تخطى إلى المحتوى

~~~ وقفة مع آبة ~~~ 2024.

  • بواسطة

فرَغ من صلاة العصر في جماعة كعادته في المسجد الذي يَبعُد عن البيت بحوالَي مائتَي متر، عاد مشغول البال بورْد القرآن اليوميِّ الذي يؤدِّيه في ذاك الوقت، تُنادي عليه أمه، وقبل أن يَنفرد بنفسه في غرفته الخاصة يُهروِل إليها مُسرعًا: نعم يا أمي.

الأم: ماذا تحب من طعام على مائدة الإفطار اليوم، فإني أعلم شغفك بالخضراوات؟

عبدالله: لا بأس يا أمي بعض "الفاصوليا" مِن يدك المباركة يكون للطعام مَذاقه المُمتِع.

يدخل غرفته، يُسعده كثيرًا الاسترخاء على ظهرِه مُتفكِّرًا قبل بدء القراءة، لعلَّ من قابله من الأصحاب في المسجد قبل الصلاة وبعدها وما دار بينهما من حوار في أمور الدين والدنيا يشغله قليلاً، يألَف كثيرًا هذا الاسترجاع، تمرُّ عليه المواقف كشريط إخباري، يَلتقِط من هواء الغرفة نسماتٍ عميقةً يعلن خروجها بعد ذلك عن استوائه جالسًا؛ استعدادًا لاستئناف نشاط جديد، إنه وِرْد اليوم.

• أين مصحفي؟!

بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ ﴾[الحجر: 1 – 4].

يظل سابحًا مع الآيات حتى يصل إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الحجر: 80].

بدأتْ حينها التساؤلات تنساب على وعْيه في موجات متتالية:

• ما هذا الحجر؟

• ومن أصحابه؟

• وماذا يعني قوله: ﴿ الْمُرْسَلِينَ ﴾؟ ولماذا لم يقل ربُّنا: نبيَّهم أو رسولهم؟!

هنا توقَّف الصوت الذي يُسمِع كلَّ مَن في البيت، حتى الأم في مكان طهْو الطعام ينطلق لسانها بالذِّكْر والاستغفار مع قراءته، أخوه الأصغر – الذي كان يُعدُّ طبق المهلبية الذي يعشقه – يتوقَّف ذاهبًا إلى غرفة أخيه: ما بالك يا عبدالله؟ هل نمْتَ؟ لا يا محمَّد؛ لكنِّي شردتُ قليلاً.

يعود من إجابة محمد إلى حالته التساؤليَّة تلك، سبحان الله! ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ﴾.

حتمًا أنا بحاجة إلى كتاب تفسير يُسعِف تساؤلاتي هذه: "الجلالَين" للسيوطي والمحلِّي، أين أنت؟

ها هو ذا، أصحاب الحجر، أصحاب الحجر، نعم: الحجر: وادٍ بين المدينة والشام، وهم ثمود، هكذا عثر، وهكذا استقرَّت عيناه في ذاك التفسير المختصر الذي يُطلَق عليه: تفسير الرُّبع.

يا إلهي، إني أعرف أن قوم ثمود قد أرسل الله إليهم نبيًّا هو صالح – عليه السلام – فلماذا إذًا قال ربُّنا: ﴿ الْمُرْسَلِينَ ﴾؟!

مَن يأتيني بالجواب؟

آه يا عقلي، لقد سمعت حديثًا لنبيِّنا – صلى الله عليه وسلم – نطَق به خطيب الجمعة على المنبر منذ ثلاثة أسابيع، وكان عنوان الخطبة: محمد خاتم الأنبياء:

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((نحن – معاشر الأنبياء – أبناء علاّت؛ أمهاتهم شتى، ودينهم واحد)).

عرَفتُ ساعتها أن أبناء العلات هم الإخوة لأب واحد والأمهاتُ مختلفة؛ أي: إنَّ جميع الأنبياء مُشترِكون في دعوة قومهم إلى التوحيد؛ فكلهم نصحوا قومهم بأن يقولوا: لا إله إلا الله، إيمانًا واعتقادًا وتخلُّصًا من كل شرْك وكُفرٍ، لكن لكل أمَّة شَريعتها الخاصة التي تُناسِبها، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].

أخذتْ كلُّ هذه الخواطر تتداعى إلى عقله في سكونه ووقوفه أمام هذه الآية، حينها أدرك مدى الأثر الذي تُلقيه على قارئها ومُستمِعها معًا هذه الآية: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

سبحان الله! فكأن ربَّنا يقول لنا: إن قوم صالح – وهم أصحاب الحجر – بتكذيبهم لنبيِّهم قد كذبوا كلَّ الأنبياء من أول آدم حتى خاتم الأنبياء محمد – صلى الله عليه وسلم – لأنهم جميعًا قد بُعثوا بالتوحيد الخالص لله – سبحانه وتعالى.

ما أجمل ما قرأتُ وعرفت!

• جرس الهاتف يدقُّ، مَن يا ترى؟

• يا ألله أستاذ عبدالرحمن معلِّم اللغة العربية في المرحلة الثانوية.

• أستاذي الجليل السلام عليكم ورحمة الله.

• كل عام أنت بخير.

هداه ربه إلى الحديث مع معلِّمه حول هذه الآية في سورة الحجر.

أستاذه يطوِّف به في حقل البلاغة العربية؛ ليأخذ من مبحث البيان فيها معنى جديدًا يُضاف إلى تفسير هذا النص القرآني.

إن الآية ها هنا تَندرِج تحت نوع من أنواع المجاز المُرسَل يُطلِق عليه البلاغيون: (المجاز المرسل ذو العلاقة الكلية)؛ أي: عندما نُطِلق الكل ونريد الجزء، ففي هذه الآية أطلق الكل ﴿ الْمُرْسَلِينَ ﴾، والمقصود الجزء (رسول الله صالح – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام).

يا رب، ما أجمل أن نقرأ ونتعلم! وصلى الله وسلم على القائل: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).

• نعم، ستأتي اللحظة المناسبة للحديث عن هذه الآية… أخَذ يُفكِّر.

وجدْتها، بعد انتهاء الإفطار؛ إنه وقت مثالي للكلام مع وجود أبي وأمي وأخي محمد وأخي الأكبر محمود الذي يأتي مِن عمَله قُبيل أذان المغرب مباشرة، ساعتها سأغيِّر مجرى الحديث بعيدًا عن المعتاد من الحوار؛ ليكون موضوع اليوم: وقفة مع آية.

• الله، ما أروع أن نترقى مع القرآن من درجة القراءة إلى درجة المعرفة والعلم، ثم بعد ذلك نَنقل ما تعلمنا إلى القريبين منّا!

هكذا قال عبدالله لنفسه هذه الكلمات وهو بصُحبة ورده القرآني اليومي.

ضع ردا وصلي فيه معي على الرسول صلى الله عليه وسلم

بارك الله فيك

شكراااااااااااااا

♪♫♪♪♫♪♪♫♪♪♫♪


الجيريا


█║▌│▌║║█│║▌║║▌│▌

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.