظام وتركه، وإذا ما أراد المسلمون أن ينالوا مجدهم
فليرجعوا إلى قواعد حكومتهم الأولى، ولايظنوا أن ذلك رجوعا إلى الوراء، بل
علي العكس فهو التقدم التكامل}.
وقال أيضا: {إن بعث الروح الإسلامية أمر يحدث قوة لايستهان بها، ولاسبيل
إلى بعث هذه الروح إلا إذا فرقنا بين المد نيتين الحقيقية والصناعية،
وأخذنا الأولة باليمين والأخرى بالشمال، وفتحنا باب الأجتهاد ورجعنا إلى
قواعد السياسه الإسلامية}.
وقال: {فمن تخلق منا بغير الأخلاق الاسلاميه نجده فاسد التربية منحطا في
مستواه الأخلاقي، معطل الاستعداد الفكري الحر، مشوش العقل والاعتقاد، مقلدا
تقليدا أعمى}.
لقد كان الملك: إدريس ( رحمه اللهتعالى) نصيرا للدين والعلم والأخلاق،
ولذلك قام بتوجيه شعبه منذ تحرير ليبيا من الاستعمار الإيطالي إلى التعليم
والإكثار من المدارس، والاهتمام بالاطفال، ولما تولى أمر المملكة الليبية
وجه المسئولين إلى وجوب العناية بالتعليم وتعميمه، وأهتم بوزارة المعارف
ليكون نواة للجامعة الليبية.
وفي نوفمبر عام 1954م أصدر الملك إدريس توجيهاته إلى حكام الولايات الثلاث [
برقة- طرابلس- فزان]لأتخاذ السبل الكفيلة بضرورة تدريس العلوم الدينية على
الطلبة في جميع المدارس كمادة أولية مفروضة، وفرض الصلاة في أوقاتها الخمس
على طلاب المدارس من بنين وبنات في كافة أنحاء المملكة لإعداد هذا الجيل
إعدادا إسلاميا رشيدا.
وأهتم بتطوير معهد السيد/ محمد بن علي السنوسي حتى أصبح جامعة متميزة من
حيث التعليم والنظام والاستعداد، وكان يحث شعبه علي المحافظة على الصلوات
في أوقاتها، ويحذرهم من المعاصي والذنوب، وقام بتوجيه رئيس الوزراء ورئيس
الديوان الملكي، والولاة الليبيين وحملهم مسئولية شرب الخمر ، وحملهم
المسئولية أمام الله ثم أمام الملك، وكانت حيثيات هذا التوجه مدعمة
بالأحاديث النبوية الشريفة، وكان الإنذار الذي يحمله هذا التوجيه شديدا.
وكان يرى أن أركان النصر للشعوب في ثلاثة ركائز: بالتمسك بالدين الكامل
والخلق الفاضل والاتحاد الشامل ولذلك قال:{ أنصح العرب الأشقاء بالتمسك
بالدين الكامل والخلق الفاضل والاتحاد الشامل، فلن يغلب شعب يحرص على هذه
الأركان}.
وقال: { الاتحاد العربي ضرورة والعصبية العربية مشروعة ومعقولة شريطة أن
لاتتعارض مع الأخوة الإسلامية وأنلاتعتدي على حقوق اللآخرين } .
إن الأهتمام بالدين والعلم والأخلاق عند الملك إدريس( رحمه الله تعالى)
نابع من عقيدة الإسلام، ومن فهمه لكتاب الله وسنة رسوله[ صلى الله عليه
وسلم] ويرى أن الحضارة الصحيحة هي التي تقوم على الدين والعلم والأخلاق،
وبهذه المقومات قامت الحركة السنوسية، فعندما سأله كاتب دانماركي أجرى معه
مقابلة صحفية أثناء وجوده بالمنفى عن موقفه تجاه الاحتلال الايطالي لليبيا
آنذاك فجاءه رده مؤكدا لنظرته للحياة الروحية باعتبارها أهم من الوجود
المادي، إذ قال في معرض حديثه: { إن الحضارة التي يريد الايطاليون إدخالها
إلي بلادنا تجعل منا عبيدا للظروف، ولذا وجب علينا أن نحاربهم فهي تبالغ في
اضفاء الأهمية على قشرة الحياة الخارجية كالتقدم التقني والآلي مثلا
وتعتبر مظاهر الأبهة والسلطان معيارا للحكم علي قيمة الفرد أو الأمة حين
تستهين بالنمو الداخلي للإنسان، وأستطيع أن أقول لك شيئا واحدا، وهو أنه
حيث تسود الدعوة السنوسية يستتب الإسلام والرضا من كل جانب
إن الملك إدريس رمزا لعهد مضى ولن يعود ، لكنه عهد زاخر يجدر بالليبيين
جميعا والمسلمين عموما أن يعتزوا به
رجل شديد الورع والتقوى كرس حياته لحرية شعبه وكان في سلوكه الخاص مثلا
للأعتدال والاستقامة الكاملة،
أخبرني الثقة: أن الملك إدريس كان يقوم بنفسه حين يراد تمرير السلاح للجزائر،ولا يسند هذا الأمر لغيره في غير ما مرة؛إلا الضرورة،وكان يعطي من حر ماله معونات للثورة والثوار فضلا عن المساعدات من خزينة الدلوة ومان يجود به أحباب الجزائر ومناصري ثورتها.
رحمة الله على الملك إدريس وعلى أبيه وعمه وجده والعائلة السنوسية الكريمة.