الزيريون، بنو زيري، الصنهاجيون (في شمال إفريقية): سلالة بربرية حكمت في تونس و شمال الجزائر مابين 971-1152 م.
الزيريون أو بنو زيري: سلالة امازيغية من قبيلة صنهاجة الأمازيغية حكمت في شمال أفريقيا : تونس والجزائر ما بين 971-1152م.
ينتسب الزيريون إلى قبيلة صنهاجة البربر. استقروا في منطقة المغرب الأوسط (الجزائر). مع ظهور الفاطميين في إفريقية، اعتنق بنو زيري الدعوة الجديدة. كان قائدهم "زيري بن مناد" من كبار رجالات الفاطميين (التحق بهم سنة 935 م). قام الأخير بإنقاذ عاصمة الخلافة الفاطمية (المهدية) بعد أن حاصرها الخوارج. ولاه الفاطميون سنة 971 م إمارة في قلعة آشير (في الجزائر).، فكان ذلك أول عهد بنو زيري بالحكم. بعد رحيل المعز لدين الله إلى القاهرة أصبح بلكين بن زيري أميرا على إفريقية (حوالي 973 م).
تمتع بلكين بن زيري (971-984 م) باستقلالية أكبر عندما حكم بلاد تونس والشمال الجزائري (شرق البلاد ابتداء من قسنطينة)، تمكن من أن يمد في دولته غربا حتى سبتة. دخل الزيريون بعدها في صراع مع أبناء عمومتهم. منذ 995 م بدأت تتفرع عنهم سلالات أخرى، كفرع الزيريين الذي حكم في غرناطة، ثم الحماديين سنوات 1007-1015 م.
قام المعز بن باديس (1016-1062 م) سنة 1045 م بالدعوة للخليفة العباسي في بغداد. كرد فعل، قام الفاطميون و منذ 57/1058 م بتشجيع قبائل بني هلال العربية على غزو إفريقية. انحصرت رقعة الدولة أثناء عهد تميم (1062-1108 م) في المناطق الساحلية حول تونس. منذ 1148 م و مع غزوات روجر الثاني (النورمندي، ملك صقلية) فر آخر الملوك الحسن (1121-1148/52 م) عند أقربائه من حكام الجزائر. ثم قام بتسليم المدينة عند مقدم الموحدين سنة 1152 م.
يرجع نسب «بنى زيرى» إلى قبيلة «صنهاجة» البربرية؛ التى تنتمى إلى فرع من «البرانس»، ولم تكن «صنهاجة» مجرد قبيلة؛ بل كانت شعبًا عظيمًا، لا يكاد يخلو قطر من أقطار «المغرب» من بطونه وأفراده، مما دفع «ابن خلدون» إلى القول بأنهم يمثلون ثلث البربر. وقد سكنت «صنهاجة» فى مساحات شاسعة؛ امتدت من «نول لمطة» فى جنوب «المغرب الأقصى» إلى «القيروان» بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل «ابن خلدون»- تتوافق مع طباعهم، ورغبتهم فى الابتعاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من الغلبة والقهر. وظهرت أسرة «بنى زيرى» -فى أول أمرها- فى طاعة الفاطميين، وتعاونت معهم فى صد الأخطار التى تعرضت لها دولتهم بالمغرب، وكان أول اتصال بينهما فى عهد «المنصور الفاطمى»، حين قدم «زيرى بن مناد» وأهل بيته وقبيلته لمحاربة «أبى يزيد الخارجى» فى سنة (335 هـ=946م)، فخلع عليه «المنصور»، ووصله، وعقد له على أهل بيته وأتباعه وقبيلته، فعظم شأنه، وصار «بنو زيرى» أعوانًا وأتباعًا للفاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهاجيين، وقبائل «زناتة»، لأن «زناتة» كانت دائمة الإغارة على ممتلكات «الدولة الفاطمية». وحين عزم «المعز» على الرحيل إلى «مصر» فى سنة (361 هـ= 972م) للانتقال إليها بخلافته، وقع اختياره على «يوسف بُلكِّين ابن زيرى بن مناد الصنهاجى» ليتولى الإمارة بالمغرب خلفًا للفاطميين. 1 – يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد الصنهاجى [362-373 هـ= 973 – 983م]: عينه «المعز» على ولاية «المغرب»، واستثنى من ذلك «طرابلس المغرب»، و«أجدابية» و«سرت»، وعين معه «زيادة الله ابن القديم» على جباية الأموال، وجعل «عبدالجبار الخراسانى» و«حسين بن خلف» على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيرى. واجه «يوسف» عدة ثورات واضطرابات بالمغرب، كان منها عصيان أهل «تهيرت»، ثم سيطرة قبيلة «زناتة» على مدينة «تلمسان»، وقد توجه إلى «تهيرت» بجنوده وأعادها إلى طاعته، كما توجه إلى «تلمسان» وأعادها إلى حكمه فى سنة (365 هـ= 976م). وفى سنة (373 هـ=984م) خرج الأمير «يوسف» على رأس جيوشه لاستعادة «سجلماسة» من أيدى بعض الثوار الذين استولوا عليها، ولكنه أصيب بمرض أودى بحياته فى شهر ذى الحجة سنة (373 هـ= مايو 984م). 2 – المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيرى [373 – 386 هـ= 984- 996م]: أوصى الأمير «يوسف بلكين» قبل وفاته بالإمارة من بعده لابنه «المنصور» الذى كان بمدينة «أشير» حين بلغه خبر وفاة والده، وأقبل عليه أهل «القيروان» وغيرها من المدن، لتعزيته، وتهنئته بالولاية، فأحسن إليهم وقال لهم: «إن أبى يوسف وجدى زيرى، كانا يأخذان الناس بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتاب، ويُعزل بكتاب»، وقصد «المنصور» من ذلك أن الخليفة الفاطمى بمصر لا يقدر على عزله بكتاب. وقد واجهت «المنصور» عدة مشاكل، كانت منها غارات قبائل «زناتة» المستمرة على المدن المغربية فى سنة (374 هـ= 985م)، واستيلاء «زيرى بن عطية الزناتى» على مدينتى «فاس» و«سجلماسة»، مما دفع «المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير». ثم تصدى الأمير «المنصور» فى سنة (376 هـ= 986م) لعمه «أبى البهار» الذى نهب مدينة «تهيرت»، ففر «أبو البهار» أمامه، ودخل «المنصور» المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء. ثم تُوفى فى يوم الخميس (3 من ربيع الأول سنة 386 هـ= مارس 996م)، ودُفن بقصره. 3 – باديس بن المنصور [386- 406 هـ= 996-1015م]: وُلد «باديس» فى سنة (374 هـ=985م)، وتكنى بأبى مناد، وخلف أباه على «المغرب» فى سنة (386 هـ=996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية من «الحاكم بأمر الله الفاطمى» من «مصر»، وبايع للحاكم، وأعلن تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»، وولاه عليها، وأعطاه خيلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هى نقطة البداية لانقسام «بنى زيرى» إلى أسرتين: تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى فى «ليبيا» و«تونس»، وتحكم الأخرى – أسرة «بنى حماد» – فى «الجزائر»، متخذة من قلعة «بنى حماد» مقرا للحكم. وانفرد «بنو حماد» بإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير «باديس» على البلاد. وقد واصل «باديس» مطاردة «زناتة، وأُخبر فى سنة (387 هـ= 997م) بأن «زيرى بن عطية الزناتى» قد اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث إليه بجيشه لمواجهته، ولكن الجيش هُزم على أيدى الزناتيين، فاضطر الأمير «باديس» إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم فى «أشير»، فلما علم الزناتيون بذلك انطلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينة، فدخلها «باديس»، وأقر الأمور بها، ثم مات فى سنة (406 هـ= 1015م). 4 – المعز بن باديس [406 – 453 هـ= 1015 – 1061م]: أُخذت البيعة للمعز بمدينة «المحمدية»، وتولى الأمر يوم وفاة أبيه وفرح الناس بتوليته لما رأوا فيه من كرم ورجاحة عقل، فضلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه. وقد حدثت فى عهده بعض التطورات، حيث ألغى المذهب الشيعى، وخلع طاعة الفاطميين، ودعا على منابره للعباسيين، وتصالح مع أبناء عمومته الحماديين سنة (408 هـ= 1017م)، وواصل مطاردة «قبائل زناتة» جهة «طرابلس»، فى أبناء «حماد». ثم أُصيب «المعز بن باديس» بمرض فى كبده أودى بحياته فى سنة (453 هـ= 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة. 5 – تميم بن المعز بن باديس [ 453-501 هـ= 1061 – 1108م ]: وُلد بالمنصورية فى منتصف رجب سنة (422 هـ= يونيو 1031م)، ثم تولى إمرة «المهدية» فى عهد والده «المعز» فى سنة (445 هـ=1053م)، ثم خلف والده فى الإمارة فى سنة (453 هـ= 1061م)، فواجه عددًا من الاضطرابات والقلاقل، حيث سيطر العرب الهلاليون على كثير من مناطق «إفريقية»، وثار عليه أهل «تونس» وخرجوا عن طاعته، فأرسل إلى «تونس» جيشًا، حاصرها سنة وشهرين، فلما اشتد الحصار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم» إلى «المهدية»،ثم ثارت عليه مدينة «سوسة» فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم. وقد تعرضت «المهدية» فى عهده لهجمات الهلالية، لكنه تمكن من صدهم، ثم حاصر «قابس» و«صفاقس»، واستولى عليهما من أيدى الهلالية الذين كانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته فى «الجزائر»، وزوج ابنته للناصر بن علناس أمير «الجزائر»، وأرسلها إليه فى موكب عظيم، محملة بالأموال والهدايا. ثم تُوفى فى سنة (501 هـ= 1107م). 6 – يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 – 509 هـ= 1107- 1115م]: ولد بالمهدية فى (26 من ذى الحجة سنة 457 هـ)، وولى الإمارة وعمره ثلاث وأربعون سنة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة فى الرعية، ثم فتح قلعة «أقليبية» التى استعصى على أبيه من قبل فتحها، كما جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغارة على الجزر التابعة لدولة الروم فى البحر المتوسط، ومات فجأة فى يوم عيد الأضحى سنة (509ه – 1115م). 7 – على بن يحيى بن تميم [ 509 – 515 هـ= 1115 – 1121م ]: لم يكن الأمير «على» حاضرًا بالمهدية – التى وُلد بها – حين وفاة والده، فلما وصل إليه الخبر، حضر مسرعًا، ودفن والده، وتولى الإمارة خلفًا له، ثم جهز أسطولاً كبيرًا لمهاجمة جزيرة «جَرْبَة»، لأن أهلها قطعوا الطريق على التجار، وتمكن الأسطول من إخضاع الجزيرة، وأمَّن الأمير أهلها وعفا عنهم، ثم قضى على عصيان «رافع» عامله على «قابس»، الذى سعى إلى شق عصا الطاعة وحشد الجموع لمهاجمة «المهدية». وقد تُوفى الأمير «على» فى العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة (515 هـ= يونيو 1121م). 8 – الحسن بن على بن يحيى [515 – 543 هـ= 1121 – 1148م]: ولى الإمارة عقب وفاة والده الأمير «على»، وكان عمره آنذاك اثنتى عشرة سنة، فقام «صندل الخصىّ» بإدارة شئون الحكم، إلا أنه تُوفى بعد فترة قصيرة، فتولى القائد «أبو عزيز موفق» الإشراف على أمور البلاد، وتمكن من صد الأسطول الرومى الذى هاجم بعض حصون الزيريين فى سنة (517 هـ= 1123م)، وكذلك ألحق الأمير «الحسن» الهزيمة بجيش «يحيى بن عبدالعزيز بن حماد» أمير «بجاية» الذى جاء لمهاجمة «المهدية» والاستيلاء عليها فى سنة (529 هـ= 1135م). وفى سنة (537 – 543 هـ= 1142 – 1148م) حل القحط بإفريقية واستغل ملك «صقلية» ذلك وجهز أسطولاً كبيرًا، وتوجه به قاصدًا «المهدية»، ولم يستطع «الحسن» الدفاع عنها، وهرب بأهله ومتاعه إلى أبناء عمومته من «بنى حماد»، فوضعوه وأهله تحت الحراسة، ومنعوه من التصرف فى شىء من أمواله، ودخل الروم مدينة «المهدية» دون قتال أو ممانعة، فسقط حكم «بنى زيرى»، وسقطت إمارتهم، وكان «الحسن بن على» آخر أمراء «الدولة الزيرية». شكلت العلاقات الزيرية الفاطمية حجر الزاوية فى وضع «بنى زيرى» بالمغرب؛ إذ أسفرت هذه العلاقات عن هجوم القبائل الهلالية على أقاليم «الدولة الزيرية»، بمساعدة الفاطميين فى «مصر» وتوجيههم، وكان ذلك سببًا رئيسيا فى سقوط «بنى زيرى» وانتهاء دولتهم، كما اتخذ «المعز بن باديس» خطوات جريئة فى سبيل الاستقلال بإمارته عن الخلافة الفاطمية، حين قاطع أهل «إفريقية» صلاة الجمعة بالمساجد لأنها تمثل المذهب الشيعى، فضلا عن نبذ الرعية للمذهب الشيعى وتمسكهم بالمذهب المالكى، وبدأ «المعز» فى السعى إلى الاستقلال عن الفاطميين وراسل الخلافة العباسية فى سنة (435 هـ= 1044م)، وبعث رسولاً من قِبله إلى «بغداد» ليأتيه بالعهد واللواء، ورحب «العباسيون» بذلك، للانتقام من الفاطميين، واسترجاع بعض مظاهر سيادتهم على هذه المناطق التى انفصلت عنهم منذ زمن بعيد، وبعثوا بالعهد واللواء مع «غالب الشيرازى» أحد رجالهم، ولكن «غالب» وقع فى قبضة الروم، وأرسلوه إلى أصدقائهم الفاطميين بمصر، فأحرق الفاطميون العهد واللواء، وطافوا بالرجل فى شوارع «القاهرة»، فقطع «بنو زيرى» علاقتهم بالفاطميين، وعادوهم ولعنوهم على المنابر، ودعوا للعباسيين، ثم دعموا استقلالهم وارتباطهم بالعباسيين، وهدموا دار «الإسماعيلية»؛ مركز نشر الدعوة الفاطمية بالبلاد، وغَيَّروا العملة، واتخذوا اللون الأسود شعار العباسيين رمزًا لهم. وقد حاولت الخلافة الفاطمية إرجاع العلاقات إلى ما كانت عليه بالترغيب والترهيب حتى وصل «اليازورى» إلى منصب الوزارة وقبض على مقاليد الأمور بالخلافة، فعمد إلى تشجيع القبائل الهلالية على التوجه إلى «القيروان» وأطلق لها العنان فى التدمير والتخريب، وامتلاك كل ما يقع تحت سيطرتها. ويرجع تشجيع الوزير الفاطمى لهذه القبائل لعدة أمور، منها: رغبته فى الانتقام من «المعز بن باديس»، وتوفير الأموال الطائلة التى ستنفقها الجيوش إذا ما خرجت إلى المغرب لمحاربة «بنى زيرى»، فضلاً عن أمله فى التخلص من القبائل الهلالية ذاتها؛ لأنها تشكل مصدر إزعاج وقلق للسلطة الحاكمة بالقاهرة. وقد فرض الوزير الفاطمى «اليازورى» دينارًا وبعيرًا لكل رجل من «الهلالية»، فخرجت هذه القبائل قاصدة «القيروان» واستولت على مدينة «برقة» دون مقاومة، وتقاسمت فيما بينها المناطق الشرقية، واستأثرت بعض قبائل «بنى هلال» بالمناطق الغربية، واتجهت جموع «دياب» و«عُرف» و«زغب». وبقية البطون الهلالية إلى «إفريقية»، واستولوا على «سرت» و«أجدابية» ودمروها، كما دمَّروا بقية المدن والقرى فى طريقهم إلى «القيروان». وخرج «المعز بن باديس» بجيشه وجموع «زناتة» و«صنهاجة» و«عبيدة» لملاقاة الهلاليين، ولكنهم تغلبوا عليه وهزموه على الرغم من أن عددهم كان لا يتجاوز ثلاثة آلاف فارس، فى حين بلغ تعداد جيش «المعز» ثلاثين ألف مقاتل، وأسرع المعز إلى «القيروان» وأقام حولها سورًا لحمايتها فى سنة (446 هـ= 1054م)، ثم أمر السكان من النساء والأطفال والشيوخ بالانتقال إلى مدينة «المهدية» الحصينة للاحتماء بها، فلما يئس من حماية «القيروان»، انتقل برجال دولته وحاشيته إلى «المهدية»، فدخلها الهلاليون فى سنة (449 هـ= 1057م). ولم يمكث «المعز» طويلا بعد سقوط «القيروان» والكثير من مدن دولته، وتوفى بالمهدية فى سنة (453 هـ= 1061م)، ومن ثَم انهار الحكم الزيرى بالمنطقة، وتحكمت فيها القبائل الهلالية، وامتد تأثيرهم السياسى حتى وصل إلى «المغرب الأوسط»، وهادنهم «بنو حماد»، وأعطوهم نصف غلات بلادهم اتقاء لشرهم، ودفعًا لأذاهم وخطرهم. كانت الزراعة هى دعامة الحياة الاقتصادية فى المنطقة، التى تمتعت بالهدوء والاستقرار فى ظل الحكم الزيرى فيما عدا الفترة التى شهدت هجوم العرب الهلالية على البلاد، وقد ساعد تطور نظام الرى على تطور الزراعة، فعرفت المنطقة زراعة «القطن» و«قصب السكر» و«الشعير» وازدهرت زراعة «التمر» و«العنب» و«الموز»، ولعبت تربية الأغنام دورًا مهما فى حياة الفلاح المغربى. وقامت الأسواق المنتشرة بالمدن المغربية بدور مهم فى تنشيط الحركة التجارية؛ حيث كانت هناك أسواق: البزازين، والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وغيرها من الأسواق التى ساعدت على ازدهار التجارة، وبخاصة فى مدينة «القيروان»، فأصبحت «المغرب» بلدًا غنيا، وباتت قبلة تجار الشرق والغرب. ونشطت حركة التصدير والاستيراد بها، واشتهرت مدينة «باجة» بتصدير كميات كبيرة من «القمح»، كما صُدِّر «زيت الزيتون» عن طريق ميناءى «سوسة» و«صفاقس» إلى بلدان المشرق، وبلاد «أوربا»، فأدى هذا الازدهار إلى تطور الصناعات، وعرفت المدن المغربية صناعات «النسيج» و«الجلود»، و«الأوانى الفخارية»، وغيرها من الصناعات المتنوعة. أما الناحية الفكرية: فقد شهدت ازدهارًا كبيرًا وتطورًا ملحوظًا، وبخاصة فى مدينة «القيروان» التى أصبحت فى طليعة العواصم الإسلامية ذات الأثر فى تاريخ الفكر الإسلامى، وشهدت مساجد المغرب المناظرات الفقهية والكلامية بين الشيعة، والمالكيين من أهل السنة، وصمد علماء المذهب المالكى وفقهاؤه رغم ما لاقوه من سجن وتعذيب على أيدى الشيعة الفاطميين، وتعلق السكان بهذا المذهب، وأصبح مذهبهم الرسمى منذ ذلك الوقت حتى الآن. وتطورت الحركة الأدبية فى عهد «المعز بن باديس» الذى اشتهر بتشجيع أهل الأدب والعلم، وأحسن معاملتهم، مثلما أخبرعنه «ياقوت» بقوله: وكانت «القيروان» فى عهده وجهة العلماء والأدباء، يشدون إليها الرحال من كل فجّ، لما يرونه من إقبال «المعز» على أهل العلم والأدب وعنايته بهم. ثم كان لاختلاط الهلاليين بسكان «المغرب» أثره الكبير فى تعريب جزء من هؤلاء السكان، حيث امتزج المغاربة بالعرب الهلاليين على مر الأيام، وتزاوجا، فاختلطت الدماء، وتعلم سكان البلاد الأصليون لغة الوافدين العرب، فانتشرت اللغة العربية فى مناطق كثيرة من المغرب، ومن ثم انتشرت الثقافة العربية بهذه البلاد