الواجب على المسلم أن يتستر بستر الله، وأن لا يجاهر بالمعصية بل إذا فعلها يتستر بستر الله وليتب إلى الله، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، جعلهم من غير أهل العافية، كل أمتي معافى إلا المجاهرين. وإن من المجاهرة أن يفعل العبد المعصية في الليل ثم يصبح وقد ستره الله فيفضح نفسه ويقول: فعلت كذا وكذا، فالواجب على المسلم التستر بستر الله وعدم إظهار المعاصي، والتوبة إلى الله فإن المعصية إذا خفيت ما تضر إلا صاحبها، فإذا ظهرت ولم تنكر ضرت العامة، فالواجب على من عصى أن يتقي الله وأن يسر بمعصيته، وأن يتوب إلى الله منها ويجاهد نفسه، وأن لا يتجاهر المعاصي فإن المجاهرة فيها شر عظيم، تجرئة لغيره على المعاصي ليتأسوا به، وعدم مبالاة بالمعصية، وقلة حياء، فإذا فعلها خفيةً كان أقرب إلى أن يتوب فيتوب الله عليه، وليس هذا من النفاق، النفاق كونه يسر الكفر ويظهر الدين، هذا النفاق، نسأل الله العافية.
خطبة التحميل
خطبة عقوبة المجاهرة بالمعاصي
للشيخ محمد بن عبد الله الإمام
بارك الله فيك على ما قدمت
الستر ولا يجب التغني بالفضائل والتستر بالفضائح
ومن ذلك القبيل هذه الآية الكريمة ، فإنها تضمنت واحدة من حكم التذكير وهي رجاء انتفاع المذكر به ، لأنه تعالى قال هنا : وذكر ، ورتب عليه قوله : فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
ومن حكم ذلك أيضا خروج المذكر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد جمع الله هاتين الحكمتين في قوله : قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ 7 134 ] .
ومن حكم ذلك أيضا النيابة عن الرسل في إقامة حجة الله على خلقه في أرضه ؛ لأن الله تعالى يقول : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ 4 165 ] .
[ ص: 444 ] وقد بين هذه الحجة في آخر " طه " في قوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك [ 20 134 ] .
وأشار لها في القصص في قوله : ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين [ 28 47 ] .
وقد قدمنا هذه الحكم في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [ 5 105 ] .
من علامات السعادة والفلاح: أنَّ العبد كُلَّما زيدَ في عِلْمِه زِيْدَ في تواضعهِ ورَحْمَتِهِ، وكُلَّما زِيدَ في عملهِ زِيدَ في خَوْفِهِ وحذَرِهِ، وكُلَّما زِيدَ في عمرهِ نَقَصَ مِنْ حِرْصِهِ، وكُلَّما زِيدَ في مالهِ زِيْدَ في سَخَائِهِ وبذلهِ، وكُلَّما زيدَ في قَدْرِهِ وَجَاهِهِ زيدَ في قُرْبِهِ مِنَ النَّاسِ وقضاءِ حوائجهم والتَّواضع لهم.
وعلامات الشَّقاوة: أنَّه كُلَّما زيدَ في عِلْمِهِ زيدَ في كِبْرِهِ وتِيْهِهِ، وكُلَّما زيدَ في عَمَلِهِ زيدَ في فَخْرِهِ واحتقارِهِ للنَّاسِ وحسن ظنِّه بنفسهِ، وكُلَّما زيدَ في عُمرهِ زيدَ في حرصهِ، وكُلَّما زيدَ في مالهِ زيدَ في بُخْلِهِ وإمْسَاكهِ، وكُلَّما زيدَ في قَدْرِهِ وجَاهِهِ زيدَ في كِبْرِه وتِيْهِهِ، وهذه الأمورُ ابتلاءٌ مِنَ الله وامتحانٌ يبْتلي بها عبَادهُ فيَسْعدُ بها أقوامٌ ويَشْقَى بها أقوامٌ”.