كان العرب يتكلّمون بلسانهم على قريحتهم، ولّما أن نــــزل القرآن الحكيم، ووردت السنة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه اللغة المباركة، أخذ المسلمون يتوسعون في استقصاء قواعدها، وضبط كل كبيرة وصغيرة، وكلّية وجزئية ترتبط بهذه اللغة.
ولذلك نرى هذه اللغة دون سواها من لغات العالم في ازدهار مستمر، وتوسّع وتفوّق.
وقد وضع علم الصرف، للعلم بأحوال الابنية وتصريف الكلمة.
ووضع علم النحو، للعلم بأحوال الإعراب والبناء.
ووضع علم اللغة، للعلم بمعاني الكلمات والألفاظ.
ووضع علم العروض، للعلم بالأوزان ونظم الشعر.
ووضع علم التجويد، للعلم بكيفية الأداء والتحسين.
ووضع علم البلاغة ـ وهو المقصود في هذا الكتاب ـ للعلم بالتركيب الواقع في الكلام.
وقد قسموا هذا العلم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ (علم المعاني) وهو العلم بما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى الذي يريده المتكلم كي يفهمه السامع بلا خلل وانحراف.
2 ـ (علم البيان) وهو العلم بما يحترز به عن التعقيد المعنوي، كي لا يكون الكلام غير واضح الدلالة على المعنى المراد.
3 ـ (علم البديع) وهو العلم بجهات تحسين الكلام.
فـ(المعاني) و(البيان) وضعا لمعرفة التحسين الذاتي، و(البديع) وضع لمعرفة التحسين العرضي.
(الفصاحة) في اللغة: بمعنى البيان والظهور، قالى تعالى: (وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً)
وفي الإصلاح: عبارة عن الالفاظ الظاهرة المعنى، المألوفة الإستعمال عند العرب.
وهي تكون وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح.
فصاحة الكلمة هي: خلوص الكلمة من الأمور التالية:
1 ـ من تنافر الحروف، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة على السمع، صعبة على اللسان، فنحو (هعخع): اسم بنت ترعاه الإبل، متنافر الحروف.
2 ـ ومن غرابة الاستعمال، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب، حتى لا يفهم المراد منها، لاشتراك اللفظ، أو للإحتياج الى مراجعة القواميس، فنحو (مسرّج) و) تكأكأتم) غريب.
قال الشاعر:
وقال عيسى بن عمروا النحوي ـحين وقع من حماره واجتمع عليه الناس ـ (ما لكم تكأكأتم عليّ، كتكأكئكم على ذي جنة، إنفرقعوا عنّي).
3 ـ ومن مخالفة القياس: بأن تكون الكلمة شاذة، على خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب، فنحو (الاجلل) مخالف للقياس، والقياس (الأجل) بالإدغام.
قال أبو النجم:
4 ـ ومن الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة وحشية، تمجّها الأسماع، كما تمجّ الأصوات المنكرة، نحو) الجرشى) بمعنى: النفس.
قال المتنبي:
والحاصل:
انه إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة، كانت غير فصيحة، فاللازم على الفصيح اجتناب هذه الأمور.
فصاحة الكلام هي: خلوص الكلام من الأمور التالية:
1- من عدم فصاحة بعض كلماته، فإذا اشتمل كلام على كلمة غير فصيحة ـ كما تقدّم ـ سقط الكلام عن الفصاحة.
2- ومن تنافر الكلمات المجتمعة، بأن يكون بين كلماته تنافراً، فتثقل على السمع، وتَعسر على النطق، نحو هذين البيتين:
وقال أبو تمّمام:
3- ومن ضعف التأليف: بأن يكون الكلام جارياً على خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب، كوصل ضميرين وتقديم غير الاعرف نحو: (اعاضهاك) في قول المتنّبي:
4- ومن التعقيد اللفظي، بأن تكون الكلمات مرتّبة على خلاف ترتيب المعاني.
قال المتنبي:
والأصل: جفخت بهم شيمٌ دلائل على الحسب الاغرّ وهم لا يجفخون بها.
5 ـ ومن التعقيد المعنوي: بأن يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب ايراد اللوازم البعيدة، المحتاجة الى إعمال الذهن، حتى يفهم المقصود.
قال عباس بن الاحنف:
أردا بجمود العين: الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء، وهذا خلاف المعنى المتفاهم.
6- ومن كثرة التكرار، بأن يكرر اللفظ الواحد، فيأتي به مرتين أو أزيد.
قال الشاعر:
7- ومن تتابع الاضافات، بأن تتداخل الإضافات.
قال ابن بابك:
والحاصل:
انه إذا كان في الكلام أحد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح.
فصاحة المتكّلم عبارة: عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود، بكلام فصيح، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً، كل ذلك وللذوق مدخل عظيم.
(البلاغة) في اللغة: بمعنى الوصول والانتهاء، قال تعالى: (ولّما بلغ اشدَّه) أي وصل.
وفي الاصطلاح:
1 ـ أن يكون مطابقاً لمقتضى الحال، بأن يكون على طبق مستلزمات المقام، وحالات المخاطب، مثلاً لمقام الهول كلام، ولمقام الجد كلام، ومع السوقة كلام. ومع كلام الملوك كلام.. وهكذا.
2 ـ وان يكون فصيحاً ـ على ما تقدم ـ..
والبلاغة تقع وصفاً للكلام وللمتكلم، فيقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ، ولا يقال: كلمة بليغة.
(بلاغة الكلام) عبارة عن: أن يكون الكلام مطابقاً لما يقتضيه حال الخطاب، مع فصاحة الفاظ مفرداته ومركباته، فلو تكلم في حال الفرح مثل ما يتكلم في حال الحزن، أو العكس، أو تكلم في حال الفرح بكلام يتكلم به في هذه الحال لكن كانت الالفاظ غير فصيحة، لا يسمى الكلام بليغاً.
ثم إن الامر المقتضى للأتيان بالكلام على كيفية مّا، يسمى:
1 ـ (مقاماً) باعتبار حلول الكلام فيه.
2 ـ (حالاً) باعتبار حالة المخاطب أو المتكلم أو نحوهما.
والقاء الكلام على هذه الصورة التي اقتضاها الحال يسمى (مقتضى) فقولهم: (مقتضى الحال) أو (مقتضى المقام) بمعنى الكيفية التي اقتضاها الحال أو المقام.
مثلاً: يقال عند كون الفاعل نكرة، حين يتطلب المقام التنكير: هذا الكلام مطابق لمقتضى الحال.
إذاً: فالحال والمقام شيء واحد، وانما الاختلاف بالاعتبار.
(بلاغة المتكلم) عبارة عن: ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ، بحيث يكون مطابقاً لمقتضى الحال، فصيحاً.
وقد عرّف (ابن المعتز) الكلام البليغ بكلام بليغ، فقال: (ابلغ الكلام: ما حسن ايجاده، وقلّ مجازه، وكثر اعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه).
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــع………….
بقيت اجزاء اخرى فانتظرونا
شكراااااااا جزيلا على ما قدمت وبارك الله فيك
الســلام عليكم
بوركتم على الموضوع المميز