السؤال الاول : هل الابداع يرده اغراء العوامل النفسية و الاجتماعية
السؤال الثاني : الديمقراطية تعبير عن ارادة الشعب . دافع عن هذه الاطروحة
****************************
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
هل الإبداع يرجع للعوامل الاجتماعية أم النفسية ؟
مقدمة:إذا كان الإبداع سلوكا إنسانيا، و إذا كان سلوك الإنسان عبارة عن ردود أفعال لما يحيط به، هل هذا يعني أن عملية الاختراع و الإبداع ترجع الى الظروف الاجتماعية ؟ لكن إذا كان أفراد المجتمع الواحد يعيشون نفس الظروف، وإذا كان الذين يبدعون فئة قليلة فقط، هل هذا يعني أن الإبداع يرجع الى الصفات النفسية التى يمتاز بها المبدع دون غيره من الناس ؟ و المشكل المطروح هل الإبداع يرجع للعوامل الاجتماعية أم النفسية ؟
التحليل:يرى علماء الاجتماع و على رأسهم دوركايم (1858/1917) أن الإبداع سواء أكان في المجال الفني أم العلمي أم الفلسفي أم التقني، يرجع للظروف الاجتماعية التى يعيشها المبدع، وأن الفاعلية الإبداعية بذلك لا تتبدى إلا في إطار اجتماعي. وليس غريبا في ذلك ما دام الفرد في نظر هذه المدرسة عجينة في يد المجتمع، الذي يوفر له قاعدة الانطلاقة في عمله الإبداعي، يقول بيكار في أطروحته بحث في الشروط الايجابية للاختراع:" لا يمكن أن يحدث الاختراع إلا إذا سمحت به حالة العلم." و يقول أيضا " الاختراع ينشأ و ينمو بصفة جبرية تقريبا إذا كانت حالة العلم تسمح بذلك." و قد جعل بيكار من هذين الشرطين قانونين للإبداع و الاختراع. إن الإنسان عنده لا يبدع من العدم، وإنما يبدع انطلاقا من البنيات المعطاة عند المنطلق، و التى تمثل الإطار الثقافي، والتربة الخصبة التى تنبت فيها الأفكار الجديدة.
والدليل، تاريخ العلوم و التقنيات الذي يبين لنا كيف أن بعض الاختراعات تأخرت عن الظهور، وإن كانت مهيأة لذلك منذ مدة طويلة."حتى أننا نلاحظ تشابها بين الاختراعات التى تعود الى نفس العصر، بالرغم من التباعد المكاني لمخترعيها. فليينز مثلا أبدع حساب اللامتناهيات في النفس الوقت الذي أبدعها نيوتن بالرغم من أن نيوتن كان في انجلترا و ليبنز في ألمانيا ، ولم يطلع أحدهما على بحوث الآخر . لذلك بالنسبة الى الهندسة اللاإقليدية اأساتذة.
وضعها الى لريمان و لوبا شغسكي، لم يبدع هؤلاء نفس المعارف، لأن إلهاما واحدا نزل عليهم، وإنما أبدعوا لأن حالة العمل بلغت درجة معينة تحتم التساؤل و التغيير، ويقول لوروا " ليس هناك أجيال تلقائيون ن ليس هناك عبقري بدون سابق أو بدون تعلم أو مدرسة خاصة." فالمخترعون الممتازون تتلمذوا على يد أساتذة . يقول لورونوار " الرسام يتعلم الرسم من المتاحف".
كما أن الاختراعات التكنولوجية و الاكتشافات العلمية ليست إنتاج مخترع واحد مهما كانت عبقريته، وإنما إنتاج عمل مستمر للعديد من العلماء إشتغلوا في فترات متعاقبة من الزمان و أمكنة مختلفة. أكد أوبسون أن آلة النسيج هي تركيب حوالي 800 اختراع و في عصرنا ومع تطور و سائل الاتصال، أصبح البحث العلمي عملا جماعيا يتعاون فيه علماء كثيرون من بلدان مختلفة، وأخيرا إن المبدع كفرد اجتماعي يتأثر بحاجات مجتمعه و مشاكله، فينكب عليها محاولا إيجاد الحلول المناسبة لها. فكل إبداع يشهد على روح العصر و حاجاته. الأفكار الخصبة عند باستور في غالب الأحيان هي بنات الحاجة.
غير أن القول بأن الوسط الاجتماعية هو الشرط الكافي للإبداع نفي للإبداع ذاته، لأنه يجعل من للإبداع نتيجة حتمية لظروف اجتماعية تغيب فيه كل أصالة أو مبادرة فردية، وهذا إنكار و إجحاف لقدرة المبدع و طاقته. كما أن العقل و المنطق لا يقبلان مثل هذا التحليل، و إلا أبدع كل أفراد المجتمع الذي تكون ظروفه مهيأة لذلك.
يرى روني بواريل أن الدليل على أن الإبداع لا يرجع للظروف الاجتماعية، أن " الجماعة غالبا ما تعارض شجاعة المخترع بروح مستقرة جامدة، ففي ميدان الفن مثلا ما أكثر الأعمال التى لم تقدر حق تقديرها لاصطدامها بالذوق الاجتماعي في عهدها ". و يرى جاني أن إصرار المبدعين و المخترعين برنارد، على متابعة أعمالهم، على رغم من معارضة الجماعة لهم، لدليل على أن الإبداع يرجع الى الحالة النفسية التى يعيشها المخترع، وشعوره بالرغبة الملحة في التحرر من الماضي، وسجنه الروتيني.إن ولع العالم و حبه للمعرفة كما يرى كلود برنارد، يمدانه بانفعالات خلاقة، تجعله يندفع الى البحث بشغف كبير. لقد أكد ريبو على أن التخيل المبدع يتضمن عناصر وجدانية، تصاحب المبدع في كل أعماله، فتكون على شكل فرح و حماس أحيانا، أو قلق و حزن أحيانا أخرى، تجعل فكرته تستولي عليه، فيبدوا شارد الذهن، غافلا عن كل ما يدور حوله و كأنه أصيب بوسواس، لا يتحرر منه إلا حين تتجلى الحقيقة يقول دوما (1800/1884) عن أمبير (1775/1836) " لا يمكننا أن نتصور مدى تركيز ذهنه في مثل هذه الحالات" إن هذه القدرة الكبيرة على الانتباه يكسبها المخترع من الاهتمام الذي يستمده من حياته العاطفية، فالمخترع إنسان حساس جدا.
لا يرجع الاختراع الى الحيات الانفعالية فحسب، وإنما أيضا الى الحياة العقلية. فقوة الملاحظة التى يمتاز بها تأبى ان تتركهم يمرون أمام الظواهر مرور الكرام، كما يمر غيرهم من الناس، وإنما يتوقفون عند الظواهر الغريبة محاولين تفسيرها. كما ان لخصوبة الخيال و قوة الذاكرة و صحة الأحكام دورا كبيرا في عملية الإبداع و الاختراع. إن الصور التى تمر بمخيلة المخترع يعرضها لعقله الذي يحاول أن يميز بين ما هو غير قابل للتحقيق فيتركه، وما هو قابل التحقيق فيبقيه، ثم تتدخل الإرادة القوية، التى تجعل الفكرة تتحقق، بالرغم من العراقيل و الصعوبات.
غير أن إرجاع الإبداع و الاختراع الى الظروف النفسية مع قلته اليوم عند القوة المتخلفة، (وربما حتى انعدامه) وانتشاره عند الدول المتقدمة، يؤدي الى نشر فكرة العنصرية، التى ترى أن وجود الاختراع عند الشعوب الغربية دليل على تميزهم العرقي. فقسموا العالم الى قسمين: عالم متحضر يحمل الشروط النفسية لبناء الحضارة، وعالم متوحش تنعدم فيه هذه الشروط و الواقع يكذب هذا، فكم من مثقف من الدول المتخلفة هاجر الى الدول المتقدمة فاخترع و تفوق في أعماله الإبداعية الم يهاجر بحثا عن الشروط الاجتماعية الملائمة للإبداع و الاختراع ؟
لا يمكن إنكار دور العوامل الاجتماعية الى عملية الإبداع و الاختراع، فالرسام الفرنسي بول غوغان لم تتفتح عبقريته في الرسم إلا عندما بلغ سن 35 ن وعاش بين الرسامين. خاصة و نحن في زمان حيث تلعب التكنولوجيا و المعلوماتية الدور الأكبر في حياة الإنسان.
والشعوب التى تفتقر الى هذه التكنولوجيا لن تتمكن من تحقيق أحلامها، غير ان هذا لا يعني أن الاختراع يرجع الى العوامل الاجتماعية وحدها، لأننا لن ننسى عامل الوراثة، فبعض الناس يولدون وهم يحملون قدرات عقلية عالية، و مواهب فذة تمكنهم من تحقيق إبداعات فائقة. لكن هذه القدرات الوراثية يجب ان تسندها دوافع نفسية، كالانفعال الشديد عند برغسون، الذي يؤدي الى إخراج الطاقة الإبداعية لدى الأشخاص. إن المهتمين بعالم الطفل اليوم يحاولون اكتشاف مواهب برعمية في شتى الميادين، للاهتمام بها و توفير لها الشروط النفسية و الاجتماعية اللازمة للنمو و الانطلاقة.
لقد انتقد غاستون بوتول فكرة الضمير الجمعي التى نادى بها دوركايم و من حذوا حذوه قائلا:" لا تفكير بدون ذات مفكرة، و لا اختراع بدون مخترع، فعوامل الاختراع يجب ان توجد كاملة في وظائف الفرد النفسانية التى من جهتها لا يمكن تصورها طبعا بدون الحياة الاجتماعية التى تعمل على التعبير عنها ". فكل طاقة تحتاج الى ظروف اجتماعية و مادية تحتويها، لتدفع بها الى عالم التحقيق. إن الشروط الاجتماعية مركبة تجلس فوقها الشروط النفسية لتسافر بعيدا في عالم الإبداع، و إلا بقيت مكانها عاجزة عن بلوغ هدفها. وإن كان البعض القليل منها يسافر مشيا على الأقدام.
الخاتمة:و منه نستنتج أن العوامل الاجتماعية ليست الشرط الوحيد في عملية الإدراك، و إنما الإبداع يرجع للعوامل النفسية التى تمكنها العوامل الاجتماعية من التعبير عن نفسها، فالإبداع هو تفاعل العامل النفسي مع العامل الاجتماعي.