هذا بحث صغير كتبتُهُ عند قراءتي لكتاب ابن ابي حاتم – رحمه الله – : المراسيل ، و ذلك لما ترجم للضحاك بن قيس الفهري، و الله الموفق للخير.
قال البخاري : له صحبة ، و استبعدها بعضهم .
قال ابن حجر في الإصابة ( 388/3) :" روى له النسائي حديثا صحيح الإسناد من رواية الزهري عن محمد بن سويد الفهري عنه "اهـ،
قلت: إنما أورده النسائي بإسناد دون متن فقال :" بنحو ذلك " انظر المجتبى من السنن ( ح: 1990،1989) إلا أن إسناده حسن فقد قال ابن حجر نفسه عن محمد الفهري :" إنه صدوق ".
قال ابن حجر :" خالف الليث فيه سندًا و متنًا : يونس و شعيب عن الزهري و هما أحفظ الناس لحديث الزهري …قال الفهري: سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة في صلاة صلاها على الميت …رواه الطبراني و البيهقي"اهـ من الإصابة.
فالظاهر أن الحديث إنما سمعه الضحاك من حبيب ترجيحا لقول يونس و شعيب بن أبي حمزة على قول الليث على حسب كلام ابن حجر، غير أنهم كلهم ثقاتٌ أجلاَّء فكيف يرجحان عليه بدون دليل واضح قاض بغلطه ؟
و إذا كان الراوي ثقة غير مدلس فإنه لا يجوز تخطئته بالظنون و لو كانت غالبة !!
و هل يمتنع على الزهري أن يروي الحديث عن رجلين ؟ و هل يمتنع على الضحاك أن يرويه عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم يسمعه من حبيب بن مسلمة فيحدث به على الوجهين ؟
الأول غير ممتنع ، و الثاني ممكن غير أنه لا يمكننا الجزم به – حالاً – لأنه محل النزاع فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على صحة سماع الضحاك من النبي عليه الصلاة و السلام ، لأن قول الراوي :" من السنة كذا " لا يحتمل حكم الرفع – عند من يقول به – إلا إذا كان صحابيا معروفا بذاك من قبل.
أما هنا فالمراد تحقيق الصحبة لهذا الراوي .
ثم أورد الحافظ ابن حجر حديثه قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول:" إن بين يدي الساعة فتنا …" رواه أحمد و الحسن بن سفيان في مسنديهما من طريق علي بن زيد عن الحسن قال : كتب الضحاك بن قيس لما مات معاوية …إلخ.
قلت: رواه أحمد في مسنده برقم (15693) و حسنه أحمد بن محمد شاكر – رحمه الله – قال:" لأجل علي بن زيد ، و الباقون أئمة" اهـ.
قلت: بل هو حديث ضعيف فإن علي بن زيد – هو ابن جدعان – ضعفه الأئمة شرقا و غربا و لم ينقل توثيق إلا عن يعقوب بن أبي شيبة و لا يقوام هذا بشيء و لعله يعني الصلاح و التدين الظاهرين كما هي عادته في التوثيق.
ثم إلى ضعفه – أعني ابن جدعان – و ترك النقاد له كان شيعيا ! و اتهم بالرفض !!
قال ابن حجر في التقريب :" ضعيف "اهـ
ثم الحسن – هو البصري – معروف رحمه الله بالتدليس و لم يصرح بالسماع من الضحاك و لم أجد من أثبته له ، فالإسناد ضعيف جدا ، و إذا صحَّ متنه من طريق أخرى فلا يسوغ الاحتجاج به لإثبات صحبة الضحاك ألبتة .
بقي حديثان:
الأول ذكره ابن حجر – كذلك – من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :" لا يزال وال من قريش " ، رواه الطبراني في الكبير ( برقم:8134) قال: ثنا جعفر بن سنيد بن داود ثنا أبي ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج ثني محمد بن طلحة عن معاوية بن أبي سفيان ثني الضحاك بن قيس و هو عدل على نفسه أن رسول الله قال: الحديث.اهـ
فيه سنيد المصيصي ذكره مسلمة بن قاسم الأندلسي و زكريا الساجي في جملة الضعفاء، و ذكره ابن شاهين في جملة الثقات ، و ضعفه أحمد بن حنبل و أبو حاتم ، و قال أبو حاتم مرة : صدوق، و قال النسائي : ليس بثقة، و قال ابن حجر: ضعيف مع إمامته و معرفته لكونه كان يلقن حجاج بن محمد شيخه.اهـ
فالحاصل أنه ضعيف ، و له أفعال أنكرها عليه أحمد بن حنبل، و لم أعثر لابنه جعفر بن سنيد على ترجمة إلى حد الآن.
و محمد بن طلحة هو: ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي ذكره ابن حبان في الثقات، و قال عنه ابن حجر: صدوق،
و هذا سند لا تقوم به حجة.
ثم قال الطبراني في الكبير أيضا ( برقم: 8136) : ثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو عمر الضرير ثنا حماد بن سلمة ثنا سعيد الجريري عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن الضحاك بن قيس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" إذا أتى الرجل القوم فقالوا: مرحبا …"الحديث رجاله ثقات عدا أبا عمر الضرير – هو الأكبر – روى له أبو داود ، قال فيه ابو حاتم: صدوق صالح عامة حديثه يحفظه، و قال ابن حجر في التقريب : صدوق عالم، و أما أبو مسلم الكشي – أو الكجي – فهو كما قال السمعاني : من أهل البصرة ، كان من ثقات المحدثين و كبارهم،اهـ و قال الذهبي :" و ثقه الدارقطني و غيره ".
فهذا سند حسن، و للفائدة فإن أبا مسلم من شيوخ قاسم بن أصبغ و ابن أيمن القرطبيين.
أما قول الهيثمي:" رجاله رجال الصحيح غير أبي عمر الضرير و هو ثقة "اهـ،
قلتُ: قد علمتَ حال أبي عمر.
و أما قول محقق المعجم الكبير في (298/8):"و هو كما قال الحاكم : على شرط مسلم " فبعيدٌ جدا لأن أبا عمر لم يرو له الستة غير أبي داود كما قاله ابن حجر و غيره.
و هذا الإسناد على حسنه ليس فيه تصريح من الضحاك بالسماع من النبي عليه الصلاة و السلام.
ثم روى الطبراني في الكبير أيضا ( برقم: 8137) من طريق عبيد الله بن عمرو عن رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس قال: كانت في المدينة امرأة تخفض النساء يقال لها أم عطية فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم :" اخفضي و لا تنهكي فإنه أنضر للوجه و أحظى عند الزوج "
فيه إبهام الكوفي و عدم التصريح بالسماع مع ذلك !!!
و قد أفاض أبو عبد الرحمن الألباني – رحمه الله – الكلام على هذا الحديث في الصحيحة ( برقم: 722) و حاصله أن الكوفي هو محمد بن حسان و مع تسميته فإنه بقي مجهولا ، و أن الضحاك بن قيس في هذا الحديث هو غير الفهري الذي هو محل دراستي !
قال ابن معين : الضحاك بن قيس – يعني في حديث سنة الخفض – ليس بالفهري.اهـ
ثم أفاد الألباني أن الحاكم قد روى حديث :" إذا أتى الرجل القوم فقالوا مرحبا …" الذي أوردتُهُ سابقًا ، أنه رواه في المستدرك بتصريح الضحاك بن قيس بالسماع من النبي صلى الله عليه و سلم و أنه الفهري ، و الحديث عند الحاكم ( 638/3 برقم : 6235 ) و فيه :" قال ابو العلاء بن الشخير : سمعت أبا سعيد الضحاك بن قيس الفهري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الحديث"
قلتُ: إسناده حسن فالعباس بن فضل البصري قال عنه الذهبي : كان صدوقا حسن الحديث .
و يتم بهذا – و لله الحمد و الفضل – ثبوت الصحبة للضحاك أخي فاطمة بنت قيس الفهريين – رضي الله عنهما -.
و لهذا قال الإمام البارع أستاذ المحدثين أبو عبد الله البخاري في التاريخ الكبير ( تحت رقم: 3018) :" و له صحبة "اهـ.
قلتُ: و هو اختيار الإمام الألباني رحمه الله .
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله و صحبه أجمعين.
ربيع الأول 1445 هـ بالقبة القديمة،العاصمة.