المقالة الثامنة :هل يمكن اعتبار القوة وسيلة مشروعة لنيل الحقوق ؟ الطريقة : جدلية
طرح المشكلة :إن العدالة مبدأ أخلاقي سامي ، سعتالمجتمعات قديمها وحديثها الى جعلها واقعا ملموسا بين افرداها ، ولا يمكن ان يحصلذلك الا اذا أُعطي كل ذي حق حقه ، والحق هو الشيئ الثابت الذي لا يجوز إنكارهطبيعيا كان او اجتماعيا او اخلاقيا . الا ان المفكرين والفلاسفة اختلفوا في الوسائلالتي تمكننا من نيل هذه الحقوق ، فاعتقد البعض منهم بأن القوة وسيلة مشروعةلتحقيقها ، فهل يمكن اعتبار القوة – حقيقة – آداة مشروعة لنيل الحقوق ؟ بمعنى : هليمكن تأسيس الحقوق على أساس القوة ؟
محاولة حل المشكلة :
1-أ- الاطروحة :لقد ذهب فريق من الفلاسفة الى اعتبار القوة آداة مشروعة لنيلالحقوق ، واساس سليما يمكن ان تقوم عليه هذه الحقوق ، ونجد من بين هؤلاء المفكرالايطالي " ميكيافيلي " الذي يرى أن : « الغاية تبرر الوسيلة » ، حتى وان كانتالوسيلة لا اخلاقية ، فإذا كان الانتصار ومن ثـمّ نيل الحقوق هو ضالة الحاكم وهدفه، فلابد من استعمال القوة اذا كان الامر يستدعي ذلك . اما الفيلسوف الانجليزي " توماس هوبز " فيرى ان القوي هو الذي يحدد الخير والشر . بينما الفيلسوف الهولندي " سبينوزا " يرى : « أن كل فرد يملك من الحق بمقدار ما يملك من القوة » كما أشادالفيلسوف الالماني " نيتشه " بإرادة القوة حلى حساب الضعفاء . ونجد – في الاخير –. الفيلسوف الالماني المادي " كارل ماركس " الذي يذهب الى ان الحقوق ماهي الا مظهرالقوة الطبقة المسيطرة اجتماعيا والمهيمنة اقتصاديا . وعليه فالقوة – حسب هؤلاء – آداة مشروعة بل وضرورية لنيل الحقوق .
1-ب- الحجة :وما يؤكدمشروعية القوة كوسيلة لاكتساب الحقوق هو تاريخ المجتمعات الانسانية نفسه ؛ إذ يثبتبأن كثيرا من الحقوق وجدت بفضل استخدام القوة ، فقيام النزاعات والثورات انتهت فيمعظمها بتأسيس الكثير من الحقوق ، التي صارت فيما بعد موضع اعتراف من طرف الجميع ،مثال ذلك أن الكثير من الشعوب المستعمرة استردت حريتها – كحق طبيعي – بفعل الثورةالمسلحة أي القوة العسكرية .
كما ان المجتمع الدوليحاليا يثبت بأن الدول التي تتمتع بحق النقض ( الفيتو) في مجلس الامن هي الدولالقوية اقتصاديا واجتماعيا .
1-جـ- النقد :لا ننكر انبعض الحقوق تـمّ نيلها عن طريق القوة ، لكن ذلك لا يدعونا الى التسليم أنها – أيالقوة – وسيلة مشروعة للحصول على جميع الحقوق ، لأن ذلك يؤدي الى انتشار قانونالغاب فيأكل بموجبه القوي الضعيف ، وبالتالي تفسد الحياة الاجتماعية وتهدر الكثيرمن الحقوق .
اضافة الى ذلك فالقوة امر نسبي أيمتغير ، فالقوي اليوم ضعيف غداً والعكس صحيح ، ولأجل ذلك فإن الحق الذي يتأسس علىالقوة يزول بزوالها .
2-أ– نقيض الاطروحة :خلافا للموقف السابق ،يذهب فريق من الفلاسفة الى الاعتقاد أن القوة لا يمكن ان تعتبر وسيلة سليمة ومشروعةلنيل الحقوق ، ولا ينبغي بأي حال من الاحول ان تكون اساسا للحقوق . و الذين يدافعونعن هذه الوجهة من النظر الفيلسوف الفرنسي " جان جاك روسو " الذي يقول : « إن القوةسلطة مادية ، ولا أرى بتاتا كيف تنجم الاخلاقية من نتائجها » ، فالقوة بهذا المعنىلا يمكن ان تصنع الحق ، ولعل هذه ما ذهب اليه الزعيم الهندي " غاندي " عندما بـيّـنأن استخدام القوة في سبيل نيل الحقوق ماهو سوى مجرد فلسفة مادية لا اخلاقية ، حيثيقول : « اننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصوم ، ولكن بمدار ما نقتل فينفوسنا الرغبة في القتل » . وعلى هذا الاساس فالقوة غير مشروعة في نيل الحقوق .
2-ب – الحجة :لأنه من التناقض الحصول على حقوق تمتازبأنها اخلاقية بوسائل لا اخلاقية " القوة " ، فالحقوق من القيم التي تتأسس علهاالعدالة ، وعليه فالعدل والحق من المبادئ الاخلاقية ومن ثـمّ لا يجوز تحقيقهمابوسائل لا اخلاقية ، لأن أخلاقية الغاية تفرض بالضرورة اخلاقية الوسيلة .
كما ان ثبات الكثير من الحقوق يستبعد تأسيسها علىالقوة او الاعتماد عليها في تحصيلها ، لأنها متغيرة ، وكل ما تأسس على متغير كانمتغيرا بالضرورة .
ثم ان تاريخ المجتمعات يوكد – منجهة أخرى – أن نسبة كبيرة من الحقوق التي يتمتع بها الافراد ، لم يعتمد على القوةفي نيلها وتحصيلها .
2- النقد :ولكن القول ان القوة ليست مشروعة في نيلالحقوق ، لا يمنع من كونها وسيلة مشروعة للدفاع عن هذه الحقوق ضد مغتصبيها ، اوللمطالبة بها ان اقتضت الضرورة .
3- التركيب :ان الحقوق – من حيث هي مكاسب مادية ومعنوية يتمتع بها الافراد يخولها لهم القانون وتفرضهاالاعراف – لا يمكن ارجاعا الى اساس واحد نظرا لتعدد اسسها ، فمنها ما يتأسس علىطبيعة الانسان ذاتها ، ومنها ما يتأسس على اساس اجتماعي من حيث ان المجتمع هو الذييمنحها لأفراده ، ومنها ما يتأسس على ايماننا الباطني بها واحترامنا لها .
حل المشكلة :وهكذا يتضح انه لا يمكن اعتبار القوةاساسا سليما