الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
المسلم لا يسخر من الناس ولا يستهزئ بهم. ولا يعيب على أحدا من خلق الله. ( لسواد لونه أو قصر قامته أو لفقره أو لمرضه أو لغير ذلك.
إذا رأيت أحدا فيه عاهه لا يهزأ به و إنما يقول : (( الحمد لله الذي عافاني مما أبتلى به غيري )).
ومن تعاليم الاسلام أن من أصيب بمرض أو عاهة يحتاج من مجتمعه الى الدعاء ، ويحتاج الى الشفقة والرأفة ،و خاصة المحافظة على نفسية هذا المصاب بالمرض أو غير ذلك ، ولكن مما يؤسف له هذه الايام ما نشاهده و نقرأه من تفلت ديني، عبر مواقع التواصل الاجتماعي … أم نسميه التقاطع الاجتماعي ..؟!!! وصل الأمر ببعض المسلمين هداهم الله ،الاستهزاء حتى بالمريض ، بصور الكاريكاتير هذا الفن الساخر، وهو صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية ،!!!؟لا حول و لا قوة إلا بالله هذا أمر خطير ، يا مسلم مهما كانت بينكم العداوة ، لا يجوز للمسلم أن يستهزئ ويسخر من أخيه المسلم، أو يلمزه ، أو ينبز ه بالألقاب السيّئة. فالصورة التي يقدّمها ويريدها القرآن الكريم للمجتمع الإسلامي، قائمة على أساس الأخوّة "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"، وهي عكس ما تحقّقه السخرية والاستهزاء.
فالرابطة القوية التي تؤطّر المجتمع الإ يماني الصالح، وتشدّ بعضه بعضاً، هي الأخوة الإيمانية، التي تجعل المؤمنين فيما بينهم كالجسد الواحد، إذا تألّم عضو منه سهر له بقية الجسد بالحمى. وإنّ هذا المجتمع المبني على الأخوّة، لا يمكن أن يبقى موحّداً، وقوياً، ومتماسكاً، إذا دبّت فيه الأمراض الأخلاقية، كالسخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب، فإنّ هذه الأمور من أهم أسباب تفكيك المجتمع.
السخرية والاستهزاء بالغير آفة خطيرة تعصف بكثير منا، و يستمرئها كثير من المسلمين والمسلمات، ألا وهي السخرية والاستهزاء بالغير.اتفق العلماء على تحريم السخرية والاستهزاء لقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11).
السخرية، معناها: أن تستهين وتحتقر الغير؛ فإذا استهنت بالغير واحتقرته، ونبهت على عيوبه وذكرت نقائصه؛ فهذا هو المعنى الأساس للسخرية والاستهزاء. قد يستهزئ بالآخر أو بالآخرين، إن كانوا رجالاً أو نساءً، ممكن عن طريق المحاكاة، يعني: التقليد في الفعل وفي القول، يعني: إنسان يقلد إنساناً يحاكيه في أفعاله وأقواله، أو بإشارة معينة، أو بإيماءة معينة، أو بتلميح معين، فيفهم من يرى هذا أن فلاناً يستهزئ بفلان.
إن عائشة، رضي الله عنها، قالت: حاكيت إنساناً، يعني: قلدت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ما أحب أني حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا" (1). و في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (الكهف: من الآية 49)، ذكر بعض أهل العلم أن الصغيرة هي: التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة: القهقهة بذلك. يعني: أن تبتسم ابتسامة مستهزئا بمؤمن؛ هذا من الصغيرة التي لا يغادرها الكتاب الذي سوف يتعلق في رقبة كل واحد منا، والكبيرة: أن تقهقه بذلك.
قضية الاستهزاء موجودة على مر الزمن، فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) (المطففين:29-31)، هؤلاء الناس الذين يستهزئ الواحد منهم أو الجماعة منهم بمؤمن أو مؤمنة؛ فحسابهم عند الله عسير، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب على المبتلى بهذه الآفة الخطيرة. ولذلك ورد عن الحسن البصري، رحمه الله، أنه قال: "إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من الجنة، فيقال: هلمّ هلمّ، (أي: تعال تعال) فيجيء بكربه وغمه ( لأنه في جهنم والعياذ بالله)، فإذا أتاه أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر فيقال: هلمّ هلمّ فيجيء بكربه وغمه، فإذا أتاه أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن الرجل ليفتح له الباب فيقال له: هلمّ هلمّ، فلا يأتيه" (2). لذلك روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه؛ لم يمت حتى يعمله" (3) يعني لا أسخر من أي إنسان، من يدري؟!
إذاً المسألة لماذا تتكبر؟! لماذا هذا الكبر الذي يجعلك تستهزئ بالآخرين؟! تسخر من إنسان لأنه كثير الذنوب، يا أخ الإسلام، احمد الله على العافية أولاً، و ادعو الله له بالتوبة، و ادعو الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيده إلى طريق الصواب. تسخر من إنسان؛ لأنه ضعيف البنية أو فقد عضواً من أعضائه في حادثة أو غير ذلك؛ فتسخر وتهزأ وتجعله أضحوكة أمام الناس، ولا تتق رب العباد سبحانه وتعالى. هذه إهدار لآدمية من أمامك، إهدار لإنسانيته، إهدار لكرامته، إهدار لقيمته أمام الناس، وأنت ما عليك إلا أن تراعي أن التواضع شيم المؤمنين، إذ ما يتواضع إلا عظيم. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام يجعله فوق الجميع، ولكنه بتواضعه عاش واحداً بين الجميع. ومن تعليمه لأصحبه رضي الله عنهم
هذا أبو ذر ، رضي الله عنه، ، لما عير بلال بن رباح، رضي الله عنه، قائلاً: يا ابن السوداء، فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر، أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية" (4). لقد ألغى الإسلام الطبقية وألغى العصبية، ، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها منتنة" (5). فكلنا لآدم وآدم من تراب.
فيجب علينا أن نراعي قضية التواضع، و قضية عدم التكبر على خلق الله، عدم الاستهزاء بالناس، صغاراً كانوا أم كباراً، رجالاً كانوا أم نساءً. فالذي يسخر من الناس إنسان يضع نفسه في موضع كأنه من طينة غير الطينة التي خلق منها الناس.
يجب أن نحترم الناس ويجب أن لا نجرح شعور الناس، ولا نزرع الضغائن والأحقاد في داخل النفوس الإنسانية. فالنفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وكراهية من أساء .يجب أن يتقي كل واحد منا ربه ويمسك لسانه، ولا داعي لمثل هذه الآفات التي تعصف بالمجتمع. فالإنسان مكلف أن يحسن إلى خلق الله وأن يحسن إلى عباد الله، وألا يستشعر أبداً أنه من طينة غير الطينة، أو من تكوين غير التكوين، كلكم لآدم وآدم من تراب. والمؤمن مع أخيه كأسنان المشط، يعني: لا يتفاضل واحد على الآخر إلا بتقوى الله عز وجل، وهذا أمر لا يعلمه إلا الله رب العباد سبحانه وتعالى. أما أن ينزل نفسه منزلة فوق خلق الله، فيسخر من هذا ويهزأ من هذا، أبداً. كان عمر –رضي الله عنه- يقول عن أبي بكر: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا" (6). ويقصد بهذا بلال رضي الله عنه.
يجب على المسلم أن يراعي أنه يجلّ الناس ويحترمهم، فإذا أجللت الناس واحترمتهم، احترموك، وإذا وضعتهم في المكان اللائق كان هذا مدعاة إلى إثارة المحبة والود في المجتمع، لا أن نثير روح البغضاء و الشحناء. بين المسلمين
نسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يتوب علينا جميعا من هذه الآفة الماحقة، هذه الآفة الخطيرة، آفة الاستهزاء والسخرية من خلق الله.
ــــــــــــــ
1)- صحيح أخرجه أحمد في "المسند" (6/128)، وأبو داود في "السنن" (4/269) رقم (4875)، والترمذي في "السنن" (4/660) رقم (2502)، وصححه، وانظر: "الترغيب والترهيب" (3/327).
2)- انظر: "شعب الإيمان" (5/310)، و"الترغيب والترهيب" (3/374).
3)- حسن أخرجه الترمذي في "سننه" (2505) وحسنه، والطبراني في "المعجم الأوسط"(7244)، والبيهقي في"شعب الإيمان" (6697)، من حديث خالد بن معدان عن معاذ، ولم يسمع منه، وله شواهد عديدة من كلام ابن مسعود والحسن البصري، وقد قيد العلماء هذا التعيير إذا كان تاب من هذا الذنب، إما إن لم يتب فالنصيحة واجبة.
4)- أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/20) رقم (30)، ومسلم في "صحيحه"(3 / 1383) رقم (1661).
5)- أخرجه مسلم في "صحيحه" (4/1998) رقم (2584) من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما.
6)- انظر هذا في "سير أعلام النبلاء" (1/349).
السخرية صفة ذميمة في الانسان