تخطى إلى المحتوى

الادارسة في صقليه 2024.

الأدارسة في صقليه
المصدر : حسين مؤنس – موقع آل البيت.
مازالت الدولة الإدريسية تنتظر من يكتب تاريخها ويحد دورها في بناء المغرب العربي ، ولا زال أصحاب كتب التاريخ الإسلامي العام ينظمونها في سلك الدويلات التي تقاسمت نواحي المغرب الإسلامي ابتداءً من منتصف القرن الهجري الثاني جاعلين إياها صنواً لدولة بني الأغلب أو دولة بني رستم التاهرتيين أو حتى دولة بني مدرار أصحاب سجلماسة ، ويفوتهم في أثناء هذا العرض السريع المتواضع أن يتبينوا مكانها كحجر الزاوية في بناء إسلام المغرب الأقصى وغربي المغرب الأوسط والقضاء على نزعات الخارجية التي اجتاحت هذه النواحي من أواخر القرن الهجري الأولي ، وما بذله أمراؤها من جهد في إرساء أسس الإسلام الصحيح ، وتثبيت دعائم العروبة ولغتها وثقافتها في بلد أصبح بفضل الأدارسة الدرع الواقي للجناح الغربي من مملكة الإسلام.
و الحقيقة أن كتابة هذا التاريخ والقيام بحقه عسيرة كل العسر ، فإن المعلومات عن دولة الأدارسة قليلة لا تزيد على صفحات عند أبي عبيد البكري وابن الأثير وابن خلدون وابن عذارى وصاحب روض القرطاس والغويري وابن الأبار وابن حمادة ، وهذا النذر اليسير من المعلومات بعد ذلك متناقض متعارض سطحي يصعب معه الوصول إلى الحقائق والأصول التي يطلبها من يقوم على كتابة التاريخ بحقه ولا يكتفي بظواهر الأحداث وبسائط الوقائع .
و قد ألم ا.ف. جوتييه بتاريخ الأدارسة في كتابه المعروف عن القرون الغامضة من تاريخ المغرب ، وربط قيام دولتهم بما كان لبلدة وليلى Volubilis)) )) من دور كبير في تاريخ المغرب الأقصى على أيام الرومان ، وشطح بالموضوع على طريقته في تصور التاريخ ، وزاد الأمر بذلك تعقيداً ، وعلى هذه الشطحات بنى جورج مارسيه ما قاله عن الأدارسة في كتابه عن المغرب خلال العصور الوسطى ، وطوع المادة اليسيرة التي جمعها لتلك النظرية الضالة التي مازال الفرنسيون متشبثين بها من أيام هنري فورنل ، وهي نظرية زورها أصحابها لتأييد ما كانت فرنسا ترمي إليه من فصل المغرب عن الكيان العربي ، وقد كذب الله ظنونهم وله الحمد كل الحمد .
نظرة عامة في تاريخ الأدارسة :
و قد تبينت جانباً من هذه الصعوبة عندما مست الحاجة إلى تقويم شجرة النسب الإدريسي لتحقيق بعض الأخبار التي أوردها أبو عبد الله بن الأبار في كتابه المبدع (الحلة السيراء) . وقد اعتمدت أول الأمر على (جمهرة ) ابن حزم ، وعندما شرعت في تحقيق ما جاء فيها ومقارنته بما ذكره أبو عبيد البكري وابن عذارى وابن الأثير وابن خلدون والنويري من أحداث التاريخ الإدريسي تبينت أن صاحب (الجمهرة ) قد وقع في أخطاء كثيرة وخلط في أنساب الأدارسة ، ثم راجعت ذلك كله على ما في روض القرطاس ، واستطعت أن أقوم معظم فروع الشجرة وأربطها إلى الجذع الإدريسي على نحو معقول . وقد أخرت الرجوع إلى روض القرطاس لأن صاحبه من أقل المؤرخين تدقيقاً وضبطاً، وقد عانيت من أخطائه الشيء الكثير.
و تتجلى صعوبة ضبط هذا النسب عندما نصل إلى الجيل السادس وما بعده من أجيال الأدارسة ، فإن الأمر هنا يختلط اختلاطا شديداً لكثرة الفروع وتشابه الأسماء ، فإن الأدارسة كان لهم ولع بأسماء معينة نجدها في كل فرع تقريباً مثل القاسم ويحيى وعلي ومحمد وأحمد وكنون وإدريس والحسين ، ويزيد الأمر تعقيداً أن الرجل منهم قد يسمى ابنين من أبنائه باسم يحيى ، و اثنين باسم القاسم ، و اثنين باسم علي ، و هكذا ، والمؤرخون يميزون بعضهم عن بعض بقولهم : القاسم الأكبر ، و القاسم الأصغر ، أو : يحيى الأكبر ، و يحيى الأصغر ، و هكذا ، و واضح أن ازدواج الأسماء هذا راجع إلى تعدد الزوجات ، فكل منهن تريد أن يكون من أبنائها قاسم ويحيى وعلي وما إلى هذه من الأسماء المحببة إلى البيت الإدريسي .
أضف إلى ذلك تفرق فروع هذا البيت في نواحي المغرب الأقصى ابتداء من جيله الثالث ، فقد ولى محمد بن إدريس بن إدريس إخوته الكبار داود ويحيى وعيسى وعمر وحمزة والقاسم وعلياً على نواحي مملكته ، فأصبح كل منهم وكأنه صاحب الناحية التي ولى عليها ، وأقام فيها وصاهر أهلها ، ونشأ أبناؤهم واتصلت أنسابهم واشجة في أنساب أهل القبائل ، ويبدو ذلك بصورة واضحة في أبناء علي وعمر والقاسم ، وقد بلغ هذا الإمتزاج مع القبائل مبلغ الاندماج الكامل واتخاذ الأنساب المحلية ، فظهرت في أسماء فرع القاسم أسماء كنون وأبي العيس ، وفي فرع على أسماء ونعال وفك الله وتعود الخير ، وحمل بعض سلائلهم نسبات محلية مثل أحمد الكرتي من أبناء القاسم بن إدريس بن إدريس ويحيى الجوطي وهو من أحفاد علي حيدرة بن محمد بن إدريس ابن إدريس بيوت الأشراف العلميين والمشيشيين والوزانيين ، ومثل ذلك كثير .
ثم إن تاريخ الأدارسة لم يسر في خط متصل ، ولم يتركز في عاصمة واحدة ، وهو في تقطعه أشبه بسراج في مهب الريح ، إذا هدأت سكنت شعلته واستقامت وارتفعت ، وإذا هبت عبثت بها فمالت في كل ناحية ، وربما خبت حتى تكاد تخفى ، ثم تعود إلى الاستقامة والارتفاع من جديد ، والحق أن دولة الأدارسة لم تكن في مهب ريح فحسب ، بل كانت في ملتقى عواصف وأنواء ، فتعرضت في حياة محمد بن إدريس لعواصف الحرب بين الإخوة ، وتعرضت في حياة يحيى بن يحيى بن محمد بن إدريس لمأساة كادت تطيح بها ، وانتقل الملك من فرع محمد بن إدريس إلى فرع عمر أخيه ، ثم إلى فرع أخيهما القاسم عقب ثورة عبد الرزاق الفهري ، ثم عاد إلى فروع عمر بعد مقتل يحيى العدام سنة 292/905 وانتقال الملك إلى يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس ، وهنا تصل الدولة إلى ذروتها .
و قد شاءت المقادير أن يتوافق هذا الأوج مع ظهور الخطر الذي كسر عمود هذه الدولة وشتت أمرها ، وهو خطر العبيديين ، فقد كان هؤلاء منذ استقام لهم الأمر في القيروان يحسون بقلق أكمزهم وضعف قواهم في هذه الناحية التي قام لهم الملك فيها قياماً هو اشبه بالمصادفة السيئة لهم ولأهل المغرب والأندلس جميعاُ ، فطفقوا يبحثون عن مستقر آخر لسلطانهم ، ومضت جيوشهم تضرب شرقاً وغرباً ، وبعثوا قوادهم يجوسون خلال نواحي المغرب ، واستشعر بنو أمية الأندلسيون خطرهم ، فتجردوا لدرئه ، وكان ميدان الصراع بين الدولتين ذلك الجزء الشمالي من المغرب القصى الذي أقام فيه بنو إدريس ملكهم ، ولم يكن الدارسة على قوة تمكنهم من الثبات في ذلك الصراع ، ولم يلبث أمرهم في فاس أ أنتهى على يد مصالة بن حبوس وموسى بن أبي العافية فيما بين سنتي 309 (921-922) و 332 (944) ، وقد كانت دولة الأدارسة في فاس قد صحت صحوة قصيرة بعد ذلك على يد الحسن الحجام بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس ، ولكنها كانت إيماضة عابرة دامت نحو السنتين ، ثم تلاشت سنة 313 (925) على يد موسى بن أبي العافية .
وقد تجرد ابن أبي العافية هذا للقضاء على بقاياهم في نواحي المغرب ، فأجلاهم عن النواحي التي كانت بعض فروعهم قد تأصلت فيها مثل شالة وأصيلا ، وتجمع الباقون منهم في قلعة حجر النسر ، وهي قلعة ابتناها محمد بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس سنة 317(929) على أصح الأقوال . و في هذا الحصن وما حوله أقام بنو إدريس من فرع محمد بن إبراهيم بن محمد بن القاسم في ضمول تاركين بقية المغرب الأقصى لآل أب يالعافية ، فلما تلاشت دولة هؤلاء سنة 360 (971) تنفس بنو إدريس الصعداء وخرجوا من معقلهم وعاد لهم سلطان على كثير من نواحي المغرب الأقصى ، وقد تولى كبر ذلك القاسم كنون بن محمد باني قلعة الحجر ، وبه بدأ ما يعرف بالدور الثاني من تاريخ الأدارسة ، وهو في حقيقة الأمر الدور الرابع أو الخامس ، فما أكثر ما مر به تاريخ هذه الدولة من ادوار ، وعلى أي حال فقد كان دوراً باهتاً مضطرباً كان الأدارسة فيه تارة في طاعة بني أمية القرطبيين وتارة ضحية لأتباع العبيديين ، وفي بعض الأحيان نجد أمراء الأدارسة بين رجال الناصر الأموي يعيشون في قرطبة ويخرجون للجهاد مع جيش الخليفة الأموي ، وفي أحيان أخرى نجدهم محاربين لهم ، وفي أيام الحكم المستنصر الأموي استولى قائده غالب المعروف بفارس الأندلس على حجر النسر ، واستسلم له الحسن بن كنون بن محمد بن ابراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس سنة 363 (973-974) وانتقل إلى قرطبة هو وآله حيث عاشوا في كنف المستنصر ، وتجرد غالب لاستنزال من بقي منهم من معاقله وإجلائهم إلى قرطبة .
و حياة الحسن بن كنون هذا مأساة طويلة هي أشبه بالقصص ، فقد وقعت النفرة بينه وبين الحكم المستنصر ، فأخرجه هذا الأخير مع أهله إلى المشرق ، فمضى إلى مصر ، ولقى الخليفة الفاطمي العزيز نزار بن المعز بعد سنة 365 (976) ، وكان الأمل يراود حسناً في محاولة السلطان في المغرب الأقصى مرة أخرى ، وصادفت هذه الرغبة اتجاه العزيز إلى مناوأة بني أمية الأندلسيين ، فأعانه على ما طلب ، وخرج إلى المغرب الأقصى حيث زوده بلكين بن زيري بقوة يسيرة استطاع أن يقيم لنفسه بها أمراً ، ولكن المنصور بن أبي عامر وصي الدولة الأموية إذ ذاك لم يزل يحتال عليه حتى استقدمه على أمان ، ثم غدر به وقتله وهو في الطريق إلى قرطبة في جمادى الأولى سنة 375 (أكتوبر سنة 985) .
و كانت هذه هي نهاية الملك في الفروع الرئيسية من آل إدريس ، وقد ظهر لهم ملك بعد ذلك في فروع بعيد يعرف بالحمودي نسبة إلى حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس ، وقد ظهر أمر هذا الفرع في جنوب الأندلس وسبتة وطنجة عقب انتثار عقد الخلافة الأموية ، فلم يتردد من طلب الأمر من أولئك الحموديين في اتخاذ لقب الخلافة ، وكانت لهم في اضطرابات الفتنة الكبرى في الأندلس وقائع ومجالات انتهت كما يقول ابن حزم في رجب سنة 448 (نوفمبر 1056) وبقي من بقي منهم (( شريداً طريداً في غمار العامة(1) )) .
الشريف الإدريسي ورجار :
وواضح أن عبارة ابن حزم هذه فيها مبالغة ظاهرة ، فإن زوال الملك والسلطان من أيدي سلائل الأدارسة ليس معناه أنهم أصبحوا مشردين طريدين ، وإنما معناه أنهم انصرفوا عن السياسة وطلبوا العيش كما يطلبه سائر الناس محتفظين بما يضيفه عليهم حسبهم من المهابة والإحترام ، وابن حزم يذكر من هؤلاء نفراً ممن طلبوا العلم وظهر أمرهم فيه مثل محمد قاضي القيروان ، وهو ليس ابن الحسن الحجام كما يقول ابن حزم ، ولكنه كان من أعقابه ، ولدينا بعد ذلك الشريف الإدريسي ، وهو واضح النسبة إلى بيت إدريس من فروع الحموديين ، أي من جذم عمر بن القاسم بن إدريس بن إدريس ، ومع أننا لا نعرف من نسبته إلا أباه وجداً واحداً من أجداده – فهو محمد بن محمد بن عبد الله – إلا أن نسبة الحمودي الإدريسي لا يمكن إنكاره ، فقد كان أمراً معروفاً على أيامه ، ولم تقتصر شهرته على بلاد المسلمين بل عرفه به رجار الثاني صاحب صقلية الذي ألف له الشريف الإدريسي كتاب (نزهة المشتاق ) .
وقد تعودنا على أن ننظر إلى دخول الشريف الإدريسي في خدمة ملك نصراني وعيشه في كنفه وتأليفه له كتاباً في الجغرافية كأنه أمر طبيعي لا غرابة فيه ، والحق أنه في ذاته مشكلة ، فإن القول المتواتر هو أن رجار استدعى الشريف الإدريسي ليصنع له صورة الأرض ويؤلف كتاباً في شرحها ، ولا نعرف كيف سمع به رجار بأمره ولا كيف استدعاه ، فإن الإدريسي لم يشتهر بالجغرافية قبل أن يستدعيه رجار ، فهو لم يؤلف فيها قبل ذلك كتاباً ، ولا سمع أحد في بلاد المسلمين نفسها أنه متضلع فيها ، فكيف يتصل أمر علمه هذا بذلك الملك النصراني ، وعلى فرض أنه سمع به فكيف يستدعيه ؟ لقد كان الإدريسي قد فرغ إذ ذاك من رحلته الشرقية وعاد إلى المغرب ومضى يتجول في أنحائه حيناً ، ثم مضى إلى الأندلس ودرس في قرطبة ، ولا ندري إن كان قد ظل في الأندلس أو عاد إلى سبتة ، وإنما الذي نعلمه أنه ظهر بعد ذلك في صقلية ودخل في خدمة رجار ومضى يعمل في رسم صورة الأرض ، فهل علم رجار بمكانه فبعث يستدعيه كما يستدعى الأساتذة والعلماء اليوم من معاهدهم وجامعاتهم لينشروا علمهم في بلاد أخرى ؟
إننا نتناقل ذلك ونأخذه قضية مسلمة على عهدة سطور قليلة مشكوك في قيمتها ، بعضها منسوب إلى خليل بن أيبك ألصفدي وبعضها الآخر منسوب إلى ابن العماد الاصبهاني عن ابن بشرون أو منقول عن حاجي خليفة في كشف الظنون ، وهي سطور قلائل لا تكاد تلقي على حياة الشريف الإدريسي ضوءً ، حتى سنة مولده وهي سطور في القول المتعارف سنة 493/1099-1100 مرجعها الراهب الماروني ميخائيل الغزيري صاحب الفهرس اللاتيني القديم كمخطوطات الإسكوريال ، ذكرها دون أن يشير إلى مرجعه فيها ، وتناقلها الناس عنه بعد ذلك دون محاولة البحث في حقيقتها .
ولكن الثابت أن الشريف الإدريسي عاش وعمل في صقلية في بلاط رجار الثاني ، وليس لدينا ما يسمح لنا بالقول بأن الإدريسي لجأ بنفسه إلى رجار وطلب الدخول في خدمته ، وقد استبعدنا أن يكون رجار قد سمع به واستدعاه ، فلا بد أن يكون هناك طريق أخرى وصل بها الإدريسي إلى رجار وحظى عنده وكسب ثقته وعمل معه في ذلك الميدان الجغرافي ، وكان رجار مشغوفاً به متطلعاً إلى التوسع .
و عبثاً نحاول أن نجد مفتاحاً لهذا السر في مقدمة (نزهة المشتاق ) ، فإن الإدريسي فيها متحفظ تحفظاً شديداً حتى لا يكاد يذكر اسم نفسه أو يشير إلى نصيبه في العمل الجغرافي الكبير الذي قام به ، وقد بدا لي بعد أن قرأت هذه المقدمة أكثر من مرة أن الإدريسي إما أن يكون قد وجد حرجاً كبيراً في تقديم كتابه إلى الملك النصراني فصاغ مقدمته في هذا الأسلوب المبهم الذي لا ينم عن شخصه أو أن غيره قام عنه بهذا التقديم ، فكتب هذه الفاتحة التي نجدها بين أيدينا ، وربما كان هذا الفرض الثاني أقرب إلى المعقول ، فإننا نستبعد أن يقول الشريف الإدريسي : (.. الملك المعظم رجار المعنز بالله المقتدر بقدرته …) أو (( … فمن بعض معارفه السنية ونزعاته الشريفة العلوية أنه لما اتسعت مملكته …) فمهما كان من تقدير الإدريسي لرجار فما نحسب أنه كان يرى أنه جدير بأن يلقب بألقاب خلفاء الإسلام كالمعتز والمقتدر ، أو تخلع عليه صفة خاصة بالبيت النبوي الكريم ، نعم إن (العلوية) تقرأ هنا بضم العين وسكون اللام ، ولكنها تبدو لنا على أي حال هنا غريبة على لسان علوي شريف .
ولا بد على أي حال أن رجار عرف من أمر الإدريسي شيئاً قبل أن يدعوه للعمل معه ، وهذه المعرفة لا يمكن أن تكون كتاباً في الجغرافية كتبه الشريف ووصل إلى يد رجار ، فوقف منه على مكانه من العلم ، فإننا لم نسمع بمثل هذا الكتاب ، وإنما الطريق الوحيد هو أن يكون رجار قد عرف الشريف الإدريسي معرفة شخصية قبل أن يدعوه إلى العمل معه .
ويبدوا هذا الفرض مستبعد أول وهلة ، ولكننا إذا درسنا تاريخ الإسلام في صقلية خلال حقبته الأخيرة عثرنا على شعاع من الضوء ينير لنا جوانب هذه المشكلة بعض الشيء ، بل يضع يدنا على حقيقة هامة جديرة بعناية المهتمين بتاريخ الأدارسة ، وهي وجود بيت إدريسي علوي فيها كان له سلطان كبير ودور واسع في تاريخها حتى النصف الثاني للقرن الخامس الهجري إلى أواخر القرن السادس .
ذلك أننا نلاحظ في أخبار غزو النرمان لصقلية وجود بيت من سروات المسلمين وقادتهم يعرف ببيت حمود كان ينشر سلطانه على أجرجنت Girgente وقصر يانه Castrogiovanni وما حولهما من بلاد وسط الجزيرة – كما يقول ميكيلي أماري – خلال الفترة التي تقدمت فيها جيوش رجار الأول لا نتزاعها من أيدي المسلمين ابتداءً من سنة 453 (1061) وما بعدها .
وذكر أمارى أن أولئك الحموديين أدارسة علويون وأنهم من نفس بيت بني حمود المغاربة الأندلسيين الذين ينتسب إليهم الشريف الإدريسي ، وأن ذكرهم متوارد في النصوص اللاتينية والإيطالية من ذلك الحين إلى أيام فردريك الثاني إمبراطور الدولة التيوتونية المعروف ببار بأروسا – أي ذي اللحية الحمراء – ، فهم يسمون بآل شموت Chamut أو Hamutus ، وأضاف أمارى أن البيت الذي أسس هذه الأسرة لا بد أن يكون قد وفد على صقلية بعد زوال أمر البيت الحمودي في الأندلس والمغرب .
.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : موقع رابطة الادباء والمؤرخين العرب

https://www.dewan-alarab.com/vb/index.php

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.