تخطى إلى المحتوى

لا للتعصّب نعم للتعايش. 2024.


جلباب ”أم سعد” يغطي على أحلام ”سمية” الجزائرية

”أم سعد”، أستاذة لغة فرنسية في إحدى الإكماليات بإحدى مدن الجنوب• ترتدي جلبابا ونقابا، ولديها هاتف نقال، على شاشته صورة مكة المكرمة• يطلق نغمات بين الحين والآخر لصوت رجولي يقول: ”هاتفك بيرنْ يا ولد العم” أو شيئا من هذا القبيل.
”أم سعد”، بمجرد تخرجها في الجامعة سنة ,2017 أكملت نصف دينها مع شاب كانت قد واتتها الفرصة للتعرف عليه، فهو متدين كريم وعلى خلق• لقد حصل الوفاق بينهما فتزوجا بسرعة بعد أشهر قليلة من تخرجها.
حجّت ”أم سعد” إلى البقاع المقدسة مع زوجها وحصلت بعد ذلك على وظيفة أستاذة لغة فرنسية، وهكذا فإن حياتها تبدو هانئة مستقرة.
سمية تلميذة ”أم سعد”، بالسنة الرابعة متوسط، لديها ثلاثة إخوة وتتمنى أن تكون لها أخت ذات يوم.
أمها تشتغل بصيدلية، وفي أوقات الفراغ تقوم بنشاطات أخرى، أهمها عضويتها بجمعية تهتم بما يسمى ”محو الأمية” في وسط النساء بقريتها.
والد سمية فنان تشكيلي يقضي ساعات طويلة في مرسمه مع لوحات فنية رائعة عن الثقافة المحلية وحياة الفلاحين وسكان الأرياف•• وهو في الفترة الأخيرة ينفذ مشروعا كبيرا، دون مساعدة من أحد.. إنه يجمع مئات الصور لوجوه نساء جزائريات ويتأملهن ليكشف النقاط الجمالية المشتركة بين ملامحهن، ونقاط الاختلاف حسب الجهات والمناطق.
يقول والد سمية دائما: ”سأرسم كل وجوه النساء الجزائريات في سلسلة لوحات وأحتفي بجمالهن”، ثم يضيف: ”عندما أنهي مشروعي هذا سأرسم لوحة كبيرة وأسميها ”المرأة الجزائرية”.
سمية تعلمت من والدتها حكمة مؤثرة مفادها، ”أن الجزائر ليست لكل الجزائريين بل هي لكل من يُثبت أنه جزائري”، وتعلمت من والدها حب الألوان والناس البسطاء والمناظر الطبيعية وتلك الأشياء الجميلة المعرضة دائما للنسيان.
قبل شهر طلبت الأستاذة ”أم سعد” من تلاميذها ـ وكانت من بينهم سميةـ إعداد بحث عن شخصية مهمة؛ أدبية كانت أو ثقافية أو فنية•• وذلك باستعمال الإنترنت.
إعتبرت سمية أن سحب البحوث جاهزة ـ من محلات الكومبيوتر ـ عادة سيئة فيها الكثير من الإتكال والغش والتحايل المبرمج•. لهذا قررت أن تكتب عن أعمال والدها الفنية فانضمت إلى فريق من زميلاتها وزملائها يتكون من خمسة عناصر ممن حبذوا الفكرة، ثم شرعوا في التنفيذ..
بعد أسبوع من العمل الجاد نجحت مجموعة سمية في إنجاز بحث جيد تناولت فيه فكرة الفن ودوره في إحياء العادات والتقاليد والحفاظ على الشخصية المحلية•. ولما سلمت مجموعة سمية البحث مرفقا بصور لنساء جزائريات إلى المعلمة ”أم سعد” فوجئت المجموعة المجتهدة بتذمرها واحتجاجها عليهم بحجة أن الصور تعرض نماذج لنساء ترتدين ”الحايك” وأخريات بلباس مطرز، به أشكال هندسية متعددة، وفتيات يؤدين رقصات شعبية•• وهذا ما لم يرق أستاذة اللغة الفرنسية ”أم سعد” التي بادرت بتوبيخ سمية موجهة لها كلاما قاسيا أنهته بهذه العبارة: ”أخبري والدك ألا يرسم النساء، وإذا كان لا بد له من رسمهن فعليه أن يلفهن بلباس شرعي، كهذا الذي أرتديه أنا••”•• وأشارت أم سعد إلى جلبابها ونقابها الأسودين.

بقلم: علي مغازي – شاعر وكاتب

بدون تعليق……………..

الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.