تخطى إلى المحتوى

الإصلاح بين المنظومتين المدرسية و الجامعية 2024.

أودَّ في هذه الفرصة أن أثير قضية تقلقني نهارا وتؤرقني ليلا ، تتعلق بمصير المنظومة التربوية والعملية التعليمية . وأعتقد أن تجربتي المتواضعة في الميدان والتي امتدت منذ 1990، أي على مدى عشرين عاما ، مدرِّسا في التعليم المتوسط ثم أستاذا جامعيا ، تسمح لي – على أقل تقدير- أن ألتقط أمثلة حية من نتائج التعليم إذا لم أكن قادرا على فلسته . وأكتفي هذه المرة بالنظام الجديد الذي يُروَّج له في الجامعة وهـو : نظام الـ (l m d).
أولا : نظام الامتحانات الجاري به العمل اليوم لا يعدو أن يكون سلسلة من التنازلات الشعبوية امتصاصا لغضب الرأي العام لدى الطلبة وتجنُّبا لما يمكن أن يثار من احتجاج أو تمرُّد ، وإلا لماذا نُجري امتحانيْن ثم امتحانا شاملا ثم استدراكا وكأننا نتصوَّر الطالب مسبقا بأنه في قاعة إنعاش ولا بد أن يستهلك ما يلزم من السيروم ؟
ثانيا : في البلدان المتطورة التي فكّرت في الـ(l m d). كانت الغاية المستهدفة عندهم أن يتحقق الانسجام بين عملية التكوين وما في السوق من نشاط اقتصادي مؤسَّس على قواعد مضبوطة وبعقود بين الجامعة وسائر المؤسسات عامة كانت أو خاصة .فهل نحن قادرون على تحقيق هدف مماثل في وضعية اقتصادية مضطربة يحرِّكها الريع أساسا ، ولا علاقة لها بالتنمية المستدامة كما المزعومة ؟
ثالثا: لا يخفى على عاقل هذا المستوى المخيف الذي يعاني منه الطالب المتخرج بعد أربع سنوات من الدراسة ليُرمى فريسة للبطالة . فكيف إذا هو لم يوفق بعد ثلاث سنوات بحكم النظام الجديد؟
ستزداد جحافل البطَّالين – بلا ريْب – وستزداد أعداد الأميين وأنصاف الأميين ، ولا ينفع يومها أن نزرع في الجامعة منظمات طلابية تتوزعها أحزاب سياسية لا همَّ لها إلا أن تلتقط ما يتساقط من مائدة السلطة ، أحزاب ومنظمات لا خير فيها إلا بزوالها من المشهد السياسي .
رابعا : لقد عرفتْ المنظومة التربوية سلسلة من الإصلاحات المتتالية : التعليم الكلاسيكي ثم الأساسي ثم التدريس بواسطة الأهداف ثم بواسطة الكفاءات ثم وصلنا إلى آخر موضة نتبنَّاها الـ(l m d). ولكن الغائب في كل هذه التجارب هو التقييم . لقد كنّا ولا نزال نقفز – دوما – من تجربة إلى أخرى دون تقييمها ، كمن يمشي في نفق مظلم يتعثَّر بين الصواب والخطأ .
خامسا :إن كثرة الإصلاحات وتواليها ، هي وحدها اعتراف ضمني أو صريح بالفشل ، إذ لا إصلاح إلا لما ثَبت فسادُه أصلا . أي أننا – في نهاية المطاف – نراوح في دائرة الرداءة منذ زمن ، ولا يمكن للرداءة أن تنتج غير الرداءة . ويكفي أن ننظر إلى مستويات الطلبة ، بل وإلى المؤطرين لهم من أولئك الذين تحملهم شهاداتهم ولا يحملونها . فأما الأسماء التي نجَتْ من فم العفريت والتي نقرأ لها في (أصوات الشمال) أو في غيرها فلعلّها ضاعفت جهودا تتجاوز بكثير ما تلقَّتْه في المنظومة التربوية .
سادسا :لا شك أنكم تلاحظون جميعا ما أصبحت عليه الدروس الخاصة ، وكأنها اعتراف آخر بفشل ما يجري في الدروس الرسمية الأساسية التي صارت ثانوية بالقياس إلى الموازية ، لأنها تمثل مرتَّبا شهريا مضمونا فلا تُلزم صاحبها بجهد كذلك الذي يبذله ليكسب سمعة ويجلب ربحا إضافيا من خارج المؤسسة .
فهل القائمون على التنظيم والتخطيط يفكرون حقا في مستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة ؟ أو ليس من المقلق والمحزن ألاَّ نحوز مكانة محترمة في الترتيب العالمي بين الأمم ؟ أليس من الانحطاط الرهيب أن يعجز الدكتور في اللغة العربية وآدابها عن قراءة نص قراءة سليمة إذا طلب إليه أن يضبط أواخر الكلمات بالحركات ؟
إذا لم يكن كل هذا من الحقائق التي نعيشها ، فلا شك أني ممن " يرى الشوك في الورد ويعمى أن يرى فوقه الندى إكليلا " ، وحينئذ سأبذل ما في وسعي لأكون ممَّن يصطنعون التفاؤل .
لكن ما يبدو أكيدا أنه في حال تغيّر المسؤول ، سيأتي المسؤول الجديد بمشروع جديد ليترك بصماته ، وليس هذا بغريب . إذ ما المانع في بلد كان فيه لكل رئيس دستور ، من أن يكون لكل وزير مشروع ولا نملك نحن إلا أن ننساق وراء ((الشعار البديع الذي حوَّل الملايين إلى قطيع )) .

أشكرك أخي على الموضوع ولقد وضعت يدك على الجرح ولكن ما الحيلة وما السبيل لاصلاح الاصلاح والذي نراه تكسير لجهود الأمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.