الرغبة في إثبات النفس كشخصية مستقلة وبوهيمية متميزة لمن تكون
يكذب من يقول بأنه لا يهتم برأي الآخرين به ويكذب أكثر من يقول بأنه يعيش حياته لنفسه لا للناس. قد نختلف هنا وقد نتفق لكن هل يستطيع أحد منا أن ينكر بأنه عندما فتح خزانة ملابسه صباح اليو
م لانتقاء ما سيرتديه لم يأخذ بالاعتبار من سيقابل وأين سيذهب قبل أن يستقرّ رأيه على ما اختاره؟
وليكن أن أحدا أجاب بالنفي وأصرّ على أن اعتبارات الآخرين لم ولن تدخل في حسابات إطلالته الحالية أو المستقبلية وأنه صاحب شخصية مستقلة بحد ذاتها لا يهتم لما سيقوله الآخرون عنه إن اختار أن يرتدي بنطالا برتقاليا وقميصا بنفسجيا وقبعة حمراء وخرج ليتمشى وسط البلد! لكن هذه الرغبة في إثبات النفس كشخصية مستقلة وبوهيمية متميزة لمن تكون؟ أليست للناس أيضا؟
وبدلا من أن ندخل في جدل حول الموضوع بين مؤيد ومعارض فلنلجأ لمن سبقنا بتحليل هذه الموضوع وإشباعه براهينا سيّد الوجودية سارتر الذي يقول لنا بأن الجحيم ليس سوى الناس الآخرين ولكل منا جحيمه الذي يقوده إلى بذل الجهد والمال والوقت والعاطفة لكسب رضاه أو في أضعف الإيمان تجنب انتقاده.
نظرة الآخرين لنا هي بنفس أهمية نظرتنا لأنفسنا لأن تلك النظرة تحدد ملامح شخصيتنا كأفراد في المجتمع وتؤطر طريقة تعاملهم معنا وبالتالي نصبح فعلا نتاج انطباعاتهم عنّا، وسواء كانت هذه الانطباعات سلبية أو إيجابية سنستمر بمحاولة تعزيزها أو ضحدها في عقول من حولنا.
طبعا، كما في كل شيء، هناك تفاوت في مدى تفانينا كأشخاص نحو كسب رضا الآخرين فهناك من يتجرد تماما من شخصيته وينزع كل نقاط التعجب التي قد تثار حوله ويتحول إلى جملة مملة خالية من الدهشة وهناك من لا يتوقف عن إدهاشنا بألوانه البرتقالية والبنفسجية والحمراء. فأين أنتم من هذا ومن ذاك؟