إن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح الناس، فأمرهم بكسبه من الطرق المباحة وأمرهم بالإنفاق منه في وجوهه المشروعة كالنفقة على النفس والأهل والضيف وبذله في الصدقة والزكاة ونحو ذلك مما شرعه الله وجوباً او استحباباً أو إو إباحة.. ،وجعل لهم قاعدة يمشون عليها هي طريق التوسط والاعتدال لا تبذير ولا تقتير لا إسراف ولا بخل كما قال تعالى: ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً﴾ فبالاعتدال في النفقة يحافظ المسلم على ماله ويعطي كل ذي حق حقه وينتظر بذلك الخلف والعوض من ربه إن شاء الله.
أما إذا قترت وبخلت فإنك تمنع حق الله وتمنع حق خلقه فتستحق الإثم والعقوبة وتبوء بسوء السمعة والذكر من جهة أهلك وبنيك وقرابتك. وكنت خادماً للمال عبداً له.. وتعس عبد الدينار والدرهم والخميصة والخميلة..
وأما إذا أسرفت وتجاوزت الحد فإنك أيضاً تقع في جملة من المفاسد والمحاذير فمنها انه تضيع مصلحة المال الذي جعله الله من أجلها، فالقدر الزائد الذي ذهب في السرف لو تصدقت به لنفعك يوم لا ينفع مال ولا بنون ولو ادخرته لربما نفعك في وقت تضيق فيه ذات يدك..
ومنها أن المبذر أخ للشيطان لإطاعته له ومشابهته إياه وبسئت الإخوة والمشاكلة قال تعالى: ﴿ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً﴾، فهل ترضى لنفسك أن تكون أخاً لمعلون مثبور مطرود من رحمة الله..
ومنها أن المبذر في ولائمه ومناسباته وأفراحه وأسفاره يكون قدوة سيئة لغيره ممن يتأثر به فيقلده ويحاكيه وقد يكون فقيراً فيتكلف فوق طاقته فيكون قد سن سنة سيئة..
ومنها أن المبذر في المناسبات والولائم ونحوها في الغالب لا يريد إلا ثناء الناس ولو تفكر وتامل لوجد أنه يبوء بالخيبة والخسارة فمن جهة نال إثماً واكتسب وزراً ومن جهة ثانية تجد من يذمه حتى من ضيوفه أكثر ممن يمدحه لأن الفطر السليمة تأبى الإسراف والتبذير ولان الإيمان في القلوب يستنكر أن يكون مصير الأطعمة الكثيرة الى المزابل والنفايات..
فالزموا الاقتصاد والاعتدال وكونوا من خيار عباد الرحمن الذين أثنى عليهم فقال: ﴿والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً﴾، بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
إن الإسراف والتبذير من الصفات المذمومة التي يجب الحذر منها لأثرها البالغ في محق البركات وقطع الأرزاق وتبدل الأحوال من سعة الى ضيق ومن غنى الى فقر لأن الإسراف ومجاوزة الحد هو وضع للمال في الباطل . هو من كفران النعمة وعدم شكرها والنعم لا تستمر وتستقر الا بالشكر كما قال تعالى: ﴿وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾، وأنتم في أيام عيد الأضحى فكلوا واشربوا والبسوا لكن في غير سرف ولا مخيلة كما أمرنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
واحذروا من رمي الأطعمة وإتلافها فالزائد أصلحوه وهيئوه واهدوه وتصدقوا به ومن لا يعرف مستحقاً فلينسق مع الجمعيات الخيرية التي تتولى تصريفها لمن يستفيد منها إن شاء الله..
أيها الإخوة إن يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة بعده أيام أكل وشرب وذكر لله فمن لم يذبح أضحيته اليوم فالوقت لا يزال أمامه واحرصوا على الأضحية فإنها سنة أبيكم إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم، وفيها اظهار للتوحيد بإراقة الدم لوجه الله كما قال تعالى (فصل لربك وانحر) وكما قال تعالى: ﴿قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾ ..
ويشرع فيها التكبير في كل وقت بما في ذلك ادبار الصلوات المفروضة كما جاء عن علي وابن مسعود وغيرهما أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} [الحج: 32 – 37].
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..