أعجبني الموضوع فنقلته لكم لعلنا نستفيد والله من وراء القصد
التكوين المستمر ودعم كفايات التنشيط التربوي
(البعد الوظيفي والمنهجي وتعدد المداخل البيداغوجية)2/1
فائزة السباعي*
لطالما ارتكز نمط التعليم التقليدي على محدودية التنشيط، وأسلوب الإرسال الأحادي الاتجاه، مما شكل السمة الغالبة لوظيفة التدريس لعقود طويلة من الزمن، مع اهتمام الطرائق بالأساس بإشكال إنجاز المقررات وتبليغ المادة المعرفية، وتفكيكها ميكانيكيا إلى سلوكات إجرائية هادفة، قابلة للملاحظة والقياس.
إن واقع تهميش التلميذ في ظل هذه الممارسات البيداغوجية التقليدية، وعدم اعتبار مؤهلاته ورغباته العاطفية، لصالح تراكم المعرفة، التي أعطيت لها الأهمية القصوى في المناهج الكلاسيكية، أفضى إلى تكوين نشء متشبع بثقافة السلطوية والتلقي السلبي، والتواكل على الغير، والتهيب من المسؤولية…
كبديل عن التدريس الهادف المغرق في النـزعة السلوكية، شكل مدخل بيداغوجيا التدريس بالكفايات الجوهر في التوجهات الإصلاحية التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا، كاختيار استراتيجي وظيفي يعيد المكانة المقدسة للتلميذ، كمركز رئيسي تتمحور حوله كل الاهتمامات المرتبطة بالفعل التربوي، في جميع امتداداته وتفاعلاته الإشعاعية والثقافية والإنتاجية والإبداعية.
«ينطلق إصلاح نظام التربية والتكوين من جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص، في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية…»(عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص: 10)
«تسعى المدرسة المغربية الوطنية الجديدة إلى أن تكون مفعمة بالحياة، تفضل نهجا تربويا نشيطا، يجاوز التلقي السلبي، والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار، والمشاركة في الاجتهاد الجماعي…»(عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص: 11)
تفعيلا لفلسفة الإصلاح المنبثقة عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أصبحت بيداغوجيا التدريس بمدخل الكفايات، تقتضي إعادة النظر في أساليب التنشيط، وتتطلب من المدرسين اكتساب كفايات مهنية جديدة، لكون بيداغوجيا التنشيط أصبحت مقاربة ضرورية موازية وحيوية لتفعيل الأنشطة التربوية، وأضحت أسسها المنهجية ذات بعد وظيفي وتنظيمي، ينبني على مبدأ التعددية في المقاربات البيداغوجية، ويفسح المجال أمام التلميذ لاتخاذ المبادرة والتفتح عبر التواصل الفعال مع جماعة الفصل…
1. كفايات التنشيط التربوي في علاقتها بأساليب التدبير ونشاط التواصل ومهام القيادة التربوية في الفضاء الصفي:
تقتضي مهمة تدبير جماعة الفصل، تحريك ديناميتها في اتجاه خلق تفاعلات إيجابية، تمنح فرصا حقيقية مبنية على مبدأ التشارك والانسجام والمساواة بين كل أعضائها، والانصهار في العمل الجماعي، حيث أصبح المدرس موجها لأنشطة فريق العمل، الذي يسعى بإمكاناته الذاتية إلى تطوير مهاراته وخبراته، وبالتالي إغناء شتى كفاياته عند بناء جميع ضروب المعرفة الإنسانية.
إن مجال التدبير ككل، يعتبر المدرسة منظومة إنتاجية ومقاولاتية في عمق توجهاتها الوظيفية، تنبني على الاستثمار والإنتاج والمردودية… بذلك، تشكل وحدة إنتاجية، يكون فيها المتعلمون المادة الخام، تسخر لهم إمكانيات مادية ومعنوية جبارة على المستوى التربوي والثقافي والفكري والاجتماعي، بغية إفراز وتكوين أجيال متعلمة في مستوى تطلعات وانتظارات المجتمع.
بناء عليه، يرتبط كل من مفهوم الجودة ومعاييرها، في مجال التدبير البيداغوجي لجماعة الفصل، بشروط ومقاييس موضوعية ذات طبيعةلوجيستيكية ترتبط بنوعية البنية المؤسساتية وجماليتها، ورونقها وتجهيزاتها المادية: من خزانات ومكتبات ووسائل ديداكتيكية للإيضاح… هذا، بجانب اعتبارات بنيوية وهيكلية أخرى: كعدد المتمدرسين في الفصول والمحيط السوسيو- ثقافي للمؤسسة المدرسية…
كما ترتبط أيضا، بشروط ومقاييس تربوية ومهنية، تتمركز حول شخصية المدرس نفسه، وكفاءاته المهنية والتربوية، ومدى تحكمه في أساليب تدبير جماعة الفصل، وطريقته في اختيار آليات عمله البيداغوجية، وطرائقه في التنشيط وطبيعتها، ومدى إيمانه بضرورة نسج علاقات تواصل ديمقراطية مع تلامذته، إلى جانب مدى تشبعه بثقافة التفتح، وقدرته على تأهيلهم بشكل حقيقي للإبداع وإثبات الذات، مع الاعتناء بميولاتهم واهتماماتهم… إنها مهام، كما تبدو معقدة ومتداخلة، وهي عند تحليلها، تؤكد على تموقع كفايات التنشيط في طليعة أدوار المدرس. إنها مهام جسيمة، تجعل منه القائد التربوي على رأس جماعة العمل، يوجه نشاطها لتحقيق أهداف مصاغة بدقة عند بداية كل نشاط تربوي.
إن السلوك القيادي التربوي، يتأسس انطلاقا من عدة اعتبارات ومبادئ متداخلة أهمها
§ المبادأة:قدرة القائد التربوي على وضع وتنفيذ الخطط التربوية الكفيلة بإنجاز جميع الأنشطة التربوية المشتقة من الكفايات المسطرة في المنهاج، في ظل العمل بروح الفريق.
§ التمثيلية لأعضاء جماعة فصله:حماية المتعلمين والدفاع عن مصالحهم في علاقة مع الإدارة وأولياء الأمور، وجميع المعنيين بالعملية التربوية في المجتمع المدني…
§ التكامل بين أعضاء جماعة الفصل:التدخل للحد من النـزاعات والخلافات، بترسيخ ثقافة القبول بالاختلاف والتعارض والتعايش في البيئة الفصلية.
§ التنظيم:توجيه مهام الجماعة بشكل مهيكل، مع تنسيق العلاقات داخلها لإنجاز التعلمات.
§ السيطرة:الحسم في القرارات الكبرى والمواقف الحساسة، وتحديد طرائق العمل ونوع آليات التواصل، وأهداف الأنشطة التربوية والمدة الزمنية الكفيلة بإنجازها.
بذلك، تتجسر الروابط بين كفايات التنشيط التربوي والقيادة التربوية وأساليب التدبير التربوي، كما يستحيل فصلها عن نشاط التواصل في عمقه الوظيفي والنفعي في الممارسات البيداغوجية. إن التواصل مفاهيميا، يعني تداول الأخبار والمعرفة قصد التبليغ والنشر والإطلاع لفائدة شخص ما، أو مجموعة معينة من الأشخاص. في حين يعتبر تربويا، آلية حية ذات دينامية دائمة ومسترسلة، متنوعة الأساليب، موجهة نحو المتعلم، لتسهيل نسج علاقات تفاعل إيجابية معه، من أجل تحقيق المعرفة وبنائها واكتساب آلياتها. كما تتعدد وسائل وأنماط التواصل التعبيري، بين كلامية وشفهية وحس – حركية، يتم إرسالها من عضو مرسل إلى آخر متلق، بواسطة شفرة إرسالية (الترميز)، على مدى إيقاع زمني معين. بذلك، ترتبطكفايات التنشيط -في إطار مقاربة تواصلية- بعدة شروط تربوية، أهمها: تدفق وتيرة الإيقاع (البطء، الكثافة، السرعة)، وحركية المدرس داخل الصفوف، ومدى جاذبية شخصيته، ومؤهلاته الجسمية، وكفاءاته المهنية: (كنبرات الصوت، ودرجة انسجامه العاطفي مع مهنته والمتعلمين، وطريقته في الكتابة، وقدرته اللغوية على الصياغة والربط والتواصل، وإيماءاته ومدى تحكمه في المادة المعرفية…).
2. موقع كفايات التنشيط في أنماط القيادة التربوية واتجاهات التواصل:
تتنوع أنماط القيادة التربوية المرتبطة بنشاط تدبير جماعة الفصل، وتنشيط سيرورة التعلمات، على الشكل التالي:
üالنمط التقليدي السلطوي:يقوم على مبدأ تقديس القائد التربوي وطاعته، والنهل من حمولته بدون نقاش، كنموذج يعكس على المستوى السيكولوجي السلطة الأبوية. كما تتوقف كافة أعمال المجموعة على شخص القائد، كقطب تتمحور حوله كل الاهتمامات. لهذا النمط عواقب نفسية وخيمة: على رأسها الذوبان في الآخر، وتحطم الشعور بالكيان الشخصي، وفقدان الثقة بالنفس، والخنوع والتبعية للآخر، والشعور بانعدام الاستقلالية عند اتخاذ القرارات… إنها جماعة مهددة بالانحلال في آية لحظة، قد يغيب فيها القائد أو توجيهاته السلطوية.
يندرج ضمن هذا النموذج، نمط القائد الجذاب المتميز بشخصية ذات جاذبية خارقة غير اعتيادية، تبعث على الاحترام والهيبة، ذات إشعاع وتأثير هائلين.
في المقابل، يوجد النمط العقلاني، يستمد سلطويته من الالتزام بالتطبيق المطلق للتعليمات والقوانين الداخلية للمؤسسة، ومضامين المناهج والكتب المدرسية والتشريعات، مع فرض عقوبات زجرية في حق مخالفيها. بذلك، يكون نموذجا قياديا يستمد سلطته خارج إمكاناته الذاتية. من عواقب هذا النمط، العمل في جو الدقة والزجر، والخوف من العقاب، وسيادة الحذر والحيطة…
üالنمط الديمقراطي:يفوض مهمة اتخاذ القرارات النهائية إلى جماعة العمل، ويأخذ بالرأي السائد فيها. من آلياته: أسلوب الإقناع والتوعية، والحوار المفتوح، والاختيار اللامشروط، واحترام الرأي الآخر في التفاعلات الإنسانية وتجاذباتها العلائقية… بذلك، يسود جو الشعور بالطمأنينة والاستقرار والتناغم، مما يشبع حاجة الكل، ويحرك دينامية الجماعة بشكل إيجابي.
üالنمط اللامبالي التراسلي:يتسم باللامبالاة، إذ يقتصر القائد التربوي على إرسال المعلومات إلى المتعلمين، تاركا الفرصة الكاملة لهم لتداولها في إطار حياد تام، دون توجيههم أو إرشادهم، مما يكرس لديهم شعورا حقيقيا بالضياع والإهمال لانعدام التحفيز والعناية، إلى جانب الشعور باحتقار قائدهم وعدم الاكتراث بتعليقاته المحدودة، وتدخلاته السطحية. يولد هذا النموذج، الشعور بانخفاض الروح المعنوية الجماعية، ويعمل على تردي وشائج الثقة بينها وبين قائدها.
يتضح من خلال تداول هذه الأنماط، كون النمط الديمقراطي هو الأكثر تناسبا مع بيداغوجيا التدريس بالكفايات، كنموذج مثالي كفيل بتكوين متعلم ذو سحنة بيداغوجية قابلة للتأهيل في المستقبل للمواطنة المسؤولة، الواعية بالحقوق والواجبات داخل النسيج الاجتماعي…
إن كفايات التنشيط التربوي، ترتبط كذلك إلى جانب نمط القيادة التربوية، باتجاهات التواصل التي تنبني طبيعتها على التنوع:
üالتواصل من الأعلى إلى الأسفل:يراهن على تدفق المعلومات في دينامية عمودية أحادية، من القائد التربوي في اتجاه التلاميذ، ويتطابق مع طبيعة التعليم الإلقائي.
üالتواصل من الأسفل إلى الأعلى:من أعضاء جماعة الفصل في اتجاه الأستاذ، يتطلب تحلي هذا الأخير بالصبر والتفهم، والتشبع بسلوك الإنصات، وتقبل الرأي الآخر بصدر رحب… إنه تواصل يعطي فرصا حقيقية للتلاقح وتكوين اتجاهات فكرية ناضجة…
üالتواصل الدائري (الأفقي):يسمح بتدفق المعلومات بين أعضاء مجموعة الفصل في دينامية دائرية، مما يولد أفكارا متنوعة وإنتاجات ثقافية، يصبح فيها التلاميذ هم المنتجون الرئيسيون للتعلمات والمعرفة، بفعل التجاذب والتفاعل والتحاور الداخلي بين أفراد الجماعة، تحت إشراف المدرس وتوجيهه.
بذلك، تتبنى أساليب التنشيط الديمقراطية، اتجاهي التواصل الأخيرين، لمرونتهما ولجعلهما المتعلم – بشكل حقيقي واقعي- في صلب وقاعدة الممارسات التربوية الفصلية المتداولة يوميا
. المعايير والمبادئ المؤسسة لكفايات التنشيط التربوي في فضاء
الفصول المدرسية:
تتطلب كفايات التنشيط التربوي، تطوير وتوظيف عدة قدرات لدى المدرس، ارتكازا على عدة معايير ومبادئ:
Ãالقدرة على الملاحظة:تبدو بسيطة ككفاية في متناول الممارسين التربويين، إلا أنها عكس الظاهر جد معقدة، تستدعي –عند تحليل ومحاولة فهم أي سلوك ملحوظ لدى التلاميذ بهدف ضبطه- الإحاطة بكل مكوناته وتحديد وتحليل العوامل الكامنة وراء إفرازه، للتمكن من قراءته في عمقه، وحصر كل دلالاته: كالشرود وعدم الاكتراث بأنشطة الجماعة، وبالتالي سيادة الفوضى…
à القدرة على فك الترميز وقراءة شفرة الإرسالية:لفهم أبعاد معنى تواصلي حركي أو تعبيري معين، كتابي أو شفاهي، بمعزل عن الأسلوب الشخصي في التحليل، ولكن انطلاقا من أسلوب المتعلمين الذاتي في التعبير والحركة، لفهم سلوكهم. إنها كفاية معقدة على المستوى التواصلي، تتطلب التفكير بطريقتهم، من خلال تقمص شخصياتهم وتفهمها دون أدنى انحياز عاطفي أو وجداني، مع الالتزام بمبدأ الحياد والانطلاق منتمثلاتهم، وإمكاناتهم العقلية الواقعية في بناء التصورات والمواقف، وقدرتهم على التفكير…
à القدرة على إعادة الصياغة:ترتبط هذه الكفاية بسابقتها، وبالتحديد بمدى قدرة المدرس على تقمص شخصية المتعلمين والتفكير بأسلوبهم، مع إعادة صياغة أفكارهم بكل تفهم واحترام لمنطقهم في التحليل، والاستنتاج والنقد والربط… هي جد معقدة، ليست بالسهلة ولا بالتلقائية، تجسد أكبر أساليب التحفيز نجاعة، لكن إعادة صياغة أفكار المتعلمين، يعتبر سلوكا إيجابيا داعما لطريقتهم في إنتاج المعرفة والتفكير.
بذلك، يوجد التحفيز، في قمة الممارسات التربوية المكونة للمبادئ الأساسية لكفايات التنشيط، كمفهوم اصطلاحي يرتبط بوثوق بمجموعة من الدوافع الداخلية والخارجية لدى المتعلم، بجانب حاجته الطبيعة للنمو والتطور عبر إثبات الذات، بهدف الارتقاء والتغيير الإيجابي. إنها عوامل متشابكة يقوم المتعلم بترجمتها إلى سلوك إيجابي، عند إسهامه في سيرورة التعلمات بشكل فعال.
من أهم وسائل التحفيز، إتاحة الفرصة الكاملة لكل متعلم على حدة، ليسهم على قدم المساواة في إنجاز التعلمات، عن طريق شتى الأساليب: كالتعبير والبحث، والمحاولة عن طريق الخطأ والصواب، والتقدم بالاقتراحات والاستنتاجات، وطرح الإشكالات والتساؤلات، والتدخل عن طريق الرد والتعقيب والتوضيح، والكتابة والتطبيق على السبورة، وتوظيف مختلف وسائل الإيضاح التعليمية…
إن أخذ المدرس بهذه المبادرات، وتعزيزها بعبارات التشجيع، وتبنيها وإعادة صياغتها، من شأنه إكساب المتعلمين حس المسؤولية، والشعور بنضج الذات، والتعايش الإيجابي مع فريق العمل… كما يدعوهم إلى تبني المواقف والاتجاهات الفكرية المتوصل إليها بسهولة، ويمكن القائد التربوي من احتواء كل طاقاتهم بشكل حقيقي.
إن تشجيعه لهم على محاكاة المبادرات الناجحة، كفيل بخلق جو كبير من الحيوية والحماس والتباري الإيجابي، مع استقطاب علاقات جماعية قائمة على الدينامية الإيجابية، يترجمها شعور التلاميذ بالثقة، والتفاهم وتقبل الاختلاف، والاطمئنان النفسي…
كذلك، يعتبر التحفيز كفاية تنشيطية شاجبة لكل أساليب التأنيبوالتهديد، وتوجيه اللوم والنهر. فهو على العكس من ذلك آلية تساهم في تقويم سلوك المتعلم وتصحيحه، مع الحفاظ على كرامته وتوازنه النفسي داخل جماعة الأقران.
تقوم باقي المبادئ المطورة لكفايات التنشيط، على ممارسة القائد التربوي، لعدة إجراءات عملية ذات طبيعة سيكولوجية وتعبيرية متداخلة، تتمثل في تزويد المتعلمين بالتغذية الراجعة باستمرار، مع استثمار خبراتهم ومنتوجاتهم وبحوثهم، وتجميع المعطيات وتشجيع المتميز فيها، والحث على محاكاتها. في الوقت الذي يتناول فيه المدرس الكلمة بشكل محدود وسط هذه التفاعلات، وينبه تلامذته إلى ضرورة الاهتمام بأسلوب الصياغة اللغوية أثناء النقاش، مع تعميمه للتجارب الرائدة، وفتحه الباب أمام الاجتهادات البناءة، وتشخيصه للحالات الصعبة ومواقف التعارض الملحة، ووضعيات التوتر للوقوف عندها وتصحيحها وتجاوزها…
الأكيد، أنه يوجد على قمة معيقات التواصل الإيجابي، حالاتكشيوع الفوضى، وتشتت الاهتمامات الذهنية المسببة في سيادة التوتر والخلاف على مستوى العلاقات. هناك أيضا، معيقات أخرى مرتبطة بسلوكات المدرس: كرفض الأخذ بالإجابات الصادرة عن التلاميذ، أو رفض مناقشتها، أو توجيه النقد اللاذع لبعض أعضاء الجماعة… زيادة على الغضب السريع، وانتهاج أسلوب التهديد والتعنيف، واللوم والتنديد، أو تفضيل بعض العناصر على حساب أخرى…
كلها معيقات تواصلية، قد تقطع أواصر الترابط والالتحام، والانسجام والتكامل بين أعضاء الجماعة وجدانيا. من الناحية المنهجية أيضا، توجد معيقات أخرى: كتجاوز التوقيت المحدد، وعدم التحكم في عامل الزمن، ونهج أسلوب الإلقاء، والإغراق في العروض المسهبة والتفاصيل، أو الخروج عن الموضوع والتكرار واجترار المواقف والأفكار…
4. كفايات التنشيط التربوي: مقاربة وظيفية (مهام وأدوار المنشط ومواصفاتهالتربوية):
تتطلب كفايات التنشيط لدى المدرس –بشكل خاص- حدا أدنى من ميكانيزمات التحكم في شؤون جماعة الفصل: في طليعتها والوعي بمهام التنشيط، والإحاطة بالقوانين التنظيمية لجماعة العمل، والتحكم في المادة المعرفية المرتبطة بالمنهاج.
كما يتعين عليه، الاستيعاب الدقيق والجيد لأهداف الأنشطة التربوية التي يشتغل عليها مع فريق العمل، وطبيعة آليات وميكانيزمات التنشيط، وتدبير ورشات العمل داخل الفصل، وطريقة توزيع المهامبين مختلف الأعضاء، ووضع المعايير الموضوعية الكفيلة بالتقويم. يتعين عليه كذلك، القيام بعدة أدوار، وتقلد عدة مهام، في ظل توظيفه وتطويره لكفايات التنشيط:
أ- وظيفة التوضيح: ترتبط بالقدرات التالية:
Ãالقدرة على إعادة صياغة المحتوى المرتبط بتدخلات وإنتاجات المتعلمين. من إفرازاتها الإيجابية: الاستئثار باهتمام المجموعة حول فحوى التدخل بأسلوب واضح، ومساعدة المتعلمين على تكوين رؤية شاملة ودقيقة حول الإشكالالمدروس، لإكسابهم القدرة على التحديد والتمييز. أيضا، هناك القدرة على تقديم الأعمال المنجزة بأسلوب مركز وملخص، والتمييز بين ما هو أساسي وثانوي، وتوجيه نشاط الحوار، عبر الإسهام بالتساؤلات وطرح الإشكاليات، وإثارة القضايا وإبداء الملاحظات، وتزويد الفصل بالوثائق… دون الاستئثار بالكلمة أوالتعصب للرأي، بل بتركيز النشاط حول تجميع حصيلة التعلمات والمواقف والأفكار المنتجة، لتسجيلها على السبورة وتوظيفها لبناء الدرس.
Ãالقدرة على نسج وتطوير علاقات ترابط وانسجام بين مواقف المتدخلين: بدعوتهم لربط مواقفهم بسابقتها، عن طريق الإصغاء والبناء التشاركي لضبط سيرورة التعلمات، مع توفير المناخ التربوي الصحي اللازم لذلك.
Ãالقدرة على التلخيص: عن طريق تركيب الأفكار والمواقف، وتطبيق القرارات النهائية المتوصل إليها جماعيا. وهي كفاءات ترتبط بالقدرة على تنظيم وتنسيق منهجية العمل الجماعي، لتسهيل تدفق المعلومات والخبرات.
التكوين المستمر ودعم كفايات التنشيط التربوي (الجزء الثالث)
من طرف أم ياسر في الأحد سبتمبر 09 2024, 19:01
ب- وظيفة التتبع والمراقبة:توجد عدة مهام وقدرات يوظفها المدرس أثناء التنشيط، تتمثل في إدماج العناصر الشاردة في أجواء العمل الجماعي بلطف ولباقة، والحد من الثرثرة بتكليف الشاردين بعدة أدوار، ودعوتهم للتدخل، أو تلخيص وإعادة صياغة تدخلات الآخرين.
توجد بجانبها القدرة علىتنظيم طريقة توزيع الكلمة والأدوار والمهام بين أعضاء فريق العمل، وتنظيم اتجاهات العلاقات التفاعلية ووتيرة التدخلات، بناء على المساواة والإنصاف، لتعميم التجارب الناجحة والاستفادة منها. تليها القدرة على التحكم في تدبير عامل الزمن بشكل محكم، انطلاقا من جدول أعمال جماعي دقيق، لضبط سيرورة التعلمات ووتيرة تدفقها وسيولة أفكارها.
ج- التحكم في تقنيات التدبير:يتطلب التنشيط توظيف المدرس وتطويره لثلاث قدرات رئيسية، تتمثل في التعزيز والتحفيز وما يرتبط بهما من أساليب التشجيع، والقدرة على موضعة التدخلات عن طريق ضبط مواقف التوتر للحد منها، مع تجنب التعصب للآراء الذاتية، إلى جانب الحرص على الحد من التفاعلات السلبية، والخلافات والنـزاعات السلوكية العدوانية، قصد إعادة التوازنات المختلة. بذلك، يتدخل عامل قوة الشخصية لدى المدرس، ومدى قدرته على التأثير الإيجابي، وتحليل وفهم العلاقات واتجاهات التجاذب فيها وطبيعتها، مع ضبط أنماطها.
أخيرا، هناك القدرة على تنمية ملكة التعبير الشفوي لدى التلاميذ، عن طريق منحهم الفرصة للتدخل، وتوجيه الاستفسارات، والإسهام في رفع الغموض عن بعض المواقف اللغوية أو العلمية، والتعبير عن الاتجاهات والقرارات الفردية والجماعية.
عموما، تتشعب وتتداخل أدوار المنشط، يمكن إجمالها في عدة أنواع بهدف التمييز بينها:
ü دور المنسق: بتوجيه العمل داخل فريق العمل، والإشراف عليه باستمرار، والتدخل للتنسيق بين التلاميذ وورشات العمل الجماعي.
ü دور المنظم:بالسهر على توزيع الأدوار والمهام، وخلق مجموعات عمل منسجمة…
ü دور القائد: على رأس المجموعة الفصلية، لتدبير سيرورة التعلمات، وقيادة الأنشطة التربوية، وضبط البناء المعرفي، ووتيرة الإيقاع الزمني لتراكماته.
ü دور المتتبع: بمراقبة وتيرة الإنجاز، وضبط المناخ العـام المسيـطر –سيكولوجيا- على المتعلمين، مع اتخاذ كافة الإجراءات التنظيمية الخاصة بتدبير جماعة الفصل، وطبيعة التفاعلات العلائقية، والإنتاجات الفكرية، مع تقويم هذه المكونات وضبطها وتحليلها…
ü دور المستشار:بالتزويد بالنصائح والتوجيهات، للتغلب على الصعوبات…
ü دور المحفــز: بتعزيز مواطن القوة في التفاعلات المواقفية والثقافية لدى المتمدرسين، والمساعدة على تجاوز نقط الضعف في تكوينهم وتمثلاتهم…
ü دور المكـون: بمنح الفرصة الحقيقية للمتعلمين للبحث وبناء التعلمات وشحذ طاقاتهم، وتنمية مؤهلاتهم وتطويرها، في ظل العمل بروح الفريق.
üدور المخطـط:بإخضاع منهجية العمل لتخطيط ديداكتيكي محكم، انطلاقا من التحديد الدقيق لأهداف الأنشطة التربوية، مرورا بتحديد الآليات، واختيار الطرائق النشيطة للتنفيذ، وصولا إلى بلورة خطة للتقويم والتتبع.
ü دور المقــرر:بالتدخل في الوقت المناسب، للحسم في المواقف الكبرى، من أجل تحقيق أهداف الأنشطة التربوية بتوافق مع أعضاء الجماعة واتجاهاتهم الفكرية.
5.كفايات التنشيط التربوي: مقاربة منهجية لتقنيات وطرائق التنشيط:
يخضع نشاط بناء التعلمات وتحليل مختلف وضعيات التعلم، لعدة إجراءات تنظيمية، عملية متفاعلة ومتجاذبة، كتدابير يتخذها المدرس عند طرحه لمجموعة من الوضعيات –الإشكالات، يسعى إلى حلها، مع تقويم حصيلة التعلمات. إنها تتمثل في العمليات الإجرائية ذات الطبيعة المنهجية الآتية:
التخطيـط:يقضي كإجراء، وضع خطة عمل للتفكير الممنهج، برسم أهداف واضحة على مستوى كل نشاط تعليمي على حدة، ورسم مراحل إنجازه بتنسيق وتكامل مع أعضاء فريق العمل، مع وضع تصور إجرائي لتحديد أطوار التنفيذ ومدته وإطاراته الزمنية. هذا، بجانب وضع وتحديد طرق وآليات التنفيذ. بذلك، يفرض التخطيط منطق الانتقاء، ومراعاة المؤهلات والميولات الواقعية للمتمدرسين.
التنظيــم: كإجراء عملي يتخذه المدرس، لتوزيع وتحديد مهام وأدوار ومسؤوليات المتعلمين، مع توفير الشروط التربوية لذلك، واختيار أنسب الآليات والطرائق للتحاور والتنشيط والتفاعل الإيجابي. يتم ذلك في ظل تدابير عملية، كالإعلان عن نوع الأهداف المصاغة، وطريقة توزيع المهام، وتحديد المسؤوليات…
التنفيــذ:كإجراء عملي، يتم بتحديد مراحل وسيرورة إنجاز الأنشطة التربوية، والتحكم في وتيرة تدفقها زمنيا، مع معاينة النتائج وبلورتها في مواقف وإنتاجات فكرية محددة.
التوجيه والإرشاد والتنسيق: كتدابير منهجية ترتبط بكفايات التنشيط في عمقها الاستراتيجي، تتجسد في توفير الشروط التجهيزية والموضوعية، لخلق التفاعل الإيجابي بين أعضاء الجماعة، في ظل تدبير ديمقراطي لتحقيق الأهداف المسطرة.
تقويم حصيلة التعلمات:كإجراء، يتخذ في ظل التأسيس لقرارات بعدية، وتقدير المواقف والسلوكات النهائية، في ارتباط مع الأهداف المصاغة في بداية الأنشطة التربوية، يتم تتبعه بواسطة وقفات تصحيحية لتقويم مواطن التعثر، بأسلوب يتسم بالبساطة والفعالية.
يعتبر السؤال التربوي، أهم تقنيات وآليات التنشيط الحوارية والتعبيرية التواصلية، تختلف طبيعته باختلاف الهدف منه:
أ- "السؤال- الاختبار": يهدف إلى توضيح موقف تعلميغامض، أو شرح دلالة كلمة مجهولة أو معقدة، أو التعبير عن فكرة أو مفاهيم، يتم تداولها بمعان تختلف لدى الجميع.
ب- "السؤال الداعي للمشاركة المباشرة": يوظف لاستطلاع رأي أحد أعضاء الجماعة حول موقف ما، إما بعد طلب الكلمة، أو دون ذلك، بدعوة مفتوحة للمشاركة في الحوار التعلمي.
ج- "إرجاع السؤال": يتفرع عن "السؤال الصدى"، حيث يتم إرجاع السؤال إلى صاحبه الذي ألقاه، لمعرفة رأيه حول نفس الموضوع المطروح. يليه "السؤال –المحطة"، لإدارة السؤال بشكل أفقي، بإلقائه على عضو آخر من أعضاء المجموعة، خاصة الشاردين عن الحوار. أخيرا، هناك "السؤال المرآة": يتمثل في إرجاع السؤال إلى التلاميذ.
د- "السؤال التوضيحي": يأتي في خضم توقف المجموعة لبعض الوقت، لتوضيح بعض المواقف في إطار فريق العمل، مما يعطي فرصة التجاذب عاطفيا، وقد يولد بعض التوتر والاختلاف أحيانا، بجانب بعض المواجهات، والمطلوب في هذه الوضعية، عمل المجموعة على تجاوز خلافاتها. في الحالة العكس، يتدخل المنشط لإعادة جو الاستقرار النفسي والهدوء، والسيطرة على الوضع، عبر طرح "السؤال الفرضية"، كسؤال يوحي بالجواب المرتقب في طياته.
عموما، يتعين على المنشط تنويع أساليبه في اختيار السؤال، والعمل على مطابقة الاختيار مع طبيعة وضعيات التنشيط.
إلى جانب السؤال، تتنوع آليات التنشيط الأخرى: كالتلفاز والأشرطة المسجلة، والأقراص المدمجة، والصور والخرائط والمجسمات، والوثائق المكتوبة والنماذج… كلها آليات تواصلية، يمكن، توظيفها وتفعيلها كطرق حية فعالة للتنشيط، حسب طبيعة ديداكتيك التخصصات، وتدرج مستويات التعليم في مختلف الأسلاك والأطوار التعليمية.
بالموازاة مع ذلك، تتنوع تقنيات تنشيط جماعات العمل، كما يتم اختيارها بانسجام مع مشاريع العمل البيداغوجي وطبيعة التعلمات، وبنيات الفصول الدراسية…
• تقنية المناقشة المنهجية المفتوحة مع مجموع التلاميذ ككل: تنطلق من معطيات حوارية محضة، أو من دراسات وثائقية في الكتاب المدرسي، أو من السبورة أو خارجهما، أو من شروح مركزة تدعو إلى التفكير والتأمل، وإيجاد العلاقات، والربط والتحليل… ترمي كلها، إلى تحقيق الأهداف المرتبطة بأنشطة التعلم. هي أكثر الطرائق التنشيطية المتداولة في فصولنا الدراسية، يتعين العمل بها وفق تدخلات منظمة، تتم في جو هادئ وناضج، تكون معممة في جل الأحيان، تنطلق من الأستاذ نحو المجموعة، لتحليل بعض مواقف الدرس، أو استثمار بعض وسائل الإيضاح.
• تقنية زوبعة الذهن (تقنية العصف الذهني): تقضي بطرح إشكال أو موقف دراسي معقد، يستدعي الحل في البداية، ليعرض للنقاش على المجموعة الفصلية، مما يفجر آراء مختلفة في ظل تجاذب وتفاعلالتفكير الجماعي. بذلك، تتولد مجموعة من الأفكار الجديدة في إطار هذه الدينامية التنشيطية، مع بلورة حلول إبداعية تدعو إلى تطويق الإشكال وتدرجه نحو الحل، يتم اختيار الأنسب منها، وبنائها وفق منطق التسلسل والترابط المنهجي.
• تقنية فيليبس 6×6: تتم عبر توزيعفريق العمل إلى مجموعات صغرى منسجمة نفسيا وعاطفيا. تتشكل من 6 إلى 8 أعضاء يشرف عليها منسق، يتكلف كل منها بتحليل وضعيات دراسية، أو معطيات وثائقية معينة، لمدة زمنية محدودة لا تتجاوز 20 دقيقة. يلعب المدرس دور المنسق العام بين مختلف المجموعات، يزودها بالإرشادات والنصائح. بذلك، تتم مقاربة الموضوع المطروح للدراسة، من زاوية التفاعلات بين أعضاء جماعة العمل المصغرة.
• تقنية المحاكــاة: كتقنية تواصلية تقوم على تقليد الأدوار، وبناء نماذج الشخصيات المتماثلة، لمحاكاة شخصيات تاريخية أو قانونية بطريقة مسرحية، تنبني على التخيل لتقمص الأدوار، عن طريق التعبير الحر الطليق.
• تقنية البانيــل: تقوم على أساس تنظيم مائدة مستديرة، تحت إشراف مختص أو مختصين في المادة، يتم استدعاؤهم لتحليل موضوع معين، أو قضية دراسية محددة، أمام المجموعة الفصلية في مناسبة ما، لإتاحة الفرصة للكل للتدخل، وطرح التساؤلات أثناء وبعد هذا النشاط، كطريقة جيدة لتجاوز روتينية العمل الدراسي العادي.
عموما، يتوقف اختيار طرائق التنشيط الحية بالأساس، على طبيعة المعرفة ومواقف التعلمات، ومنهجية الأداء، وطبيعة مجموعة العمل. تعني هذه الأخيرة بشكل مبسط، توزيع مجموع التلاميذ إلى فئات منسجمة عاطفيا وتواصليا، بشكل متماثل عدديا تتوجه بعملها جماعيا إلى حل موقف تعليمي معقد، مع تقلدها لعدة مهام وقيامها بعدة أدوار، لتحقيق الأهداف المرسومة للنشاط التربوي، مع الخروج بمواقف بنائية مشتركة.
كما، ترتبط طبيعة العمل الجماعي التنشيطي في شقها الآخر، بتعدد المداخل البيداغوجية، رغم كونها متشابكة ومتداخلة، أبرزها :
أ- البيداغوجيا الفارقيــة: بيداغوجيا تتميز بالنـزعة الفردانية والتنوع، تأخذ بعين الاعتبار التمثلات الراسخة في أذهان المتعلمين كمنطلق أساسي عند بناء المعرفة. لذلك، ترتبط بمستوى معلوماتهم وأصنافها وبانطباعاتهم، ومواقفهم الوجدانية والنفسية، واتجاهاتهم السوسيوثقافية. بناء عليه، فهي تتعارض كبيداغوجيا، مع ممارسة التعلمات في فصول دراسية منسجمة، كما تنهل أسسها النظرية من علم النفس التربوي والسوسيولوجيا.
على المستوى السيكولوجي، تعتبر البيداغوجيا التقليدية التلاميذ، ذوي مؤهلات متساوية ومتكافئة. في الحين الذي توصل فيه كل من علم نفس التطور وعلم النفس الفارقي إلى قناعات عكسية، إذ أن تفاعلات التلاميذ في ظل وضعيات التعلم لا تتشابه في مساراتها، وكذا سلوكاتهم ومواقفهم في بناء المعرفة، كما أن تطوير خبراتهم يتم بأشكال متعارضة. من ثم، يميز علماء النفس بين السحنة البيداغوجية منجهة، والأساليب المعرفية ووتيرة العمل من جهة أخرى. تقوم السحنة البيداغوجية على كون مبدأ إدماج المعرفة، يتأسس بالضرورة ارتكازا على استيعاب المعلومات المسترجعة ذهنيا من قبل، عن طريق الالتقاط السمعي والبصري لدى التلاميذ، مما يشكل رصيدهم المخزون من التمثلات، انطلاقا من طريقتهم في التفكير، وبناء العلاقات والربط بينها. بذلك، تدخل الأساليب المعرفية لديهم في ديناميةتصفية المعلومات، حيث لا يستوعب التلاميذ ولا يكتسبون إلا نوع المعرفة المطابقة لطبيعة مخزونهم المعرفي السابق. يمكن التمييز في هذا المستوى، بين نوع المعرفة الاندفاعية، وبين المعرفة النابعة من التفكير والمعرفة المستهلكة، وتلك المنتجة والتركيبية والتحليلية… وأخيرا هناك وتيرة العمل، التي ترتبط بمدة إنجاز نشاط تربوي معين.
وعموما، تتنوع تقنيات التنشيط حين مقاربتها بمدخل البيداغوجيا الفارقية، التي تقترح تقنيات عديدة للعمل الجماعي أهمها:
فارقية سيرورة التعلم: تستدعي توزيع التلاميذ إلى عدة مجموعات، تشتغل كلها من أجل تحقيق نفس الأهداف، لكن من خلال أنشطة تعلم مختلفة.
فارقية البنيات:تعمل على توزيع التلاميذ إلى عدة مجموعات بناء على الاختلاف الحاصل في بنيات القسم.
فارقية المضامين:تقضي بتوزيع التلاميذ إلى عدة مجموعات تشتغل على مضامين متنوعة لكن محددة، على مستوى الأهداف المعرفية ونوعية الطرائق.
إجمالا، يمكن القول أن البيداغوجيا الفارقية، تسعى إلى تحسين العلاقات بين المدرسين والمتعلمين، والحد من الفشل المدرسي، وتثري الاستقلالية الذاتية، والاندماج الاجتماعي لدى المتعلم. من الأكيد، أنه لا يمكن على مستوى هذه المقاربة البيداغوجية، تجاهل العلاقة المتينة والأكيدة، الموجودة بين نجاح أو رسوب المتعلمين وبين مستوى محيطهم السوسيوثقافي.
ب- بيداغوجيا الإيقاظ وإثارة الفضول: مدخل بيداغوجي جد هام داعم لكفايات التنشيط، يهتم بإيقاظ حماس المتعلم ونشاطه الذاتي، بإثارة فضوله العلمي وحبه للبحث عن الحقائق، واكتشاف الأسباب والروابط وامتدادات الظواهر، مع بناء مواقفه الشخصية بشتى أنواع التعبير… إنها بيداغوجيا تتبلور عبر محطات رئيسية ثلاث:
– المرحلة التمهيدية:يقوم فيها التلميذ بالبحث وبالتالي بالإبداع المستقل.
– مرحلة الإنجاز: يعمل فيها على ضبط المعرفة، وتنظيم التفاعلات والتدخلات.
– مرحلة تجميع وتوظيف حصيلة التعلمات والاستنتاجات.
ج- بيداغوجيا الإبداع:كمقاربة بيداغوجية عملية منهجية منظمة، تهدف إلى إثارة وتطوير حس الإبداع لدى المتعلم، وحفز رغبته في الاكتشاف والابتكار، بتوظيفه لكل طاقاته الكامنة، ومؤهلاته العقلية والنفسية والوجدانية والحس حركية، مع تدبيره الشخصي لسيرورة الإنتاج المعرفي، ومراحل بناء التعلمات، وبناء المواقف والاتجاهات، واكتساب السلوكات الإيجابية. من تقنياتها العديدة: تقديمه لتفسيرات حول إشكال ما، أو عرض مشكل يدعو إلى الابتكار والتحليل، أو طرح الأفكار المثارة على أرضية التجريب. كما تتعلق هذه التقنيات، بتقويمه لنتائج الحصيلة الفكرية وتبنيه للأنجع منها… هذه كلها، عبارة عن أنشطة تتبلور في ظل احترام المدرس للمبادرات الحرة لتلامذته، وطريقتهم في التفكير والتحليل والتمحيص، مع تجنب إصدار الأحكام عليها، أو التدخل لمقاطعتها أو توقيفها… كما تتبلور أيضا في ظل منهجية الإبداع، بخلق المدرس لأوضاع التعلم الداعية إلى الإبداع والابتكار والحاجة إليهما، وكذا منحه فرصا حقيقية للمتعلمين، لتسهيل تدفق أفكارهم ومفاهيمهم وتعابيرهم، وكذا الانتقال من وضعية تعلم إلى أخرى بمرونة، مع التكيف مع الإبداعات الجديدة التي ينبغي أن تتميز بجدتها وخروجها عن مسار التفكير المألوف. هذا بجانب، مبدأ إعادة صياغة التعلمات، وإخراجها في قالب جديد.
هجزاك الله خيرا بالفعل موضوع قيم
انت يااخي عنونت موضوعك التعليم في المغرب …….اما في الجزائر . هل من هذا الموضوع استنتجت ان التعليم في المغرب احسن من الجزائر ام ماذا
مذا كان هذا الموضوع هو المؤشر على ان التعليم في المغرب جيد فوزارتنا لو تبحث في مناهجها تجد نفس الكلام
المشكل يكمن في أن بيداغوجيا الكفاءات شرع فيها منذ سنتين أو ثلاث فقط لكن تجد تجاوبا كبيرا بين مدرسيها عكس ما نراه في بلادنا لا تكوين واضح ولا اهتمام
الدارس للوضع في المغرب الشقيق يجد الحال كحالنا او اسوا فهناك اصوات كثيرة تدعوا الى التخلي عن المقاربة بالكفايات او على الاقل تعديلها لكي تتلائم مع واقع المغرب الشقيق
كلام على ورق فقط فالمعلمون هناك يتلقون اجورهم من المساعدات الدولية و عندما تنقطع فلا حول و لا قوة لهم كفانا و دعكم من التصفيق لكل ما هو اجنبي دائما