السؤال[
أنا شابٌّ أعاني مِن خوف أمي الزائد عليَّ غير المبرر؛ فهي تحرمني – بحجة الخوف عليَّ – مِنَ الخُرُوج مع الأصدقاء، ومن الحديث مع أحَدٍ، أصبحتْ شخصيَّتي مهزوزة، فاقدًا الثقة في النفس، غير قادر على تحمُّل معاملتِها هذه.
أما أبي فأنا أكثر تفهمًا معه من أمي! فما الحل؟ جزاكم الله خيرًا
الجواب
بسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
بِنَفْسِي مَن أَغَارُ عَلَيْه مِنِّي
وأَحْسُدُ مُقْلَةً نَظَرَتْ إِلَيْهِ
وَلَوْ أَنَّي قَدَرْتُ طَمَسْتُ عنهُ
عُيُونَ النَّاسِ مِنْ حَذَرِي عَلَيْهِ
أبو تمام
أيها الأخ الفاضل، أنت شابٌّ راشدٌ في كلِّ العيون، ولكن الرجلَ الراشد في عين كلِّ أم طفلٌ أبدًا! فإنْ كنتَ الابن الوحيد أو الذكَر الوحيد، أو الأكبر أو الأصغر في ترتيبك بين إخوتك، فهذا يفسِّر قلَق والدتك عليكَ، وخوفها عير المبرر بالنِّسبة لك، وقد عرفْتُ كثيرًا مِن الأمهات اللاتي يعاملْنَ أبناءهن "المفضَّلين" بهذا الأسلوب؛ أعني: أسلوب الحماية الخانق!
لدى إناث بعض الحيوانات؛ كالقطط والهامسترز (ضرب من القوارض) مثل هذه الحماية، ولكنَّها حماية قاتلة؛ قد تصِل إلى أكْلِ أبنائها لحمايتهم! وقد تحقَّقْتُ مِن صِدق هذه المعلومة من طبيبٍ بيطريٍّ، فاحمد الله – تعالى – أنْ خَلَق والدتك امرأةً بشريَّة وليستْ قطة! وإلا كنتَ اليوم ترقد في مقابر القطط مِن فرط الحماية!
والدتك – أيها الكريم – ليْسَت امرأةً متَسَلِّطةً بقَدْر ما تُحاول حمايتك بشكلٍ خاطئٍ تربويًّا، ولعلك تقول في نفسك الآن: "تحميني مِن ماذا؟! هل أنا طفلٌ لتَحميني وتخاف عليَّ؟!".
كما قلتُ لك آنفًا: هو أسلوبٌ غير تربويٍّ، ولكنها تنتهجه معك بدافع الخوفِ عليك، مما تسمعه مِن قصص، وما تُشاهده من مواقف، فهذا شابٌّ خرج بسيارته وأُصيب بحادث، وذلك شابٌّ خالَطَ أصدقاء السُّوء؛ فأصبح مُدمنًا للكبتاجون أو الحشيش، وذاك شابٌّ سار بمُفرده فتعرَّض للضرب أو السرقة أو الاختطاف مِن عصابة أو منظَّمةٍ فاسِدة… إلخ.
وحل هذه المشكلة يبدأ مِن فَهْم دوافع سُلوك والدتك؛ لتخفيف حدَّة التوتُّر التي تُعاني منها بسبب ذلك، والتماس العُذر لها، فهي أم أولاً وآخرًا، ويبدو أنها متعلِّقة بك كثيرًا، وعلى أنك ترى أن والدك الكريم أكثر تفهُّمًا مِن والدتك الكريمة، إلا أنِّي أظنُّ أنَّ والدتك تحبُّك أكثر، وهذه بعض ضرائب شدة الحب!
وَإِنِّي بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ لَوَاثِقٌ
وَلَكِنَّ سُوءَ الظَّنِّ مِنْ شِدَّة الحُبِّ
أنصحك – أيها الأخ الفاضل – أن تجلسَ مع والدتك العزيزة في ساعة صَفاء واسترخاء، ثم أخْبِرها بأنك تقدِّر خوفها عليك، وحبها لك، وحِرْصها على ألا تختلطَ بأصدقاء السوء، ثم استدرك بـ"لكن"؛ لشرح تأثير هذا الأسلوب السلبي على نفسيتك وشخصيتك، قل لها مثلاً: إنك تشعر باهتزاز ثقتك بنفسك، ورجولتك أمام نفسك، وأنها لا ترضى أن تراكَ ناقِص الرجولة، أو أن تكون مدعاةً للسُّخرية.
بالمناسبة: أنا لا أصفك على الحقيقة، بل أصف المعاني التي يمكنك أن تؤثِّر بها على والدتك، استدر عاطفتها بأسلوبٍ عاطفي، بعيدًا عن التشنُّج أو الصراخ، ثم اعمل على طمأنتها ببعض الوعود المطمئنة لقلبها؛ نحو: "سأتَّصل بك بعد ساعة؛ لأطمئنك عليَّ"، "اتَّصلي عليَّ إذا شعرتِ بالقلق على تأخُّري"، "لن أتأخر، سأعود بعد ساعةٍ بمشيئة الله"، ونحو ذلك.
يمكنك البَدْء بترتيب بعض الزيارات لأصدقائك في بيتكم؛ لتطمئن على وُجودك، وتتعرَّف على أصدقائك، أخبرها بأسمائِهم، وحدِّثها عنْ أخلاقهم، وإذا كان لك صديقٌ حميمٌ يتفهَّم طبيعة والدتك الكريمة، فأعطها رقمه لتتصلَ عليه في أسوأ الأحوال، واربط عائلاتهم بعائلتك من خلال التعارُف بين والدتك وأمهاتهم، وتبادُل الزيارات فيما بينهنَّ، فكلما اطمأنتْ والدتك إلى أصدقائك، سهل عليها السماح لك بالخُروج من البيت.
إذًا، مفاتيح حلِّ مُشكلتك هي:
1) فَهم نفسيَّة والدتك ودوافعها اللاشعوريَّة.
2) الجُلوس معها والعزْف على أوتارها العاطفيَّة.
3) طمأنتها على الدَّوام؛ لارتفاع مستوى القلَق لديها.
والله – سبحانه وتعالى – أعلم بالصواب، وهو العليم الخبير.
الألوكة
امي ثم امي
ربي يحفظها
وشكرا على الموضوع
شكرا لعى الموضوع وانشاؤ الله رب يحفظ كااامل امهااات الجزائر
شكرا للمرور والتعليق