هذه مقالة وجدتها منشورة على إحدى الصحف , للشاب النسابة أحمد أبوبكرة الترباني …
ثَنْي الغُصونْ في الكَلام على زُرقْ العيونْ !
للنسابة أحمد أبوبكرة الترباني .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ علية الصلاة والسلام ـ وبعد :
حين أبتعد بعض الناس عن تاريخ العرب قام البعض بتزيين القبيح وتقبيح الحسن , وأدخلوا في العلوم ما ليس منها , فأصبح البعض يدخل العجم في انساب العرب , وهذا مصداق قول السلف : من فقد الأصول حرم الوصول .
وقد أحببت في هذه الرسالة أن أتوسع في مسألة ( العيون الزرق ) وأبين الحد الفاصل بين الحق والباطل , وقد نقلت في هذه الرسالة حجج وبراهين تثبت أن العيون الزرق من ( صفات الروم ) وايضا هي من الصفات المذمومة , تتشاءم منها العرب , بل ان الله عز وجل جعل العيون الزرق من صفات المجرمين حيث قال : (( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا )) ( طه ـ 102 ) قال اهل التفسير : يحشرون زرق العيون سود الوجوه .
وهذه من اقبح الصفات , لكن وللأسف أصبحت هذه الصفات اليوم ممدوحة عند كثير من الناس , يقلدون الغرب في صفاتهم !
(( العرب يتشاءمون من العيون الزرق ))
قال مزرد يرثي عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حين قتله ابو لؤلؤة المجوسي ـ لعنه الله ـ وكانت عيناه زرق :
وما كنت أخشى ان تكون وفاته
بكفى سبنتي أزرق العين مطرق
قال العلامة احمد شاكر يعلق على هذا البيت كما في ( طبقات فحول الشعراء ) للجمحي ( 3/133) : ( والعرب تعد كل أزرق العين لئيما يتشاءمون به ) .
وذكر السبكي في ( طبقاته ) (2/129) : قال حرملة : وسمعت الشافعي يقول : إذا رأيت كوسجا فأحذره , وما رأيت من أزرق خيرا .
وذكر محمود شكري الالوسي في ( بلوغ الارب ) (3/267) : عن الربيع انه قال : أشتريت للشافعي طيبا بدينار , فقال لي : ممن أشتريته ؟ فقلت : من ذلك الأشقر الأزرق , فقال الشافعي : أشقر أزرق !! أذهب فرده .
قلت : والشقرة وزرقة العين نجدها اليوم في بعض أهل القرى والحضر لإختلاطهم ببعض الأجناس الأخرى , ولا نجد هذه الصفات في أهل البادية , وصدق الالوسي حين قال في كتابه النفيس ( بلوغ الارب في معرفة احوال العرب ) (3/436) : وان الصريح من النسب إنما يوجد لأهل البادية من العرب لا أهل الحضر منهم .
قال ابو حيان الاندلسي في ( البحر المحيط ) (7/ 382) : فالعرب تتشاءم بالزرقة قال الشاعر :
لقد زرقت عينيك يا ابن مكعبر
الا كل عليسى من اللؤم ازرق .
(( إثبات أن العيون الزرق صفة ذم عند العرب ))
إعلم رحمك الله أن العيون الزرق صفة مذمومة عند العرب وليست من صفات الجمال انما هي صفة ذم وعيب .
وأعلم أن العيون السود أجمل الصفات , ولهذا فإن الله عز وجل سمى نساء اهل الجنة (( حور العين )) والحور شدة سواد العين مع شدة بياضها .
والله عز وجل أختار أجمل الصفات لنساء اهل الجنة , وفي المقابل فقد أختار الله عزوجل اقبح الصفات للمجرمين وهي العيون الزرق قال تعالى (( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا())
قال البغوي في ( تفسيره ) (826) : ( فيحشرون زرق العيون سود الوجوه ) .
قلت : والعجب كل العجب من نساء العرب اليوم , يستعملن العدسات اللاصقات باللون الازرق ويتشبهن بصفات المجرمين , ويقلدن في ذلك نساء العجم , فسبحان الله بالامس كنا قادة واليوم تبع !
ورحم الله شيخنا المحدث الالباني حين قال في ( السلسلة الصحيحة ) (1/317) : ( لقد كنا سادة وقادة لغيرنا بعلمنا وتمسكنا بشريعتنا واذا بنا اليوم أتباع ومقلدون ! ولمن ؟ لمن كانوا بالامس القريب يقلدوننا ويأخذون العلوم عنا ! ولكن لا بد لهذا الليل من ان ينجلي ولا بد للشمس ان تشرق مرة اخرى …………. .).
وأعلم رحمك الله ان العرب مدحوا سواد العين وذموا زرقتها , فإن محاسن العيون عند العرب انواع , ذكرها الصفدي في كتابه ( تشنيف السمع في انسكاب الدمع ) (69) فذكر محاسن العيون وهي :
الحور : شدة سواد العين مع شدة بياضها
الدعج : شدة سواد العين
الكحل : شدة سواد جفون العين
الوطف : طول أشفارها
الشهلة : حمرة في سوادها
أما العيون الزرق فهي من العيوب وليست من محاسن العيون , بل ان العيون الزرق مذمومة في الحيوان , قال محمود شكري الالوسي في ( بلوغ الارب ) (3/348) في عيوب الخيل : المغرب : وهو الذي تبيض اشفار عينيه مع زرقها .
قلت : فإذا كانت العيون الزرق مذمومة في الحيوان فما بالك في الانسان .
ولهذا فإن العيون السود من اجمل الصفات
قال كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ :
وما سعاد غداة البين اذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف محكول
وأجمل بيت قيل في الغزل هو قول جرير :
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقال الشريف الرضي :
ما كان سهم العين لولا سوادها
ليبلغ من حبات القلوب اذا رمى
وقال الشاعر :
زادت على كحل العيون تكحلا
أيسم نصل السيف وهو قتول
قلت : الا ترى بعض النساء اذا كانت عيونهن زرق يسارعن في استخدام الكحل الاسود , وهذا تفضيل السواد عندهن بالفطره .
وقال الشاعر يمدح النساء :
مرا على اهل الغضا ان بالغضا
رقارق لا زرق العيون ولا رمدا
قلت : الرقارق النساء النواعم , فقد نفى الشاعر عنهن زرقة العين , فجعل العيون الزرق مرض كالرمد .
بل أن العيون الزرق خالية من النقاء , قال الشريشي في ( شرح المقامات ) (1/278) : الا ترى ان بياضها مع الزرق ليس هناك في النقاء .
قلت : وأجمل تشبيه أطلعت عليه في هذا , هو قول الامير تميم بن المعز حين كان يشرب الخمر قال :
كأن سواد الليل والفجر طالع
بقية لطخ الكحل في الأعين الزرق
وهذا تشبيه جميل , وذلك ان إقبال زرقة الفجر وإدبار سواد الليل لا يكون هناك نقاء , فلا تبصر العين جيدا , وهذا واقع رأيناه حيث ان الفجر يكون فيه السواد والزرقة , فلو اقبل عليك احد في هذا الوقت فلا تبصره جيدا , ونحن البدو نعرف هذا .
(( إثبات ان العيون الزرق من صفات العجم ))
إعلم رحمك الله ان العيون الزرق ليست من صفات العرب , بل من صفات الروم .
قال الحسين بن الضحاك كما في ( قطوف أدبية ) (139 ) لعبدالسلام هارون :
ومثل الأفاعي إذا الهبت
وللروم زرقة احداقها
وقال الطائي :
مثقفات سلبن الروم زرقتها
والعرب أدمتها والعاشق القضفا
قال الامدي في شرح هذا البيت في ( الموازنة ) (85) : فزاد في المعنى بأن شبه زرقتها بزرقة الروم , وسمرتها بسمرة العرب .
قال الحريري في ( المقامة الثالثة عشر ) : حتى رثى لنا العدو الازرق .
قلت : العدو الازرق هم الروم لزرقة عيونهم .
قال ابو حيان الاندلسي في ( البحر المحيط ) (7/382) : والزرقة ابغض الوان العيون الى العرب , لأن الروم اعداؤهم وهم زرق العيون .
قال الزمخشري في ( الكشاف ) (666) : ولذلك قالوا في صفة العدو : اسود الكبد , اصهب السبال , ازرق العين .
قال الشريشي في ( شرح المقامات ) (1/386) : والروم زرق العيون .
قلت : وأعلم ان من كان ازرق العين يدل انه غير صريح النسب ولا نقي الجذور (1) .
واعلم رحمك الله ان صفات العرب معلومة حتى لو عاشوا في روما وباريس وان صفات العجم معروفة حتى لو عاشوا في نجد وتهامة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ هذا من القيافة , وفيها تفصيل , حيث إذا وجدت زرقة العيون في أفراد وليس في جميع العشيرة فهذا يكون من باب إختلاط الأنساب , أما إذا كانت زرقة العيون في جميع العشيرة من كبيرهم إلى صغيرهم فهذا مما لا شك فيه بأن العرق ليس بعربي , وإختلاط الأنساب حدث قديماً ولم يحدث اليوم كما هي حجة بعض الجهال , فالقيافة باقية ببقاء العرب ولا ينكرها إلا جاهل .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منقول من مجلة مركز ودود للمخطوطات