كنت في مصر أعمل في أحد البنوك التابعة للحكومة، ومهمة هذا البنك إقراض الزراع وغيرهم بشروط ميسرة، لمدة تتراوح من عدة شهور إلى سنوات، وتصرف هذه السلف والقروض العينية والنقدية نظير فوائد وغرامات تأخير، يحددها البنك عند صرف السلف والقروض؛ مثل 3% أو 7% أو أكثر من ذلك زيادة على أصل القرض، وعندما يحل موعد سداد القرض، يسترد البنك أصل القرض زائداً الفوائد والغرامات نقداً، وإذا تأخر العميل مقابل كل يوم تأخير زيادة عن السداد في الميعاد.
وعليه، فإن إيرادات هذا البنك هي: جملة الفوائد على القروض، وغرامات التأخير لمن لم يلتزم بالسداد في المواعيد المحددة، ومن هذه الإيرادات تصرف مرتبات الموظفين في البنك.
ومنذ أكثر من عشرين عاماً وأنا أعمل في هذا البنك، تزوجت من راتب البنك، وأتعيش منه، وأربي أولادي وأتصدق، وليس لي عمل آخر، فما حكم الشرع في ذلك؟[1]
عمل هذا البنك بأخذه الفوائد الأساسية والفوائد الأخرى من أجل التأخير كلها ربا، ولا يجوز العمل في مثل هذا البنك؛ لأن العمل فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[2]. وفي الصحيح، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: ((هم سواء))[3] رواه مسلم.
أما الرواتب التي قبضتها فإنها حل لك إن كنت جاهلاً بالحكم الشرعي؛ لقول الله سبحانه: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[4].
أما إن كنت عالماً بأن هذا العمل لا يجوز لك، فعليك أن تصرف مقابل ما قبضت من الرواتب في المشاريع الخيرية ومواساة الفقراء، مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ومن تاب إلى الله توبة نصوحاً قبل الله توبته وغفر سيئته، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[5]، وقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[6].
[1] نشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ / محمد المسند، ج2، ص: 402، وفي كتاب (فتاوى البيوع في الإسلام)، من نشر (جمعية إحياء التراث الإسلامية) بالكويت، ص: 52.
[2] سورة المائدة، الآية 2.
[3] رواه مسلم في (المساقاة)، باب (لعن آكل الربا ومؤكله)، برقم: 1958.
[4] سورة البقرة، الآيتان 275، 276.
[5] سورة التحريم، الآية 8.
[6] سورة النور، الآية 31.
أنا أعمل في أحد البنوك، فهل مرتبي من هذا البنك حرام؟ وإذا كان كذلك فماذا أفعل، علماً بأنني أعمل في هذا البنك من مدة خمس سنوات؟ وما حكم الرواتب التي تقاضيتها في هذه المدة، ولم أوفر شيئاً، فهذه الرواتب إنما أصرف بها على أولادي، وأسدد بها الديون. أفتوني في ذلك جزاكم الله خيراً[1].
عليك أن تدع ذلك، وأن تتوب إلى الله عز وجل مما سبق، وبعدما علمت – الحمد لله –.
والماضي نرجو أن يعفو الله عنه، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ[2]، فمن جاءته الموعظة والبيان فانتهى وتاب، فله ما سلف.
فالحاصل أنك فيما مضى أنك معذور لأجل الجهل، والذي مضى منك نسأل الله أن يعفو عنه، والمستقبل دعه، ولا تعد إلى الربا، والله يقول: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[3].
فعليك أن تدع الوظيفة التي فيها إعانة على الإثم والعدوان، وأن تلتمس وظيفة سليمة ليس فيها إعانة على الإثم والعدوان.
[1] من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في حج 1417هـ.
[2] سورة البقرة، الآية 275.
[3] سورة المائدة، الآية 2.
السؤال: الحمد الله وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فهذا سؤال عن أخ يعمل في مطبعة تابعة للبنك الجزائري المركزي والتي وظيفتها صنع الدراهم وطبع الجوازات والطوابع البريدية وغيرها من الأمور المطبعية.
فهل يجوز لهذا الشخص العمل في هذه المطبعة، أجيبونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين أمّا بعد؛
فاعلم -وفقك الله تعالى وأرشدك إلى طاعته- أنّ تركيب النظام الاقتصادي الحالي وجهازه الحالي عموماً مبني على التعامل بالرِّبا المحرّم، والأصل أنّ كل عمل تضمن ضرراً على المسلمين أو ظلماً أو تحريماً فلا يجوز مباشرة العمل فيه ولا المشاركة فيه بأيّ جهد مادي أو معنوي عملي أو قولي، فإنّ المُعين على المعصية يُعدّ شريكاً في الإثم، وكلّ وسيلة إلى الحرام تُحرَّم وهو معنى التقعيد القائل: ( ما أدى إلى حرام فهو حرام ) والكلّ تلحقه اللّعنة بقدر المشاركة في الإثم والذنب، لذلك نجد الشارع يحرّم المشاركة مع آكل الرّبا في قوله (صلى الله عليه وسلم): "لعن الله آكل الرّبا وموكله وشاهديه وكاتبه "(١) إذا علموا ذلك – ملعونون على لسان محمّد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة، وفي رواية مسلم قال :"هم سواء"(٢) إذ أنّ كلّ إعانة في الظلم ظلم والتعاون على الإثم إثم مصداقاً لقوله تعالى:﴿ولا تَعَاونُوا عَلَى الإِثمِ و َالعُدْوَان﴾ [المائدة 2].
وما كان في حكم التابع فهو فرع يُلحق بالأصل لأنّ التابع تابع لمتبوعه عملاً بمقتضى القاعدة الفقهية: ( التابع لا يفرد بالحكم ما لم يصر مقصوداً).
هذا، ويذهب بعض العلماء المحدثين إلى جواز العمل في البنوك الرّبوية والمصارف المالية الحالية لأنّ أعمال البنوك أقلها هو الحرام وأغلبها حلال طيب، بحجة أنّ في العدول عن ذلك خطورة على الإسلام وهذا الأمر الذي يؤدّي بطريق أو بآخر إلى سيطرة غير المسلمين عليه وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة وبلاء على الأمّة، ولا يخفي أنّ كلّ هذا التحليل لا يقوي على القول بحلية العمل في البنوك ولواحقها وضروريّاتها، إذ الأصل فيها قيامها على أساس موجب لحرب من الله ورسوله جريا على قاعدة : من ملك شيئا ملك ضرورياته وليس الأمر كذلك لمن كان أصله غير محرّم لكنّه شابته شائبة التحريم في أحد لواحقه فالأمر يختلف ولا يقاس هذا على ذاك، فيمتنع فقط في تلك اللواحق المحرّمة.
والله أعلم؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين؛ وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
١- أخرجه أحمد (4/43) رقم (3809)، وأبو داود كتاب البيوع باب في آكل الربا وموكله(3335)، والترمذي كتاب البيوع باب ما جاء في أكل الربا(1248) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والحديث صححه الألباني في الإرواء (1335).
٢- أخرجه مسلم في «صحيحه»كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا ومؤكله: (4093)، من حديث جابر رضي الله عنه.
شكرا لك اختي على ردودك و بارك الله فيك