فكُنْ ممَّن يقتفي آثارَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بتطبيقها على نفسك، وابتغِ سبيلَ السلف الصالح من الصحابة فمَنْ بعدهم في جميع أبواب الدين، واتَّبِعْ سبيلَهم في التوحيد العِلْمِيِّ والطلبيِّ، وفي حقوق التوحيد ومُكمِّلاته من أمرٍ ونهيٍ وإلزامٍ وتركٍ، واتْرُكْ سُبُلَ الجدال والمِرَاءِ والخَوْضَ فيما يَجْلِبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن تعاليم الشرع ويُوقِعُ في محاذيره، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، وقال -أيضًا-: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
والْتَزِمْ خَشْيَةَ الله بسلوك طريق العلم النافع، وداومْ مراقبتَه سبحانه وتعالى في السِّرِّ والعَلَنِ، فإنَّ مَنْ أخلص القَصْدَ لله واستعان به أثمر عِلْمُهُ ثمرةً خاصَّةً به وهي علامةُ نفعه متجَلِّيةً في خشية الله تعالى، فإنَّ رأس الحكمة وأصلَ العلم مخافةُ الله تعالى، قال عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28]، ولْتَكُنْ عِمارةُ الظاهر والباطن مليئةً بخشية الله، فإنَّ من خشيته المسارعةَ إلى فِعْلِ الخيرات والمسابقةَ إليها، قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148؛ المائدة: 48]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 57-61].
ومن أعظم الخيرات المحافظةُ على شعائر الإسلام، وإظهارُ السُّنَّة ونشرُها بالعمل بها والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتعاونُ على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ والصبر، متحمِّلًا ذُلَّ التعلُّم لعِزَّة العلم، ذليلًا للحقِّ بثباتٍ وتثبُّتٍ في التلقِّي والطلب مع لزوم المَحَجَّة ودوامِ السكينة والوقار، وحسنِ السمت والهدي الصالح، فإنَّ من «ثبت نبت».
والْتَزِمِ الرِّفْقَ والصبرَ، فإنَّ «الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ»(1)، والرِّفْقُ في القول ممَّا تألفه النفوس العاصية، إذ الكلمة الطيِّبة تُثمر في النفوس الزكيَّة، والكلمةُ الجافية منفِّرةٌ، أمَّا الصبر فهو طريق الظفر بالمطلوب، إذ النصر مع الصبر وهو السلاح الفَعَّال لقهر العدوِّ الظاهر والخفيِّ، فإن استطاع قَهْرَ نفسِه وشيطانه وهواه، بأن يحبس نفسه على مرضاة الله وطاعته أشرق صدرُه بالحقِّ واستنار قلبُهُ به مصداقًا لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه مسلمٌ: «.. وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ.. »(2).
وخِتَامًا، كن على الحقِّ، وقُمْ بواجباتك بفعل الطاعات وترك المنهيَّات، ولا تُصْغِ لِمُثَبِّطِي العزائم، فقد يجعلون من الحبَّة قُـبَّةً، ويصيِّرون التمرة جمرةً، ويقلبون الشحمة فحمةً، ولا لمن يُخِيفُكَ بعواقب الأمور من ضعفاء الإيمان واليقين؛ لأنَّ ما قُدِّرَ لك لا بُدَّ أن يصيبك: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: 51]، وفي الحديث: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»(3).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.موقع الشيخ
بارك الله فيك و جزاك خيرا
يرفع للتذكير
و أحسن اليك