والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة أجمعين .
أصول المعاصي
أصول المعاصي كلها، كبارها وصغارها، ثلاثة: تعلق القلب بغير الله، وطاعة القوة الغضبية،
والقوة الشهوانية،
وهي الشرك والظلم والفواحش، فغاية التعلق بغير الله شرك وأن يدعى
معه إله آخر. وغاية طاعة القوة الغضبية القتل. وغاية طاعة القوة الشهوانية الزنا.
ولهذا جمع الله سبحانه وتعالى بين الثلاثة في قوله:
«والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون» سورة الفرقان الآية 68.
وهذه الثلاثة يدعو بعضها إلى بعض، فالشرك يدعو إلى الظلم والفواحش. كما أن الإخلاص
والتوحيد يصرفها عن صاحبه، قال تعالى: «كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين »
يوسف:24.فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا.
وكذلك الظلم يدعو إلى الشرك والفاحشة، فإن الشرك أظلم الظلم، كما أن أعدل العدل التوحيد.
فالعدل قرين التوحيد، والظلم قرين الشرك، ولهذا يجمع سبحانه بينهما، أما الأول، ففي قوله:
« شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط» آل عمران:18.وأما الثاني
فكقوله تعالى: « إن الشرك لظلم عظيم» .
والفاحشة تدعو إلى الشرك والظلم، ولا سيما إذا قويت إرادتها ولم تحصل إلا بنوع من الظلم
والاستعانة بالسحر والشيطان.
وقد جمع سبحانه بين الزنا والشرك في قوله: « الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها
إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين» سورة النور، الآية 3.
فهذه الثلاثة يجر بعضها إلى بعض ويأمر بعضها ببعض. ولهذا كلما كان القلب أضعف توحيداً
وأعظم شركاً كان أكثر فاحشة وأعظم تعلقاً بالصور وعشقاً لها.
ونظير هذا قوله تعالى
«فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون» الشورى: 36،37.
فأخبر أن ما عنده خير لمن آمن به وتوكل عليه، وهذا هو التوحيد، ثم قال:
«والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش » الشورى: 37،فهذا اجتناب داعي القوة الشهوانية.
ثم قال: « وإذا ما غضبوا هم يغفرون» الشورى: 37
.فهذا مخالفة القوة الغضبية، فجمع بين التوحيد والعفة والعدل التي هي جماع الخير كله
.