تخطى إلى المحتوى

الاقتصاد في الماء عند الوضوء 2024.

الاقتصاد في الماء عند الوضوء

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق، فما من خير إلا دلّنا عليه و نصحنا به، و ما من شر إلا حذرنا منه و نهانا عنه.
أحببت أن ألفت القارئ الكريم إلى سنة متروكة في هذا الزمان و هي الاقتصاد في ماء الوضوء، حيث ابتلى الكثير من الناس بالإسراف في استعمال الماء في الوضوء و في الغسل خاصة عندما نستعمل الحنفية مباشرة و في كثير من مظاهر الحياة، نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول و العمل.

ذكر ما جاء في الكتاب و السنة

قال الله سبحانه : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قالَ: كان رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بالْمُدِّ، ويَغتسِلُ بالصَّاعِ إلَى خَمسةِ أَمدادٍ. مُتَّفَقٌ عليهِ.[1]
ومنها حديث عائشة في مسلم، عن حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر "أن عائشة أخبرتها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد، يسع ثلاثة أمداد، أو قريبًا من ذلك"[2]
ومنها حديث عبدالله بن زيد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد، فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه"[3]

ذكر أقوال الفقهاء حول الاقتصاد في ماء الوضوء أو الإسراف فيه

في هذا الجزء من الموضوع استفدت من بحث قام به الشيخ دبيان محمد الدبيان [4]حيث جمع فيه أقوال الفقهاء في هذا الباب :
اعتبر الحنفية الاقتصاد في ماء الوضوء من آداب الوضوء[5].
وقيل: إن كان الماء موقوفًا على من يتطهر أو يتوضأ، فإن الإسراف حرام، وكذلك الزيادة على الثلاث، قال ابن نجيم من الحنفية: بلا خلاف[6].
وقيل: الإسراف في ماء الوضوء مكروه، وعليه أكثر أهل العلم[7].
وقيل: يحرم، اختاره البغوي والمتولي من الشافعية[8] وأومأ إليه ابن تيمية[9].

دليل من قال بالتحريم:

الدليل الأول:
ما أخرجه أبو داود، قال: حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: ((هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم – أو ظلم وأساء((.
إسناده حسن، وزيادة (أو نقص) وهم من الراوي[10].

الدليل الثاني:
ما رواه أحمد، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي نعامة، أن عبدالله بن مغفل سمع ابنًا له يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض من الجنة إذا دخلتها عن يميني، قال: فقال له: يا بُني، سل الله الجنة، وتعوذه من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون من بعدي قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور))[11]
ولذلك قال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم.
وقال أحمد وإسحاق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى؛ اهـ.
يعني: مبتلى بمرض الوسوسة، أعاذنا الله وإياكم منها.

دليل من قال بالكراهة:
قال الشوكاني: لا خلاف في كراهة الزيادة على الثلاث.
والحق أن في ذلك خلافًا على ما تبين، فمنهم من اعتبر الاقتصاد من الآداب التي يؤجر على فعلها، ولا يلزم من الإخلال بها الوقوع في المكروه كما يراه بعض الحنفية.
ولقد قال الشافعي في الأم: لا أحب للمتوضئ أن يزيد على الثلاث، وإن زاد لم أكرهه إن شاء الله تعالى.
ومنهم من رأى تحريم الزيادة كما حررت ذلك عند ذكر الأقوال.

دليل من اعتبر الاقتصاد من الآداب:
لعله رأى أن ترك السنة لا يلزم منه الوقوع في المكروه، وهذا حق لولا أنه جاء من الأحاديث ما يدل على ذم الزيادة على الثلاث، والله أعلم.

في تقدير المد و الصاع النبوي
المد هو ربع الصاع، فالصاع يساوي أربعة أمداد، والمد يساوي رطلا وثلثا بالرطل العراقي، فيكون الصاع إذا خمسة أرطال وثلثا بالرطل العراقي، قال النووي (هذا هو الصواب المشهور) [12].
و معلوم الاختلافات الموجودة حول تقدير المد و الصاع النبوي بما يوافق الوحدات المستعملة في العصر الحديث، وبهذا الصدد سأقتبس من بحث مطول بعنوان : )الصاع بين المقاييس القديمة والحديثة( [13] حيث يبين صاحب الموضوع طرق علمية قام بها الباحثون في الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس، و نعرض هنا طريقتين رجحهما كاتب الموضوع لتحديد قيمة المد و الصاع النبوي :
الطريقة الأولى : تحديد حجم الصاع بالمللتر عن طريق قياس حجم وزنه بالجرام ؛ وهو (2.035 جرام) من الحنطة الجيدة المتوسطة ، وقد قام الباحث خالد السرهيد بوزن ذلك بإناء يقيس الحجم في إدارة المختبرات التابعة لهيئة المواصفات والمقاييس كانت النتيجة (2430) مللتر من البر الجيد المتوسط ، أي لتران وأربعمائة وثلاثين مليلتر ،
الطريقة الثانية: قياس حفنة الرجل المعتدل الخلقة:
فقد قام بعض الباحثين في الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس بقياس حفنة أربعين رجلاً معتدل الخلقة، فكان المتوسط هو 628 مليلتراً [14] ، وهو ما يعادل مدَّاً فيكون الصاع 628 × 4 = 2512 ، فيكون الفارق بين هذا الطريق والذي قبله 82 مليلتراً ، وهو فارق ليس كبيراً ، لا سيما مع صعوبة التحديد الدقيق لوزن الصاع وحجمه.
ملخص القول و هو ما يهمنا في الموضوع أن المد 607 مل او 628 مل أما الصاع 2430 مل 2512 مل، و في الحقيقة لا يوجد فارق كبير بينهما.
هذه الدقة في التقدير تجعلنا نعرف عمليا كم يكفينا من الماء من غير إسراف فيه.

مظاهر الإسراف في ماء الوضوء
1- أن يتجاوز في غسل أعضائه الحد الشرعي وهو ثلاث غسلات لكل عضو إلا الرأس.
2- أن يتكاسل أثناء وضوئه ويتباطأ حتى يصرف مقدارا كبيرا من الماء قبل أن يفرغ من وضوئه.
3- أن يبالغ في الغسلة الواحدة فيأخذ لها ماء كثيرا جدا إن كان يتوضأ من الإناء، أو يبقي يديه تحت الصنبور وقتا طويلا في كل غسلة.
نسأل الله أن يهدينا إلى الحق و يرزقنا اتباعه.

———————————————————
المراجع :
[1] صحيح البخاري الحديث رقم (201) ، صحيح مسلم الحديث رقم (326).
[2] صحيح مسلم الحديث رقم (321).
[3] أخرجه ابن حبان كما في الموارد (155) من طريق ابن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عمه عبدالله بن زيد. ورجاله ثقات.
[4] https://www.alukah.net/Web/dbian/0/29431/#ixzz1vrFEwrld
[5] قال في بدائع الصنائع (1/23): أن لا يسرف في الوضوء ولا يقتر، والأدب فيما بين الإسراف والتقتير؛ إذ الحق بين الغلو والتقصير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الأمور أوسطها)). وانظر البحر الرائق (1/29).
[6] انظر تحفة المحتاج (1/231)، الفتاوى الهندية (1/8) وقال في البحر الرائق (1/30): الإسراف: هو الاستعمال فوق الحاجة الشرعية، وإن كان على شط نهر، وقد ذكر قاضي خان تركه من السنن، ولعله الأوجه، فعلى كونه مندوبًا لا يكون الإسراف مكروهًا، وعلى كونه سنة يكون مكروهًا تنزيهًا، وصرح الزيلعي بكراهته، وفي المبتغى أنه من المنهيات فتكون تحريميَّة، وقد ذكر المحقق آخرًا: أن الزيادة على ثلاث مكروهة، وهي من الإسراف، وهذا إذا كان ماء نهر أو مملوكًا له، فإن كان ماء موقوفًا على من يتطهر أو يتوضأ، حرمت الزيادة والسرف بلا خلاف، وماء المدارس من هذا القبيل؛ لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي.
[7] وقال في مواهب الجليل (1/256): من فضائل الوضوء – أي: مستحباته – تقليل الماء من غير تحديد في ذلك، وكذلك الغسل يستحب فيه تقليل الماء من غير تحديد، قال في شرحه: (تنبيهات: الأول) ما ذكره المصنف من أن تقليل الماء في الوضوء والغسل مستحب، صرح به القاضي عياض في قواعده، والقرافي في الذخيرة، والشبيبي وغيرهم، وقاله في النوادر، وسيأتي لفظها، وأصل المسألة في المدونة، وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة، قال في المدونة: وأنكر مالك قول من قال في الوضوء: حتى يقطر الماء أو يسيل، وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد. ولفظ الأم: وسمعت مالكًا يذكر قول الناس في الوضوء حتى يقطر أو يسيل، قال: فسمعته يقول: قطر قطر، إنكارًا لذلك… إلخ كلامه رحمه الله.
[8] المجموع (1/220).
[9] قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (1/224): الذي يكثر صب الماء حتى يغتسل بقنطار ماء، أو أقل، أو أكثر: مبتدع مخالف للسنة، ومن تدين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله عن ذلك، كسائر المتدينين بالبدع المخالفة للسنة.
[10] انظر رقم: (68) من كتاب أحكام المسح على الحائل، وهو جزء من هذه السلسلة.
[11] مسند أحمد (4/87).
[12] قال في المجموع )2/189() الصحيح أن الصاع هنا خمسة أرطال و ثلث بالبغدادي(
[13] https://www.saaid.net/bahoth/80.htm
[14] انظر تحديد الصاع النبوي (65).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.