تخطى إلى المحتوى

التغيير في الاسلام 2024.

  • بواسطة

تغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة

تمهيد
ومن الأولويات المهمة في مجال الإصلاح: العناية ببناء الفرد قبل بناء المجتمع، أو بتغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة والمؤسسات، والأفضل أن نستخدم التعبير القرآني وهو تغيير ما بالأنفس: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فهذا أساس كل إصلاح أو تغيير أو بناء اجتماعي: البداءة بالفرد، فهو أساس البناء كله، إذ لا أمل في إقامة بناء سليم متين، إذا كانت لبناته واهية أو فاسدة.
والإنسان الفرد هو اللبنة الأولى في جدار المجتمع، ولهذا كان كل جهد يبذل لتكوين الإنسان المسلم الحق وتربيته ـ تربية إسلامية كاملة ـ له الأولوية على ما سواه. لأنه مقدمة ضرورية لكل أنواع البناء والإصلاح، وهذا هو تغيير ما بالنفس.
إن بناء الإنسان الفرد الصالح هو مهمة الأنبياء الأولى، ومهمة خلفاء الأنبياء وورثتهم من بعدهم.
وإنما يبنى الإنسان أول ما يبنى بالإيمان، أي بغرس العقيدة الصحيحة في قلبه، التي تصحح له نظرته إلى العالم وإلى الإنسان، وإلى الحياة وإلى رب العالم، وبارئ الإنسان، وواهب الحياة، وتعرف الإنسان بمبدئه ومصيره ورسالته، وتجيبه عن الأسئلة المحيرة لمن لا دين له: من أنا؟ ومن أين جئت؟ وإلى أين أصير؟ ولماذا وجدت؟ وما الحياة وما الموت؟ وماذا قبل الحياة؟ وماذا بعد الموت؟ وما رسالتي في هذا الكوكب منذ عقلت حتى يدركني الموت؟
الإيمان ـ ولا شيء غيره ـ هو الذي يمنح الإنسان إجابات شافية عن هذه الأسئلة المصيرية الكبرى، ويجعل للحياة هدفا ومعنى وقيمة. وبدون هذا الإيمان سيظل الإنسان هباءة تائهة، أو ذرة تافهة، في هذا الوجود، لا قيمة له من حيث الحجم أمام مجموعات هذا الكون الكبير، ولا من حيث العمر، أمام الأزمة الجيولوجية المتطاولة، والأزمنة المستقبلية اللانهائية، ولا من حيث القدرة، أمام أحداث الطبيعة التي رآها تهدده، بالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات التي تدمر وتقتل، والإنسان أمامها عاجز أشل اليدين، رغم ما يملك من علم وإرادة وتكنولوجيا متطورة.
الإيمان هو طوق النجاة دائما، وبه يمكن تغيير الإنسان من داخله، وإصلاحه من باطنه، فالإنسان لا يقاد كما تقاد الأنعام، ولا يصنع كما تصنع الآلات من حديد أو نحاس أو معدن.
إنما يحرك من عقله وقلبه، يقنع فيقتنع، ويهدى فيهتدي، ويرغب ويرهب، فيرغب ويرهب. والإيمان هو الذي يحرك الإنسان ويوجهه ويولد فيه طاقات هائلة، لم تكن لتظهر بدونه، بل هو ينشئه خلقا جديدا، بروح جديدة، وعقل جديد، وعزم جديد، وفلسفة جديدة. كما رأينا ذلك في سحرة فرعون حين آمنوا برب موسى وهارون، وتحدوا جبروت فرعون، وقالوا له في شموخ واستعلاء: (فاقض ما أنت بقاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا).
ورأيناه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نقلهم إيمانهم من الجاهلية إلى الإسلام: من عبادة الصنم، ورعاية الغنم، إلى رعاية الأمم، وقيادة البشرية إلى هداية الله، وإخراجها من الظلمات إلى النور.
ولقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما في مكة كل همه فيها وكل عمله ـ من التبليغ والدعوة ـ بناء الجيل الأول على معاني الإيمان.
تلك السنون كلها لم تنزل فيها تشريعات تنظم المجتمع وتضبط علاقاته الأسرية والاجتماعية، وتعاقب من ينحرف عن قوانينه. بل كان عمل القرآن، وعمل الرسول هو بناء هذا الإنسان وهذا الجيل من أصحابه، وتربيته وتكوينه، ليربى العالم كله بعد ذلك.
كانت دار الأرقم بين أبي الأرقم تقوم بدورها. وكان كتاب الله الذي يتنزل عليه منجما حسب الوقائع، ليقرأه على الناس على مكث، ويثبت به فؤاده، وأفئدة الذين آمنوا معه، ويرد على أسئلة المشركين ويعقب على مواقفهم ـ يقوم بالدور الأكبر في تربية الفئة المؤمنة، وحسن تسييرها، وترشيد سيرها. قال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)، (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، كذلك لنثبت به فؤادك، ورتلناه ترتيلا، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا).
إن أهم ما ينبغي أن نشغل به اليوم إذا أردنا إصلاح حالنا: أن نبدأ البداية الصحيحة، وذلك ببناء الإنسان، بناءا حقيقيا لا صوريا، نبني عقله وروحه وجسمه وخلقه، بناء متوازنا لا طغيان فيه ولا إخسار في الميزان، نبنيه عقليا بالثقافة وروحيا بالعبادة، وجسميا بالرياضة، وخلقيا بالفضيلة، وعسكريا بالخشونة، واجتماعيا بالمشاركة، وسياسيا بالتوعية، ونعده للدين وللدنيا معا، وليكون صالحا في نفسه مصلحا لغيره، حتى ينجو من خسر الدنيا والآخرة، الذي ذكره الله في سورة العصر: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
ولا يتم ذلك إلا في ضوء تصور كلي للوجود، وفلسفة واضحة للحياة، ومشروع متكامل للحضارة، تؤمن به الأمة، وتربي أبناءها وبناتها على اليقين به، والعمل وفق حكمه، والسير على نهجه، تتعاون على ذلك كل المؤسسات: الجامع والجامعة، والكتاب والصحيفة، والتلفاز والإذاعة، فلا تشرق مؤسسة في حين تغرب أخرى، ويبني جهاز على حين يهدم آخر.
ويصدق فينا قول الشاعر قديما:
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟! وهل يبلغ البنيان يوما تمامه

التربية قبل الجهاد
وهذا ما جعل دعاة الإصلاح الأصلاء ينادون اليوم بوجوب تقديم التربية على الجهاد، والتكوين على التمكين.
ونعني بالتربية والتكوين: بناء الإنسان المؤمن، الذي يستطيع أن ينهض بعبء الدعوة، وتكاليف الرسالة، لا يبخل بمال، ولا يضن بنفس، ولا يبالي بما يصيبه في سبيل الله. وهو في الوقت نفسه نموذج عملي، تتجسد فيه قيم دينه، وأخلاق دعوته. ففيه يرى الناس الإسلام حيا ملموسا.
وبناء هذا الإنسان أو تربيته وتكوينه أمر مطلوب دائما، ولكنه أشد ما يكون طلبا عندما يراد تأسيس دين جديد، أو أمة جديدة ذات رسالة جديدة. وكذلك عندما يضعف دين ما، ويدرك الوهن أمته، ويحتاج الدين إلى تجديد، والأمة إلى إحياء، فلا مناص من البداية الضرورية للتجديد والإحياء والإصلاح، وهي تربية جيل جديد، يمثل طلائع الأمة المنشودة.
هذا البناء والتكوين للإنسان، في صورة جيل مؤمن حقا، مؤهل لحمل راية الإصلاح والبعث، لابد أن يسبق كل دعوة إلى الجهاد المسلح لتغيير المجتمع، وإقامة الدولة.
ولهذا كانت مهمة القرآن المكي ـ طيلة ثلاثة عشر عاما ـ العمل على بناء هذا الإنسان، وتربية جيل الطلائع، تربية إيمانية أخلاقية عقلية متكاملة. وكان المثل الكامل لهذا الجيل هو الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
كانت مهمة القرآن في العهد المكي ترسيخ أصول العقيدة، وأصول الفضائل، ومكارم الأخلاق، وتأصيل منهج النظر السليم، والتفكير الرشيد، ومطاردة عقائد الجاهلية، وأصول رذائلها وآفاتها في الفكر والسلوك، وربط الإنسان بربه ربطا لا تنفصم عراه.
يقول الله تعالى في سورة المزمل، وهي من أوائل ما نزل من القرآن: (يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا).
فهذه التربية العميقة في مدرسة الليل، ومدرسة القرآن، إنما هي تهيئة لتحمل "القول الثقيل" الذي ينتظره، وما كان ثقله إلا لثقل الأمانة التي يعبر عنها.
وظلت آيات القرآن تتنزل على هذا المنهج، تغرس العقائد والمفاهيم، وتزرع القيم والفضائل، وتطهر العقول والقلوب من رجس الجاهلية، وتربيها على معاني الإيمان وما يتطلبه من صبر ومصابرة، وثبات، وبذل في نصرة الحق، ومجاهدة الباطل، وتنقية العقول من التقليد الأعمى للأجداد والآباء، أو للسادة والكبراء، قبل أن تنزل آية واحدة تأمر بالجهاد المسلح، والصراع الدامي مع أهل الشرك وعبدة الطاغوت.
بل كانوا يجيئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما بين مضروب ومشجوج ومجروح، يشكون إليه ما أصابهم، مطالبين بحمل السلاح دفاعا عن أنفسهم، وحربا لعدوهم وعدو دينهم. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم ما حكاه القرآن: (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة).
ليس معنى هذا التهوين من شأن الجهاد، فهو ذروة سنام الإسلام، ولكن حديثنا عن الأولويات، والأولوية هنا للتربية والتكوين.
ومن حسن التربية: إعداد الأنفس للجهاد عندما يجئ أوانه. كما في سورة المزمل: (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله).
على أن الجهاد المؤجل هو الجهاد المسلح فحسب، الجهاد بالسيف والسنان، أما الجهاد بالدعوة والبيان، أو الجهاد بالقرآن، فهو مطلوب وقائم من أول يوم، وفي سورة الفرقان ـ وهي مكية ـ يقول تعالى لرسوله: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا).
ومثل ذلك جهاد الصبر والثبات واحتمال الأذى في سبيل الدعوة إلى الله. وهو ما نوهت به أوائل سورة العنكبوت: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) إلى أن قال: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، إن الله لغني عن العالمين).
والتربية التي نتحدث عنها تدخل في هذا النوع وذلك من الجهاد.
وقد ذكر الإمام ابن القيم في الهدي النبوي ثلاث عشرة مرتبة من مراتب الجهاد، منها أربع مراتب في جهاد النفس، واثنتان في جهاد الشيطان، وثلاث في جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات، وأربع في جهاد الكفار، منها الجهاد بالقلب واللسان والمال. فالمؤجل منها هو الجهاد بالنفس أو باليد.
يقول رحمه الله: "لما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض، مثل أن تتكلم به عند من تخاف سلطته وأذاه، كان للرسل ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ من ذلك الحظ الأوفر، وكان لنبينا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من ذلك أكمل الجهاد وأتمه".
ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج، وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، متسلط عليه، لم يجاهده، ولم يحاربه في الله؟ بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه، حتى يجاهد نفسه على الخروج.
فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما، وبينهما عدو ثالث، لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يخيل له ما في جهادهما من المشاق، وترك الحظوظ، وفوت اللذات، والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا). والأمر باتخاذه عدوا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدو لا يفتر، ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس.
فهذه ثلاثة أعداء، أمر العبد بمحاربتها وجهادها، وقد بلى بمحاربتها في هذه الدار، وسلطت عليه امتحانا من الله وابتلاء، وجعل بعضهم لبعض فتنة، ليبلو أخبارهم، ويمتحن من يتولاه ويتولى رسله، ممن يتولى الشيطان وحزبه.
وأمر المؤمنين أن يجاهدوا فيه حق جهاده، كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته، وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله، فيكون كله لله، وبالله، لا لنفسه، ولا بنفسه، ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده، ومعصية أمره، وارتكاب نهيه، فإنه يعد الأماني، ويمني الغرور، ويعد الفقر، ويأمر بالفحشاء، وينهى عن التقى والهدى، والعفة والصبر، وأخلاق الإيمان كلها، فجاهده بتكذيب وعده، ومعصية أمره، فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان وعدة، يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله، لتكون كلمة الله هي العليا.
قال ابن القيم: إذا عرف هذا، فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضا:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه، شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق، ويعمل به، ويعلمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.
وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان، إحداهما: جهاد على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعدة اليقين، والثاني يكون بعدة الصبر. قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون)، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
وأما جهاد الكفار والمنافقين، فأربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وأما جهاد أرباب الظلم، والبدع، والمنكرات، فثلاث مراتب، الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز، انتقل إلى اللسان، فإن عجز، جاهد بقلبه، فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و"من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق".
ولا ريب أن المراتب الست الأولى داخلة كلها في التربية المنشودة هنا. فهي ـ في الدرجة الأولى ـ جهاد للنفس، وجهاد للشيطان.

لماذا كان للتربية الأولوية؟
ولكن لماذا كان للتربية الأولوية على الجهاد؟
يمكننا أن نوضح هذا في جملة نقاط أو أسباب:
أولا: أن الجهاد في الإسلام ليس أي جهاد، ولكنه جهاد بنية خاصة، لغاية خاصة، فهو جهاد "في سبيل الله". وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية (عصبية لقومه)، والرجل يقاتل ليرى مكانه (ليذكر بالشجاعة) والرجل يقاتل للمغنم: أيهم في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله".
وهذا النوع من التجرد من كل دافع دنيوي، لا ينشأ اعتباطا، بل لابد من تربية طويلة المدى، حتى يخلص دينه لله، ويخلصه الله لدينه.
ثانيا: أن ثمرة الجهاد التي يتطلع إليها المجاهد المسلم في الدنيا هي التمكين والنصر. وهذا التمكين لا يؤتى أكله إلا على أيدي مؤمنين صادقين، يستحقون التمكين، ويقومون بواجباته. وهم الذين ذكرهم الله بقوله: (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)، (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
إن الذين يمكنون وينتصرون قبل أن تنضجهم التربية، قد يفسدون أكثر مما يصلحون.
ثالثا: إن سنة الله ألا يتحقق هذا التمكين إلا بعد أن يصهر أهله في بوتقة الابتلاء، وتصقلهم المحن والشدائد، ليبتلي الله ما في صدورهم، ويمحص ما في قلوبهم، ويميز الخبيث من الطيب، وهذا لون من التربية العملية، جرى به القدر على الأنبياء وأصحاب الدعوات في كل العصور. وقد سئل الإمام الشافعي: أيهما أولى للؤمن: أن يبتلى أو يمكّن؟ فقال: وهل يكون تمكين إلا بعد ابتلاء؟ إن الله ابتلى يوسف عليه السلام ثم مكّن له، كما قال تعالى: (وكذلك مكّنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء).
إن التمكين الذي يجئ سهل المأخذ، داني القطوف، يخشى أن يضيعه أهله، أو يفرطوا في ثمراته، على عكس ما لو بذلوا فيه من أنفسهم وأموالهم وراحتهم، ومستهم البأساء والضراء والزلزلة حتى أتى نصر الله

الجيريا

الجيريا

الجيريا


الجيريا

الجيريا

الجيريا

الجيريا

جزاك الله خيرا
أسعدني مرورك

لا تنسونا من دعائكم

بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
à

الجيريا

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.