تخطى إلى المحتوى

أدعياء العلم 2024.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أدعياء العلم

عجبت من أقوام يدعون العلم ، و يميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها ، فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا ، لأن من أمر ما جاء و مر من غير اعتراض [ و لا تعرض ] ؟ فما قال شيئاً لا له و لا عليه .
و لكن أقواماً قصرت علومهم ، فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهرة نوع تعطيل ، و لو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا .
و ما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكتابه و قد مدحته الخنساء فقالت :
إذا هبط الحجاج أرضًا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة شفاها
فلما أتمت القصيدة ، قال لكاتبه : اقطع لسانها ، فجاء ذلك الكاتب المغفل بالموس .
قالت له : و يلك إنما قال : أجزي لها العطاء .
ثم ذهبت إلى الحجاج فقالت : كاد و الله يقطع مقولي .
فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم ، فإنه من قرأ الآيات و الأحاديث و لم يزد ، ألمه ، و هذه طريقة السلف .
فأما من قال : الحديث يقتضي كذا ، و يحمل على كذا ، مثل أن يقول : استوى على العرش بذاته ، ينزل إلى السماء الدنيا بذاته ، فهذه زيادة فهمها قائلة من الحس لا من النقل .
و لقد عجبت لرجل أندلس يقال له ابن عبد البر ، صنف كتاب التمهيد ، فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال : هذا يدل على أن الله تعالى على العرش لأنه لو لا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى .
و هذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل . لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الجسام . فقاس صفة الحق عليه .
فأين هؤلاء و اتباع الأثر ؟
و لقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ، ثم عابوا المتكلمين .
و اعلم أيها الطالب للرشاد ، أنه سبق إلينا من العقل و النقل أصلان راسخان عليهما مر الأحاديث كلها .
أما النقل فقوله سبحانه و تعالى : ليس كمثله شيء . و من فهم هذا لم يحمل وصفاً له على ما يوجبه الحس .
و أما العقل ، فإنه قد علم مباينه الصانع للمصنوعات ، و استدل على حدوثها بتغيرها ، و دخول الإنفعال عليها ، فثبت له قدم الصانع .
واعجباً كل العجب من راد لم يفهم طبيعة الكلام .
أليس في الحديث الصحيح ، أن الموت يذبح بين الجنة و النار ؟
أو ليس العقل إذا استغنى في هذا صرف الأمر عن حقيقته ؟
لما ثبت عند من يفهم ما هية الموت .
فقال : الموت عرض يوجب بطلان الحياة . فكيف يمات الموت ؟
فإذا قيل له : فما تصنع بالحديث ؟
قال : هذا ضرب مثلاً بإقامة صورة ليعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى .
قلنا له : فقد روى في الصحيح : [ تأتي البقرة و آل عمران كأنهما غمامتان ] ،
فقال : الكلام لايكون غمامة ، و لا يتشبه بها .
قلنا له أفتعطل النقل ؟ قال : لا ، و لكن يأتي ثوابهما .
قلنا فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق ؟
فقال : علمي بأن الكلام لا يتشبه بالأجسام ، و الموت لا يذبح ذبح الأنعام . و لقد علمتم سعة لغة العرب .
ما ضاقت أعطانكم من سماع مثل هذا .
فقال العلماء : صدقت . هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة ، و في ذبح الموت .
فقال واعجباً لكم ، صرفتم عن الموت و الكلام ما لا يليق بهما ، حفظاً لما علمتم من حقائقهما فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه ، بما قددل الدليل على تنزيهه عنه ؟
فما زال يجادل الخصوم بهذه الأدلة . و يقول : لا أقطع حتى أقطع ، فما قطع حتى قطع

العلامة أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي

بارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.