السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فجعل الدين هو الأساس الأول في اختيار شريك وشريكة الحياة .
قال صلى الله عليه وسلم : [ تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات ا لدين تربت يداك ] رواه البخاري
مواصفات رغّب فيها الإسلام ، وقد ورد النهي عن زواج المرأة لغير دينها ، ففي الحديث : [ من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذُلاً ، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرًا ، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه ] (رواه الطبراني في الأوسط ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن . ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل ] (رواه ابن ماجة ) .
وعلى الطرف الآخر قال لأهل الفتاة في الحديث الشريف : [ إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض ] (رواه ابن ماجة والحاكم والترمذي ) .
ونذكر أيضًا في هذا المقام ما أشار به الحسن بن علي ، على أحد المسلمين عندما جاء يسأله قائلاً : خطب ابنتي جماعة ، فمن أُزوجها ؟ قال زوجها من التقي ، فإنه إن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها .
فلو اتفق الطرفان على أن الدين أساس الاختيار واتفقت منابع الفكر وتوحدت مساقي الآراء وانبعثت من الشريعة ، صار الفهم واحدًا والتفاهم بينهما تامًا . أما الطبائع فمن السهل تغييرها بالتعود والإصرار ، وما يصعب تغييره فلنتغاضى عنه .
فلو أن هناك ما لا يعجب من صفات فهناك مئات من الخصال الأخرى تعجب ، وليس المطلوب من الزوج والزوجة أن يكونا صورة طبق الأصل من بعضهما .
تكامل وتراحم
وأولاً وأخيرًا نحن لسنا ملائكة ولكننا بشر نخطىء ونصيب . فالإسلام جعل العلاقة بين الزوجين علاقة تكامل لا تنافس ، قوامها المودة والرحمة ، قال تعالى : [ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتكسنوا إليها وجعلَ بينكم مودةً ورحمة ) (الروم : 21) .
وهذا التكامل أو الاندماج نتيجة أنهما من نفس واحدة ومن أصل واحد . قال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة ، وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبًا ) (النساء : 1)
،
وقوله تعالى في وصف العلاقة بين الزوج وزوجه : ( هُنَّ لباس لكم وأنتم لباسُ لهن ) (البقرة من الآية : 187) ، وفي آية أخرى : ( نساؤكم حرث لكم ) ( البقرة من الآية : 223) ،
فلا يوجد كلام أبلغ من هذا وأدق وأعمق في وصف العلاقة الزوجية ، فاللباس ساتر وواق . والسكن راحة وطمأنينة واستقرار ، وداخلهما المودة والرحمة .
واجبات وحقوق
ولاستمرار العلاقة كما بينتها الآيات ، حدد الإسلام دورًا ووظيفة لكل من الرجل والمرأة في الحياة الزوجية ، وذكر لكل منهما حقوقًا وواجبات ، إذا أدى كل منهما ما عليه سارت بهما السفينة إلى بر الأمان .
فمن واجبات الزوج الانفاق على زوجه قدر استطاعته ، ومن الخطأ الاعتقاد أن المال الكثير هو سبب السعادة الزوجية ، ومن الخطأ أن يقال : إذا دخل الفقر من النافذة خرج الحب من الباب ، فالسعادة يهبها الله ، عز وجل ، لمن اتبع تعاليمه وسار على نهجه الذي جاء في كتابه الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ومن واجبات الزوج أن يحسن معاملة زوجه ويعلمها تعاليم دينها ، ويشاورها في شؤونهما ويرجح رأي الزوج . فعن حكيم بن معاوية عن أبيه قلت : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : [ تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقّبح ولا تهجر إلا في البيت ] (رواه أبو داود)
وأن يغض الزوج طرفه عن بعض نقائص زوجه ، ولا سيما إن كان لها محاسن ومكارم تغطي هذا النقص ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : [ لا يفرك – أي لا يبغض – مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر ] (رواه مسلم ] ،
وقال صلى الله عليه وسلم : [ أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا ، وخياركم خياركم لنسائهم ] (رواه الترمذي ) .
أما واجبات الزوجة فهي أهم وأكبر من أن تُكتب في بعض السطور والأوراق ، ثم يفرغ من قراءتها ، فبيدها يتحول المنزل من قطعة من رياض الجنة إلى قطعة من نار جهنم ، أو العكس ، وأي تضحية من جانب الزوجة سيقابلها رد فعل أقوى وأكبر من جانب الزوج ، وسينعكس تأثير هذا على الأسرة كلها .
ومن المفروض أن تأتي كل المعنويات التي تعتبر من مقومات السعادة الزوجية ، من الزوجة أولاً ، وليس هذا من باب التحيز للرجل أو غيره ، وإنما هو من باب الفطرة السوية التي فطرت عليها المرأة .
فأول من تحتضن الطفل وترعاه هي الأم ، وعلى قدر حبها ورعايتها ينشأ الطفل .
وما الزوج إلا طفل كبير والزوجة الناجحة هي التي ترعى زوجها ، كما ترعى الأم أصغر أبنائها وأحبهم إلى قلبها ، والآية الكريمة بدأت بوصف واجب المرأة ودورها .
ولما كان اللباس هو الساتر والواقي ، ويأتي من صاحب المال والقوة وهو الرجل ، كان من باب أولى أن يبدأ بوصف دور الرجل ووظيفته ، ولكنه لعظم دور المرأة وأهميته الذي يفوق دور المال والقوة بدأ بهن