الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته. فقد أجمع أهل العلم على أنّ الأولى هو استخدامُ التّأريخ والتّقويم الهجريّ، وإنّما اختلفوا في وجوبه، وفي حكم من قوّم وعدّ الأيّام، والشّهور والأعوام بغيره.
وأوسط الأقوال وأعدلها إن شاء الله، هو: المنع من إفراد التّاريخ الميلادي بالذّكر، بل يجب أن يذكر قبله التّاريخ الهجريّ، ثمّ يُذكر التّاريخ الميلادي بعده بحسب الحاجة والاضطرار إليه، كما هو حال كثير من بلاد الإسلام – ردّها الله إلى دينه ردّا جميلا -.
ووجوه المنع من الاقتصار على التّأريخ الميلادي ما يلي:
1) الوجه الأوّل: أنّ السنة الهجرية هي التي تحوي الشهور القمرية التي جعلها الله مواقيت لعبادات النّاس، وهي الأشهر الّتي تحوي في طيّاتها الأشهر الحرم، كما قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. وقال تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ } [التوبة:36].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( السَّنَةُ اثنَا عَشَر شَهْراً مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ )) [رواه البخاري].
وقد ذكر القرطبي رحمه الله في " تفسيره ": أنّ الله تعالى وضع هذه الشهور وسمّاها بأسمائها على ما رتّبها عليه يوم خلق السموات والأرض، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزّلة، وهو معنى قوله { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}"اهـ.
ثم ذكر رحمه الله:" أنّ هذه الآية تدلّ على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط… " اهـ.
2) الوجه الثّاني: أنّ التّقويم الهجريّ شعار أهل الإسلام:
ولو كان في اتّباع الرّوم وغيرهم في حسابهم وتقويمهم خير، لسبقنا إليه أحرص النّاس على الخير.
روى الإمام الطّبريّ عن ميمون بن مهران قال:
( رُفِعَ إلى عمر صَكٌّ محلّه في شعبان، فقال عمر: أَيُّ شَعْبَانَ ؟ الَّذِي هُوَ آتٍ أَوْ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قال: ثمّ قال لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ضَعُوا لِلنَّاسِ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ ).
فقال بعضهم: اُكْتبوا على تأريخ الرّوم. فقيل: إنّهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول.
وقال بعضهم: اُكتبوا على تأريخ الفرس. فقيل: إنّ الفرس كلّما قام ملك طرح من كان قبله.
فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، فوجدوه عشر سنين.
ثمّ قالوا: فأيّ الشّهور نبدأ ؟ فقالوا: رمضان. ثمّ قالوا: المحرم فهو منصرَفُ النّاس من حجّهم، وهو شهر حرام فأجمعوا على المحرّم ).
فمن قرأ هذه الآثار، ومن استمع إلى هذه الأخبار، أيقن أنّ أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أرادوا بوضع هذا التّأريخ هجرَ ما عليه أهل الكتاب والمشركون، وتمييز شخصية المسلمين، وعدم التبعيّة للمشركين..
3) الوجه الثّالث: أنّ أسماء شهور الرّوم المعروفة اليوم أغلبها قائم على اعتقادٍ كفريّ وثنيّ:
– فـ( يناير ): نسبة الى "janus"، وهو إله البوابات والبدايات الزمنية عند الرومان واليونان.
– و( فبراير ): نسبة الى كلمة "febra"، وتعني التطهير باللاتينية، وكان الرومان في هذا الشهر يحتفلون بأعياد التطهير، فيقوم الناس بالاغتسال والتنظّف وسط طقوس وثنية، وهو آخر شهور السنة في حقيقة الأمر، ولكنّهم حرّفوا وبدّلوا.
– أمّا ( مارس ): فلا يخفى على أحد أنّه إله الحرب عند الرّومان، وبه كانت تبدأ السنة الشمسية عند الرومان.
– ( أبريل ): مأخوذ من كلمة "avril"، وتعني الرّبيع، ومن المعلوم أنّ شهر أبريل هو بداية الرّبيع.
– أمّا ( مايو ): فهو اسم مؤنّث لآلهة عند الرومان "maya"، ويزعمون أنّها والدة الإله عطارد !! حيث يكون الكوكب المسمّى باسمه واضحا في هذا الشّهر في السماء.
– ( يونيو ): نسبة إلى كلمة "jonious"، وتعني الشباب باللاتينية، حيث يُحتفل فيه بأعياد الشباب.
– ( يوليو ): نسبة إلى الإمبراطور الرّوماني المشهور يوليوس قيصر " juliuscaesar".
– و( أغسطس ): نسبة إلى الإمبراطور الرّوماني المشهور أيضا " أوغسطس " " augustus"، وهو ابن يوليوس قيصر بالتّبنّي.
– أمّا ( سبتمبر ): فهو مأخوذ من " septa"، وتعني الرقم سبعة، وبالفرنسيّة (sept) وهو ترتيبه في حقيقة الأمر إذا بدأت العدّ من مارس.
– و( أكتوبر ): مأخوذ كذلك من "octa"، وتعني الرقم ثمانية وهو ترتيبه عند الرومان.
– ( نوفمبر ): من "nova" وتعني الرقم تسعة، وبالفرنسيّة ( neuf ) وهو ترتيبه عند الرومان.
– ( ديسمبر ): من "deca" وتعني الرقم عشرة، وبالفرنسيّة (dix)، وهو ترتيبه عند الرومان.
فانظر – رحمني الله وإيّاك – أنّنا نُعايِشُهُم فيما أصله كفر وتضليل، وتحريف وتبديل، فمن أراد الفرار منه فعلى الأقلّ لا يفردُه بالذّكر.
الحاصل :
أنّه لا يجوز ذكر الشّهر الميلاديّ مفردا، بل لا بدّ من أن يُقرَن مع الشّهر الهجريّ تابعا له، لأنّ إفراده بالذّكر يُعدّ من مظاهر الولاء للمشركين.
وإنّما جاز ذكره مقترنا بالشّهر الهجري في بلادنا وكثير من بلاد المسلمين، لأنّه أمرٌ فُرِض علينا، ولا يمكن اتّقاؤه، فيعدّ الاعتداد بها من عموم البلوى – نسأل الله العفو والعافية -.
( تنبيه وفائدة ):
من خلال ما ذكرناه من ترتيب الشّهور، تُدرك – أخي القارئ – كذب النّصارى في ادّعائهم أنّ عيسى عليه السّلام وُلِد بشهرديسمبر، ويتبيّن لك كذبهم من أوجه ثلاثة:
1) أنّ القرآن الكريم أشار إلى زمن مولد عيسى عليه السّلام، حيث قال عزّ وجلّ:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25].
وإنّما يُجنَى الرّطب عادة في أوّل شهر سبتمبر، تقول العرب: ( إذا طلعت الطّرفة، بكرت الخرفة ).
( الطّرْفة ) أو (الطَّرْف) اسمٌ يطلقه الأعراب على نجم ( سهيل ) الّذي يظهر في آخر الصّيف وبداية الخريف.
و( الخرفة ): هي جني الثّمار، ومنه سمّي الخريف خريفا.
2) أنّ شهر ديسمبر هو العاشر في التّرتيب الحقيقيّ، ومنه سمّي ( ديسdix)، فكيف يكون رأس السّنة الميلاديّة ؟!
3) أنّهم كبسوا شهر ( فبراير )، [والكبس هو أن يأخذوا من الشّهر ربع يوم أو نصف يوم]، وهم يعدّون فبراير ثمانية وعشرين يوما وربع، فيجمعون الأرباع في كلّ أربع سنوات، فيصير يوما، ويكون ( فبراير ) في العام الرّابع تسعة وعشرين.
ومن المعلوم والبديهيّ أنّ الكبس إنّما يكون في آخر السّنة؛ لأنّ الرّبع لا يكون إلاّ في الأخير، ولا يمكن أن يكون في الوسط.
الشّاهد : أنّ عيسى عليه السّلام لم يولَد في شهر ديسمبر، كما يدّعي النّصارى.
وقد اعترف بهذا كبار القساوسة في هذا الزّمان، وضمّوه إلى مشكلات الرّهبان وعُبّاد الصّلبان، { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
ونحن لا نعجَب من كذبهم وضلالهم، فقد قالوا أكثر من ذلك، ولكنّ العجب: من أن نتّبع النّصارى في ضلالهم !
ونحن لا نعجَب من كذبهم وضلالهم، فقد قالوا أكثر من ذلك، ولكنّ العجب: من أن نتّبع النّصارى في ضلالهم ! |