نصيحةٌ لمبتدئٍ في الاستقامة
السؤال:
مبتدئٌ في الاستقامة على الشرع ومحتاجٌ إلى توجيهٍ يمكنه أن ينتهج به في الحياة
فأرجو مِن شيخنا النصيحة، وشكرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فكُنْ ممَّن يقتفي آثارَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بتطبيقها على نفسك، وابتغِ سبيلَ السلف الصالح من الصحابة فمَنْ بعدهم في
جميع أبواب الدين، واتَّبِعْ سبيلَهم في التوحيد العِلْمِيِّ والطلبيِّ، وفي حقوق التوحيد ومُكمِّلاته من أمرٍ ونهيٍ وإلزامٍ وتركٍ
واتْرُكْ سُبُلَ الجدال والمِرَاءِ والخَوْضَ فيما يَجْلِبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن تعاليم الشرع ويُوقِعُ في محاذيره، قال تعالى:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١٥٣]
وقال -أيضًا-: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥].
والْتَزِمْ خَشْيَةَ الله بسلوك طريق العلم النافع، وداومْ مراقبتَه سبحانه وتعالى في السِّرِّ والعَلَنِ، فإنَّ مَنْ أخلص القَصْدَ لله واستعان به
أثمر عِلْمُهُ ثمرةً خاصَّةً به وهي علامةُ نفعه متجَلِّيةً في خشية الله تعالى، فإنَّ رأس الحكمة وأصلَ العلم مخافةُ الله تعالى، قال عزَّ
وجلَّ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: ٢٨]
ولْتَكُنْ عِمارةُ الظاهر والباطن مليئةً بخشية الله، فإنَّ من خشيته المسارعةَ إلى فِعْلِ الخيرات والمسابقةَ إليها، قال تعالى:
﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨؛ المائدة: ٤٨]
وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣]
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ.
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٧-٦١].
ومن أعظم الخيرات المحافظةُ على شعائر الإسلام، وإظهارُ السُّنَّة ونشرُها بالعمل بها والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة
والتعاونُ على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ والصبر، متحمِّلًا ذُلَّ التعلُّم لعِزَّة العلم، ذليلًا للحقِّ بثباتٍ وتثبُّتٍ في التلقِّي والطلب
مع لزوم المَحَجَّة ودوامِ السكينة والوقار، وحسنِ السمت والهدي الصالح، فإنَّ من «ثبت نبت».
والْتَزِمِ الرِّفْقَ والصبرَ، فإنَّ «الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ»(١)، والرِّفْقُ في القول ممَّا تألفه النفوس العاصية، إذ الكلمة الطيِّبة
تُثمر في النفوس الزكيَّة، والكلمةُ الجافية منفِّرةٌ، أمَّا الصبر فهو طريق الظفر بالمطلوب، إذ النصر مع الصبر وهو السلاح الفَعَّال لقهر
العدوِّ الظاهر والخفيِّ، فإن استطاع قَهْرَ نفسِه وشيطانه وهواه، بأن يحبس نفسه على مرضاة الله وطاعته أشرق صدرُه بالحقِّ
واستنار قلبُهُ به مصداقًا لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما رواه مسلمٌ: «.. وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ.. »(٢).
وخِتَامًا، كن على الحقِّ، وقُمْ بواجباتك بفعل الطاعات وترك المنهيَّات، ولا تُصْغِ لِمُثَبِّطِي العزائم، فقد يجعلون من الحبَّة
قُـبَّةً، ويصيِّرون التمرة جمرةً، ويقلبون الشحمة فحمةً، ولا لمن يُخِيفُكَ بعواقب الأمور من ضعفاء الإيمان واليقين؛ لأنَّ ما قُدِّرَ
لك لا بُدَّ أن يصيبك: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: ٥١]
وفي الحديث: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ
يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»(٣).
وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الشيخ ابي عبد المعز محمد علي فركوس الجزائري
حفظه الله
الجزائر في: ٦ ربيع الأول ١٤١٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٠ جوان ١٩٩٨م
(١) أخرجه مسلم في «البرِّ والصلة» (٢٥٩٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه مسلم في «الطهارة» (٢٢٣) من حديث أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي في «صفة القيامة» (٢٥١٦) من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد» (٤/ ٢٨٧)
والألباني في «صحيح الجامع» (٧٩٥٧).
نصيحة لملتزم في وسط عائلي منحرف
السـؤال:
فضيلة الشيخ لي مشاكلُ مع والدي، أريد أن أطبق كتاب الله وسُنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولكن أهلي منعوني من ذلك
ولا أدري ما العمل، فما هي نصيحتكم لي؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالالتزامُ بشعائر الإسلام والتمسُّكُ بأخلاقِه والاعتصامُ بالكتابِ والسُّنَّة يقتضي وجوبًا الصبر واحتمال الأَذَى في ذات الله ذلك الأذى
الذي يواجهه من أقرب الناس إليه نسبًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠]
لذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما يلاقيه من أبناء عشيرته من أنواع الظلم والتعدِّي وكان صبورًا حليمًا يواجه
المصائب بحكمة ويتبرَّأ من أعمالهم ويسأل الله هدايتهم
قال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾
[الشعراء: ٢١٤-٢١٥-٢١٦]
ومن خلال مكابدته لأنواع الظلم كتب الله له الفوز والنصر بسببه وقد جاء ذلك مصداقًا لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم:
«اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا»(١).
ثمّ إنّ مصاحبتَكَ للوالدين مأمور بها شرعًا ولو كانَا مشركين، لكن طاعتهما إنّما تكون في المعروف لا في المعصية لقوله تعالى:
﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]
ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٢)، وإذا أمرك والدُك بما يزيل الهدي الظاهري من لحية وقميص
وغير ذلك ويتوعَّد بإخراجك من البيت فالواجب أن لا تخرج وأن تبقى وتصبر على ذلك الهدي ولو أوجعك ضربًا لِمَا هو معهودٌ
في السيرة النبوية مع أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مع ما كانوا يلاقونه من التعذيب لكنّهم صبروا على ذلك، والعجب
لا ينقطع في امرأة من جملة عموم النسوة في عائلة محافظة -زعموا- تأبى إلاَّ أن تخرج بغير ضوابطَ شرعيةٍ وتصبر على الأذى
الذي يصيبها من قبل الوالدين في سبيل الشيطان، وتبقى مُصرَّةً على ذلك حتى يلين قلب الوالدين ويصبح المنكر معروفًا في حقِّها
فلا يقع عليها لومٌ ولا عِتَابٌ ولا عقاب في خروجها ودخولها في عملها وتبرّجها وفي كافّة أعمالها بل يصبح والدها مطيعًا لها
وإذا كان الأمر كذلك أفما يحقُّ لِمُلْتَزِمٍ أن يجاهد في سبيل الله ويصيِّر المنكر معروفًا ولا ينال نصيبه من جهاده؟!
هذا وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]
فإذا كان الجواب على الإثبات فما عليك إلاّ أن تبذل ما يسعك من أجل الفوز والنصر الذي وعد به المُتَّقون، فالنصر مع الصبر
فهو بضاعة الصديقين وشعار الصالحين قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ
إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(٣).
فعليك أن تتحمَّل وتَحْتَسِبَ ولا تشكو ولا تتسخَّط، ولا تدفع السيئةَ بالسيئة، وإنّما ادفع السيئةَ بالحسنة
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه
وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
(٢) أخرجه البخاري في «الأحكام»، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية: (٦٧٢٧)، ومسلم في «الإمارة»، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية:(٤٧٦٥)، وأبو داود في «الجهاد»، باب في الطاعة: (٢٦٢٥)، والنسائي في «البيعة»، باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع: (٤٢٠٥)، وأحمد في «مسنده»: (٦٢٣)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) أخرجه مسلم في «الرقاق»: (٧٦٩٢)، وأحمد: (١٩٤٤٨)، من حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه.
الشيخ ابي عبد المعز محمد علي فركوس الجزائري
حفظه الله
بارك الله فيك يا اخ و جعلها الله لك في ميزان جسناتك
اعز الله شيحنا
و هدانا جميعا الى ما يحب ويرضى
بارك الله فيك و ربي يثبت كل مؤمن ومؤمنة على طاعته
و هدانا جميعا الى ما يحب ويرضى
اللهم ثبتنا على دينك
جزاك الله خيرا
وجزاك الرحمان خيرا
وشكر مسعاك
وتقبل المولى منك
بارك الله فيك واحسن جزاءك و جعلها في ميران حسناتك