النُّصيرية الحقيقة والواقع
إنَّ كلَّ من أجال النَّظر ودقَّقه في أحوال أمَّة الإسلام ومنذ تاريخها القديم يدرك أنَّ من أخبث أهل الأرض عداء لها ومكرًا بها دعاة الباطنيَّة ، أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي ، الَّذي نفث سمومه وبثَّ مؤامراته ومرَّر عقائد الخبيثة بين المسلمين ، بدءًا بادَّعائه الولاء لعلى بن أبي طالب ، وانتهاء باعتقاد حلول الله فيه ، ومهدَّ لأتباعه طريقًا خبيثًا سار عليه دعاة الباطنيَّة من بعده من القرامطة والإسماعيليَّة والرَّافضة والبهائيَّة والدّروز والنُّصيرية وغيرهم .
ولـمَّا كانت الغالبيَّة من أهل الإسلام غافلة عن كيد هذه الطَّوائف الضَّالَّة ، جاهلة بحقيقة مذهبهم وأصل عقائدهم ، رأينا من الواجب تسليط الضَّوء على إحدى هذه الفرق المنحرفة عن دين الإسلام ، ونقل صورة واضحة وأمينة للعقائد الباطنيَّة الَّتي تؤمن بها وتخفي أكثرها عن المخالفين لمبادئها وأفكارها وهي الطائفة النُّصيرية ،
وقد قال شيخ الإسلام فيها كما في الفتاوى الكبرى (3/511) : " ويجب على كلِّ مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب ، فلا يحلُّ لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم … "
* التعريف بالنُّصيرية والأسماء الَّتي أطلقت عليها :
النُّصيرية حركة باطنيَّة ، وطائفة من غلاة الشِّيعة ، تنسب إلى رجل يدعى محمَّد بن نصير النُّميري ، يكنَّى أبا شعيب ، أصله من فارس ، وكان من الشِّيعة الاثنى عشريَّة ، عاش في القرن الثَّالث الهجري ، وتوفي حوال عام 270 هـ
واسم "النُّصيرية" هو الاسم الَّذي غلب على هذه الفرقة الضَّالَّة المارقة عن الاسلام ، وهم لا يحبُّون هذه التَّسمية ويتضايقون منها لأسباب يزعمونها ، منها :
أنَّه أطلق عليهم بدافع من العدواة والعصبيَّة وذريعة لاضطهادهم وزعموا أيضًا أنَّ الأتراك هم الَّذين أطلقوا عليهم اسم النُّصيرية نسبة إلى الجبال الَّتي يسكنونها نكاية بهم واحتقارًا لهم .
لكن الأقرب إلى الصَّواب أنَّ هذه التَّسمية إنَّما أخذت من اسم مؤِّسس طائفتهم أبي شعيب محمَّد بن نصير البصري النُّميري كما تقدَّم (2)
ومن أسمائهم المفضَّلة عندهم " العلويون " أطلق عليهم هذا الاسم الاستعمار الفرنسي تمويهًا وتغطية لحقيقتهم الرَّافضة والباطنيَّة الخبيثة (3)
، وقد ذكر أحد مـمَّن كتب عنهم ويدعى عبد الحسين العسكرى معبِّرًا عن ارتياحه لهذه التَّسمية : " وقد ارتاحوا لها ، لأنَّها في الأقلِّ تخلصهم مـمَّا علق تاريخيًا باسم النُّصيرية من ذم وتشنيع وتكفير ، كما أنَّها تفتح لها أفاقًا أرحب للتَّقارب مع الشِّيعة " إلى أن يقول : "ولا شكَّ في أن الانتساب إلى الإمام على أيِّ نحو كان أفضل من الانتساب إلى ابن نصير " (4)
وللنُّصيريِّين أسماء أخرى يعرفون بها كالنُّميرية نسبة إلى محمَّد بن نصير النُّميري ، واسم " سورة ك " ومعناها عند الأتراك المنفيُّون أو المساقون ، كما لهم أسماء محليَّة يعرفون بها في أماكن سكناهم مثل " التَّختجيَّة " و " الحطَّابون " في غربي الأناضول و " العلي إلهية " في فارس وتركستان وكردستان (5)
* فرق النُّصيَّرية وأماكن تواجدهم :
تفرُّق النُّصيريُّون إلى فرق وطوائف كثيرة ، من أهمِّها أبرزها :
الـجَرَّانة : نسبة إلى قريتهم جرانة ، ثمَّ سموا بالكلازية نسبة إلى أحد زعمائهم يدعى محمَّد يونس كلازر ، ويقال لهم القمريَّة لاعتقادهم أنَّ عليًّا حلَّ في القمر .
الغَيبيَّة : سموا بذلك لأنَّهم رضوا بما قدر لهم في الغيب فتركوا التَّوسُّل كما في زعمهم ، وقيل : لأنَّهم قالوا : إنَّ الله تجلَّى في عليٍّ ثمَّ غاب عن البشر واختفى ، والزَّمان الحالي هو زمان الغيبة ، ويقرِّرون أنَّ الغائب هو الله الَّذي عليٌّ ، ثمَّ سميَّت بعد ذلك بالحيدرية نسبةً لزعمهم على حيدر .
الـماخُوسة : نسبة إلى زعيمهم على الـماخوس المشتق عن الكلازية .
النَّيَاصِفَة : نسبة إلى بلدة نيصاف بلبنان .
الظَّهورانية : نسبة إلى زعميهم إبراهيم العبيدي .
البَنَّاوية : نسبة إلى سلمان المرشد ، وابنه مجيب من بعده ، وكان راعى بقر ، احتضنه الفرنسيُّون وأعانوه على ادِّعاء الرُّبوبيَّة .
والنُّصيريُّون يعيش أكثرهم في جنوب وشمال سوريا ، ولهم وجود في جنوب تركيا
وأطراف لبنان الشَّمالي وفلسطين وفارس وتركستان الرُّوسية وكردستان ، ويوجد عدد قليل جدًّا في العراق (6) ويمثِّلون في التّعداد العام لسكَّان سوريا (10%) أي ما يقارب المليون وتسعمائة نصيري ، وفي لبنان حوالى ( 40 ألف ) نصيري
* التأسيس والمنشأة وأبرز رجالاتها :
مؤسِّس هذه الطَّائفة الضَّالة هو محمَّد بن نصر البصري النُّميري كما تقدَّم عاصر ثلاثة من أئمة الشِّيعة ، وهم :
على الهادي والحسين العسكري ومحمَّد المهدي ، وقدم زعم ابن نصير أنَّه الباب إلى الإمام الحسن العسكري ، وأنَّه وارث علمه والحجَّة والمرجع للشِّيعة من بعده (7) ، ادَّعى النُّبوَّة والرِّسالة ، وغلا في بعض أئمَّة الشِّيعة ونسبهم إلى مقام الألوهيَّة ، ثمَّ خلفه على رئاسة الطَّائفة محمَّد بن جندب ، ثمَّ الفارسي عبد الله بن محمَّد الجنان الجنبلاني (ت:287هـ) ، والَّذي سافر إلى مصر ، وهنالك عرض دعوته على الحسن بن علي بن حمدان الخصيبـي، فرجع معه إلى " جنبلا " من بلاد فارس، وصار خليفة على رأس الطَّائفة ، وقد أعطى نفسًا جديدًا للنُّصيريِّين ، حيث أنشأ لهم مركزين ، أحدهما في حلب والآخر في بغداد ، وألَّف كتبًا أبرز فيها معتقد النُّصيريِّين ، وتعدُّ كتبه
من أهمِّ كتب الشِّيعة في إيران.
ومن أبرز رجالات النُّصيريَّة محمَّد بن علي الجلي ، وعلي الجسري ، وميمون بن سرور بن قاسم الطَّبراني ، وحسن المكزون السّنجاري ، وهو آخر مظهر لقوَّة النُّصيريَّة ، ثمَّ تفرَّق النُّصيريُّون بعد وفاته إلى طوائف ، وأنشأوا مراكز مختلفة ، برئاسة كلِّ شيخ لمركز صغير ، إلى عهد الاحتلال الفرنسي لسوريا حيث برز بعض قادتهم كمحمَّد أمين غالب الطويل الَّذي ألفَّ كتابًا بعنوان " تاريخ العلويِّين " وسليمان المرشد الآنف الذِّكر ، ثمَّ تسلَّطوا بعد ذلك على نظام الحكم في سوريا وتسلَّلَوا إلى التَّجمعات الوطنيَّة فيها ، وتسمَّوا بأسماء جديدة خداعًا وتمويهًا ، مثل حزب البعث الاشتراكي ، ودعوى التَّقدميَّة والتَّحرُّر (
* المعتقدات والأفكار :
يتَّفق كلُّ مَنْ أرَّخ للنُّصيرية أنَّهم حركة باطنيَّة ، وأصل الباطنيَّة مذهب يستمدُّ أصوله من أصول الفلاسفة وقواعد المزدكيَّة وعقائد الثَّنويَّة ، ويزعمون أنَّ نصوص الدِّين لها ظاهر وباطن (9) .
وعقائد النُّصيريِّين كثيرة ، بعضها ظاهر وبعضها وهو الأكثر لا يزال في طـيِّ الكتمان : لأنَّهم يعتبرون مذهبهم سرًّا من الأسرار الَّتي لا يجوز الكشف عنها ، فهم يتكتَّمون على عقائدهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، وقرَّروا أنًَّ من يفشي شيئًا منها يكون جزاؤه القتل والتَّنكيل (10)
ومن أهمّ عقائدهم وأشهرها :
* تأليه عليِّ رضي الله عنه : وبنوا هذه العقيدة على أنَّ ظهور الرُّوحاني بالجسد الجسماني أمر لا ينكره عاقل ، وهو كظهور جبريل في صورة الأشخاص وظهور الشَّيطان بصورة الإنسان (11)
وتزعم النُّصيرية أنَّ الله ظهر في صورة أشخاص ، ولـمَّا لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شخص أفضل من عليِّ وبعده أولاده المخصصون هم خير البريَّة ظهر الله بصورتهم ونطق بلسانهم فأخذ بيدهم ، فمن هذا أطلقوا اسم الألهيَّة عليهم (12) ، وعند النُّصيرية كتيِّب صغير جُمعت فيه تعالم النُّصيريَّة وعقائدها ، وهو منها على طريقة السُّؤال والجواب ، ويتألَّف من (101) سؤال ، منها على سبيل المثال :
من أين نعلم أنَّ عليًّا إله ؟
الجواب : مـمَّا قاله عن نفسه في خطبه البيان وهو واقف على المنبر : " أنا سرُّ الأسرار ، أنا الأوَّل والآخر ، أنا الظَّاهر والباطن … " (13)
* القول بتناسخ الأرواح :
التَّناسخ هو انتقال الميِّت بعد موته من حالة إلى حالة ومن جسد إلى آخر ، وهو من مقدَّسات عقائدهم ، ويعود سبب تعلُّقهم بالتَّناسخ إلى أنَّهم لا يؤمنون بيوم القيامة ولا بالحساب ولا الجزاء في الآخرة (14)
* اعتقادهم أنَّ عليًّا رضي الله عنه يخلق :
يقولون إنَّه الَّذي خلق محمَّدًا صلى الله عليه وسلم ، وأنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم خلق سلمان الفارسي وأنَّ سلمان الفارسي خلق الأيتام الخمسة الَّذين هو : المقداد وأبو ذر، وابن رواحة ، وعثمان ابن مظغون ، وقنبر بن كادان ، وكلّ واحد من هؤلاء موكل بمهام لا يقدر عليها إلاَّ الله جلَّ وعلا (15)
* تقديس الخمر وتعظيمها : ويزعمون أنَّ الله يتجلَّى فيها ، وأنَّها تسمَّى عبد النُّور إجلالا لها ، ويستفظعون قلع شجرة العنب أو قطعها ، ويعدُّون ذلك من أكبر الإجرام (16) .
* بغضهم الشَّديد للصَّحابة رضي الله عنهم :
ومن ذلك لعنهم لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، وهم يتحاشون التَّسمية بهم إمعانًا في البغض والعداء ، بل إنَّهم يعذَّبون الحيوانات البريئة ويتفنَّنون في تعذيبها لاعتقادهم أنَّ روح أبي بكر وعمر وعائشة حلَّت فيهم عن طريق التَّناسخ (17)
تعظيمهم لابن ملجم قاتل عليٍّ رضي الله عنه :
فهم يعلنون حبَّهم له ويترضَّون عنه لزعمهم بأنَّه قد خلص اللاَّهوت من النَّاسوت ، يعنون أنَّه هو الَّذي خلص الصُّورة الإلهيَّة عن الصُّورة الإنسانيَّة ويخطِّئون من يلعنه (
عبادات النُّصيريَّة :
العبادة عند النُّصيريَّة مختلفة تمامًا عمَّا هو معهود في شريعة الإسلام ، وإن ذكروا في كتبهم أسماء العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحجٍّ ، إلاَّ أنَّهم يؤوِّلونها إلى معان باطنة ، فهم يصلُّون مثلاً في اليوم خمس مرَّات ، لكنَّها صلاة تختلف في عدد الرَّكعات ولا تشتمل على سجود ، ولا يصلُّون الجمعة ، ولا يتمسَّكون بالطَّهارة من وضوء ورفع جنابة ، ولا يصلُّون في المساجد العامَّة ، ولا يعترفون بالحجِّ ويعتقدون بأنَّ الحجَّ إلى مكَّة كفر وعبادة أصنام ، ولا يعترفون بالزَّكاة الشَّرعية وإنَّما يدفعون ضريبة إلى مشائخهم زاعمين بأنَّ مقدارها خمس ما يملكون ، وهم بذلك يشتركون في هذا الخمس مع فرق الشِّيعة ، كما أنَّ الصِّيام عندهم هو الامتناع عن معاشرة النِّساء طيلة شهر رمضان (19) ويبيحون الزَّواج من المحارم (20) ، ويحلِّلون نكاح الرِّجال ويزعمون أنَّ ذلك من التَّواضع والتَّذلُّل وأنَّه أحد الشَّهوات والطَّـيِّبات (21)
أعياد النُّصيريَّة :
للنُّصيريَّة أعياد كثيرة ، وافقوا فيها المسلمين والنَّصارى والوثنيِّين ، كعيد الغدير وعيد الفطر والأضحى ، وعيد عاشوراء وعيد النَّيروز ( وهو العيد القومي للفرس ) ، وعيد المهرجان وعيد الصَّليب ، وعيد السعف ، وعيد العنصرة ، وغيرها كثير (22) ، كما لهم قداسات شبيهة بقداسات النَّصارى مثل قدَّاس الطيب لك أخ حبيب ، وقدَّاس البخور ، وقدَّاس الأذان وبالله المستعان (23)
موقف علماء الإسلام من النُّصيريَّة :
اتَّفقت كلمة أهل الإسلام على أنَّ هؤلاء النُّصيريِّين من فرق أهل الضَّلال ، ظاهر مذهبهم الرَّفض ، وباطنه الكفر المحض ، لا تجوز مناكحتهم ، ولا تباح ذبائحهم ، ولا يصلَّى على من مات منهم ، ولا يدفنون في مقابر المسلمين ، ولا يجوز استخدامهم في الثُّغور والحصون .
وقد لـخَّص القول فيهم وأبان عن عوارهم وفضح أسرارهم مبيِّنًا حكم الإسلام فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية جوابًا على سؤال مطوَّل طرح عليه في حكم هذه الطَّائفة ، نجتزئ منه هذه الجمل المفيدة ، والعبارات السَّديدة الًَّتي قالها فيهم بحقٍّ :
" هؤلاء القوم المسمّون بالنُّصيريَّة هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنَّصارى ، بل أكفر من كثير من المشركين ، وضررهم على أمَّة محمَّد أعظم من ضرر الكفَّار المحاربين مثل كفَّار التَّتار والفرنج وغيرهم … " (24) ، وقال : " وقد اتَّفق علماء المسلمين على أنَّ هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ، ولا يجوز أن ينكح الرَّجل مولاته منهم ، ولا يتزوَّج منهم امرأة ، ولا تباح ذبائحهم … " (25) إلى آخر كلامه النَّفيس ، فانظره برمَّته فإنَّه مهمٌّ .
النُّصيريَّة في العصر الحديث :
ارتكب النُّصيريُّون جرائم عدَّة ، يشهد لها التَّاريخ القديم والحديث بدءًا بجرائم النُّصيري تيمور لنك في بغداد وحلب والشَّام عام (822 هـ) ، مرورًا بموقفهم الفاضح ضدَّ المسلمين وتمكينهم للصَّلبيِّين ليستبحوا دماء وأعراض أهل السُّنَّة ، وانتهاء بتلك المجازر الَّتي قاموا بها في حقِّ أهل السُّنَّة الأبرياء في سوريا ولبنان ، لمجزرة مدينة طرابلس عام (1985م) ، ومجزرة مخيم تل الزعتر (1976م) ، ومجزرة سجن تدمر عام (1980م) ، ومجزرة هنانو في حلب عام (1980م) ، ومجزرة حماة السُّوريَّة عام (1983م) ، والَّتي راح ضحيَّتها قرابة (40ألف ) مسلم ، ناهيك عن المعتقلين والمفقودين (26) .
ولا زال النُّصيريُّون مصرِّين في المضيِّ على المنهج الَّذي رسموه ، والحقد الَّذي أضرموه لإبادة من يخالفهم ويقف في طريقهم من المسلمين من أهل السُّنَّة والجماعة ، مستغليِّن تأييد الرَّافضة لهم من إيران وحزب الله اللُّبناني ، قاتل الله أعداء ملَّة الإسلام ، وقطع دابر كلِّ مدٍّ يصلهم من خبيث حاقد ، آمين
الشَّيخ الفاضل عز الدين رمضاني حفظه الله