إن أروع ما في رمضان[ ] الصيام[ ] ، وفاكهته التراويح والقيام، وبساتينه بيوت الرحمن، وعطره الفواح تلاوة القرآن، وأنواره ملائكة الرحمن وهي تحف المؤمنين بالاستغفار والدعاء لهم، ولقد جعل الله شهر رمضان مقترناً بالقرآن الكريم فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة من الآية:134].
وقد حثنا الحبيب صلى الله عليه وسلم على العيش مع القرآن، فقال: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة[ ] شفيعاً لأصحابه» (حديثٌ صحيح رواه مسلم وغيره)، فهذا مشروع القرآن الكريم[ ] موجه إلى أمة القرآن لتكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
هدف المشروع:
يأتي هذا المشروع بهدف الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل لنفحات الشهر الكريم، بوضع خطة للتعامل مع القرآن، في محاولة للتخلص من كافة أنواع هجر القرآن الخمسة التي ذكرها ابن القيم[ ] رحمه الله، وهي:
– هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.
– هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
– هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين[ ] وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
– هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
– هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب[ ] وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]. أ هـ.
اقرأ وتدبّر واعمل:
للمسلم مع القرآن أحوال شتى وأنواع عدة من الأوراد التي يجب القيام بها، ولا ينبغي أن يحصر نفسه في ورد واحد يركز عليه دون غيره، ولقد روت أم الحسن البصري عنه أنه كان إذا فتح المصحف[ ] ، رأت عينيه تسيلان وشفتيه لا تتحركان، ومن هذه الأوراد:
– ورد التلاوة: بالمداومة على قراءة القرآن، والتزام ورد يومي وإن قلّ، وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته، قال صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا[ ] ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (رواه أبو دواد والترمذي)، وقال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن"، وتذكر قول أنس بن مالك رضي الله عنه: "رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه"، وتذكر أيضاً مقولة ابن مسعود: "ولا يكن هم أحدكم آخر السورة"، فهي تلاوة ولكنها ليست مفصولة عن التدبر والفهم.
– ورد النظر: فهي عبادة تختلف عن عبادة التلاوة، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة». قالوا: وما حظها من العبادة؟ قال: «النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه» (رواه البيهقي)، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "وإني لأكره أن يأتي عليّ يوم لا أنظر في المصحف"، وقد قال ابن مسعود: "أديموا النظر في المصحف"، فهو ورد يجعلك على اتصال دائم بكتاب ربك ولو نظراً.
– ورد السماع: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:3]، وقال أيضاً: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ولكن أحب أن أسمعه من غيري» (من حديثٍ رواه البخاري[ ] )، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن "تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم" كما قالت السيدة أسماء، فيجب علينا أن نخصص وقتا لسماع القرآن.
– ورد الحفظ: قال عمر بن الخطاب[ ] رضي الله عنه: "كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن"، وقال بعض السلف لأحد طلابه: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: مؤمن لا يحفظ القرآن، فبم يتنعم وبم يترنم وبم يناجي ربه تعالى؟!
– ورد التدبر: لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص:29]، فالتدبر هو الطريق لإحياء القلوب واستشعار حلاوة الخطاب القرآني، وعن عوف بن مالك قال: "قمت مع النبي[ ] صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ سورة البقرة[ ] لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ"، قال السيوطي في صفة التدبر: "أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر في معنى ما يتلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمّل الأوامر والنواهي"، ولذا نقترح عليك أخي الحبيب أن تجعل لك ورداً للتدبر يتمثل في آية واحدة كل يوم، أو سورة واحدة كل شهرٍ أو عامٍ على حسب قصر آياتها.
– ورد العمل: وهو أقوى الأوراد وأصعبها على النفوس، حيث ينتقل المسلم من مجرد التلاوة أو الحفظ أو السماع أو التدبر إلى العمل والتنفيذ والتطبيق العملي لأحكام القرآن بكل جوارجه، وفي ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخضوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون"، وخلاصة ذلك أن يكون القرآن دليلاً عملياً لحياة المسلم في يومه بنهاره وليله.
– ورد الدعوة[ ] به وإليه: بأن يتحرك المسلم داعياً إلى الله بهذا القرآن، يحث الناس على تطبيق أحكامه والتحاكم إليه وعودة القرآن لمنصة الحكم لتكون الحاكمية العليا له، وليرفع القرآن دستوراً للزمان والمكان والأرض والإنسان.
بنك المليار حسنة:
هو بنك القرآن الكريم وتلاوته، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول: {ألم} حرف؛ ولكن أقول ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ومن خلال حسبة بسيطة ندرك مدى ما يمكن أن نكتسبه من حسنات في هذا الشهر الكريم إذا حافظنا على تلاوة القرآن وختمه فيه، فحروف القرآن كما ذكر ابن كثير[ ] تفوق "321" ألف حرف، فالختمة الواحدة تعدل 3.21 مليون حسنة، وفي رمضان تضاعف 70 ضعفاً فتكون 224.7 مليون حسنة، فإذا ختم المسلم في الشهر 3 مرات تقترب محصلة حسناته من المليار حسنة (674 مليون حسنة)، فهو بنك لا تتوقف حسناته بل في ازدياد ونماء، والله يضاعف لمن يشاء، هذا فقط ثواب التلاوة، فكيف هو ثواب النظر إليه وثواب تدبره وثواب العمل به والدعوة إليه.
آلية التنفيذ:
بأن تجعل لك أخي الحبيب وِرْداً يوميا تتلو فيه القرآن لا يقل عن جزء، ولا تبدأ عملك اليومي إلا بعد الانتهاء من وردك القرآني، وبإمكانك أن تختم في الشهر ثلاث أو أربع مرات، ومن أفضل صور تنفيذ هذا الورد:
الأولى: أن تقرأ الورد القرآني مع صلاة الفجر[ ] كل يوم، أو أن تجعل لك نصف حزب مع كل صلاة (فجر، ظهر، عصر، عشاء).
الثانية: أن تجعل لك ورد قرآنٍ في المواصلات التي تستنزف منا يومياً أكثر من ساعة.
الثالثة: أن تجعل لك ورد استماع وتدبر من خلال صلاة التراويح والقيام.
الرابعة: أن تجعل لك ورد سماع قرآني من خلال إذاعة أو تليفزيون أو كاسيت.
ضمانات النجاح:
– إخلاص النية لله عز وجل وإصلاح القصد، مع وجود الدافع الذاتي والهِمَّة العالية.
– لا يشغلنك الحفظ عن التلاوة، فإن التلاوة وقود الحفظ.
– عليك بالصاحب الذي يساعدك على تنفيذ المشروع، واجعل بينك وبينه تنافساً ربانياً.
– اختر الزمان والمكان المناسبين للحفظ أو التلاوة أو التدبر.
– ابدأ بما تقدر عليه، وسدد وقارب ولا تيأس.
– عندما تختم القرآن، فاحشد له فإن ختمة القرآن مشهودة، فاجمع أهل بيتك أو أحبابك، فقد روى الدارمي: "كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا بهم".
أخي الحبيب:
هذا القرآن يناديك في شهر القرآن، وبقدر إقبالك على القرآن يكون إقبال الله تعالى عليك، وبقدر إعراضك عن القرآن يكون إعراض الله تعالى عنك، وإنما يكون حظك من جنة النعيم بقدر حظك من القرآن، فقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، وقال خباب بن الأرت لرجل: "تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تقرب إلى الله تعالى بشيء هو أحب إليه من كلامه".
جعل الله القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا ودستور حياتنا ومصدر عزتنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا.
إسماعيل حامد
طــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــعا
مـــشــــكــور على التوضيح
هذا من دواعي سروري وفقنا الله لحفظ كتابه وللعمل به
بارك الله فيك اختي وجزاك الله خيرا
يعطيك العافية اخي على الموضوع
بارك الله فيك