قحطت البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت القبائل إلى هشام، و دخلوا عليه ، و فيهم (درواس بن حبيب) و عمره أربع عشرة سنة، فأحجم القوم ، و هابوا هشاماً، و وقعت عين هشام على (درواس) فاستصغره ، فقال لحاجبه : ما يشاء أحد أن يصل إليّ إلا وصل، حتى الصبيان؟!
فعلم (درواس) أنه يريده ، فقال: يا أمير المؤمنين.. إن دخولي لم يُخلّ بك شيئاً و لقد شرّفني، و إن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، و إن الكلام نشر، و السكوت طيّ، و لا يُعرف الكلام إلا بنشره ، فقال هشام: فانشر لا أبا لك !! و أعجبه كلامه …
فقال : يا أمير المؤمنين .. أصابتنا ثلاث سنين ؛ فسنة أذابت الشحم ، و سنة أكلت اللحم ، و سنة نقّت العظم ، و في أيديكم فضول أموال :إن كانت لله ففرّقوها على عباد الله المستحقين ، و إن كانت لعباد الله فعلام تحبسونها عنهم ؟ و إن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم ، فإن الله يجزي المتصدقين ، و لا يضيع أجر المحسنين.
و اعلم يا أمير المؤمنين: أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به.
فقال هشام : ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذراً، و أمر أن يقسم في باديته مائة ألف درهم .و أمر لدرواس بمائة ألف درهم.
فقال: يا أمير المؤمنين .. ارددها إلى أعطية أهل باديتي فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم ، فقال : فما لك من حاجة تذكرها لنفسك ؟ قال : مالي من حاجة دون عامة المسلمين !
فهل قلتم ما قاله درواس أيها المفاوضون ؟