وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة *** جاءت على يده البصائر حولا
من لي بأمير الشعراء ينفض عنه تراب دمنته، ويخرج إلى واقع أمته، ليرى مبلغ استفادتهم من قصيدته الخالدة في المعلم والتعليم، أما أنّه لو فعل – ولن يفعل- ورأى ما يفعله المحسوبون على العلم والمحسوبة عليهم تربية الأجيال وتلقين العلم، لكرّ راجعا إلى مرقده وأغمض عينيه وصمّ أذنيه، حتى لا يرى ولا يسمع، ما فعل هؤلاء بالعلم وبالأجيال وأنشد قول الحكيم القديم:
ضجعة الموت رقدة يستريح*** الجسم فيها والعيش مثل السهاد.
اِستوقف أسماعي صدفة، كلام تلميذتين بريئتين تدرسان في السنة الثانية من الطور الإبتدائي عن معلمتهما، ومعاناتها مع طفلها الرضيع، وعدم إيجادها من تتولى أمره في فترة شغلها، اِزداد فضولي لفهم القصة أكثر ورحت أستدرج إحداهن في الموضوع، فجاء سردها العفوي شهادة بيضاء، كشفت عن طبيعة الكلام الذي تتبادله هذه الأخيرة وزميلات المهنة داخل القسم وعلى مسمع تلاميذها.
كانت لفتتة دسمة سعّرت شهية النقد، وأذكت غلائل الردّ في نفسي، لأن مثل هذه السلوكات ليست بالهيّنة المعزولة، بل باتت النمط الغالب على مؤسساتنا التعليمية، بعد تعدّدِ الشهادات المماثلة، أبرزها ما تناقلته الصحف والمواقع الإلكترونية، عن معلّمة ألحقت قسمها بمنزلها، وجعلت منه ورشة لمشروع استكمال "العولة" السنوية من مادة "الشخشوخة"، التي كانت تتعاون مع زميلاتها في تفتيتها داخل قسمها، وعلى مرأى تلاميذها أيضا.
إنّ التعليم أمانة ومسؤولية مرهونة بمسؤولية الرسل والأنبياء لثقلها وعظمة فحواها، عمادها حسن أخلاق مؤديها، وسمو همته، وصحوة ضميره، وللإمام النووي رحمه الله وصلة طيبة المدلول في واجب المعلم اتجاه تلميذه إذ يقول : "على المعلم أن يحنو على تلميذه ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسه، وولده ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه والإهتمام بمصالحه.. ويستحب للمعلم أن يكون حريصا على تعليمه مؤثرا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية وأن يفرغ قلبه في حال جلوسه لإقرائه من الأسباب الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة… " فأين خائنات الأمانة في النماذج المذكورة أعلاه من هذه الآداب؟
وقد تعمدت تخصيص المعلّمات بالنقد، ليس لأن المعلمين براء من هكذا سقطات، إنّما تذكيرا بضرورة الإخلاص لتاريخ المرأة النضالي والإستشهادي الطويل، الذي افتكت بفضله النساء حقوقهن في التعلّم والتعليم، فكل منصف لا يمكن أن يتجاهل أنين شهيدة العلم هيباثيا ابنة ثيونوس، وصرخات جين أوستن، ونضال كل من جورج ساند ونايتينجل، ونظيراتهن العربيات على غرار ملك حفني ناصيف، وصفية زغلول، والكثيرات مما لا يسع المقام لذكرهن، فهؤلاء هنّ من بدّدن غيوم الجهل عن المجتمعات، ورافعن من أجل حقوق النساء في طلب العلم ومنحه، ليتسنى للمرأة بعدها إثبات كفاءتها وبراعتها في هذه المهنة، بل وأكّدت أفضليتها أمام الرجل بسبب قربها من الأطفال، وخبرتها في التعامل معهم ومرونتها العاطفية، لذلك كان حريا بكل من تحمل على عاتقها مسؤولية التعليم، الحفاظ على هذه الأمانة، بالتمسك بمبادئ
المهنة الجليلة، وتحريرها من طغيان المطمع المادي. ..منقول عن اماني اريس ..
بارك الله فيك
بارك الله فيك اختي
اللهم ارزقنا الاخلاص في العمل
ليت المعلمات من هذا الصنف يتعظن فهكذا تصرفات ستعود عليهن بالخسران حتما