بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
إحْيَاءُ سُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم أثناءَ تِـلاوَةِالْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ
~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وبعد …
فهذه بعض من السُّنَّن النبويـة أثنـاء تـلاوة القـرآن
نقلتها لكم من الكتاب الماتع النافع
(الدليل إلى تعليم كتاب الله الجليل)
تأليف حسانة وسكينة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى
والغرض من نشر هذه السُّنَّن "لكي يتأدب بها المؤمن العاقل ويأخذ نفسه برعايتها ويجهدها في استعمالها والتمسك بها"[1].
من هـٰذه السُّنَّن النبويَّـة:
:: استرسال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم في قراءته للقرآن ::
جاء في الحديث الذي رواه أبو حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ …) الحديث[2].
وقال الإمام النووي رحمه الله: (قوله: "يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ" فيه استحبابُ هذه الأمور لكل قارئ في الصلاة وغيرها ومذهبُنا استحبابُه للإمام والمأموم والمنفرد)[3].
وقد سَمَّى بعضُ أهل العلم هذه الأمـور: التجاوب مع القرآن[4]، وإنه لَكذلك؛ فهو أثَرٌ مِن آثارِ التفاعُلِ والتأثُّرِ بما يُتلى من كلام المولى سبحانه وتعالى.
ـ ويَنْبَثِقُ مِن هذا النوعِ فُروعٌ متعددةٌ، منها:
أ. ســؤال الله عَـزَّ وجلَّ الجَنَّـة عنـد المـرور بآيـة تَذْكُـرُ الجَنَّـةَ وأهلَهَا
مثل المرور بالآيـات:
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)[الحجر: 45-48]
ب. الاستعـاذة بالله عَزَّ وجلَّ من النَّـار عنـد المـرور بآيـة تذكر النَّـار وأهلها:
(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الأعراف: 50-51]
ج. تعظيم الله عَزَّ وَجَلَّ في مواضـع مخصوصـة بكلمـات مأثـورة:
فمِمّا صَحَّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في ذلك:
1) في سـورة الرَّحمـن: عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أَوَّلها إلى آخرها، فسكتوا فقال: (لقد قرأتُهَا على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنتُ كلما أتيتُ على قوله: "فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" قالوا: "لا بشيءٍ مِن نِعَمِكَ ربَّنا نكذِّبُ فَلَكَ الحمد)[5].
2) في سـورة القيامـة: عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجلٌ يصلي فوق بَيتِه وكان إذا قرأ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى) [القيامة: 40] قال: "سبحانك فبلى" فسـألــوه عن ذلك فقال: سمعتُه مِن رسـول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم[6].
د. الدُّعـاء عند مـرور صيغـة دعاء في الآيـات:
مثال: قوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
هـ. الدُّعـاء عنـد مـرور آيـة تتحدث عن خير يُرجى أو شـرٍ يخشى:
مثال: عنـد تلاوة قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27][7].
و. تسبيح الله عَزَّ وجَلَّ عند مرور نصّ التسبيح في الآيـة:
مثال: قوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 96]
ز. تكـرار الآيــة:
يقول ابن قدامة رحمه الله: (… إنَّ التدبر هو المقصود مِن القراءة، وإن لم يحصل التدبرُ إلا بترداد الآية؛ فليُردِّدُهَا)[8] …
ويمكن أن تُكرر بعضَ الآيات لِورود ذلك في السُّنَّة الصحيحة.
مثـال:
تكرار قوله تعالى: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118]
فقد قَالَ أَبـو ذَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا وَالآيَـةُ: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[9].
[انتهى النقل من كتاب الدليل إلى تعليم كتاب الله الجليل: 1/104-106، بتصرف يسير، الطبعة الأولى المكتبة الإسلامية ودار ابن حزم،1425 هـ، 2024م]
ــــــــ
[1] السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها: أبو عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني، تحقيق : د. ضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، 1/178 بتصرف يسير، الطبعة الأولى 1416ـ نشر دار العاصمة – الرياض، نقلًا عن النسخة الألكترونية.
[2] صحيح مسلم: كِتَاب (صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا)، بَاب (اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ)، رقم الحديث (772).
[3] صحيح مسلم بشرح النووي: 6/304.
[4] انظر: فن الترتيل: 1/250.
[5] الحديث حسَّنه والدنا رحمه الله، انظري: السلسلة الصحيحة: (2150).
[6] انظر: "تمام المنة": ص 186.
[7] قالت المؤلفتان: تلاها الوالد رحمه الله؛ فدعا: "اللهم ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا تضلّني، فإنك تفعل ما تشاء".
[8] مختصر منهاج القاصدين: ص83.
[9] رواه ابن ماجه: وحَسَّنه والدنا رحمه الله: (سنن ابن ماجه: 5- إقامة الصلاة والسُّنَّة فيها/ 179- ما جاء في القراءة في صلاة الليل/ 1350).
بارك الله فيك
بارك الله فيك
بارك الله فيك
و فيكم بارك الله شكرا على المرور