عمر الحاج مسعود
أنبه في هذا البحث على عبارات يستعملها الكثير من المسلمين في شهر رمضان المبارك ـ وبخاصة في بلدنا الجزائر ـ، وتجري على ألسنتهم، بعضها مخالف للعبارة الشرعية، وفي بعضها سوء أدب، وصار بعضها الآخر ألفاظا مفروضة وعادات لازمة، كما سيتبين إن شاء الله تعالى.
– سِيدْنَا رَمْضَان:
يريد الناس تعظيم هذا الشهر المبارك والتنويه به فيقولون: جاء سيدنا رمضان، والحق أن رمضان ليس سيدنا، وإنما هو أفضل الشهور.
إن السيد على الإطلاق هو الله عز وجل، فهو الأحق بهذا الاسم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»([1]).
ويجوز إطلاقه على غيره عز وجل مقيدا مضافا، وعلى من هو أهل لذلك ودون قصد التعبد، وسيد كل شيء من جنسه([2]).
ويكون حينئذ بمعنى أفضل الشيء وأحسنه وأشرفه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيرِكُمْ»([3])، وقال: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ…»([4]) الحديث.
ورمضان سيد الشهور لفضائله المشهورة وخصائصه المعلومة.
قال ابن القيم ـ وهو يتكلم على تفضيل بعض الأيام والشهور على بعض ـ: «ومن ذلك تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور…»([5]).
ولابد من التنبيه إلى أنَّ تسميته سيد الشُّهور لم يثبت فيه دليل، وإنما سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا مباركًا، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه: «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ…»([6]) الحديث.
– صَحَّ رَمْضَاَنك، صَحَّ صِيَامَك:
اشتهرت هذه العبارات في شهر رمضان: «صحَّ رمضانك، وصحَّ صيامك، وصحَّ فطورك، وصحَّ سْحُورك حتى صارت شعارا للصائمين، ولعل مقصودهم: بالصحة والعافية.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنها غير مشروعة، وذلك من جهتين:
الأولى: كون الصيام عبادة، والعبادة لا يجوز أن يضاف إليها إلا ما ثبت بالدليل، ولا يثبت هنا شيء خاص يقوله المسلم لأخيه ولو وجد لنقل إلينا مع شدَّة الحاجة إليه وعموم البلوى به ولم يثبت عن أحد من الصحابة ولا السلف مع شدة حرصهم على العلم والعمل، فالعمل به يكون اتباعا لغير سبيلهم واهتداء بغير هديهم.
قال الشاطبي عن الأولين السابقين: «فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنة، والأمر المعتبر وهو الهدى»([7]).
فالمسألة تدخل في السُّنَّة التَّركية، ونظيرها قول بعض المصلين لبعض بعد الانتهاء من الصلاة: «الله يْقبل ».
فتلك العبارات أضيفت إلى عبادة، وكل ما أضيف إلى عبادة يفتقر إلى دليل.
الثانية: إيلاف الناس هذه العبارات حتى صارت لازمة، واعتيادهم إياها حتى أصبحت واجبة، من تركها ضيِّق عليه وربما نسب إلى سوء الأدب.
فهذا دليل على أنهم يوجبون أمورا لم يوجبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر خطير لأنه استدراك على الشرع، والله تعالى يقول:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ [المائدة:3].
والعجب كل العجب من أولئك أنهم يحرصون حرصا شديدا على تلك العبارات ويهملون السنن والمستحبات مثل دعاء الإفطار، والدعاء للمفطِّر.
– كَسَّر الصِّيام:
يقول أكثر الصائمين عند الإفطار: «نْكَسَّر الصيام» ويقصدون: نُفطر ونوقف الصوم؛ لكن هذه العبارة لا تساعد على هذا المعنى؛ لأن كسر الشيء هشمه وفرق بين أجزائه وكسَّره بالغ في كسره([8])، والعبادة يُتَحلَّل منها ولا تُكَسَّر، فالعبارة السليمة: أفطر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»([9]).
وعن أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُفطر قبل أن يصلي على رُطبات، فإن لم يكن فتمرات، فإن لم يكن تمرات حَسَا حَسَوات من ماء»([10]).
– نقتل الوقت، نعقَّب الوقت:
يقول المحرومون: «نعقب الوقت» أي نقضيه ونقطعه حتى يصل وقت المغرب، يضيعون أوقاتهم في شهر رمضان ـ وفي غيره ـ في الباطل واللهو ويهدرونها في النوم واللغو، يضيعون الساعات ويقطعون المسافات، وهؤلاء هم المغبونون حقا، قال صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَةُ وَالفَرَاغُ»([11]).
أما علم أولئك أنهم ـ في الحقيقة ـ يميتون قلوبهم ويضيعون حياتهم، قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: «يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك».
أما علموا أنهم يقطعون أنفسهم عن الخير والرحمة ويحرمونها من الفضل والنعمة.
إن العاقل الحازم يعمِّر وقته ـ وبخاصة في شهر رمضان ـ بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن المجيد، ويسارع في الخير والإحسان إلى العبيد، يكون على الخير مقبلا، وعن الشر ممسكا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ»([12]).
– اللهم إني صائم:
ينبغي للصائم أن يكون مخبتا خاشعا لله رب العالمين، مجتنبا أعمال الجاهلين، قال صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ»([15]).
فيقول الصائم عند المشاجرة أو المشاتمة: «إني صائم إني صائم» أو يقول: «إني امرؤ صائم مرتين»([16]).
يجهر بذلك في الفرض والنفل تنبيها إلى أنه غير عاجز على الرد، وتذكيرا للساب لعله ينزجر([17]).
ومن الخطأ أن بعضهم يقول: اللهم إني صائم، يضيف كلمة «اللهم» وهي غير مذكورة في الأحاديث، والعبارة ليست دعاءً ولا توجها إلى الله تعالى وإنما هي خطاب للمخلوق.
– أيام الصابرين:
يقولون: «نصوم أيام الصابرين» ويقصدون ستة أيام من شوال التي قال فيها النبيصلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»([18]).
ولا شك أن هذه الأيام لا يقدر عليها إلا الصابرون الموفقون، لكن هذه التسمية لا تثبت في السنة ولم ترد عن أحد من السلف، والمحدثون إذا ذكروا الحديث السابق ترجموا له بقولهم: «باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال»، وكذلك ذكرت في كتب الفقه.
ثم لا معنى لتخصيص هذه الأيام بالصبر؛ لأن الصوم كلّه صبر عن سائر المفطِّرات، وشهر رمضان أحق بهذه التسمية لقوله صلى الله عليه وسلم: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»([19]).
فنسمِّي هذه الأيام كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم: «ستًّا من شوال».
(1) أخرجه أحمد (16416) والبخاري في «الأدب المفرد» (211)، انظر: «صحيح الأدب المفرد» للألباني (155).
(2) انظر: «القول المفيد» للعثيمين (2/515 ـ 518)، و«إعانة المستفيد» للفوزان (2/313 ـ 314).
(3) رواه البخاري (4121) ومسلم (1768)، والمقصود سعد بن معاذ رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (6306).
(5) «زاد المعاد» (1/56).
(6) رواه أحمد (8979) والنسائي (2106)، وهو صحيح لغيره، «صحيح الترغيب والترهيب» للألباني (999).
(7) «الموافقات» (3/281)، وانظر: «فضل علم السلف» لابن رجب (ص31).
(8) «المعجم الوسيط» (2/787).
(9) رواه مالك (694) والبخاري (1957) ومسلم (1098).
(10) حديث حسن: أخرجه أحمد (12705) وأبو داود (2356) والترمذي (696)، انظر: «الإرواء» للألباني (922).
(10) رواه البخاري (6412).
(11) حديث حسن: أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1632)، انظر: «صحيح الترغيب والترهيب» للألباني (1/585).
(12) «المعجم الوسيط» (2/981).
(13) «لطائف المعارف» لابن رجب (235).
(14) رواه مالك (752) والبخاري (1894) ومسلم (1151).
(15) أخرجه أحمد (7679) والبخاري (1904) ومسلم (1151).
(16) انظر: «الاختيارات الفقهية» (108)، «الأذكار» للنووي (1/436)، «فتح الباري» لابن حجر (4/105)، «الشرح الممتع» للعثيمين (6/437).
(17) رواه مسلم (1164).
(18) حديث صحيح: أخرجه أحمد (10673) والنسائي (2408)، انظر: «إرواء الغليل» للألباني (4/99).
كان سلفنا الصَّالح يولون شهر رمضان اهتمامًا خاصًّا، وكانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان، وإذا انقضى يدعونه أن يتقبَّله منهم… ذلك لأنَّهم أدركوا قيمة رمضان ودقائقه النَّفيسة، فحرصوا على نيل فضائله فتهيَّؤوا له أفرادًا وأُسَرًا بالتَّقوى والإيمان لا بالزَّخارف والأشكال، بالصَّلاة والصِّيام لا بالبَهْرَجَة والزِّينة، فاقتداءً بسلفنا الصَّالح وقدوتهم وقدوتنا النَّبيّ صلى الله عليه وسلمرأيت من الواجب تذكير أرباب الأُسَرِ بما يجب أن يقوموا به تُجاه أُسَرِهم لتحصيل ما حصله السَّلف والسَّير على طريقهم، فمن فعل ذلك فقد فاز وفلح ومن أهمل فقد خاب وخسر.
* فضائل رمضان وأهميَّته في حياة الأسرة:
قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾[البقرة:185].
خصَّ الله شهر رمضان عن غيره من الشُّهور بكثير منالخصائص والفضائل منها:
ـ خلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المِسْك.
ـ تستغفر الملائكة للصَّائمين حتَّى يفطروا.
ـ تُصَفَّدُ فيه الشَّياطين.
ـ تُفتح فيه أبواب الجنَّة، وتغلق أبواب النار.
ـ فيه ليلة القدر هي خيرٌ من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كلَّه.
ـ يُغفر للصَّائمين في آخر ليلة من رمضان.
ـ لله عتقاء من النَّار، وذلككلّ ليلة من رمضان.
فهذا شهر هذه خصائصه وفضائله بأيِّ شيء نستقبله؟ أبالانشغال بتنويع المآكل والمشارب وطول السَّهر؟ أم بالتضجُّر من قدومه وتثقل علينا العبادة، نعوذ باللهمن ذلك كلِّه.
لكن الأسرة الصَّالحة المستقيمة تستقبله بالتَّوبة النَّصوح، وأفرادها كلّها عزيمة صادقةعلى اغتنامه، وعمارة أوقاته بالأعمال الصَّالحة.
إنَّ شهر رمضان محطَّة تجديد لتزكية النَّفس وأخذ الزَّاد من العلم والعمل بدوام الطَّاعة والاستقامة والتَّطهُّر ممَّا قد شاب النَّفسَ من الذُّنوب والمعاصي .
* توجيهات تربوية للأسرة لاستغلال شهر رمضان:
وهذه بعض التَّوجيهات التَّربويَّة الَّتي تعين الأسرة لتقضي رمضان كما كان يقضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحرص كلُّ راعٍ في بيته على اتِّباعها لتنشأ أسرته على الخير وصدق الشَّاعر لمَّا قال:
ويـنشـأ نــاشـئ الفتيــان مـنَّـا عـلـى مـا كــان عـوَّده أبـــوه
1 ـ أن يحرص الوالدان على تذكير أولادهم بحقيقة رمضان قبل مجيئه عن طريق عقد حلقات في البيت في فقه الصِّيام خلال شهر شعبان فضلًا عن حلقات المساجد، عملًا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾ [التحريم:6].
2 ـ تعويد الأطفال الصِّغار على الصِّيام وتصبيرهم على ذلك وتشجيعهم بهدايا تقدَّم لهم بعد الإفطار، فقد كان السَّلف يعوِّدون أبناءهم على الصِّيام، عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ رضي الله عنها قالت: «أرسل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: مَن أصبح مفطرًا فليتمَّ بقيَّة يومه، ومن أصبح صائمًا فليصُم، قالت: فكنَّا نصومه بعدُ ونصوِّم صبياننا [الصِّغار ونذهب بهم إلى المساجد] ونجعل لهم اللُّعبة من العِهن([1])، فإذا بكى أحدهم على الطَّعام أعطيناه ذاك حتَّى يكون عند الإفطار»([2]).
قال النَّووي: «وفي هذا الحديث تمرين الصِّبيان على الطَّاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنَّهم ليسوا مكلَّفين، قال القاضي: وقد روي عن عُرْوة أنَّهم متى أطاقوا الصَّوم وجب عليهم، وهذا غَلَطٌ مردود بالحديث الصَّحيح: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» ـ وفي رواية: «يَبْلُغَ» ـ، والله أعلم»([3]).
3 ـ حثُّ أهلِ البيت على المحافظة على الصَّلوات المفروضة في أوقاتها وأدائها في المساجد للذُّكور وكذا سائر الواجبات الشَّرعيَّة، وحثّهم على صلاة التَّراويح فإنَّها راحة، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([4])، كما يشجّع الأطفال عليها من خلال جوائز تقدَّم لهم مثلًا في نهاية رمضان لمن أتمَّ قيام رمضان.
4 ـ ترغيبهم في الإكثار من تلاوة القرآن ومراجعته، وتنويع الأذكار، ويستحسن تنظيم مسابقات في القرآن بين الأولاد، فقد كان الإمام مالك ـ رحمه الله ـ إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأَقْبَلَ على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثَّوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، والحرص على النَّوافل، دون أن يفوتهم التَّذكير بآيات القرآن وهو تدبُّره، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب﴾ [ص:29].
وقد نعى القرآن على أولئك الَّذين لا يتدبَّرون القرآن ولا يستنبطون معانيه، فقال سبحانه: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [النساء:82].
5 ـ تذكيرهم بمفسدات الصَّوم الَّتي قد يغفل عنها الكثير من النَّاس من اللَّغو والرَّفَثِ والغِيبَة والنَّميمة وقول الزُّور وكلِّ المحرمات، فرمضان ليس مجرَّد إمساك عن الطعام والشَّراب، بل كذلك إمساك الجوارح عن المحرَّمات، قال صلى الله عليه وسلم: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُث وَلَا يَفْسُق وَلَا يَجْهَل، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»([5]).
6 ـ اغتنام رمضان للدَّعوة إلى الله تعالى من خلال الجلسات العائليَّة وصلة الرَّحم، وأن يلازموا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فالقلوب مهيَّأة لذلك في مثل هذا الشَّهر.
7 ـ عدم إثقال كاهل الأمِّ بجملة من طلبات المأكولات المتنوِّعة، فهي أيضًا تحتاج إلى التَّزوُّد بالإيمان في هذا الشَّهر، وعلى أفراد الأسرة الرِّضى بالقليل المعين على العبادة الذي هو خير من الكثير الملهي عن الطَّاعة.
وننصح الأمَّ بأن تستغل وقت اشتغالها في المطبخ ـ دون أن تنسى استحضار النيَّة الخالصة في إطعامها وعملها وتعبها لها ولأولادها وزوجها ـ بذكر الله وبالاستماع للمحاضرات والدُّروس النَّافعة عبر جهازالتَّسجيلالخاصِّ بالمطبخ، وهنا أُرَغِّب وأحثُّ الأبَ والأخَ على الحرص على توفير جهاز تسجيل خاصٍّ بالمطبخ، فالمرأة تقضي كثيرًا من وقتها فيه، فلعلَّها أن تستغلَّ هذا الوقت فتستفيد فوائد كثيرة وهذا مجرَّب، وليكون ذلك عهد جديد بعد رمضان.
8 ـ حثُّ الأهل على الإنفاق في سبيل الله وتفقُّد الجيران والمحتاجين، فعن ابن عبَّاس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الرِّيح المرسلة»([6])، ولو أنْ يمنح الوالد أو الوالدة مالا لأولادهما ليقدموه بدورهم صدقةً للفقراء لكانت وسيلة تربويَّة ناجعة للطِّفل، أو أن يجعلوا صندوقًا في البيت يجمعون فيه أموالًا للفقراء من مداخيلهم.
9 ـ على الوالدين أن يحرصا على تنظيم حلقاتٍ مع أولادهم في تفسير كلام الله أو شرح حديثٍ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال رمضان ويجنِّبوهم السَّهر أمام التِّلفاز، أو اللَّهو واللَّعب وغيرها من الملهيات والمغريات وما أكثرها في زماننا، وقد سبق قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾ [التحريم:6].
10 ـ يحرص الوالد على شدِّ المئزر وإيقاظ أهله لإحياء العشر الأواخر من رمضان فإنَّ فيها ليلة هي خيرٌ من ألف شهر، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعال: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر﴾ [القدْر:1- 3]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَلَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([7])، وكانالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتحرَّى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحرِّيها وكان يوقظ أهله ليالي العشر رجاء أنيدركوا ليلة القدر.
وليحذر المسلم أن يسيطر عليه الفتورُ في هذه اللَّيالي العظيمة فيقضيها الأب في الأسواق لاقتناء حاجيات العيد لأولاده، والأمُّ في المطبخ لإعداد الحلويات فلَّعلهما لا يدركان العيد فـ:
ليس العيد لمن لبس الـجديد بـل العيد لـمن طاعاته تزيد
11 ـ صلة الرَّحم وتفقُّد الفقراء منهم وتفطيرهم لما في ذلك من الأجر العظيم وتكليف الصِّبيان بصلتهم بين الفَيْنَة والأخرى لتدريبهم على ذلك.
12 ـ ومَنْ فتح اللهُ عليه ووفَّقه لأداء عُمْرَةٍ في رمضان مع أسرته فذاك مِنَّة منه تعالى، فقد ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدلُ حَجَّةً»([8])، فهنيئًا لك ـ أيُّها الصَّائم ـ.
* آثار رمضان على الأسرة:
رمضان أعظمُ مدرسةٍ إيمانيَّة في حياة المسلم، فمِنْ خلال التَّوجيهات السَّابقة تكون الأسرة قد حقَّقت خيرًا كبيرًا في حياتها وجنت ثمارًا نافعة، ونذكرها لشحذ الهِمَم ودفعها للعمل لأجل تحقيقها ولِتَعيشَ بها لما بعد رمضان، ومن أعظم هذه الدُّروس:
1 ـ توحيد الله ومراقبتُه في السِّرِّ والعَلَنِ، وتعميق الإيمان باليوم الآخر والجنَّة والنَّار من خلال الصِّيام والقيام وملازمة دعاء الله بالعِتْقِ من النَّار.
2 ـ حبُّ القرآن وذكرُ الله والمسجدُ للاستدامة عليه خلال وبعد رمضان.
3 ـ شعورٌ مستمرٌّ بما يعانيه الفقراء والمساكين طِيلة أيَّام السَّنة، وهو ضرب من التَّكافل.
4 ـ حبُّ النَّوافل والاجتهاد فيها لما تُوَرِّثه من محبَّة الله.
5 ـ المحبَّة والمودَّة بين أفراد الأسرة من خلال الاجتماعات التَّعليمية وحتَّى على مائدة الإفطار.
6 ـ حبُّ العلم والاستشعار بضرورته في حياة المسلم من خلال حلقات الذِّكر في المساجد والتَّعوُّد عليها.
7 ـ حبُّ الدَّعوة إلى الله والحرص على القيام بها؛ لأنَّها واجبٌ دينيٌّ.
8 ـ الصَّبرُ على الشَّدائد من خلال الصِّيام والقيام، وتدريب النَّفس على العفو والصَّفح والتَّسامح والتَّعاون والتَّآخي.
9 ـ التَّخلُّص من الشُّحِّ والبُخل من خلال الصَّدقات.
10 ـ تنظيم الأوقات للعبادة والأكل والشُّرب والعلم.
وأخيرًا نداءٌ لجميع الأُسَر:
أَدْرِكوا قيمةَ رمضانَ ودقائقَه الغالية ولحظاتِه الَّتي لا تعوَّض.
فرمضان فرصة لا يمكن أن يفرِّط العاقلُ فيها.. فرصةٌ للتَّخفيف من الآثام والأوزار، فرصة لمغفرة الذُّنوب والسَّيِّئات، فرصة للعِتْق من النَّار، فرصة لمراجعة النَّفس ومجاهدتها في الله.
فلتُسارع الأسرُ ولتَتَسابق إلى الخيرات، فعساها أن تُدرك رمضان هذه السَّنة ولا تدركه السَّنة المقبلة؟!!
([1]) العِهْنُ هو الصّوف.
([2]) رواه البخاري (1859)، ومسلم (1136)، والزِّيادة بين المعكوفتين له.
([3]) «شرح صحيح مسلم» ( 8 /14).
([4]) متَّفق عليه.
([5]) رواه البخاري (1805)، ومسلم (1151).
([6]) رواه البخاريُّ (4711)، ومسلم (2308).
([7]) رواه البخاري (1802)، ومسلم (760).
([8]) رواه البخاري (1690)، ومسلم (1256).
السلام عليكم وبارك الله فيك على الافادة القيمة
لو سمحت اخي الفاضل كبر الحروف في الموضوع حتى يتسنى للقارئ قراءة سهلة
شكرا على الموضوع وبارك الله فيك على النصح
جازاك الله خيرا