يُحْكىْ أْنَّ صَيادًا نَصَبَ يَومًا شَبكتهُ و نَثَرَ عَليها الحَبَّ ، و فخاً قَريبًا مِنْهَا ،فلَمْ يَلبَث إلاَّ قليلا حتَّى مَرَّت به حَمَامة يُقالُ لَهَا «المُطَوَّقَة» ،وهِيَ سَيِدَةُ الحَمَامِ ، و كاَنَ مَعَهَا حَمَامٌُُ كَثِير .
فَعَمَيت هِيَ وَ صَوَاحِبُهَا عَنْ الشِّرَكِ ، فَوقَعْنَ عَلَىَ الحَبِ يَلتقطْنَهُ ، فَعَلقْنَ فِي الشَّبَكَةِ كُلُّهُن َ، وَ أقبَلَ الصَّيََّادٌ فَرِحًا مَسْرُورًا ، فجَعَلتْ كـُلُّ حَمَامَةٍ تَتَمَلْمَلُ فِي حَبَائِلِ الشَّبَكََةِ ، وَ تَلتَمِسُ الخَلاَصَ لِنًفْسِهَا ، فقَالتْ المُطَّوقَة: ((لاَ تَخَاذَلنَ فِي التَّخَلُصِ مِن المَصْيَدَةِ و لاَ َتُكَنْ نَفْسُ إحدَاكُنَّ أهَمَّ إليْهَا مِنْ نَفْسِ صَاحِبَتِهَا ، ولَكِّنْ نَتَعَاوَنُ جَمِيعًا وَ نَطِيرُ كَطَائِرٍ وَاِحٍد، فَيَنْجُو بَعْضُنَا ببعض)).
استعَدَتِ الحَمَامَات ُ، وَ عِنْدَ إشَارَةِ الحَمَامَة المُطَّوَقَةِ ، وَثَبْنَ وَثْبَةً وَاحِدَةً ، وَ عَلَوْنَ بِهَا فِي الجَّوِ وَ لَمْ يَقٌطَعِ الصَّيََّادُ رَجَاءَهُ مَنَ الحَمَامَات ، وظَنَّ أَنَهُنَ لاَ يَطِرْنَ إلاَّ قِليلاً حَتَّى يَقعْنَ ، فقَالَ : لأَتْبَعَنَهُنَّ وَ أنْظرُ مُا يَكُونُ مِنْهُنَّ ، وَ عِندمَا رَأَتِ المُطَوَّقَة الصَّيََّادٌ يتَبَعُهُنَّ ، قَالَتْ للحَمَامِ :هَذَا الصَّيََّادٌ جَاءَ فِي طَلبكُنَّ ، فإنْ بَقَينَا فِي الفَضَاءِ لَمْ يَخْفَ عَليْهِ أمْرُنَا وَ لَمْ يَزَلْ يَتبَعُنَا ، وَ إِنْ نَحْنُ تَوَجَّهْنَا إلىَ العُمْرَانِ خَفِيَ عليْهِ أمْرُنَا وَ انْصَرَفَ ، وَ أنَا أَعْرِفُ جُرْذًا هُوَ لِي صَدِيق ، فلَوْ انْتَهَينَا إلَيْهِ لقطَعَ عََـنَّا هَـذا الشِرَك ، فَـفَعَلْنَ ذَلك ، ويَئِسَ الصَّيََّادٌ مِنْهُنَ فانْصَرَفَ.
لَمَّا انتَهَت الحَمَامَة المُطَوَّقَة إلى الجُرَذِ ، أمَرَتْ الحَمَامِ أنْ يَقَعْنَ علَى الأرْضِ فَوَقَعْنَ . فَنَادَتْ المُطَوَّقَة الجُرَذِ بِاِسْمِهِ وَ كانَ اسْمُهُ «زَيْرَكْ » فأجَابَهَا الجُرَذِ مِنْ حُجْرِهِ : مَنَْ أَنْتِ ؟ قَالَتْ : أنَا صَدِيقتُكَ المُطَوَّقَة ، فَأقْبَل زَيْرَكْ يَسْعَى ، ثمُ َأخَذَ فِي قَرْضِ الشِّرَكِ مِنْ جِهَةِ الحَمَامَة فقَالَتْ لَهُ : ابْدَأْ بِالقطْعِ مِنَ الجِّهَةِ الَّتِي بِهَا سَائِرُ الحَمَامِ ، وَ بَعْدَ ذَلك أقْبِلْ عَلَى جِهَتِي ، وَ أَعَادَتْ عَليْهِ ذلِكَ مِرَارًا ، وَ هُوَ لا يَلتفِتُ إلَى قَوْلِهَا ، فلَمّاَ أكْثَرَتْ عَليْهِ القوْلَ ، وكَََرَرَتْ القوْلَ، قَالَ لهَا : لقَدْ كرَرَتِ القوْلَ كأنك لا تُشفقين َعَلىَ نَفْسِكِ ، وَ لاَ تُرَاعِين َلَهَا حَقًا فقالَتْ : أخَافُ إنْ أنْتَ بَدَأْتَ بِقَطْعِ جِهَتِي أنْ َتَمَلَ وتكْسَلَ عَنْ قَطْعِ مَا بَقِيَ ، وَ عَرَفْتُ أنَّكَ إنْ بَدَأْتَ بِهِنَّ قبْلِي ، وِكُنْتُ أنَا الأَخِيرَةَ لَمْ تـَرْضَ أنْ أَبْقىَ فِي الشِّرَكِ حَتَّى وَ إنْ أَدْرَكْتُ الفُتُوَر ، قـَالَ زَيْرَكْ :هَذَا مَا يَزِيدُونِي فِي احْتِرَامِي وَ مَوَدَّتِي لـَكِ ، ثُّمَ وَاصَلَ قَرْضَ الشَّبَكَةِ حَتََّى فـَرَغَ مِنْهَا ، فانْطَلقَت المُطَوَّقَة وَ مَعَهَا صَوَاحِبُهَا ، وَهُـنَّ يَشْكُرْنَ الصَّدِيقَ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِ.