يجيب مزراق في هذه الحلقة عن العديد من الأسئلة المطروحة عن شرعية العمل المسلّح ومن أفتى لهم بجواز ذلك من العلماء، ويفسّر ـ حسب رأيه ـ سبب سكوت العلماء عن مناصرتهم جهارا، وأن مرذ ذلك خوفهم من القتل وهو دليل على موافقتهم على هذا المسلك، كما يتعرّض إلى شخصيات إسلامية كالشيخ شيبان والألباني وموقفيهما من العمل المسلح، ليؤكّد في الأخير بأنّ العمل المسلح ومقارعة الأنظمة ليس بدعا منهم ولكنه جزء من التاريخ الإسلامي.
علماء الأمة من أهل السنّة والجماعة، على ما نقرأ لهم ونشاهد ونتابع يجمعون على تحريم الخروج عن الحاكم بالسلاح إلا إذا كان كافرا، وأنت ـ حسب شهادتك ـ لست من الذين يكفّرون النظام لكن جماعة الهجرة والتكفير يكفّرون النظام وقطاعات من الشعب الجزائري، فما مبرر اعلان الجهاد؟
في الحقيقة يجب أن تفهم ويفهم القارئ، أننا لما حملنا السلاح لم نكن نحتاج إلى فتوى أو البحث عنها .
الجهاد وما أدراك ما الجهاد، ألا يحتاج إلى فتوى!
لأننا أجبرنا على الدفاع عن أنفسنا، فنحن ظلمنا وطردنا وقتلنا، ووجدنا أنفسنا في وضع دفاع بأي وسيلة كانت، لم يكن لدينا الوقت للتفكير في فتواك التي ذكرتها، ولا العالم الذي يفتي لنا ولا الذي يبحث عنّا، الذي أفتى لنا هو النظام، الذي أفتى بالقتال والعمل المسلح في الجزائر بأفعاله الطغيانية.
تقول أن مرجعيتك إسلامية، ثم تعلن الجهاد دون أن تبحث عن فتوى عالم، أنا شخصيا لم أجد لهذا تفسيرا؟
نحن لم نعلن الجهاد ولا أحد فعل ذلك، جد لي أي بيان أعلن فيه شخص الجهاد في الجزائر، فالذي أفتى بذلك هو النظام الذي أجبر الشباب على يدافع عن نفسه، لأن هؤلاء الشباب لم يجد مفرا أو مهربا إما النفي في الصحراء أو السجن أو الهجرة إلى الخارج، فتصرف من تلقاء نفسه من باب الدفاع عن النفس، وهو المبدأ الذي أقرته جميع الشرائع السماوية، وأقره القانون الدولي في كل الشعوب، إن كنت تبحث عن الناس الذين يبحثون عن الفتوى، دعني أقول لك بصراحة أن كل الحركات الإسلامية بدون استثناء إخوانية كانت أو سلفية، إلا جماعة صغيرة من السلفية تبنّت أفكارا مغايرة، كانوا يرون منذ القدم أن هذه النظم التي كانت تحكم الشعوب الإسلامية وفق القانون الوضعي الذي لا يستمد من الكتاب والسنّة أو من مصادر التشريع الإسلامي، هي أنظمة كافرة، أنظر إلى فتاوى القرضاوي وأبو الحسن الندوي وغيرهما من العلماء، هذا الشيء الذي كان يقرأه الشباب من كبار العلماء في مشارق الأرض ومغاربها، فقط عندما سئلوا عن الحكام الذين يحكمون شعوبهم بقانون وضعي لكنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ولا ينكرون العبادات، فبماذا نحكم على هؤلاء ـ فأجاب العلماء ـ بأنّهم فسقة وليسوا كفرة، فالحاكم العربي المسلم الذي كان يحكم شعبه المسلم بقانون وضعي لا علاقة له بالدين الإسلامي، ففي الشرع هو حاكم فاسق لكن النظام كنظام ومنظومة حكم التي استبدلت النظام الإسلامي بقانون وضعي استمدته من روسيا أو فرنسا أو من أمريكا، فهو نظام كافر ولكن نحن لم يكن لدينا مشكل لا في النظام ولا في الجماعة، نحن قمنا بعملنا المسلح بسبب الظلم الكبير الذي سلّط علينا، والقضية أصبحت قضية وجود إن لم تدافع عن نفسك قتلت أو نفيت أو مٌحيت.
أذكر لي اسم عالِم واحد يثق فيه الشعب الجزائري أقرّ عملك المسلح؟
لا أعطيك اسما
يعني أنه لا وجود عالم أفتى بوجوب العمل المسلح في الجزائر، فهل كان مثلا الشيخ أيت علجت ، الشيخ قاهر، الشيخ عبد الرحمان شيبان والشيخ أحمد سحنون يقرون بالعمل المسلح؟
العالم الذي تتحدث عنه كان عالما تحت الطغيان، فالشيخ سحنون سلّط عليه الظلم كما سلّط علينا، وأيت علجت وغيره، لا أتحدث عن عبد الرحمان شيبان، فهو يعمل مع الدولة.
هل الموجود في الدولة يصبح ليس بعالِم؟
لا أناقشك في هذا الأمر، قلت لك أن شيبان كان في دواليب الحكم هو صاحب علم ونحترمه، وهو يعرفني لكن منصبه وموقعه لا يسمح له بهذا، أنا أتكلم عن الناس الخارجين عن النظام وهم عندهم رمزية وثقل في الحركة الإسلامية أكثر من الشيخ عبد الرحمان شيبان ـ رحمه الله ـ الذي لم يسترجع عذريته الدينية ـ إن صح التعبير ـ وعادت مكانته الحقيقية في قلوبنا بعد أن رجع وأسّس جمعية العلماء.
هل تقصد أنه من علماء البلاط؟
الحركة الإسلامية كان عندها مشكل كبير مع عبد الرحمان شيبان، على غرار كل العلماء الذين يتبوؤون مناصب داخل السلطة، رغم أنهم علماء صالحون ورغم أننا نحبهم لكن من حيث المبدإ ليسوا في مرتبة التزكية التي كنا ننظر بها إلى غيرهم كالشيخ سحنون، وعبد اللطيف سلطاني، وأيت علجت والشيخ عباسي، فالشيوخ الذين تتحدث عنهم إن كانوا قادرين على الفتوى فقبل التحدث عن الفتوى نتكلم عن رأيهم في النظام وفي الحكم.
رأيه واضح وطبيعي كان ضد النظام، ولكن الحديث عن فتوى الجهاد والعمل المسلح؟
كانوا يقولون عنه أنه ظالم ومنحرف طاغ خارج عن الحق هؤلاء العلماء الأجلاء، فكل المسارات الدعوية والسياسية التي سرنا فيها، كان الشيخ سحنون قبل الانتخابات البرلمانية يؤيد الجبهة بكل ما يملك، وعندما كنت عضوا في اللجنة الوطنية للانتخابات طرحت مقترحا وهو أن نشرك بعض العلماء الذين عندهم ثقل في مشارق الأرض ومغاربها، فأرسلنا نستفهم الألباني الذي بعث لنا من جهته الجواب في 6 صفحات كاملة، ورغم أن حاشية الشيخ الألباني لم تكن تقدم له الحقيقة عما يجري في الجزائرمن أحداث، إلا أنه لما وصلته الرسالة من المقر أجاز الانتخابات وأيّدنا في دخول الانتخابات، أما الشيخ سحنون، فكنا نذهب إليه ونمنح له الحصة الكبيرة من الحملة الانتخابية فذهبت إليه رفقة عبد الكريم غماتي وشراطي، ومعنا رجل كبير في السن من جيجل، كان يعرفه الشيخ سحنون جيدا، حيث عرضنا عليه أن يشرفنا ويشرف الشعب الجزائري بالظهور في حصة تلفزيونية، يوجه من خلالها نصيحة لهم، كنا نريد أن نشاركه مع محمد السعيد، ففكر وأجابنا بالرفض وقال "لا أريد أن أظهر في التلفزيون ليذلوني"، فقلت له "أنت ستكون ممثلا لأكبر حزب في الجزائر يملك 850 بلدية، فأنت ستظهر كفاتح وليس كشخص يساومه النظام"، صمت برهة ثم واصلت حديثي معه بقولي له "أننا أبناؤك، جئنا نترجّاك أن تقول كلمة للشعب الجزائري، كيفما شئت فرد علينا غاضبا "لستم أبنائي" قلت "لماذا؟"، فقال لي "أبنائي يطيعونني وأنتم لم تطيعوني"، فقلت له لو لم نطعك لما جئنا إليك، فانفجر على قضية الشيخين عباسي ومحمد السعيد.
تقصد لما كان ضد تأسيس الفيس
لا ليس في قضية التأسيس، بل تكلم عن عدم مشاورته في كل صغيرة وكبيرة تحدث في الحزب وغضب، فقلنا له مهما كان ومهما وقع فأنت تبقى عالم لهذه الصحوة، وتبقى في أعين الجميع من أبناء الفيس وهم ينتظرون منك قول كلمتك في التلفزيون، وفي تجمع 5 جويلية وفي هذه اللحظة قال بالحرف الواحد ـ لم يأت إلى التجمع وأرسل معنا الشيخ أيت علجت ـ "الكل يعلم وأنتم تعلمون أنني مع الفيس"، حتى أنه قال "أن الشيخين محفوظ وجاب الله يعرفان جيدا أنني مع الفيس، لكن أعتبر أبناء الحركة الاسلامية أبنائي كلهم، ولو تكلمت في التلفزيون لأظهرت نفسي أنني أؤيد جماعة على أخرى"، هذا العالم كان واقفا مع المشروع الإسلامي الذي كانت تقف وراءه الجبهة.
لم نختلف في هذا، أريد أن أعرف عن موقفه من العمل المسلح؟
هذا العالم الذي له من الإيمان والعلم والتجربة ومن التاريخ، لما قلت له أن المرحلة تقتضي أن تقول كلمة فصرخ فيّ غاضبا لا تطلب مني أن أقوم بعملك، في مثل سنك حكم عليه الاستعمار الفرنسي بالإعدام الآن جاء دورك.
كان الشيخ سحنون يؤيد الفيس في إطار العمل السلمي؟
إنني معك، هذا العالم وكل الجماعة كانوا مع الفيس لما انفجرت الأوضاع، هؤلاء العلماء استسلموا جميعا وأتحداكم لنقم بتحقيق حول تصريحاتهم في تلك المرحلة، كلهم كانوا إلى جانب الفيس ونحن في الجبل وكانوا يرون أن النظام ارتكب خطيئة كبيرة لا تغتفر وأنه اعتدى على أغلبية الشعب الجزائري ودفع بالناس ليسلكوا مسلكا ربما يضر بالجزائر ولا ينفعها، لكن لا أحد فيهم تجرأ وقال أن ذلك الطريق خاطئ، والأمانة التي في رقابهم والموقع الذي يتموقعون فيه والمكانة التي جعلها الله لهم في قلوب الشعوب تفرض عليهم أن يجهروا بالحق، بمعنى لو كان العمل الذي قام به الفيس وأبناء الفيس بعد مطاردات النظام لهم والاعتداءات بحمل السلاح كانت خاطئة يجب أن يقفوا ويقولوا يا أيها الأبناء.. أيها المناضلون.. يا أبناء الجزائر هذا الطريق خاطئ.
طلبت ذكر عالم واحد على الأقل أقر بالعمل المسلح، وبتصريحك هذا تريد أن تؤكد أن سكوتهم إقرار بالنسبة إليكم، بالعكس بعد 1994 بدأ العلماء يناقشون هذا الأمر؟
أنا أحدثك بعد المسار الانتخابي وبعد المطاردة التي كانت في1993، أريد أن أقول لك كلمة أخطر هو التاريخ الإسلامي منذ بدايته والخروج عن السلطان قائم إلى يومنا هذا.
إلى حد الساعة، لم تذكر لنا ولا عالم جزائري أو غيره أفتى بالعمل المسلح؟
ليس باستطاعتهم الإقرار بذلك خوفا من القتل.
تقصد أنهم جبناء؟
ليسوا جبناء.
وكيف تسمّي السكوت عن قول الحق خوفا من القتل؟
يخاف الجهر بهذا، لأنه يحمل المسؤولية ويسجن أو يقتل، ثانيا أنا سرت في سيرورة الأحداث، فمهمة العالم عندما يرى أخطأت أو قد انحرفت يقول كلمته والدليل لما انفجرت الأمور بعد 1994 وانقلبت الموازين وعملوا بمقولة رضا مالك "يجب على الرعب أن يغير موقعه"، وأدلى بتصريحات خطيرة في جريدة "الشرق الأوسط" عندما سألوه ما معنى كلامه هذا، فأجابهم "أن السلطة تبذل جهودها وسوف يدفع بهذه الجماعات لارتكاب حماقات مما يجعل الشعب ينقلب عليهم"، هناك تغيرت الموازين العملية، هنا تكلم العلماء ولم يخافوا عندما طلبوا من الذين تبنوا العمل المسلح التراجع عن هذا الأمر، لأنهم في تلك اللحظة كانوا يعرفون بأن هذا الموقف لا يسبب لهم أي مشكل مع النظام.
العالم الحقيقي لا ينتظر رد فعل النظام حتى يفتي بما يرضي الله؟
نعم، دعني أقولها وأنا مؤمن بها.
كل العلماء بدون استثناء؟
أقولها وأنا مسؤول عنها، في أول طريق الجبهة، كان العلماء معها في المغرب والشرق وفي الجزائر، والذين لم يكونوا معها الجماعة التي كانت تخدم الأنظمة، وأقسم على ذلك على المصحف مائة مرة، بعد أن تغيرت الأوضاع وانقلبت الموازين بدأ الكلام بتوقيف نزيف الدم والعمل المسلح.
بل العلماء كانوا ضد العمل المسلح منذ بدايته؟
لا أساس لها من الصحة، في أول الطريق لا أحد تكلم عن ذلك.
أعط إقرارا واحدا لعالم أفتى بالعمل المسلح؟
كانوا خائفين من النظام.
إذن العلماء كلهم جبناء؟
وأنا أعط لي قرارا واحدا من عالم رفع صوته في الوقت المناسب، وقال أن هذا الطريق خاطئ ولا تحملوا السلاح حتى الألباني.
الألباني الذي كان ضد المسيرات، في رأيك كان سيقف صامتا في قضية حمل السلاح؟
لا تحرف التاريخ، الألباني كان ضد المسيرات، لما علم أن التيار السلفي يسيطر أكثر من الإخوان أجاز المسيرات وكان ضد الانتخابات وضد الدخول في البرلمانات الكفرية لما علم أن الناس الذين سوف يدخلون الانتخابات سيسيطرون على البرلمان، أفتى بالانتخابات، وكان يتكلم على العمل المسلح بالحرف الواحد على أنه العدة، هل هناك عدة أو مقدرة على مقارعة النظام، لم يكن ضد العمل المسلح كمبدأ والعلماء في تلك الفترة لم يتكلموا.
هناك علماء تعرضوا للتعذيب والتنكيل مثل ابن تيمية، لكنه لم يقم بعمل مسلح حتى يفتح باب الفتنة على الشعب؟
الآن أنت تقارن ابن تيمية بعالم من القرن العشرين.
أسمعك حديثا وأعطي لي رأيك، قال الرسول صلى الله عليه آله وسلم "اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فإنه من يخرج عن سلطانه قيد شبر مات ميتة الجاهلية"؟
وعندي مئة حديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضد فهمك لهذا الحديث.
هذا حديث صحيح؟
والحديث الصحيح أيضا "من يدافع عن عرضه فهو شهيد، ومن يدافع عن وطنه فهو شهيد… إلى آخر الحديث"، كان أنذاك من تنتهك حرمة منزله أو أحد يمس عرضه له الحق في الدفاع بأي شيء حتى بالسلاح، ففي وقت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الدين ليس نصوص فقط، الدين هو أحكام وسلوك في جميع الميادين في العقيدة والعبادة والحكم في كل شيء، فالدين نفهمه من نص ومن سلوك ومن تجسيده في الميدان ممن هم أهل لذلك، لا وجود لأحد أهلا في قضية الخروج عن السلطان أو عدم الخروج عن السلطان كالصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بموته وقع الخروج عن السلطان، ارتد كل من كان خارج مكة والمدينة عن الإسلام؟
هؤلاء كفروا، أن تقيس زمننا بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتشبه العمل المسلح بمحاربة المرتدين في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ غريب أنت تتكلم عن الخروج على النظام، وليس عن العمل المسلح، فالذين خرجوا عن خلافة أبي بكر هم من المسلمين، منهم الكثير من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولوا وخرجوا عن السلطان بالسلاح، وقتل السلطان، هذا خروج خطير وخاطئ بعد أن التأمت الأمور، وقتل الصحابة أهل الردة وطوعوهم وبنوا دولة إسلامية جديدة.
ma3ejebekomche sujet