تخطى إلى المحتوى

علاج الإسلام للقلق 2024.

  • بواسطة

علاج الإسلام للقلق

إذا كان الإسلام قد طمأن الإنسانَ على عمرِه، وطمأنه على رِزقه، ووطَّن
نفسَه على تحمُّل المصائب والمحن، إلاَّ أنَّه لم يكتفِ بذلك، فإنَّه إذا اعتبر
الطمأنينةَ على الرِّزق أو العمر، أو التوطين ضدَّ المصائب – علاجاتٍ جزئية، إلاَّ
أنَّه أراد وقَصَد إلى وضْع العلاج الكامل الشامل، وهو الوقاية بادئَ ذي بدءٍ ضدَّ
كلِّ أنواع المخاوف، وما يترتَّب عليها من قلق، فكان الإيمانُ الذي يسبق كلَّ هذه
الأمور، عندما وطَّد العقيدةَ لدَى المؤمن ورسَّخها بأنَّ كلَّ أمْر الإنسان بخيره
وشرِّه يرجع إلى الله وحدَه؛ عن ابن عبَّاس – رضي الله عنه – قال: كنتُ خلفَ النبي
r يومًا فقال لي: «يا غلامُ، إنِّي أُعلِّمك كلمات:
احفظِ الله يحفظْك، احفظِ الله تجدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا
استعنتَ فاستعن بالله، واعلمْ أنَّ الأمَّة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء لم
ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبَه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يَضرُّوك بشيء لم يضروك
إلاَّ بشيء قد كتَبَه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف»[1]،
وبذلك تستقرُّ النفوس، ويصبح أهلُ الإيمان أكثرَ الناس رضًا وسعادة في الحياة
الدنيا، بما اتخذوا لأنفسهم من طريق الإيمان والتقوى والورع؛ ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: 62 – 64].

وتُصبِح حياةُ المؤمن تبعًا لذلك الإيمان المستقرِّ والسلوك السَّوي خيرًا
كلُّها في السرَّاء، وفي الضرَّاء؛ قال رسولُ الله r: «عجبًا لأمْر المؤمن! إنَّ
أمْرَه كلَّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاءُ شَكَر،
فكان خيرًا له، وإنْ أصابته ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيرًا له»؛ رواه مسلم.

ما
يساعد على ذَهاب القلق:

ولكنَّ الإسلام دينٌ واقعيٌّ يَعْلم النفس البشرية تمامَ العِلم، ويعلم ما
يكتنفها من ضعْف، وما يَعتريها من وهن، فهو رغمَ ما قدَّم لها من إيمان راسخ، ومن
عقيدة ثابتة، يُقرِّر أنَّ هذه النفس أحيانًا تتغلَّب عليها المخاوفُ في لحظة ضعْف
إيماني؛ ولذا يدلُّ الإنسانَ على كثير من الطُّرق العمليَّة لعلاج هذا الضعف
والمقاومة والخوف والقلق، فما هي هذه الوسائل؟

أوَّل
وسيلة يدلُّ الإنسان عليها: الصلاة:

فالصلاة صِلةٌ بين العبد وربِّه، أرأيتَ لو أنَّ إنسانًا تعرَّض لمصيبةٍ ما،
أمَا تراه يهرب ويفزع إلى مَن هو أقوى منه؛ ليحميَه وليحتميَ في جنابه، ويلوذَ
برحابه؟! وكذلك المؤمن كان حريًّا به أن يلوذ بحِمَى الله، وأن يلجأَ إلى الله،
ليس هناك أفضلُ من الصلاة تقرِّبه إلى الله – سبحانه -: «أقرب ما يكون العبدُ
من ربِّه وهو ساجد، فأكْثِروا الدُّعاء»[2]،
فيفزع المسلِم إلى الصلاة ليستعينَ بها على المصائب والنكبات؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 154] ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45].

وقُدوةُ المسلمين في ذلك رسولُ الله r الذي كان يَفْزع إلى الصلاة كلَّما
حزَبَه أمْر؛ قال حذيفة – رضي
الله عنه -: "كان رسولُ الله r إذا حَزَبه أمْرٌ صلَّى"[3]،
وكثيرًا ما كان يقول لبلال: ((أقِمِ الصلاة، أرِحْنا بها))[4].

والصلاة دواء ناجع لهذا المرض
الخطير، والمحافظون عليها تراهم دائمًا في ثِقة من سلوكهم ومِن حياتهم، وعلى ثِقة
بربِّهم، فلا يتزعزع لديهم إيمان، ولا تهتزُّ عندهم القِيم، كما يحدث عندَ بقية
بني البَشر؛ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا
الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج: 19، 25]، فالمسلِم في صلاته
دائمًا يطلب العَوْنَ والهداية والسَّدادَ من الله، فيعطيه الله هذه المطالِب؛ ففي
الحديث: «قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفَين، فإذا قال: ﴿الْحَمْدُ
لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال الله: حمَِدَني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ﴾ قال: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال: مجَّدني عبدي، وإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ﴾ قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل»[5]،
وهكذا ترَى الصلاة دواءً ناجعًا لهذا المرض الخطير.

والدواء
الثاني: قراءة القرآن:

فالإنسانُ عندما يقرأ القرآن، ويشعر أنَّه في رِحاب الله، ومع كلام الله،
يزداد اطمئنانًا وثِقة، كما أنَّ القرآن فيه من الأمثال والعِبر، ومِن قَصص الأمم
السابقة، وما مرَّت به من مصائبَ وآلام، ما يُطمئن الإنسانَ على أنَّه ليس الوحيدَ
في هذا العالَم الذي يُبتلَى بذلك، ويعطيه الثقة بفَرَج الله، كما أنَّ القرآن
شفاءٌ من الله ورحمة للذين يقرؤونه، ويُحلُّون حلالَه، ويُحرِّمونه حرامه؛ ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ
مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا
خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82] ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا
هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: 44].

والعلاج
الثالث لمرض القلق: هو تذكُّر الموت:

فإذا تكاثرتِ الهمومُ على الإنسان، وسُدَّت أمامَه سُبلُ الحياة السعيدة،
تذكَّر الموت، عندها تهون عليه الدنيا ومَن فيها أمامَ هذه الحقيقة الكبرى، وينظر
للدنيا على أنَّها شيء تافِه أمامَ عظمة الله وقدرته، وأنَّ الدنيا مرحلةٌ لا بدَّ
أن يَعقُبَها الموت، هذه هي النهاية الحتمية اللاَّزمة؛ عن أنس – رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله r مرَّ بمجلس وهم يضحكون، فقال: «أكثروا مِن ذِكْر
هاذم اللذَّات – أحسبه قال -: فإنَّه ما ذَكَرَه أحدٌ في ضِيق من العيش إلاَّ
وسَّعه، ولا في سَعة إلاَّ ضيَّقها»؛ رواه البزار بإسناد حسن.

والدواء
الرابع: الدعاء:

لأنَّ الدعاءَ فيه التنفيسُ عن القلْب، والتفريج عن الصَّدر، وتخفيف ما
يجده الإنسان من همٍّ وغمّ؛ لأنَّه يربطه بخالقٍ أقوى وأقدر، وقوَّة أعظمَ وأحْكم،
دخل رسول الله r المسجد ذات يوم، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له:
أبو أُمَامة، فقال: ((يا أبا أُمامةَ، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت
صلاة؟ قال: همومٌ لزمتني، وديونٌ يا رسول الله، قال: أفلا أُعلِّمك كلامًا إذا
قلتَه أذهبَ الله همَّك، وقضَى عنك دَيْنك؟ قلت: بلى يا رسولَ الله، قال: «قل
إذا أصبحتَ وإذا أمسيت: اللهمَّ إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من
العَجْز والكسل، وأعوذ بك من الجُبن والبُخل، وأعوذ بك من غَلبة الدَّيْن وقَهْر
الرِّجال»، قال: ففعلت ذلك، فأذهَبَ الله همِّي، وقضَى عني دَيْني"؛
أخرجه أبو داود، قال الشوكانيُّ، ولا مطعنَ في إسناده.

وهناك دعاءُ نبيِّ الله يونس – عليه السلام – الذي ما دعا به مغمومٌ مؤمن
بالله، ومخلصًا له الدِّين، مخلصًا له الدُّعاء، إلاَّ فرَّج الله غمَّه، وأذهب
حزنَه، كما قال رسولُ الله r «فإنَّه لم يدعُ به مسلِم ربَّه في شيءٍ قطُّ، إلاَّ استجاب له»[6]، ودعوة يونس كما وردتْ في سورة الأنبياء: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ
مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87 – 88]، وهذه الدَّعْوة باقيةٌ إلى يوم القيامة لكلِّ مسلِم مؤمن يدعو الله بها؛
لقوله – تعالى -: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾؛ فعن سعيد بن المسيب قال: سمعتُ سعدَ بن أبي وقَّاص يقول: سمعتُ رسولَ
الله r يقول: «اسم الله الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا
سُئِل به أعطى: دعوةُ يونس بن متَّى»، قال: قلت: يا رسولَ الله: هي ليونس خاصَّة،
أم لجماعة المسلمين؟ قال: ((هي ليونسَ ابنِ متَّى خاصَّة، ولجماعة المؤمنين عامَّة
إذا دعَوْا بها، ألَمْ تسمعْ قولَ الله – عز وجل -: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ
أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، فهو شَرْط من الله لِمَن دعاه به[7].

والعلاج
الخامس: العمل:

فالإسلام يَكره لأتباعِه الكسلَ والتواني، ويَكرَه لهم أن يظلُّوا في دائرة
التفكير المضنِي في الهموم، وما يترتَّب على هذا من افتراضات واحتمالات وتوقُّعات،
ممَّا يَزيد في تعقيد الأمر، وفي بلبلة الفِكْر، ولكنَّه يأمر أتباعه برفِق أن
ينتقلوا إذا ما انتهوا من التفكير، إلى العمل المثمِر النافع، وبذلك يتخلَّصون من
دواعي القلق، وهذا ما كان واضحًا في دعاء الرسول r: ((وأعوذ بك من العجز والكسل))،
بعدَ أن دعا: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن))، فالهمُّ والحزن (مجاله
التفكير)، والعجز والكسل (مجاله العمل)، والعمل يتبع التفكير، فواجبٌ أن ينتقل
المسلِم إلى العمل، وبهذا يتخلَّص من همومه؛ لأنَّ العمل يصرِفُه عن التفكير
المضني، ويدفعه إلى الإنتاج، ويُخفِّف عنه آلامَه، ويسدُّ حاجتَه، وهكذا عالَجَ
الإسلامُ القلق، وفتَح لأتباعه طرقَ الخير والتفتح على الحياة للعمل بثِقة
واطمئنان؛ لأداء الرِّسالة المناطة بهم، فالحمدُ لله الذي أكمل لنا دِيننا، وأتمَّ
علينا نعمتَه، ورضِيَ لنا الإسلام دينًا[8].

حيدر
عبد الفتاح قفه، عن مجلة المجتمع 20/ 5/
1397 هـ.

[1] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

[2] رواه مسلم.

[3] رواه أحمد وأبو داود عن حذيفة بن اليمان.

[4] رواه أبو داود عن سالم بن أبي الجعد.

[5] رواه مسلم.

[6] رواه أحمد
والترمذي والنسائي.

[7] أخرجه ابن جرير عن سعد بن أبي وقَّاص مرفوعًا، ورواه ابن
أبي حاتم بمثله.

[8] ويُقرأ لعلاج القلق أيضًا رسالة: "الوسائل
المفيدة للحياة السعيدة"؛ للشيخ
عبدالرحمن السعدي، وأسباب شرح الصدر لابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 23-28)
بتحقيق الأرناؤوط.

شكرا جزيلا على المجهود

بارك الله فيك
جعله الله في ميزان حسناتك ياأخـــــــــــــي

الحمد لله………………………

بارك الله فيك

الجيريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.