تخطى إلى المحتوى

~¤ô¦¦§¦¦ô¤~ قراءة في فلسفة الثورة الجزائرية ~¤ô¦¦§¦¦ô¤~ 2024.

  • بواسطة

][][§¤°^°¤§][ بسم الله الرحمن الرحيم ][§¤°^°¤§][][

طبيعي جدا أن يمجد كل شعب أو أي أمة تاريخها وبطولاتها وأن تضع لذلك أعيادا وتخلد أبطالها بالنصب التذكارية

وتسمي المعالم العمرانية بأسمائهم. ولا ضرر إن بلغ ذلك حد الهوس بذكراهم والتفاخر على الغير بمناقبهم.

لكن هل حقيقة الثورة الجزائرية تحمل تلك المعاني والحكايات التي تروى عنها؟

طرح هذا السؤال ليس من باب التشكيك بل سعيا لمعرفة هذه الحقيقة خاصة أن بعض الشباب اليوم قد قل اهتمامه

بهذه الأمجاد بل وصل الحد عند البعض إلى اسقاط كل أزماته ومشاكله الاجتماعية والسياسية على ماضيه وتاريخه –

ولا نقصد هنا الكل- ويعتبر آخرون أن جيل الثورة قد أخذ البلاد إلى التخلف و الفساد.

لذا لابد من طرح هذه القضية طرحا عقليا ومعالجتها على أسس فكرية دون الخوض في التفاصيل التاريخية بمعناها

الثوري أي سرد حكايات عن المعارك والبطولات لأن القناعة لاتقدمها هذه الأخيرة ولو كان الأمر كذلك لاقتنعنا

واحتفلنا بأمجاد النازيين والطغات في تاريخ الأمم الحاضرة والماضية.

إذن البداية كانت من الفكرة والمبدأ، و الاحتفال بالأمجاد إنما هو إحتفال بانتصار القضية العادلة والمشروع الخير عن

الفكر الذي يحمل معه الشر والظلم. والانتصار إنما كان للإرادة القوية في جوهرها الضعيفة في مظهرها، على إرادة

هزيلة في جوهرها قوية في مظهرها. ويحضرني هنا الوصف البارع لغاندي بأن المستعمر نمر من ورق.

وهو بذلك لم يقصد ترسانته العسكرية ولا جيوجه المدججة بل نفذ ببصيرته الثاقبة إلى نفوس هؤلاء التي لا تحمل اي

قيمة انسانية أو أخلاقية تدفعها إلى الانتصار على الشعوب المستعمرة.

الجيريا

أن دراسة ثورة نوفمبر 1954 يجب أن تتم وفق منهج يتعدى التركيز على العلاقات السببية بين الأحداث إلى المعنى

أو الدلالة العامة لها المستمدة من الواقع، كما تصوره أو عاشه ليس فقط أولئك الذين تحملوا مسؤولية تغييره، وإنما كما

عاشه وتصوره من جاء بعدهم ممن تصدوا له بعد ذلك بالبحث والتحليل.

فالكلام عن أي ثورة أو حدث تاريخي دون الاهتمام بالفكرة أو بالأفكار القابعة وراء أحداثها يصبح غير مجدي، لأنه

لا يعكس ما تنطوي عليه تلك الأحداث من إحساس وقصد وإرادة وعواطف، ولأن الحقيقة التاريخية لا تتوقف في

النهاية على الواقع وإنما على المهمة التي نذر الإنسان نفسه لها تجاه ذلك الواقع.

وقد آن الأوان لإخراج الثورة الجزائرية من جانب التناول الحماسي والعاطفي المحض، لأن مثل هذا التفسير لهذه

الثورة – خاصة ذلك الذي يركز على الترابط الآلي بين الأسباب والنتائج- سيجعلنا عاجزين دون شك عن فهم

الأسباب التي جعلت عوامل استعمارية مشابهة لا تؤدي إلى نتائج ثورية وطنية وقومية متشابهة.

كما سيجعلنا عاجزين كذلك عن الوقوف على الأسرار التي جعلت أكثر من ثورة تحريرية معاصرة في العالم الثالث

-بصورة خاصة- منبعثة من الظروف الاستعمارية التي انبعثت منها ثورة نوفمبر، تتوصل إلى نتائج مختلفة عن تلك

التي توصلت إليها هذه الأخيرة، حيث لم يفض بعضها إلا إلى مجرد تغييرات شكلية في نظام الحكم وبنية المجتمع.

الجيريا

إن قراءة واقع الثورة التحريرية يدفعنا إلى إشكالية مقاربته مع المفاهيم المعرفية التي تلتقي جميعها في شكل من

أشكالها بمعنى الثورة ، فتحديد كل من مفهومي الفلسفة والثورة يجعلنا نميز الثورة عن غيرها من الأشكال الأخرى الرافضة للواقع،

والفلسفة عن غيرها من أنواع التأمل غير الفاعل فيه.

فالثورة والانقلاب والعصيان والانتفاضة والحرب.. كلها مصطلحات تتداخل مفاهيمها من جهة إرادة التغيير والعمل

لأجله، لكنها تتميز عن بعضها من جوانب عدة، فالثورة مصطلح يراد به من حيث معناه اللغوي الهيجان والغضب،

ومن ثم توصف التحولات الكونية والطبيعية بالثورة.

وهي من المنظور الإسلامي دعوة للعودة إلى الدين من خلال مطالبته بالقطيعة مع كل رموز الشرك، كما أنها تعني

التبديل السريع والعنيف في الغالب في السياسة وفي نظام الحكم.

والثورة تختلف عن الانقلاب الذي يهدف في الغالب إلى الاستيلاء على الحكم بدلا عن الأقلية أو الأكثرية الممسكة به،

وتختلف عن العصيان الذي هو انتفاضة مسلحة ضد السلطة القائمة دونما مشروع سياسي أو اجتماعي واضح.

كما تختلف عن الانتفاضة التي هي حركة جماهيرية موجهة في الغالب ضد الظلم بمختلف أشكاله السياسية

والاجتماعية، والتي تقتصر بداية على رفض الواقع القائم وتبقى دائما الممهد الأول للثورة.

أما الحرب التي تعني بصورة عامة القتال المسلح بين دولتين أو أكثر أو بين مجموعتين اجتماعيتين داخل الدولة أو

الأمة، فإن الثورة لا تأخذ الجانب العسكري كأساس أول وأوحد لها.

لأجل هذا فإن ثورة نوفمبر ثورة تحريرية أخذت في بدايتها شكل المقاومة، شأن كل ثورة ترفض أن تبقى بعد ذلك

عند حدودها كما فعلت العديد من الانتفاضات الوطنية التي سبقتها.

وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية جد مزرية مثلت بحق واقعا متخلفا، عملت الثورة على إحداث

القطيعة معه، إذ انفجرت في وجه الاستعمار المهزوم نفسيا أمام ضياع الهند الصينية منه واستقلال كل من تونس

والمغرب.

الجيريا

من منطلق التفكير الفلسفي إن عملية تحديد هوية أي ظاهرة من فعل العقل ومن فعل الذاكرة في الوقت نفسه وليست

من فعل الظاهرة التي لا تعي ذاتها.

وثورة نوفمبر تميزت بالعديد من المقاربات التي حاولت التعرف على ما تمثله من استمرارية أو قطيعة أو إبداع أو

أتباع لتلك الأفكار والتيارات الأيديولوجية الفلسفية الوطنية منها والعالمية، وهي المقاربات التي يمكن تلخيصها في

ثلاثة أنواع هي:

1- المقاربات الإسلامية التي كان رموز الفكر الإسلامي في الجزائر المعاصرة ومن ضمنهم العديد من رجالات

جمعية العلماء المسلمين يمثلون أساسها، ومفادها أن فلسفة نوفمبر كانت شكلا ومضمونا فلسفة ثورية جهادية.

وهذه المقاربة تظهر واضحة لدى المفكر مالك بن نبي حين يشير إلى أن ثورة نوفمبر استمدت روحها من تاريخنا

الإسلامي المجيد.

وضمن هذا المنظور ترجع هذه المقاربة جزءا كبيرا من المشاكل التي بدأت تعرفها الثورة من عام 1958 على

مستوى النظر والعمل، والتي أفقدتها في النهاية شطرا كبيرا من روحها وصفائها واطرادها إلى أن أبعدتها عن مبادئها

الأولى وفي مقدمتها المبادئ الإسلامية.

وفي إطار هذه المقاربة أيضا يرى رموز الحركة الإسلامية المعاصرة في الجزائر اليوم أن الحدث المعلن عن ميلاد

ثورة نوفمبر قد انطلقت شرارته بنداء "الله أكبر" وبالجهاد، وذلك عن طريق قلة صادقة من المؤمنين الذين وهبوا

أنفسهم لإعلاء دين الله في هذه الأرض الطيبة.

ثم الذين يعيبون اليوم على السلطة السياسية الجزائرية انحرافها عن تلك الروح الإسلامية واستبدالها بأيديولوجيات

غربية لا علاقة لها بالشعب الجزائري سوى علاقة الدمار وا;لضياع الفكري والروحي، كما أكدت ذلك المشاكل

والأزمات التي تعصف بالبلاد اليوم والتي لا حل لها إلا بالعودة إلى الإسلام وتطبيق مبادئه.

2- المقاربات العلمية والعلمانية، وترى أن ثورة نوفمبر كحدث شأنه شأن أي حدث ثوري آخر لم يولد من فراغ، بل

كان وليد جهود الشعب الجزائري النضالية عبر تاريخه الطويل، والنتاج المباشر للحركة الوطنية التي كانت -كما أكد

بيان الثورة- قد اقتربت من مراحلها الأخيرة.

فجبهة التحرير الوطني هي بنت المبادرة الشعبية وامتداد أيديولوجي لحزب الشعب وحركة انتصار الحريات، وهي

لم تفعل في الحقيقة سوى إحياء النضال القاعدي من خلال مضاعفة إمكانيات وعدد الأقلية الفاعلة فيها.

3- المقاربات الشعبوية والماركسية، وهذه ترى أن ثورة نوفمبر امتداد تلقائي وانعكاس باهت لفلسفات شعبوية

اشتراكية وماركسية، وهي بحكم التناقض الاستعماري ليست مجرد حركة وطنية وإنما حركة ثورية وطنية واجتماعية

في نفس الوقت.. حركة ذات مضمون شعبوي في مفهومه الروسي تارة، مضافا إليه نبرة إسلامية عربية تارة أخرى.

الجيريا

وأمام هذه المقاربات : هل يعني ذلك أن فلسفة نوفمبر لم تكن في النهاية سوى تكرار للفلسفات والأيديولوجيات

الوطنية والعالمية التي سبقتها وعاصرتها؟

لو كان الأمر كذلك لما كان هناك مبرر أو حاجة إلى مثل هذه الدراسة والدراسات الأخرى المماثلة،

إذ المهم ليس نفي أو إثبات مثل تلك الاستمرارية أو القطيعة.

وباعتبار أن ثورة نوفمبر -شأنها شأن الحدث المجسد لها- إذا كانت لم تولد من العدم بل من أيديولوجيا الحركة

الوطنية الخاصة، فإن ذلك لا يعني أنها لم تمثل نوعا من القطيعة معها.

الحقيقة أن فلسفة ثورة نوفمبر إذا كانت قد تغذت من الفكرة الوطنية الجزائرية النابعة من الإسلام، فإنها لم تلبث بحكم

تفاعلها مع الواقع أن أخذت إلى جانب ذلك أبعادا سياسية وفكرية جديدة مكنت لها من الوصول بالشعب الجزائري إلى

الحرية والاستقلال.

ومثلت بذلك قطيعة نظامية خاصة مع حزب "الشعب" وتحررا من هالة الزعيم وتجاوزا لفلسفة العمل السياسي

النظري والتقليدي الذي تبنته الحركات السابقة.

الجيريا

عند الانتقال من الطرح النظري لفلسفة ثورة نوفمبر إلى الطرح التطبيقي لها،نجد أن الفلسفة أيا كانت لا تستطيع -مهما

كانت موضوعية أسسها وفاعلية وسائلها- الإفلات من تأثيرات العديد من العوامل الظرفية الإنسانية منها والمادية،

المتوقعة منها وغير المتوقعة، لذلك فإنها لا تلبث أن تجد نفسها في النهاية دون العديد مما كانت تتوق إليه من نتائج.

فوحدة الشعب والأرض، الشمال والجنوب، الريف والمدينة، الأغنياء والفقراء، الماضي والمستقبل.. كلها أسس

ومبادئ متعارف عليها في كل ثورة.

وثورة نوفمبر تحديدا تميزت -حسب رأي الدكتور البخاري حمانة- على مستوى النظر والممارسة بأسس أخرى هي التفاؤل

والوضوح والعمل والديمقراطية.

أما التفاؤل كان بالأمل والإيمان الراسخ بإمكانية الحرية، وانعدامه لدى الأحزاب الوطنية السابقة هو الذي جعلها لا

ترى الشعب الجزائري إلا من خلال حاضر الاستعمار المزري، فلم تطرح بذلك قضية الثورة المسلحة كإمكانية أو

عدم إمكانية، في حين طرحته فلسفة نوفمبر كحتمية يجب البحث عن أفضل الطرق للإسراع من نهايتها.

والوضوح والعمل نجدهما في الإدراك الجدلي للنظر والعمل، أي تجنب كل تباعد بين الفكرة الثورية الحاملة لهذه

الفلسفة وبين تطبيقها.

ولأجل تحقيق العمل انصهرت جدليا في لهيب الكفاح الوسيلة والغاية، وتحولت الجماهير بدورها إلى غاية وإلى

وسيلة لتلك الثورة.

و أمثلة ذلك أحداث 20 أوت 1955 وحرب العصابات الخاطفة المتبناة بعد أوت 1956، وتحويل العنف الفردي

الهامشي والفوضوي إلى عنف جماعي منظم وسياسي هزم التفوق المادي للمستعمر.

كما انعكست فكرة التحرر التي حملتها الثورة الجزائرية بتحرر الشعب الفرنسي ذاته من فاشية عسكرية مؤكدة،

وبإسراع المستعمر في منح كل من تونس والمغرب الاستقلال بهدف التفرغ لسحق الثورة.

أما الديمقراطية في هذه الفلسفة فليست مجرد رغبة في الاعتراف المتكافئ أو المتعادل -حسبما رأى فوكوياما- بأنه

وجد الحلقة المفقودة للديمقراطية الغربية، بل هي انتقال لهذا الاعتراف المتكافئ إلى فعل ثوري جماهيري في الميدان.

الجيريا

إن الحقيقة التي يؤكدها تاريخ كل الثورات الدينية والسياسية التي عرفتها الإنسانية عبر مسيرتها الطويلة نحو

حريتها، تؤكد فعلا المقولة التي ترى "أن الثورة يخطط لها العقلاء وتنفذها الدهماء ويستغلها الأعداء" وهو الأمر الذي

لم تسلم منه ثورة نوفمبر.

فالواقع الذي تعيشه الجزائر اليوم واقع يبين أن تلك الفلسفة وتلك الثورة إذا كانتا عملاقتين في انتصاراتهما أثناء

مرحلة التحرير، فإنهما قد منيتا أثناء معركة التعمير بهزائم "عملاقة" من طرف أعدائها الذين وجدوا في انحرافات

بعض رجالها فرصتهم للتكالب عليها من كل اتجاه، بهدف تقويضها من الداخل بعدما استحال عليهم بالأمس مواجهتها

من الخارج.

وأهم سلبيات هذه الفلسفة في فشلها في تحقيق القطيعة مع ذهنيات وممارسات الأحزاب الوطنية عامة، والاحتكار

الأيديولوجي للثورة والفكرة الوطنية والذي تمثّل في اعتبار أولئك الرواد أنهم هم الشرعيون الوحيدون، ومن ثم

الإبعاد المباشر وغير المباشر للسياسيين والمثقفين أثناء الثورة وبعدها.

الجيريا

في الختام السؤال هل صحيح أن رواد الثورات التحريرية هم -كما يدعون- الأكثر تأهيلا من غيرهم لقيادة ثورات

البناء والتعمير؟ يعد في حقيقته نداء لأجل استعادة روح ثورة نوفمبر وإعمال منطقها الفاعل الذي غذى بالأمس

الثورة التحريرية، وصولا بها إلى إعادة غرسها في الفكر والوعي الجزائريين.

وعليه فنحن بحاجة إلى كم من بيان نوفمبر:

نحتاج إلى بيان نوفمبر لإعلان ثورة في الأخلاق والقيم الروحية والإنسانية ليست غريبة عن الشعب الجزائرية بل تحتاج إلى إعادة بعثها في قالب أكثر عصرية وتماشيا مع روح هذا الشباب الراغب في التقدم ولنا في اليابان أنموذجا رائعا.

ونحتاج إلى بيان نوفمبر لإعلان ثورة فكرية وعلمية بجامعاتنا ومعاهدنا وثانوياتنا ومدارسنا والإصلاح الذي شهده التعليم مؤخرا كان قرارا فوقيا رغم ما فيه من إيجابيات فهو فاقد لأسس النجاح لأن المعلم لم يشارك فيه وكذلك الباحث الجامعي أصبح يمارس الوظيفة دون توظيف مشاريعه في تغيير المجتمع لفقدان حلقة القرار السياسي الجاد.

ونحتاج لبيان نوفمبر لإعلان ثورة اقتصادية ترقى بالمجتمع وتشجع المبادرات والإبداع ولن يكون ذلك ممكنا حتى نرقى بإداراتنا وبنوكنا إلى مستوى ثقافة السوق ولنا في التجربة الاماراتية أنموذجا لاستقطاب المستثمرين ولخلق روح الابداع الاقتصادي.

الجيريا

المصدر: بتصرف عن مقال لسكينة بوشلوح حول كتاب فلسفة الثورة الجزائرية لبخاري حمانة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.