للشيخ أبي العباس أحمد عماني الجزائري
إمام وخطيب مسجد القدس – برج الكيفان
إن الذين يحبهم الله كثيرون، وإنّ الذين لا يحبهم كثيرون وهم أكثر من الذين يحبهم، فهل نحن أخي من الذيّن يحبهم؟، فهل نحن أخي القارئ الكريم ممّن يحبّهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
لنتعرف في هذا المقال على جملة من الأقوال والأفعال التي يحبّها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. كثير من النّاس يدّعي محبّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكنّ الصادقين في المحبّة قليلون، فقد ادعى المحبّة أقوام لا خلاق لهم من اليهود والنصارى، فكذّبهم الله قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير}[المائدة:18].
وقد يدّعي المحبّة لله ولرسوله أناس لا يصلّون ولا يصومون ولا يزكّون وهم يظلمون الناس لا لشيىء إلاّ لكونهم أصحاب أموال ومناصب ووجاهة.
فيظنون أنّ الله أعطاهم ذلك لكونه يحبهم ويحبونه وقد جهل هؤلاء أنّ الله أعطى المال والجاه للمشركين والكافرين، فقد أعطى ذلك لفرعون وهامان وقارون فهل يحبهم؟ إنّ الله يعطي الدّنيا لِمَن يحب ولِمَن لا يحب لِهوانها عليه، ولكنّه لا يعطي الدّين والإيمان إلاّ لمن يحب، قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: "إنّ الله تعالى يعطي الدّنيا مَن يحب ومَن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلاّ من يُحب، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الإيمان" [رواه بن شيبة وغيره].
فالإيمان الصادق هو العلامة على محبة الله لعبده ومحبة العبد لربّه والدعاوى إن لم تقيموا عليها بيّنات أصحابها أدعياء، وقال تعالى: { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين}[البقرة:111].
وقد امتحن الله أناسا ادعوا محبّته فقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[آل عمران:31]، فمن زعم أنّه يحبّ الله ورسوله ولم يتّبع نبيّه مخلصا في ذلك فهو كاذب في دعواه، ومن اتّبع نبيّه مخلصا فقد أحبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا أحبّ الله أحبّه الله وغفر له ذنبه.
قال الحسن بن محمد بن حنفية: "مَن أحبّ حبيبا لم يَعْصِهِ".ثم قال:
لوكان حبَّك صادقا لأطــــــعته……….إن المحبَّ لمن يحب مطـــيع
وقال ابن القيم في قصيدته "النونية":
فإذا ادّعيت له المحبة مع خلا ………فك ما يحبّ فأنت ذو بــهــــــتانِ
أتحبّ أعــداءَ الحبيبِ وتدّعي ………..حباً له ما ذاك في إمكــــــــانِ
وكــذا تعادي جاهـداً أحبابَـــه …………أين المحبةُ يا أخـا الشيـــطــانِ
ومن أعظم علامات الإتباع أن تحبّ كلام محبوبك، أن تحب القرآن الكريم الذي أنزله الله هدى ليخرج به النّاس من الظلمات إلا النّور وحبّه يكون بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وبتعّليمه وتعلمه والعمل به والدّعوة إليه، وعدم هجره، وتحبيب تلاوته للنّاس، قال عبد الله بن مسعود : "من أحب أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله" [أخرجه البيهقي في الشعب].
فاجتهد أخي القارئ غاية الإجتهاد في تعلم القرآن وتعليمه والعمل به والقيام به وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن الله أحبَّ من أحبَّ بعض سور القرآن، وأنه أدخله الجنة بحبّه لها فَتَعَرَّفْ على هذه الاحاديث حتى تعمل بما يحبُّهُ الله فيحبّك وتكون من أهل الجنة.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سريِّة فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}[الإخلاص:1].
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك"؟، فسألوه فقال : "لأنها صفة الرحمان وأنا أحب أن أقرأ بها"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله يحبه ". وفي سنن الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم في الصلاة فقرأ بها افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}[الإخلاص:1]، حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: "إنك تقرأ بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها، وتقرأ بسورة أخرى، قال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت وإن كرهتم تركتكم"، وكانوا يرونه أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: "يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة"، فقال: يا رسول الله إني أحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن حبها أدخلك الجنة ".فحب سورة الاخلاص خصوصا والقرآن عموما يدخل العبد الجنة ويجلب له محبة الله عز وجل .ومن علامات المحبة الصادقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم محبة آل بيته الأطهار، ومحبة الصحابة من المهاجرين والأنصار، ولهذا كان عظماء الصحابة يحبون قرابة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حبهم لقراباتهم، فهذا أبو بكر الصديق يقول: "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي".
وهذا عمر بن الخطاب يقول مخاطبا العباس بن عبد المطلب: "والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب (وهو والد عمر بن الخطاب) لو أسلم، وما بي إلا أني عرفت أن إسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم ".[السلسلة الصحيحة ج 3341]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لايحب الأنصار إلا مؤمن ,ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله ". ومن علامات المحبة الصادقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم الإستسلام والإنقياد التام لأوامر الله ورسوله وعدم تقديم ما تحب على ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل ولسان حالك ومقالك يقول :
ولو قلتَ لي مُتْ مُتُّ سمعا وطاعة ……..وقلتُ لداعي الموت أهلا ومرحبا .
قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}[الأحزاب:36].
فإذا قدمتَ ما تحبُ على ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فَجَدِدْ إيمانك وصَحِّح محبتك، قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين}[التوبة:24].
وعلامة تقديم محبة الله ورسوله على محبة كل مخلوق أنه إذا تعارض طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوامره وداع آخر يدعوا إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة (الولد، الزوجة، الدنيا، المال…) فإن قدَّم العبد طاعة الرسول وامتثال أوامره على ذلك الدَّاعي كان ذلك دليلا على صحة محبته، وإن قدَّم شيئا مما يحبه على طاعة الله ورسوله كان ذلك دليلا على عدم الإتيان بالإيمان الواجب عليه، وعليه أن ينتظر العذاب وهو من الفاسقين، فعليه بالتوبة والرجوع إلى الله.
ومن علامات المحبة الصادقة أن تكثر من ذكر الله بالكلام الذي يحبه، لا بالكلام الذي يبتدعه الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ". [متفق عليه].وقال أيضا : "أحب الكلام إلى الله أربع : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت " [رواه مسلم].ورضي الله عن أبي الدرداء إذ يقول : "إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله، يدخلون الجنة وهم يضحكون"[رواه بن أبي شيبة].
ومن الأعمال الصالحة التي تجلب لك المحبة، الصلاة على وقتها وبر الوالدين، فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم :أي العمل أحب إلى الله؟" قال: "الصلاة على وقتها، قلت ثم أي ؟ قال: بر الوالدين".[متفق عليه].
وقد أخبر الله في كتابه أنه يحب المتقين، والمحسنين، والتوابين والمتطهرين والمقسطين والمتوكلين، وأنه لا يحب الظالمين والكافرين والمعتدين، والمفسدين، وبالجملة فكل طاعة تعملها تحببك إلى الله وكل معصية تعملها تبغّضك إلى الله، فأسع واجتهد في فعل الطاعات واجتناب المعاصي واتبع ولا تبتدع، فالخير كل الخير، في الإتباع والطاعة، والشر كل الشر في الابتداع والمعصية، ورضي الله عن أبي الدرداء حكيم هذه الأمة إذ قال: "إنّ أحب العباد إلى الله، الذين يحبون الله ويحببون الله إلى عباده "، وقال أيضا: "إن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله وإذا أحبه الله حبّبه إلى خلقه وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله، بغّضه إلى خلقه ".
بارك الله فيك
بارك الله فيك
وفيكم بارك الله