لفضيلة الشيخ ابو سعيد بلعيد الجزائري
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار أما بعد : إن عنوان المقالة ليس حديثا نبويا كما هو مشهور عند أكثر المسلمين، وإنما هو قول عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ومعناه صحيح يوافق ما جاء في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من التحذير من الفتنة والمشاركة فيها.
تعريف الفتنة، هي: أقوال وأعمال تخالف الشريعة الإسلامية، وتؤدي إلى انعدام الأمن، واختلال الجماعة، وحدوث الفرقة بين المسلمين. (وتسمى في العصر الحاضر: الاضطرابات، والحرب الأهلية).
قال الله تعالى : ( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب ) الأنفال .25 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يُشْرِفْ لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو مَعَاذا فليعذ به" رواه البخاري (3334)، مسلم (5136) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صمت نجا" رواه أحمد (صحيح).
على المسلم أن يحذر من الفتن، وعليه أن يبتعد عنها، وأن لايشارك فيها بقول أو عمل، خاصة عند اختلاط الأمور، وتنافس الناس على الدنيا وحطامها، خاصة الكرسي والحكم، فإن الشيطان ينزغ بينهم، ويجد الأعداء الطريق للدخول والتدخل في شؤون المسلمين. وإن من عواقب التفرق والتمزق ظهور الفرق الضالة التي تؤدي إلى ضرب الإسلام وإضعاف المسلمين، أما إذا كان المسلمون صفا واحدا فإن تلك الفرق تذهب أو تختفي، وإن الله تعالى يرد كيدها عن المسلمين الذين يخضعون لتعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يريد لنا الخير والسلامة والاستقرار، كما قال تعالى: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة .128 وإن مما أمرنا به صلى الله عليه وسلم: الصبر على ظلم وجور الحكام المسلمين الذين يستأثرون بالخيرات لهم ولأقاربهم وأصحابهم، وحتى الحكام الذين يستولون على الحكم بطرق ملتوية، وحتى الحكام الذين لايعجبوننا في أشكالهم وصورهم وأعمالهم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، مثل حديث : “ولو كان عبدا حبشيا، رأسه كالزبيبة “ ، ومثل حديث: ( ولو كان عبدا مُجَدٌَع الأطراف ) ومعنى مجدع الأطراف: ناقص في الأهلية ، وكل ذلك حفاظا منه صلى الله عليه وسلم، على دماء المسلمين، لأنه عند انعدام الأمن لا تكون دنيا، ولايقوم دين، وهذا هو معنى القاعدة الذهبية التي أَصًلها علماء الإسلام وهي : احتمال أدنى المفسدتين، وأخف الشرين. وقد سمى الإمام أحمد، رحمه الله تعالى، ظلم وجور الحكام وفتنتهم لبعض الرعية بالفتنة الصغرى، أما الوقوع في سفك الدماء، والاقتتال بين المسلمين فهي الفتنة العامة، التي تأتي على الأخضر واليابس.
أيها المسلمون، اعلموا -بارك الله فيكم- أن الله تعالى، وأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي أمرنا بالعزة، هو الذي أمرنا بالصبر على الحكام المسلمين الذين فيهم ظلم وجور، فلا يقولن أحد أن في ذلك الذل والهوان للمسلمين، كما يقوله الذين يعارضون القرآن والسنة بعقولهم، وتأثرهم بالمناهج الثورية كالمظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية وغير السلمية.
إن الإسلام يتميز عن غيره من أفكار الناس ودياناتهم الباطلة في طريقة التغيير، كما يتميز في طريقة الزواج، والطلاق، والبيع، والشراء، وأنواع الأطعمة المحرمة، وغير ذلك. فلماذا أيها المسلمون، نتبع الإسلام في هذه الأمور، ولانتبعه في طريقة التغيير. فلنعد إلى المنبع الصافي من كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي سار عليه سلفنا الصالح، وهم الصحابة، رضي الله عنهم، ومن تبعهم من التابعين، وأتباع التابعين، والذين منهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، رحمهم الله تعالى ممن سار على ذلك المنهج الصافي الذي لايكون منه إلا الأمن والاستقرار والعزة والكرامة.
وبهذه المناسبة أحذر إخواني المسلمين عامة، وفي بلادنا الجزائر خاصة، من الدخول في الفتنة، أو الانسياق وراءها، والحذر من مثيري الشغب، خاصة أولئك المقيمين في الخارج كبريطانيا، وغيرها، ممن سُمح لهم بقنوات فضائية ينشرون من خلالها عيوب بلدانهم، ولم نسمع من أحد منهم ينتقد ملكة بريطانيا التي صار لها في الحكم ستين سنة، ولايتكلمون على الأموال الكثيرة جدا التي تنفق على العائلة المالكة هناك، ومن العجيب أنهم يقولون: إن الملكة تملك ولاتحكم، وهذه مصيبة أكبر مما لو كانت تحكم، لأنها إن لم تكن تحكم فهي تنفق تلك الأموال بلا مقابل أعمال، وقد سمعت أحد هؤلاء المعارضين، يقول: إن كثيرا من حكام البلاد العربية هم ديناصورات، ونسي المسكين أنه يعيش في بلد تحكمها ( ديناصورة، على حسب تعبيره ) التي صار لها في الحكم ستين سنة.
وأُذَكر أن من هؤلاء المعارضين من هو حسن النية، لكن حسن النية وحده لايكفي، ولايمنع صاحبها من السقوط في الفتنة، ومن الوقوع في مخططات الأعداء الذين يتربصون بنا السوء. ومثال على ذلك : مايقع في غرداية ( في جنوب الجزائر ) فهو واحد من تلك المخططات من أعدائنا، لأنه في ديننا لا يُسمح للمسلم بقتال أخيه المسلم بدون حق، وأن مايقع هناك ليس بسبب اختلاف المذهبين، وإنما هي دسيسة شريرة من أعدائنا في الداخل ( من المنافقين ) والخارج الذين يريدون ضرب استقرار جزائرنا الحبيبة،
فيا أيها الجزائريون عامة، ويا سكان ولاية غرداية خاصة، فَوِتوا الفرصة على أعداء الداخل والخارج، واحذروا السقوط في مخطاطاتهم، واجعلوهم يموتون بغيظهم، وذلك بتفاهمكم ومصالحتكم، واتبعوا النصائح الآتية:
-1 لا تخرجوا في مظاهرة، سواء سلمية أو غير سلمية.
-2 لا تأخذوا الأخبار من كل من هب ودب.
-3 احذروا النشرات والكتيبات التي تدعو إلى الفتنة، وتحرض على بعضكم، خاصة تلك التي تشرح كلام العلماء بما يؤدي إلى الاقتتال والفتنة، ولو كان كلام أؤلئك العلماء حقا، لكن المغرضين يضعونه في غير مكانه.
-4 اتركوا أمر حل المشكلات لعقلاء الأمة، وللحكام الذين يهمهم اجتماع الكلمة.
– 5 أكثروا من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بالحفظ والخير والعافية، وقوموا بالصدقات للتقرب إلى الله تعالى، فهو رحمان رحيم، وادعوا الله أن يهلك المنافقين وأسيادهم الكافرين، وأن يجعل بأسهم بينهم شديدا، وأن يشغلهم بأنفسهم.
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
بارك الله في الشيخ الفاضل ابي سعيد بلعيد
وهو من علماء الجزائر الافاضل
الف شكر اخي حقا موضوع قيم
بارك الله فيكما