وليس من الضروري أن نقول في شأن هذه الأحاديث إنها قيلت في مكة قبل نزول التكاليف وإنها نسخت في المدينة بعد نزولها كما يقول بعض العلماء .
يقول الحافظ المنذري : " ذهبت طوائف من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال لا إله إلا الله دخل الجنة أو حرّم على النار أو نحو ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كانت الدعوة إلى مجرد الإقرار بالتوحيد ، فلما فرضت الفرائض وحدّت الحدود نسخ ذلك ، والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة ، وإلى هذا القول ذهب الضحاك والزهري وسفيان الثوري وغيرهم . وقالت طائفـة أخرى : لا احتياج إلى ادعاء النسخ في ذلك ، فإن كل ما هو من أركان الدين وفرائض الإسلام هو من لوازم الإقرار بالشهادتين وتتماتـه ، فإذا أقر ثم امتنـع عن شيء من الفرائض جحدا أو تهاونا على تفصيل الخلاف فيه ، حكمنا عليه بالكفر وعدم دخول الجنة "
ويقول ابن القيم : " وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله وأن الله رب كل شيء ومليكه كما كان عباد الأصنام يقرون بذلك وهم مشركون . بل التوحيد يتضمن من محبة الله والخضوع له والذلة له وكمال الانقياد لطاعته وإخلاص العبادة له وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال والمنع والعطاء والحب والبغض ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها . ومن عرف هذا عرف قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : " إن الله حرّم على النـار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " وقوله : " لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله " وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس حتى ظنها بعضهم منسوخة ، وظنها بعضهم قيلت قبل ورود الأوامر والنواهي واستقرار الشرع ، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار ، وأوّل بعضهم الدخول بالخلود فقال : المعنى لا يدخلها خالدا ، ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة . والشارع – صلوات الله وسلامه عليه
– لم يجعل ذلك حاصلا لمجرد قول اللسان فقط ، فإن هذا خلاف المعلوم من دين الإسلام . فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم وهم تحت الجاحدين لها ، في الدرك الأسفل من النار .. فلا بد من قول القلب وقول اللسان . وقول القلب يتضمن من معرفتها والتصديق بها ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي والإثبات ، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله ، المختصة به ، التي يستحيل ثبوتها لغيره ، وقيام هذا المعنى بالقلب علما ومعرفة ويقينا وحالا ما يوجب تحريم قائلها على النار .. وتأمل قيام ما قام في قلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينتقل بصدره ويعالج سكرات الموت ، فهذا أمر آخر وإيمان آخر ، ولا جرم أنه ألحق بالقرية الصالحة وجعل بين أهلها … "
ونقول بعد ذلك : إنه لا حرج على فضل الله . فإن شاء – سبحانه وتعالى – أن يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من خير .. أو إن أخرج – بفضله – من النار قوما لم يفعلوا خيرا قط .. فهذا شأنه سبحانه ، وهذا فضله ، وتلك رحمته ..
ولكن يبقى بعد ذلك أمر ينبغي النظر فيه ..
فهذا المصير الذي يصير إليه فئة من الناس – بعد أن يذوقوا العذاب على معاصيهم وآثامهم ، وبعد أن يقضي الله في حق العباد ، فيدخل الجنة – بفضله – من يستحقها من العاملين بمقتضيات لا إله إلا الله ، وبعد أن يشفع الرسول – صلى الله عليه وسلم – لمن يشفع من عباد الله .. هذا المصير الذي يصير إليه هؤلاء ، فينجون – بفضل الله ورحمته – من الخلود في النار بعد أن يمكثوا فيها ما شاء الله لهم أن يمكثوا .. هل ينبغي أن يكون هو غاية السعي التي يسعى الإنسان إليها ، ويحدد جهده من أول لحظة على مقاسه ؟!
من كتاب مفاهيم ينبغي ان تصحح للشيخ محمد قطب
♪♫♪♪♫♪♪♫♪♪♫♪
█║▌│▌║║█│║▌║║▌│▌
شكرا موصول لمروركن كل من ليلى وخولة وفاطمة الزهراء نفعنا الله واياكن