تخطى إلى المحتوى

المقدر والمكتوب بقلم فوزية سلامة 2024.

في رأسي معرض كبير لوجوه واصوات نساء وفتيات صادفتهن في حياتي. وجوه تبتسم ابتسامات مفعمة بالامل واخري تبدو حزينة يترقرق الدمع في عيونها. ولكل وجه قصة اخشي ان يطويها النسيان فلا يشاركني فيها احد. امضيت ليلة البارحة في التفكير في تلك الوجوه والاصوات وفي كيفية انتقالها من رأسي الي الورق ومن الورق الي عقول اخري وقلوب اخري قد تنفعل بها .

في ضميري الانساني يقين بأن القدر حليف …يحركنا ذات اليمين وذات الشمال من دون ان ندرك كيف ولماذا , لكي نبلغ هدفنا المقدر والمكتوب. ولذلك خطر لي ان ابدأ بقصة ريحانة ربما لأنها احدث القصص . وربما لأنها قصة ذات نهاية تقنعني بأن الحياة مليئة بالمفاجآت وبالفرص وبأن اليأس هو اخبث اعداء الانسان.

حرك القدر ريحانة حين اتت فعلا اعتبره الناس نوعا من الجنون. فهي فتاة شديدة الذكاء,كانت موهوبة دراسيا تخرجت من الجامعة وبعد موت والديها اصبحت مسئولة عن شقيق وشقيقة يصغرانها بالعمر. وتدرجت في الوظائف حتي شغلت منصبا هاما في شركة كبري. وترقت حتي حصلت علي راتب عال جدا. ولكن لم يسعدها الحظ بخاطب ولا زوج. بلغت الرابعة والثلاثين وشعرت بالرغبة في التغيير. وبدون مقدمات قدمت استقالتها من العمل وسط الكثير من علامات الدهشة والاستنكار. سألها الناس : لماذا؟ فقالت : لا أعرف ولكني موقنة بأنني بحاجة الي التغيير.
ولم تتراجع علامات الاستنكار حين قررت ان تترك الادارة والجدارة والراتب المجزي لتعمل بائعة في محل يبيع الشوكولاته في حي تجاري شعبي في شرق لندن. اصحبت بائعة في محل لا تزيد مسئولياتها علي الاجابة علي اسئلة الزبائن ووزن الحلوي وايداعيها في الصناديق الملونة وكتابة الفاتورة والتأكد من رضا الزبون.

وفي اوقات الفراغ كانت تسلي نفسها بمراقبة حركة البيع في السوق, وخصوصا الركن الصغير الذي تباع فيه حقائب يد مميزة ويديره اثنان من الشباب.

في احد الايام دخل احدهما محل الشوكولاته ليشتري منها القليل. فتجاذبت واياه اطراف الحديث قائلة انها كثيرا ما همت بالتوقف عند ركن بيع الحقائب ولكن منعها الحياء. فدعاها للفرجة وسمعت منه انه هو وزميله تخرجا من كلية الفنون وقررا ان يخوضا مجال الاعمال الحرة برأس مال صغير وان تواجدهما في هذا السوق الشعبي مؤقت توفيرا لنفقات استئجار محل تجاري في حي راق. قال انهما يسافران كثيرا للبحث عن الجلود والخامات الجيدة في شرق الدنيا وغربها بهدف تكوين شركة ذات تصماميم مميزة قد تكسبهما مكانا علي خارطة موضة حقائب اليد التي تحتكرها الشركات الكبري.
وتوطدت بينهما صداقة جوار وبالتدريج تحولت صداقة الجوار الي اعجاب متبادل ثم تحول الاعجاب المتبادل الي رغبة في الزواج.

تزوجا. وآخر ما سمعت من اخبار ريحانة هو انها تركت محل الشوكولاته وقررت العودة الي وظيفتها السابقة بقلب جديد.

حين استقالت من الوظيفة التي تتمناها كثيرات وسط استنكار الاهل والاصحاب هل كانت تعلم انها علي موعد مع القدر؟ لا اعتقد. ولماذا اختارت محل الشوكولاته المذكور في المكان المذكور كمكان لعملها الجديد؟ هي لا تعلم وانا لا اعلم ولا انت تعلم.
ولكنها حتما فعلت ذلك لأن سليم وشريكه كانا متواجدان في ركن السوق يبيعان حقائب اليد من دون ان يعلم سليم انه ينتظر ظهور المرأة التي ستشاركه حياته في محل صغير قبالة الركن الذي اختاره لكي يعرض فيه بضاعته.

انه القدر يحركنا ذات اليمين وذات الشمال لكي يسعدنا او يشقينا بما تقدم ايدينا

فوزية سلامة

مايكون غير الخير ان شاء الله

الشكر الموفور لك

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.