عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ
رواه مسلم
المعنى الاجمالي للحديث
إن هذا الحديث أصل من أصول الاسلام فيه تنزيه للصحابة رضوان الله عليهم مما افتراه عليهم أوعلى بعضهم من غلبت عليه الشقاوة وتردوا بأردية الحماقة والغباوة ،ومرقوا من الدين واتبعوا سبيل الملحدين وركبوا متن عمياء وخبطوا خبط عشواء فباءوا من الله بعظيم النكال ووقعوا في أهوية الوبال والضلال مالم يتداركهم الله برحمته فيعظموا خير هذه الأمة أماتنا الله على محبتهم وحشرنا في زمرتهم . (1)
قوله صلى الله عليه وسلم :"لاتسبوا أصحابي" أي لاتتعرضوا لأصحابي بالسب والشتم فكلهم عدول بتعديل المولى تبارك وتعالى
قال الإمام الطحاوي :"ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولانفرط في حب احدهم ولانتبرأمن أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم إلا بالخير وحبهم دين وإيمان وإحسان, وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.(2)
وورد في سبب قوله: لاتسبوا أصحابي" هوانه وقع بين خالد بن الوليد وعبد الرحمان بن عوف رضي الله عنهما شيء فسبه خالد رضي الله عنه.(3)
قوله:"فلو أن أحدكم "فيه إشعار بأن المراد بقوله أولا أصحابي"أصحاب مخصوصون وإلا فالخطاب كان للصحابة وقوله صلى الله عليه وسلم فلوأن
أحدكم أنفق" كقوله تعالى:لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل"(4)
قال الإمام القاسمي رحمه الله :؛أي من قبل فتح مكة أوصلح الحديبية وقاتل لتعلموا كلمة الحق ومن أنفق من بعد وقاتل في حال قوة الإسلام وعزة أهله فحذف الثاني لوضوح الدلالة عليه فإن الاستواء لايتم إلا بذكر شيئين على أنه أشير إليه بقوله "أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا "أي لعظم موقع نصرة الرسول صلوات الله عليه بالنفس وإنفاق المال في تلك الحالة"(5)
قال ابن حجر:ومع ذلك فنهي بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجرمن لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب اولى وغفل من قال ان الخطاب بذلك لغير الصحابة وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الأمر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق(6)
والصحابة رضوان الله عليهم مراتب وطبقات أي في منزلة السابقة في الإسلام:
الطبقة الأولى:هم الذين أسلموا بمكة مثل ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم,رضي الله عنهم.
الطبقة الثانية :أصحاب دار الندوة ,وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لما أسلم وأظهر إسلامه حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الندوة فبايعه جماعة من أهل مكة
الطبقة الثالثة:المهاجرين إلى الحبشة
الطبقة الرابعة:الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة يقال له عقبي
الطبقة الخامسة :أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الانصار
الطبقة السادسة:أول المهاجرين الذين وصلوا إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ،قبل أن يدخلوا المدينة ويبنى المسجد
الطبقة السابعة:أهل بدر
الطبقة الثامنة:المهاجرة الذين أسلموا بين بدر والحديبية
الطبقة التاسعة:أهل بيعة الرضوان
الطبقة العاشرة: المهاجرة بين الحديبية والفتح ،منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو هريرة
الطبقة الحادية عشر:فهم الذين أسلموا عام الفتح وهم طائفة من قريش
الطبقة الثانية عشر:صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها،وعدادهم في الصحابة عبد الله بن ثعلبة وابو الطفيل عامر بن واثلة وغيرهم7).
قولهم"أنفق مثل أحد ذهبا ":أي لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد من الذهب والفضة مابلغ ماأنفقه أحدهم من مد في سبيل الله
قوله:"مد أحدهم ولانصيفه" قال البيضاوي :معنى الحديث لاينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والأجر ماينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه،وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية
قال ابن حجر :وأعظم من ذلك في سبب الافضلية عظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه ،وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال كما قدمنا في قوله تعالى :"لايستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل" وذلك أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الإحتياج إليه ،وقلة المعتنى به بخلاف ما وقع بعد ذلك لأن المسلمين كثروا بعد الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا فإنه لايقع ذلك لموقع المتقدم(8).
وقال القاضي عياض:وهذا يقتضي ماقدمناه منقول جمهور الأئمة من تفضيلهم على من سواهم بتضعيف أجورهم ،ولأن إنفاقهم كان في وقت الحاجة والضرورة وإقامة الأمر وبدأالاسلام وإيثار النفس وقلة ذات اليد ونفقة غيرهم بعد الاستغناء عن كثير منها مع سعة الحال وكثرة ذات اليد ولأن إنفاقهم كان في نصرة ذات النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده وكذلك جهادهم وأعمالهم كلها وقد قال تعالى :"لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة"……..فإن فضيلة الصحبة واللقاء ولو لحظة واحدة لايوازيها عمل ولا ينال درجتها بشيء والفضائل لاتؤخذ بقياس …"ذلك فضل الله يوتيه من يشاء"
وقد ذهب بعض أصحاب الحديث والنظر:إلى هذا كله في خاصة أصحابه
وجواز هذه الفضيلة لمن أنفق معه وقاتل وهاجر وصبر ونصر لالمن زاره مرة ولقيه مرة من القبائل اوصحبه آخر مرة وبعد فتح مكة واستقرار الإسلام ممن لم يفز بهجرة ولاحض بنصرة ولا اشتهر بمقام محمود …..والقول الأول لظاهر الاثارأضهر وعليه الأكثر" (9)
وقال أيضا في الشفا:"ولما اتصفوا به من الهجرة، وترك الأهل والأوطان ،وبذل النفوس والأموال، في نصرة الدين ،وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين ،وقوة الإيمان واليقين ،وغير ذلك من المنح الإلهية".(10)
وهذا من تمام الرحمة الربانية والقدرة الصمدانية بأن جعل للمتقدمين على المتأخرين فضلا كبيرا؛ لان التضحية تكون من طرف المنشئ؛ وأما الذي يأتي في العصورالاحقة فلا يقاس جهده إلى جهد من سبقه.
01/ أنظر الفوائد البديعة في فضائل الصحابة وذم الشيعة لـ:أحمد فريد ص:4
02/العقيدة الطحاوي للإمام الطحاوي ت:الإمام بن باز:ص25 دار السلفية الجزائر
03/فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج:7،ص:48
04/فتح الباري بشرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر ج:7،ص:48
05/محاسن التأويل لجمال الدين القاسمي ت"1332هـ" ج:7 ص:37،39 دار الفكر.
06/فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج:7ص:49
07/ كتاب معرفة علوم الحديث الإمام أبي عبد الله النيسبوري ت"360هـ"ص:26 مكتبة المتنبي
08/ فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني ج:7،ص49
09/إكمال المعلم بفوائد مسلم للإمام الحافظ أبي الفضل عياض بن عياض اليحصبي ت"544هـ" تحقيق الدكتور:يحي إسماعيل ج:7 ص:579، 580، 581، دار الوفاء الطبعة الأولى 1419/1998
10/ نقلا من كتاب الأساليب البديعة في فضائل الصحابة وإقناع الشيعة لـ:النبهاني يوسف بن إسماعيل ص:463 دار الفكر موجود في الكلية تحت رقم2528