تخطى إلى المحتوى

أحب الأعمال إلى الله 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

أحب الأعمال إلى الله

الحمد لله المحمود بجميع صنوف المحامد المنعوت بجميع صفات الجلال، الحمد لله الذي هدى عباده إلي مَحَابَّه ويسَّر إليها السبيل، والصلاة والسلام على المصطفى الأمين، صلاة ربي وسلامه عليه دائمين إلي يوم الدين.



وبعد:

فإنه على قدر اجتهاد العبد في تحقيق عبوديته لربه فيما يحبه الله ويرضاه من عباده تكتمل محبة العبد لربه، وتتحقق محبة الرب لعبده.



وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من التعرف على ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأعمال والأقوال، ومن ثم السعي إلى العمل بها والاجتهاد في تحقيقها ومتابعتها، وسؤال الله تعالى التوفيق إليها؛ فلقد كان من دعاء النبي r: «اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد».



ومن رحمة الله تعالى وحكمته: أن جعل لكل غاية يحبها ويرضاها وسيلة توصل إليها، وقد جعل تعالى لأشرف الغايات وأعلاها – وهي القرب منه وبلوغ مرضاته – جعل لها وسائل، وهي الإيمان والأعمال الصالحة التي شرعها لعباده وبينها رسوله r.



بل إن الإسلام بعقائده وأحكامه كلها تحقق مرضاة الله تعالى والقرب منه؛ قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [المائدة: 35].



والمعنى في قوله: }وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ{ أي: اطلبوا العمل الصالح متوسلين به إليه تعالى، وهو سائر القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه؛ ليظفر بحبه ومرضاته والقرب منه.



إلا أن الأعمال الصالحة التي جاءت بها الشريعة ليست كلها في مرتبة واحدة في الفضل والحب عند الله تعالى، وإن كان الأصل فيها كلها أن الله يحبها ويرضاها، ولكن لها مراتب تتفاوت من جهة محبة الله تعالى؛ فبعضها أفضل عند الله تعالى من بعض؛ فمن العمل ما هو مفضول، ومنه الفاضل، ومنه الأفضل، ولذلك درجات ومنازل لا تحصى.



والناس يتفاوتون في سلوكهم هذه الأعمال كل بحسب توفيق الله تعالى له أولاً، ثم بحسب قوة معرفته بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وبحسب معرفته بفضائل الأعمال المشروعة وأوقاتها المشروعة فيها والمنهية عنها؛ حيث إن العمل الصالح يتفاضل عند الله تعالى من جهة جنس العمل نفسه، فيحبه الله تعالى لعظمته عنده أكثر من غيره؛ كالإيمان مثلاً، والصلاة وغيرها، وكذلك يتفاضل من جهة الوقت الذي يؤدي فيه العمل:



فقد يكون أداء العمل المفضول في وقته المشروع فيه أفضل وأحب عند الله من أداء العمل الفاضل في ذلك الوقت؛ مثلا: الترديد مع المؤذن وقت الأذان أفضل من قراءة القرآن في ذلك الوقت، مع أنه عند الإطلاق قراءة القرآن أفضل أنواع الذكر.



وقد يحب الله تعالى العمل أكثر من غيره؛ لكون نفعه وأثره متعديًا للغير؛ كصلة الرحم، والدعوة إلي الله تعالى، والصدقة.
ويوضح هذا المعنى الإمامان الجليلان ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله تعالى – أوضح بيان:



فيقول ابن تيمية– من «مجموع الفتاوى» (22/308):
«بعض العلماء يقول: كتابة الحديث أفضل من الصلاة النافلة، وبعض الشيوخ يقول: ركعتان أصليهما بالليل حيث لا يراني أحد أفضل من كتابة مائة حديث، وآخر من الأئمة يقول: بل الأفضل فعل هذا وهذا، والأفضل يتنوع بتنوع أحوال الناس؛ فمن الأعمال ما يكون جنسه أفضل ثم يكون تارة مرجوحًا أو منهيًّا عنه كالصلاة؛ فإنها أفضل من قراءة القرآن، وقراءة القرآن أفضل الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، ثم الصلاة في أوقات النهي؛ كما بعد الفجر والعصر ووقت الخطبة؛ منهي عنها، والاشتغال حينئذ إما بقراءة أو ذكر أو دعاءٍ أو استماع أفضلُ من ذلك».


وننقل كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى – باختصار من كتاب «مدارج السالكين» في إيضاح هذا الفقه البعيد في العبادة؛ فيقول:


«فالأفضلُ في كل وقت وحال: إيثارُ مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه.


وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصنافُ قبلهم أهل التعبُّد المقيَّد؛ فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته؛ فهو يعبد الله على وجه واحد، وصاحب التعبُّد المطلق ليس له غرضٌ في تعبد بعينه يؤثره على غيره؛ بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت؛ فمدار تعبده عليها؛ فهو لا يزال متنقلاً في منازل العبودية؛ كلما رُفِعَتْ له منزلةٌ عمل على سيره إليها، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى؛ فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره؛ فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العبَّاد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المحسنين رأيته معهم؛ فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود». اهـ.


وقبل أن أشرع في بيان جانب من أحب الأعمال إلى الله تعالى لا بد أن نذكِّرَ بأمور مهمة عليها مدار قبول العمل الصالح ومضاعفة مثوبته، وبقاء نفعه في الآخرة، هي:


1- الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال، بأن يبتغي بالعمل وجه الله تعالى، ومرضاته، والرجاء فيما عنده، وتخلية القلب من نظر الناس وحظوظ النفس العاجلة.


2- تمييز النية في العبادة، وكثيرٌ من الناس يظنها هي بعينها الإخلاص، والأمر ليس كذلك؛ يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – : «النية في العبادة، وهذه قدرٌ زائدٌ على الإخلاص؛ فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره، ونية العبادة لها مرتبتان:


إحداهما: تمييز العبادة عن العادة.
الثانية: تمييزُ مراتب العبادة بعضها عن البعض.


3- النصحُ في العبادة؛ وهو بذل الجهد في إيقاع العبودية على الوجه المحبوب للربَّ المرضي له، وهذا يتطلب اتباع سنة المصطفى r وما كان عليه صحابته، رضوان الله عليهم.


4- المحافظة على ثواب الأعمال الصالحة، وذلك بالحذر من الوقوع في مفسدات الأعمال ومُحْبِطاتها؛ كالرياء والمَنَّ والأذى والعُجْب والنشوز وإتيان العرَّافين والكهنة وغير ذلك.


وعلى العامل كذلك تجنب ما قد يكون سببًا في نقل حسنات عمله إلى الغير، قد يكون ذلك بالتعدي عليهم في الدنيا، أو منعهم حقهم، أو إيذائهم بأي أنواع الأذى: كالغيبة، والشتم، والسرقة، والهجر المحرَّم، وغير ذلك.


وسنتناول الآن ذكر بعض أحب الأعمال إلى الله تعالى ومنها:


أولاً: أحبُّ الأعمال إلى الله إيمان بالله:

كما قال رسول الله r: «أحبُّ الأعمال إلى الله إيمانٌ بالله».


الإيمان بالله: هو التوحيد، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، ويكون بالتجرد لله بأعمال القلوب، وأعمال الجوارح تبع لها؛ إذ الإيمان شعبٌ وأعمالٌ كثيرة، منها ما يكون من أعمال القلوب، ومنها ما يكون من أعمال الجوارح، وآكَدُهَا وأفرضها عمل القلب؛ فهو أوجب في كل وقت وعلى جميع المكلفين، فإذا زال عمل القلب زال الإيمان، كما أن صلاح سائر أعمال الإيمان الظاهرة – أي أعمال الجوارح – منوطٌ صلاحها وقبولها بصلاح الإيمان القلبي الذي هو الأصل؛ لذلك يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه «بدائع الفوائد»: «فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي الأصل، وأحكام الجوارح متفرعة عنها».


أصل الدين وقاعدته عند المؤمن ينطلق من عمل القلب الذي يبدأ بتلقي محاسن العلوم والأخبار الربانية التي يثمر منها سائر أعمال القلب؛ كاليقين بالله، وإخلاص الدين له، والمحبة له، والتوكل عليه، والشكر له، والصبر على حكمه الشرعي والقدري، والخوف منه، والرجاء له، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والذل والخضوع والإخبات له، والطمأنينة به، وغير ذلك كثير.


والناس في أعمال الإيمان الباطنة والظاهرة يتفاوتون في مراتبهم ودرجاتهم بحسب أدائها كمًا وكيفًا؛ فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، وكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة أيضًا لهم منازلُ لا يحصيها إلا الله تعالى.



ويقول ابن رجب أثناء شرحه حديث «ألا وإن في الجسد مضغة .. الحديثَ»:



«وفيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرَّمات واتقاءه للشبهات بحَسَبِ صلاح حركة قلبه؛ فإنْ كان قلبه سليمًا ليس فيه إلا محبةُ الله ومحبَّةُ ما يحبُّه الله، وخشيةُ الله وخشيةُ الوقوع فيما يكرهه- صلحت حركاتُ الجوارح كلُّها، ونشأ عنها اجتنابُ المحرَّمات كلّها، وتوقِّي الشبهات حذرًا من الوقوع في المحرَّمات».



وهنا يبرز سؤال: لماذا كان الإيمانُ أحبَّ الأعمال إلى الله تعالى؟



الجواب: لأنَّ في تحقيقه استغناءً بالله تعالى عن جميع المخلوقات، والتفاتَ القلب إليه وحده والتجرُّد عمن سواه، وهذا هو حقيقةُ العبادة التي مِنْ أجلها خلَقَ الله تعالى الجنَّ والإنس، وأنزَلَ الكتب، وبعث الرسل، وجعل الثواب والعقاب.



قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في «مجموع الفتاوى»: «ولن يستغني القلبُ عن جميعِ المخلوقات إلا بأن يكونَ الله هو مولاه الذي لا يَعْبُدُ إلا إياه، ولا يستعين إلا به، ولا يتوكًّلُ إلا عليه، ولا يفرَحُ إلا بما يحبُّه ويرضاه، ولا يكره إلا ما يبغضُهُ ويكرهه، ولا يوالي إلا مَنْ والاه الله، ولا يعادي إلا مَنْ عاداه الله، ولا يَمْنَعُ إلا لله؛ فكلَّما قوي إخلاصُ دينه لله كملت عبوديَّتُهُ واستغناؤه عن المخلوقات، وبكمال عبوديتهِ لله يبرئه من الكفر والشرك».



فهذا العمل هو الفاضل، وغيره دونه في الفضلِ عند الله تعالى.



ثانيًا: أحبُّ الأعمال إلى الله صلةُ الرحم:

قال رسول الله r: «أحبُّ الأعمال إلى الله إيمانٌ بالله، ثم صِلَةُ الرحم».



قال رسول الله r: «إنَّ الله خلق الخَلْقَ حتى إذا فرَغَ من خَلْقه قالتِ الرَّحِمُ: هذا مقامُ العائذ بك من القطيعة، قال: نعم؛ أمَا تَرْضَيْنَ أن أصلَ من وصلَكِ، وأقطعَ من قطعَكِ؟! قالَتْ: بلى يا رب، قال: فهو لَكِ، قال رسولُ الله r: فاقرؤوا إن شئتم: }فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ{ [محمد: 22 – 23]» [رواه مسلم].



وفي الحديث: «لعن الله قاطع الرحم».

قال العلماء: وحقيقةُ الصلة العطفُ والرحمة؛ قال القرطبي: «الرحمُ على وجهَيْن: عامة، وخاصة:



1- فالعامة: رحمُ الدّين، ويجبُ مواصلتها بملازمة الإيمانِ والمحبِة لأهله ونصرتهم، والنصيحةِ لهم، وتركِ مضارَّتهم والعَدْلِ بينهم، والإنصاف في معاملاتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كزيارة المرضى، وحقوق الموتى، وغسلهم والصلاة عليهم ودفنهم.



2- أما الخاصة: وهي رحمُ القرابة من طرفَيِ الرجُلِ أبيه وأمه، فتجبُ لهم الحقوقُ الخاصَّة وزيادة؛ كالنفقةِ، وتفقُّدِ أحوالهم، وتركِ التغافلِ عن تعاهدهم في أوقاتِ ضروراتهم، وإذا تزاحَمَتِ الحقوق بدأ بالأقرَبِ فالأقرب.



قال ابن أبي جَمْرة: «تكونُ صلةُ الرحم بالمالِ، وبالعونِ على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاءِ، وإيصالِ ما أمكَنَ من الخير، ودفعِ ما أمكَنَ من الشر بِحَسَبِ الطاقة.



وهذا إنما يستمرُّ إذا كان أهلُ الرحم أهلَ استقامة؛ فإن كانوا كفارًا أو فجارًا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم؛ بشرطٍِ بذلِ الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصرُّوا أنَّ ذلك بسبب تخلُّفهم عن الحق، ولا يسقُطُ مع ذلك صلتهم بالدعاءِ لهم بظهرِ الغيب أنْ يعودوا إلى الطريقِ المُثْلَى طريق الحق».



ثالثًا: أحبُّ الأعمال إلى الله: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر:

قال رسولُ الله r: «أحبُّ الأعمال إلى الله الإيمانُ بالله، ثم صلةُ الرحم، ثم الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر».



المعروف: جميع الطاعات، وسميتْ معروفًا لأنها تعرفها العقولُ السليمة والفطرُ المستقيمة، وأولُ معروفٍ وأعظمه: عبادةُ الله وحده لا شريك له، وإخلاص العبادة له، وترك عبادة ما سواه، وبعْدَ ذلك سائرُ الطاعات من واجبات ومستحبات كلُّها تدخل نطاق المعروف.



المنكر: كلُّ ما نَهَى الله تعالى عنه ورسوله؛ فجميعُ المعاصي كبائرُهَا وصغائرها منكرٌ؛ لأنها تنكرها العقول السليمة والفطر المستقيمة، وأعظمُ المنكر: الشركُ بالله عز وجل.



إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرق ما بين المؤمنين والمنافقين، وهو من أخص أوصاف المؤمن.



وهناك مراتبُ ثلاثةٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيَّنها رسول الله r: «مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإنْ لم يستطعْ فبلسانه، فإنْ لم يستطعْ فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» [أخرجه مسلم].



وكذلك هناك ثلاثُ صفاتٍ ينبغي أن يتحلَّى بها الآمرُ بالمعروف، والناهي عن المنكرِ، وهي:



1- العلم: أن يكون عالمًا بالمعروف الذي يأمُرُ به، والمنكرِ الذي ينهَى عنه.



2- الرفق: أن يكونَ رفيقًا حكيمًا بما يأمُرُ به، وفيما ينهى عنه.



3- الصبر: أن يكونَ صبورًا على الأذى؛ كما حكي الله سبحانه عن وصيَّة لقمان الحكيم لابنه ليمتثلها الناسُ ويقتدوا بها:

}يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ { [لقمان: 17].



فالعلمُ يكونُ قبل الأمر والنهي، والرفقُ يكون في حالة الأمر والنهي، والصبرُ يكون بعد الأمر والنهي.



رابعًا: أحبُّ الأِشياء إلى الله الفرائض:

قال رسولُ الله r مبلغاً عن ربه عز وجل: «مَنْ عادى لي وليًا فقد آذنتُهُ بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضْتُ عليه» [أخرجه البخاري].



قوله: «من عادى لي وليًا»: المرادُ بـ «وليّ الله»: العالمُ بالله، المواظبُ على طاعته، المخلصُ في عبادته.



وقوله: «مما افترضته عليه»: الفرائضُ: يدخلُ تحت هذا اللفظ جميعُ فرائض العين والكفاية، والفرائض الظاهرة:



الفعلية: كالوضوء، والصلاة، والزكاة، وصدقة الفطر، والصيام، والإحرام، والحج، والجهاد في سبيل الله.



والتَّزْكِية: كالزنا، والقتل، وشرب الخمر، والربا، وأكلِ لحم الخنزير، وغيرِهَا من المحرَّمات والفواحش ما ظهر منها وما بطن.



والفرائض الباطنة: كالعلمِ بالله، والحبَّ له، والتوكُّل عليه، والخوفِ منه.



وأداءُ الفرائض أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى وأشدُّها تقربًا إليه، وفي الإتيانِ بالفرائض على الوجه المأمور به: امتثالُ الأمر، واحترامُ الآمر وتعظيمُهُ بالانقيادِ إليه، وإظهارِ عظمة الربوبية، وذلِّ العبودية؛ فكان التقرب بذلك أعظمَ الأعمالِ.



وأحبُّ الفرائضِ الصلاةُ على وقتها؛ عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: سألتُ النبيَّ r: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها».

قال ابن بطال: فيه أنَّ البَدْءَ إلى الصلاة في أوَّل أوقاتها أفضلُ من التراخي فيها؛ لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحبَّ الأعمال إذا أقيمتْ لوقتها المستحب.



وقال الطبري: إنَّ من ضيَّع الصلاة المفروضة حتى يخرُجَ وقتها من غير عذر، مع خفة مُؤنتها عليه، وعظيمِ فضلها، فهو لما سواها أضيَعُ.



فإخراجها عن وقتها محرَّم؛ وقد قال الله تعالى: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ { [الماعون: 4 – 5].



فقوله: }لِلْمُصَلِّينَ { الذين هم أهلُ الصلاة، وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون؛ إمَّا عن فعلها بالكلية، وإما عن فعلها في الوقت المقدَّر لها شرعًا فيخرجها عن وقتها بالكلية؛ عن ابن عباس قال: الذين يؤخرونها عن أوقاتها. وعن أبي العالية: لا يصلُّونها لمواقيتها، ولا يتمُّون ركوعها ولا سجودها.



}عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {: إما عن وقتها الأول؛ فيؤخرونها إلى آخره دائمًا أو غالبًا، وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإما عن الخشوع والتدبُّر لمعانيها.



خامسًا: يحب الله الوتر:

قال رسول الله r: «وإن الله وترٌ يحبُّ الوتر» [رواه مسلم].



الوتر: الفردُ، ومعناه في وصف الله تعالى: الواحدُ الذي لا شريكَ له ولا نظير، واحدٌ في ذاته؛ فليس لها مثيل ولا نظير، وواحدٌ في صفاته؛ فلا شبيه ولا مثيل، وواحدٌ في أفعاله؛ فلا شريكَ له ولا معين.



وقيل: إنَّ معنى «يحب الوتر»: تفضيلُ الوتر في الأعمال وكثيرٍ من الطاعات؛ فجعَلَ الصلاةَ خمسًا، والطهارةَ ثلاثًا، والطوافَ سبعًا، والسعيَ سبعًا، ورَمْيَ الجمار سبعًا، وأيامَ التشريق ثلاثًا، والاستنجاءَ ثلاثًا، وكذلك الأكفان، وجعَلَ كثيرًا من عظيمِ مخلوقاته وترًا؛ منها السماواتُ والأَرضون والبحار وأيَّام الأسبوع وغيرُ ذلك.



وقيل: إن معناه منصرف إلى صفة من يعبد الله بالواحدنية والتفرد مخلصًا.



وقيل: أي: يثيبُ عليه ويقبله عن عامله.



قال القاضي: كل ما يناسب الشيء أدنى مناسبةٍ كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة.



وهناك من حمله على صلاة الوتر؛ مستندًا إلى حديث: «إن الله وتر يحب الوتر؛ فأوتروا يا أهل القرآن» [أخرجه الترمذي]؛ ولكن لا يلزم أن يحمل الحديث على هذا فقط؛ بل العموم فيه أظهر.



سادسًا: أحب العمل إلى الله بر الوالدين:

عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: «سألتُ النبي r: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلتُ: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين» [رواه البخاري].



أخبر r أن بر الوالدين أحب الأعمال إلى الله بعد الصلاة التي هي أعظمُ دعائم الإسلام، ورتب ذلك بـ «ثم» التي تعطي الترتيب والمهلة.



وقال تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ [الإسراء: 23 – 24].



وقال تعالى: }أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{ [لقمان: 14]، والمعنى: قلنا له: }أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ {، قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان، وللوالدين على نعمة التربية.


قال العلماء: فأحق الناس – بعد الخالق المنان – بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان: من قرن الله الإحسان إليه بعبادته، وطاعته، وشكره، وهما الوالدان.



ومن البر بالوالدين: أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب.



وقد قال r: «رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه!! قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة» [رواه مسلم].



فالسعيد: الذي يبادر اغتنام فرصة برهما؛ لئلا تفوته بموتهما؛ فيندم على ذلك، والشقي: من عقهما؛ لا سيما من بلغه الأمر ببرهما.


ومن البر بهما: أن لا ينهرهما؛ بل يخاطبهما بالقول اللين اللطيف؛ مثل: يا أبتاه، ويا أماه؛ من غير أن يسميهما ويكنيهما، وأن يشفق بهما ويتذلل لهما تذلل العبيد، للسادة، وأن يترحم عليهما، ويدعو لهما، وأن يرحمهما كما رحماه، ويرفق بهما كما رفقا به.


ولكن طاعة الوالدين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان .
سابعًا: أحب الأعمال إلى الله ذكر الله

قال رسول الله r: «أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله».



قال الطيبي: رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه؛ كما أن يبسه عبارة عن ضده، ثم إن جريان اللسان عبارة عن مداومة الذكر.



وأصل الذكر: التنبه بالقلب للمذكور، والتيقظ له، وسمي الذكر باللسان ذكرًا؛ لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني، صار هو السابق للفهم.



والذكر: هو الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها؛ مثل الباقيات الصالحات، وهي: «سبحان الله، الحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» وغيرها مثل: الحوقلة، والبسملة، والحسبلة، والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة.



ويطلق ذكر الله – أيضًا – ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة.



والذكر يقع تارةً باللسان ويؤجر عليه الناطق؛ ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه، وإذا أضيف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل؛ فإن أضيف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالاً، فإن وقع ذلك في عمل صالح ازداد كمالاً؛ فإن صح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك، فهو أبلغ في الكمال.



والمراد بذكر اللسان: الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد.



والمراد بذكر القلب: التفكر في أدلة الذات والصفات، وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي؛ حتى يطلع على أحكامها، وفي أدلة أخبار الجزاء، وفي أسرار مخلوقات الله.


وذكر القلب نوعان:



أحدهما: هو أرفع الأذكار وأجلها، وهو إعمال الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه.



والثاني: ذكر القلب عند الأمر والنهي؛ فيتمثل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه؛ طمعًا في ثواب الله تعالى وخوفًا من عقابه.



أما ذكر الجوارح: فهو أن تصير مستغرقة في الطاعات؛ ومن ذلك سميت الصلاة ذكرًا؛ فقال تعالى: }فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ { [الجمعة: 9]، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا { [الأحزاب: 41].



أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه، وأن يشغلوا ألسنتهم في معظم أحوالهم بالتسبيح و التهليل، والتحميد والتكبر.



قال مجاهد: هذه كلمات يقولهن الطاهر والمحدث والجنب، وقال: لا يكون ذاكرًا الله تعالى كثيرًا حتى يذكره قائمًا وجالسًا ومضطجعًا.



وقال ابن عباس– رضي الله عنه-: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضةً إلا جعل لها حدًا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر؛ فإن الله تعالى لم يجعل له حدًا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على تركه؛ فقال تعالى: }فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ{ [النساء: 103]، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال، فإذا فعلتم ذلك، صلى الله عليكم وملائكته.



وقال معاذ بن جبل – رضي الله عنه: «ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله».



لقد ذكر الله – عز وجل – الذكر في آيات كثيرة جدًا في القرآن، وجعل ذكره للذاكر جزاءً لذكره له، وأنه أكبر من كل شيء، وختم الأعمال الصالحة به.



قال رسول الله r: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟! قالوا: بلى! قال: ذكر الله تعالى» [أخرجه الترمذي].



وقال رسول الله r: «أحب الكلام إلي الله أربع؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ لا يضرك بأيهن بدأت» [أخرجه مسلم].



فائدة في «لا إله إلا الله»: قيل: إن هذه الكلمة فيها خاصيتان:



إحداهما: أن جميع حروفها جوفية، والحروف الجوفية: هي التي يكون مخرج نطقها من الجوف، وليس فيها حرف من الحروف الشفهية التي يكون مخرجها من الشفتين؛ مثل الباء، والفاء، والميم، إشارة إلى الإتيان بها من خالص الجوف، وهو القلب، لا من الشفتين.



الثانية: أنه ليس فيها حرف ذو نقط؛ بل جميعها متجردة عن النقط؛ إشارة إلى التجرد عن كل معبودٍ سوى الله تعالى.

ثامنًا: حسن الخلق:


قال رسول الله r: «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا». حسنُ الخُلق: الخُلُقُ والخَلْق عبارتان مستعملتان معًا، يقال: فلان حَسَنُ الخُلُقِ والخَلْق؛ أي حسَنُ الباطن والظاهر.



والإنسان: مركَّب من جسد مدركٍ بالبصر، ومن روحٍ ونفسٍ مدركةٍ بالبصيرة، ولكل واحد منهما هيئة وصورة: إما قبيحة، وإما جميلة.



فالخُلُقُ: عبارة عن هيئة في النفس راسخةٍ؛ عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسرٍ، من غير حاجةٍ إلى فكر ورويَّة، ولا يوصف الإنسان بخلق حسن ما حتى يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخٍ، وتصدر منه الأفعال بسهولة من غير روية؛ أما من تكلف عملاً ما بجهدٍ ورويَّة فلا يقال: إن هذا خُلُقُه. ومثال ذلك: الذي يتكلف بذل المال لحاجةٍ عارضة، أو يسكت عند الغضب بجهد وروية؛ لا يقال: خلقه السخاء والحلم.


إن الخلقة الظاهرة لا يمكن تغييرها؛ بينما الأخلاق على العكس من ذلك؛ حيث تقبل التغيير؛ ولهذا أوجِد الدينُ، وكانت الدعوة إلى مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجدت الوصايا والمواعظ والتأديبات، وقد قال الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الرعد: 11].



واكتساب أخلاقٍ حسنةٍ جديدة ممكن بالمجاهدة ورياضة النفس، وقد كان النبي r يدعو ربه؛ ليرشده إلى أحسن الأخلاق، ويوفقه للتخلق بها: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت». [أخرجه النسائي]، وكان r يوصي: «وخالق الناس بخُلُق حسن».

وجمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العلم، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقورًا صبورًا شكورًا، رضيًا حليمًا رفيقًا، عفيفًا شفيقًا، لا لعانًا ولا سبابًا، ولا نمامًا ولا مغتابًا، ولا عجولاً ولا حقودًا، ولا بخيلاً ولا حسودًا، بشاشًا هشاشًا، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله.



قال رسول الله r: «ما من شيءٍ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة». [أخرجه الترمذي].



وإنما أعطي صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم؛ لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما؛ أما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسًا كثيرة، فأدرك ما أدركه الصائم والقائم في الليل في الطاعة فاستويا في الدرجة؛ بل ربما زاد.



إن لحسن الخلق ثمراتٍ، وهي علامات تدل عليه؛ قيل: أن لا يخاصم من شدة معرفته بالله، وقيل: أن يكون من الناس قريبًا، وفيما بينهم غريبًا. وقيل: هو الرضا عن الله تعالى. وقيل: أدناه الاحتمال، وترك المكافأة، والرحمة للظالم، والاستغفار له، والشفقة عليه.



تاسعًا: يحب الله التقي الغني الخفي:


قال رسول الله r: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي».



التقي: هو الذي يؤمن بالغيب، ويقيم الصلاة، وينفق مما رزقه الله، ويتقي محارم الله، ويطيع ويتَّبع شريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم r.



والمراد بالغني: الغني غنى النفس؛ هذا هو الغنى المحبوب؛ لقوله r: «ليس الغنى عن كثرة العرض؛ ولكن الغنى غنى النفس» [أخرجه البخاري].



قال ابن بطال: معنى الحديث: ليس حقيقة الغنى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسَّع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي؛ فهو يجتهد في الازدياد، ولا يبالي من أين يأتيه؛ فكأنه فقير لشدة حرصه؛ وإنما حقيقة الغنى غنى النفس؛ وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي، ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب؛ فكأنه غني.



وغنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره؛ علمًا بأن الذي عند الله خير وأبقى، قال ابن حجر: «وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب؛ بأن يفتقر إلى ربه في جميع أموره؛ فيتحقق أنه المعطي المانع؛ فيرضى بقضائه، ويشكره على نعمائه، ويفزع إليه في كشف ضرائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى نفسه عن غير ربه تعالى».



والخفي: هو المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه؛ قال رسول الله r: «رب أشعث مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» [أخرجه مسلم].


إن الله يحب التقي الخفي الذي إن غاب لم يفقد، وإن حضر لم يعرف؛ لا يتظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم، ولا يطلب الجاه في قلوب الخلق؛ يقنع باطلاع الخلق على طاعته دون اطلاع الخلق، ويقنع بحمد الله وحده دون حمد الناس.



عاشرًا: يحب الله الرجل السمح:


قال رسول الله r: «إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء» [أخرجه الترمذي].



السماحة: هي السهولة والجود، و«سمحًا» أي: سهلاً جوادًا، والسماحة من الإيمان؛ قال r: «الإيمان الصبر والسماحة» [أخرجه أحمد].
وسمح البيع والشراء: هو الذي يكون سهلاً جوادًا إذا باع، وإذا اشترى، ويتجاوز عن بعض حقه إذا باع.



وسمح القضاء: هو الذي يطلب حقه بسهولةٍ ورفقٍ ولين جانبٍ، وعدم إلحاحٍ أو إضرار؛ فالسمح: هو الذي يتعامل مع الناس بسماحةٍ وسهولة، ويستعمل معالي الأخلاق، ويترك الخلاف.



والله يحب الرجل السمح؛ لشرف نفسه، وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو رمز الدنيا، وإفضاله على عباد الله، ونفعه لهم؛ فلذلك استوجب محبة الله تعالى.



حادي عشر: يحب الله العفو:


قال r: «إن الله يحب العفو»، وقال الله تعالى: }خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ [الأعراف: 199]، وقال تعالى:


}وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { [آل عمران: 134]، وقال تعالى: }وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{ [البقرة: 237].



والعفو: ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح: إزالة أثره في النفس، ويكون العفو ممن له حق فيسقطه؛ في مال أو عرض أو دم ونحوه.



وقد مدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم؛ فقال تعالى: }وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ{ [الشورى: 37].



العفو: اسم من أسماء الله الحسنى، والعفو: صفة من صفات الله تعالى، وهو يعفو عن عباده، مع قدرته على عقابهم.



وقال تعالى: }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [النور: 24]؛ فالجزاء من جنس العمل؛ فكما تعفو عمن أساء إليك يغفر الله لك، وكما تصفح يصفح عنك.



وحث رسول الله r على كظم الغيظ والعفو عن الناس، وملك النفس عند الغضب؛ وذلك من أعظم العبادة وجهاد النفس؛ فقال r: «ما من جرعةٍ أعظم أجرًا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله» [أخرجه ابن ماجه].



وقال r: «من كظم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء» [أخرجه الترمذي]، أي: شهره بين الناس، وأثنى عليه، وتباهى به حتى يجعله مخيرًا في أخذ أي الحور العين.



وقال المصطفي r: «وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».
فيه وجهان:



1- أنه على ظاهره، وأن من عرف بالعفو والصفح، عظم في القلوب، وزاد عره وإكرامه.



2- أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك.



وقد يكون المراد الوجهين معًا في جميعهما في الدنيا والآخرة.


ثاني عشر: يحب الله الرفق

قال رسول الله r: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله» [أخرجه البخاري].



وقال r: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه» [أخرجه مسلم].



والرفق سبب كل خير؛ قال r: «من يحرم الرفق يحرم الخير».



وقوله: «إن الله رفيق» أي: لطيف بعباده، يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر؛ فلا يكلفهم فوق طاقتهم «يعطى على الرفق» أي: يثيب عليه ما لا يثيب على غيره؛ فيعطى عليه في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد، وفي الآخرة من الثواب الجزيل: «ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه».



والرفق واللين: نتيجة حسن الخلق وثمرته.



وقيل: الحكمة أن تضع الأمور في مواضعها؛ الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعة؛ فالمحمود وسط بين العنف واللين؛ كما في سائر الأخلاق؛ ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل، كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر؛ فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف.



والكامل: من ميز مواقع الرفق عن مواقع العنف؛ فيعطي كل أمر حقه؛ فإن كان قاصر البصيرة أو أشكل عليه حكم واقعةٍ من الوقائع، فليكن ميله إلى الرفق؛ فإن النجاح معه في الغالب؛ فقد قال المصطفي r: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».

ثالث عشر: يحب الله الحياء والستر:


قال رسول الله r: «إن الله عز وجل حليم حيي ستير؛ يحب الحياء والستر؛ فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» [أخرجه النسائي].



وقال رسول الله r: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان» [أخرجه مسلم].



«وقد كان النبي r أشد حياء من العذراء في خدرها».


الحيــاء

الحياء في اللغة: من الحياة، واستحيا الرجل: من قوة الحياة فيه؛ لشدة علمه بمواقع العيب.. فالحياء من قوة الحس ولطفه، وقوة الحياة، وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء.



والحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه:
أحدها: حياؤه من الله تعالى.
والثاني: حياؤه من الناس.
والثالث: حياؤه من نفسه.
فأما حياؤه من الله تعالى: فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره، وقد قال r «استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله! قال: ليس ذاك؛ ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا؛ فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» [أخرجه الترمذي].



وهذا الحياء يكون من قوة الدين وصحة اليقين.



أما حياؤه من الناس: فيكون بكف الأذى، وترك المجاهرة بالقبيح.
وهذا النوع من الحياء قد يكون من كمال المروءة، والحذر من الملامة والذم.



أما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات؛ قال r: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، وقال – أيضًا – عليه الصلاة والسلام: «الحياء خير كله». أو قال: «الحياء كله خير»؛ أي: أنه سبب لجلب الخير إليه.
وقال r: «ما كان الحياء في شيء إلا زانه».



فقوله: «في شيء» فيه مبالغة؛ أي: لو قدر أن يكون الحياء في جمادٍ لزانه، فكيف بالإنسان؟!

الستر


قال الله تعالى: }يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ{ [الأعراف: 26].



أمر الله – عز وجل – بني آدم بتغطية العورات، وستر الأجسام؛ لأنه يحب الستر، ويبغض التعري، وكذلك أمر رسوله r بالستر والاعتناء بحفظ العورة، ونهى عن التعري؛ فقال: «إياكم والتعري».

رابع عشر: يحب الله الراضي بالبلاء:


قال رسول الله r: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [أخرجه الترمذي].



الراضي بالبلاء: هو العبد الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، ويختبره بالمحن والمصائب، فيصبر ويسترجع ويحتسب ذلك عند الله، ويرضى بما ابتلاه الله به؛ فيكون له الرضا وجزيل الثواب على قدر مصيبته، وابتلاء الله – عز وجل – عبده المؤمن في الدنيا ليس من سخطه عليه؛ بل إما لدفع مكروه، أو لتكفير ذنوب، أو لرفع منزلة.



وقد قال r: «ما من مسلم يصيبه أذى إلا حاتَّ الله عنه خطاياه؛ كما تحاتُّ ورق الشجر» [أخرجه البخاري].



وهذه بشارة عظيمة لكل مؤمن؛ لأن الآدمي لا ينفك غالبًا من ألمٍ بسبب مرضٍ أو هم أو نحو ذلك.



والصبر على البلاء يكون عند الصدمة الأولى، كما أشار r: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»؛ فأشار إلى أن الصبر الشاق على النفس، والذي يعظم الثواب عليه: هو ما يكون في أول وقوع البلاء ومفاجأة المصيبة، فيفوض ويسلم؛ فيدل ذلك على قوة القلب وثباته في مقام الصبر، أما إذا بردت حرارة المصيبة فالكل يصبر إذ ذاك.



فالإنسان في هذه الدار معرض دائمًا للبلاء والفتنة، والاختبار والامتحان؛ قال تعالى: }وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً{ [الأنبياء: 35]، بالمصائب وبالنعم، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر, والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال.



فليس من السهل الحصول على مرتبة الإيمان بكلمةٍ تقال باللسان؛ بل لا بد من امتحان من يدعي الإيمان، ومصداق ذلك قوله تعالى: }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ { [العنكبوت: 3]، وقوله تعالى: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ { [محمد: 31].



وسبب الابتلاء – أيضًا – كما قال تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{ [الملك: 2]؛ فالابتلاء امتحان للعبد أيرضى أم يسخط؟ أيصبر أم يجزع؟ أيشكر أم يكفر؟



وقد علمنا رسول الله r أن ندعو الله تعالى ونسأله الأجر والثواب والتعويض بخير عن المصيبة التي وقعت؛ فقال – عليه الصلاة والسلام -: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: }إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها».



كما علمنا إذا رأينا مبتلى أن نحمد الله على المعافاة؛ فقال r: «من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك البلاء» [أخرجه الترمذي].



خامس عشر: يحب الله إتقان العمل:


قال r: «إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن».
إحسان العمل هو الإخلاص والعدل فيه، والله – عز وجل – بحب من كل عامل إذا عمل عملاً أن يحسن عمله، ويؤدي الأمانة بقدر جهده، ولا يشتغل عن عبادة ربه؛ كما قال تعالى: }رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ { [النور: 37].



خص الله تعالى التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن العبادات، وأهمها الصلاة؛ ولهذا مدح هؤلاء الذين لا تلهيهم التجارة عن العبادات، ولا شك أنهم يحسنون صنعًا، ويحسنون أعمالهم، ويوفقون بينها وبين العبادات ومواقيت الصلاة.



سادس عشر: أحب الأشياء إلي الله قطرتان وأثران:


قال r: «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين؛ قطرة من دموع في خشية الله، وقطره دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضةٍ من فرائض الله» [أخرجه الترمذي].



ليس شيء أحب إلى الله – عز وجل – من قطرة دموع تفيض من عين من شدة خوف الله وعظمته؛ فهذه العين لا تمسها النار.



بل إن صاحب هذه العين الباكية من خوف الله يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ قال r: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» [أخرجه البخاري].



وقد مدح الله النبيين الذين أنعم الله عليهم بأنهم إذا سمعوا آيات الله سجدوا وبكوا؛ فقال تعالى: }إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا{ [مريم: 58].



وقد قرأ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكي؟! يريد البكاء.



ومدح الله – عز وجل – الذين أوتوا العلم أنهم إذا تلي عليهم – كما وصفهم تعالى -: }وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا { [الإسراء: 109].



كذلك ليس شيء أحب إلى الله – عز وجل – من أثر في فريضةٍ من فرائض الله؛ كالساعي المتعب نفسه في أداء الفرائض، والقيام بها، والكد فيها؛ مثل: تشقق الأقدام من برد ماء الوضوء، أو خلوف فمه في الصوم، أو اغبرار قدمه في الجمعة والحج.



فعن عبايه بن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعت رسول الله r يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار» [أخرجه البخاري]، والمراد بقوله: «في سبيل الله»: جميع طاعاته.



هذا ما تيسر جمعه من أحب الأعمال إلى الله؛ وإلا فإن ما اختص به الفضل والمحبة عند الله تعالى من الأعمال الصالحة كثير جدًا لا يمكن حصره في هذا المقام.



والله أسأل أن يوفقنا إلى أحب الأعمال إليه، ويختم لنا بمرضاته.
والحمد لله رب العالمين

* * * *

جزاك الله خبرا

شكرا على الافادة اخي الكريم

جزاك الله خيرااا

.شكرا جزيلا

بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك

شكرا جزيلا وبارك الله فيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.