تعددت التعريفات الخاصة بجريمة القرصنة البحرية وإن كانت جميعها قد اتفقت على جسامة الأفعال المكونة لها، مما استدعى تجريمها دوليًا، فقد ذهب جانب من الفقه التشريعي إلى أن القرصنة هي "أي عمل غير قانوني من أعمال العنف والاحتجاز أو أي عمل آخر من أعمال الحرمان أو التجريد يرتكبه لغايات شخصية ملاحو أو ركاب سفينة أو طائرة خاصة ويكون موجهًا :
1) في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى أو ضد أشخاص أو ممتلكات على متن تلك السفينة أو الطائرة.
2) ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان خارج الولاية القانونية لأية دولة.
وذهب جانب آخر إلى أن جريمة القرصنة يقصد بها اعتداء مسلح تقوم به سفينة في أعالي البحار، دون أن يكون مصرحًا لها بذلك من جانب دولة من الدول، ويكون الغرض منه الحصول على مكسب باغتصاب السفن أو البضائع أو الأشخاص.
وذهب جانب آخر إلى أن القرصنة هي "قطع الطريق في البحر" وتتكون هذه الجريمة في رأيه إذا توافرت ثلاثة عناصر أساسية هي:
1) وجود سفينة على متنها مجموعة من الأشخاص يرتكبون أفعال عنف غير مشروعة.
2) أن يكون هذا العنف موجهًا ضد جميع السفن المبحرة بدون تفرقة.
3) أن ترتكب أفعال العنف في عرض البحر.
وذهب جانب آخر إلى أن القرصنة هي كل عمل إجرامي يتصل بالجسامة وتتعدى آثاره إلى الغير بحيث يكون منطويًا في ذاته على تعريض مبدأ حرية الملاحة للخطر، ثم عدد هذا الاتجاه العناصر المكونة لتلك الجريمة بما يلي:
1- أن يكون من الأعمال الإجرامية.
2- أن ينطوي على استعمال العنف ضد الأشخاص أو ضد الأموال.
3- أن يتم بقصد تحقيق مغانم شخصية أو أغراض خاصة.
4- أن يتم في البحار العالمية.
القرصنة في الاتفاقيات الدولية:
أما عن تعريف جريمة القرصنة في الاتفاقيات الدولية، فقد ذهبت اتفاقية جنيف لأعالي البحار المبرمة في 29 إبريل عام 1958 – والتي تعد أول اتفاقية دولية تتناول القرصنة البحرية – إلى إيراد بعض الأفعال التي تشكل جريمة القرصنة دون التعرض لتعريف محدد لها، حيث نص في المادة 15 من الاتفاقية على أنه يعد من قبيل أعمال القرصنة الأفعال التالية:
1- أي عمل غير قانوني ينطوي على العنف أو الحجز أو القبض أو السلب يرتكب لأغراض خاصة، بواسطة طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة ويكون موجهًا:
أ- في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى أو ضد أشخاص أو أموال على ظهر مثل هذه السفينة أو الطائرة.
ب- ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال خارج نطاق الاختصاص لأية دولة.
2- أي عمل يعد اشتراكًا اختياريًا في إدارة سفينة أو طائرة مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تمارس القرصنة.
3- أي عمل من أعمال التحريض أو التيسير العمدي للقيام بفعل من الأفعال المبينة في الحالتين السابقتين.
وقد أضافت المادة 16 من الاتفاقية حالة أخرى وهي وقوع أعمال القرصنة من سفينة أو طائرة حربية أو عامة أو حكومية إذا تمرد طاقمها واستولوا عليها وتحكموا في السيطرة عليها.
وعلى ذات نهج اتفاقية جنيف لأعالي البحار عام 1958، ذهبت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 إلى تعريف القرصنة البحرية من خلال بيان الأعمال المكونة لها، حيث نصت في المادة (101) منها على أن جريمة القرصنة تتكون من أي عمل من الأعمال التالية:
1- أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلبي يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة ويكون موجهًا:
أ- في أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أخرى أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو على متن تلك الطائرة.
ب- ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أية دولة.
2- أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعي في تشغيل سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع تضفي على تلك السفينة أو الطائرة صفة القرصنة.
3- أي عمل يحرض على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة في إحدى الفقرتين (1، 2) أو يسهل عن عمد ارتكابها.
ويلاحظ أن نص المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار قد حددت مكان ارتكاب جريمة القرصنة تحديدًا دقيقًا لا لبس ولا غموض فيه، حيث اشترط لقيام جريمة القرصنة البحرية أن تكون الأفعال المكونة لها موجهة ضد سفينة أو طائرة في أعالي البحار أو في مكان خارج الولاية القانونية لأية دولة وخارج اختصاصها الإقليمي، ومن ثم فإن الدول جميعها تعد مطالبة بالمعاقبة على الأفعال المكونة لجريمة القرصنة وفقًا لمبدأ العالمية.
وقد ذهبت الاتفاقية في المادة (103) منها إلى تعريف السفينة أو الطائرة محل الجريمة بأنها تعتبر سفينة أو طائرة قرصنة إذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها سيطرة فعلية ينوون استخدامها لعنصر ارتكاب أحد أعمال القرصنة المشار إليها في المادة (101) من الاتفاقية وأيضًا إذا كانت السفينة أو الطائرة قد استخدمت في ارتكاب أي من هذه الأعمال مادامت تحت سيطرة الأشخاص الذين اقترفوا هذا العمل.
كذلك ذهبت المادة (102) من الاتفاقية إلى أنه إذا ارتكبت أعمال القرصنة من سفينة أو طائرة حربية أو حكومية تمرد طاقمها واستولى على زمام السفينة أو الطائرة اعتبرت هذه الأعمال في حكم الأعمال التي ترتكبها السفينة أو الطائرة الخاصة.
أولاً: الركن المادي
يتمثل الركن المادي في جريمة القرصنة في إتيان أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل من أعمال السلب الصادرة عن طاقم السفينة أو الطائرة أو المسافرين على متنها، سواء كانت تلك الأعمال غير المشروعة موجهة للأشخاص أو الأموال، ولكن يشترط أن تكون أعمال العنف المرتكبة ضد السفينة أو الطائرة أو أن تكون السفينة أو الطائرة هي أداة الجريمة، وبالتالي يخرج من نطاق جريمة القرصنة أي حادث اعتداء على شخص أو مال كالقتل أو السرقة إذا كان واقعًا من شخص على آخرين أن تكون السفينة أو الطائرة ركنًا لأداة جريمته.
ويكفي لقيام جريمة القرصنة الشروع في ارتكاب الفعل المادي المكون لها، ولا يشترط أن تتم الجريمة بصورة كاملة، ويُشترط أيضًا لاكتمال الركن المادي أن تتم أعمال القرصنة في أعالي البحار أو في مكان خارج ولاية الدول، أما إذا كانت ارتكبت في الإقليم الوطني لدولة ما فإنها لا تُعد جريمة قرصنة وإنما تدخل في الاختصاص القضائي للدولة الواقع فيها الجريمة.
ثانيًا: الركن المعنوي
يتمثل الركن المعنوي في ضرورة توافر القصد الجنائي إذ أن جريمة القرصنة هي من الجرائم العمدية التي يجب أن تتوافر فيها النية لدى مرتكبها، أي أن تكون إرادة الجاني قد اتجهت لارتكاب الجريمة مع العلم بما سيترتب عليها من نتائج.
الاختصاص القضائي عن جريمة القرصنة:
تُعد جريمة القرصنة من الجرائم ذات الأثر العالمي والدولي في مردودها، إذ أنها تمس أمن وسلامة الملاحة البحرية والجوية في مناطق تخرج عن الاختصاص الإقليمي للدول، لذا فإن ارتكاب تلك الجريمة يُعد عملاً موجهًا ضد كيان الجماعة الدولية بأسرها، وقد استقر العرف الدولي إلى إنه في حالة وجود أسباب جدية تبرر الشك في أن إحدى السفن قد تكون سفينة قرصنة فيجوز لأي سفينة حربية حق زيارة السفينة المشكوك في كينونتها للتحقق من صفتها، ولا يجوز لسفينة القرصنة الاحتماء وراء العلم
الذي تحمله لأن ثبوت قيام السفينة بأعمال القرصنة يجردها وطاقمها من حق الاحتماء بجنسية الدولة التي تحمل علمها، وينعقد الاختصاص لكل دولة وكل سفينة حربية بالقبض على القراصنة ومحاكمتهم.
وقد جاءت المادة (106) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لتنظيم القاعدة العرفية السابقة، فنصت على إنه في حالة ضبط سفينة أو طائرة بشبهة قرصنة دون مبررات كافية فتتحمل الدولة التي قامت بعملية الزيارة والضبط مسئولية أية خسائر أو أضرار مادية أو أدبية تترتب على تلك الزيارة.
وقد أعطت المادة (104) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لدولة العلم الحق في الاحتفاظ بجنسية سفينة أو طائرة القرصنة أو تجريدها من هذه الجنسية.
أما عن الاختصاص القضائي فقد نصت المادة (105) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أنه "يجوز لكل دولة في أعالي البحار أو في أي مكان آخر خارج ولاية أية دولة أن تضبط أي سفينة أو طائرة قرصنة أو أية سفينة أو طائرة أخذت بطريق القرصنة وكانت واقعة تحت سيطرة القراصنة، وأن تقبض على من فيها من الأشخاص وتضبط ما فيها من الممتلكات، ولحكومة الدولة التي قامت بعملية الضبط أن تقرر ما تفرضه من العقوبات، كما أن لها أن تحدد الإجراء الذي يتخذ بشأن السفن أو الطائرات أو الممتلكات مع مراعاة حقوق الغير من المتصرفين بحسن النية".
وقد اختصت المادة (107) من الاتفاقية سالفة الذكر السفن الحربية أو الطائرات العسكرية أو غيرها من السفن أو الطائرات التي تحمل علامات واضحة تدل على أنها في خدمة حكومية ومأذون لها بذلك.
وقد ذهب جانب من الفقه إلى حق السفن التجارية الخاصة في التصدي ومعاقبة القرصان من قبيل استعمال حق الدفاع عن النفس.
وجدير بالذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار حين عقدت الاختصاص القضائي عن جريمة القرصنة لأية دولة وإخضاعها في الضبط والمحاكمة والعقاب للقوانين الوطنية، فإنها لم تتعامل مع تلك الجريمة بصفتها الدولية وإنما بصفتها العالمية، ولما تمثله من خطر يهدد سلامة وأمن وحرية الملاحة والتجارة الدولية، وبالتالي أمن وسلامة المجتمع الدولي ككل.
التمييز بين جريمة القرصنة وخطف الطائرات:
ثار جدل واسع في الفقه الدولي حول العلاقة ما بين جريمة القرصنة وجريمة خطف الطائرات، نظرًا لأوجه الشبه بينهما، فقد ذهب جانب من الفقه إلى أن اختطاف الطائرات يُعد صورة من صور القرصنة.
بينما ذهب جانب آخر، إلى أن خطف الطائرات ليس من قبيل القرصنة فلكل منهما مفهوم مختلف، والشيء المشترك بينهما هو العنف أو القوة في الأعمال المكونة لكل منهما ضد وسيلة من وسائل المواصلات الدولية.
وقد ذهب اتجاه ثالث إلى اعتبار جريمة خطف الطائرات شبه قرصنة واستند هذا الاتجاه إلى فكرة الاختصاص في ردع وعقاب كل من الجريمتين، وذلك انطلاقًا من اعتبار اتفاقية جنيف عام 1958 أن القرصنة جريمة دولية تمثل عدوانًا على المصالح الدولية (أمن المواصلات الدولية)، وعلى ذات النهج سارت اتفاقية طوكيو عام 1963، وهو جعل الاختصاص في التصدي لجريمة خطف الطائرات لعدد من الدول وفي هذا تتشابه الجريمتين في الاختصاص الممنوح للعديد من الدول لردع وعقاب مرتكبيها.
شكرااااااااااااااااااااااا