الخرافة تعتبر تفسيرًا غير منطقي يزود من يؤمن به بوسيلة لمواجهة مشكلة لا يعرف صاحبها طريقًا أفضل منها لمواجهة المشكلة .
(شريف يحيي فهمي ، 1995 : 14 )
في حين أن الاعتقاد الخاطئ فكرة أو توجه غير صحيح اتجاه موقف معين يحاول الفرد إيجاد تبريرًا أو تفسيرًا له .
إذا فالخرافة تتميز بعدم المنطقية والبعد عن الموضوعية أما الاعتقاد الخاطئ يتميز بعدم صحته . وهكذا تبدو الخرافة أكثر شذوذًا من الاعتقاد الخاطئ رغم أن الكثير يضمنها معناه . ولكنها في الحقيقة وإن كانت تضمنت دلك المعنى ، فإنها علميا لها استقلالها كمصطلح وكمعنى فهي تشير عادة للتفكير الخرافي الأسطوري ؛ لاقترانها بالقصص والحكايات الأسطورية القديمة .
وهدا ما يدعو لظهور وجهًا آخر للاختلاف بين المصطلحين( الخرافة والاعتقاد الخاطئ ) وهو بأن الخرافة قد تكون أقدم منشأً من الاعتقاد الخاطئ الذي ينشأ مع كل موقف مبهم أو مشكلة جديدة كمثل دلك الاعتقاد الخاطئ الذي ظهر فجأة مع بداية الإعلان لتسويق الهواتف المحمولة لشركة ( ليبيانا ) والقائل بأن ( هواتف ليبيانا للناس التعبانة ) والاعتقاد عادة ما يكون نتيجة تخمينات على أساس غير صحيح وغير واقعي فتكون النهاية اعتقادًا خاطئًا .
… إذن وكأن الخرافة والاعتقاد الخاطئ ينشآن في البداية لتفسير ظاهرة ما تفسيرًا غير منطقيًا ، ولكن الغرض منه آنذاك توفير الأمن والقناعة للنفس ، ليتم التصرف عقب دلك بثقة أكيدة حيال تلك الظاهرة ، إلا أن احتمالية الاستمرار أكثر تكون لصالح الخرافة عنه لصالح الاعتقاد ، لأنه قد ينتهي بانتهاء الظاهرة التي ينشأ من أجلها .
وكذلك قد تتشابك المعاني ما بين ( الخرافة ومفاهيم أخرى كالشائعة والأساطير والعادات والتقاليد وغيرها …. إلخ ) ، فقد تختلف الخرافة عن الشائعة من حيث أن الأخيرة تصدر لتفسير موقف غامض كما هو الحال في حالات الحرب ، وسرعان ما تختفي الشائعة بظهور الأسباب الحقيقية واتضاح الرؤية … والمشيع غالبًا ما يتعمد إصدار شائعته لخدمة أغراض معينة يعلم أنها باطلة ، أما الخرافة فهي تفسير لظاهرة مستمرة يتكرر حدوثها في حياة الناس
(عبد الرحمن عيسوي 18:1984)
والحدود بين الخرافة والأسطورة ليست دائمًا على ما نشتهي من الوضوح وقد تشبه بعض الخرافات الأساطير في الشكل والمضمون إلى درجة الإلتباس ، والتفريق بينهما لا يكون إلا بمعيار القداسة فالأسطورة هي حكاية مقدسة يؤمن أهل الثقافة التي أنتجها بصدق روايتها إيمانًا لا يتزعزع .
( فراس السواح د: ت: 8)
ثانيًا: نشأة الخرافة
لقد كانت بداية نشأة الخرافة مع بداية وجود الإنسان على هده الأرض ، فلقد كانت تنتاب الإنسان البدائي انفعالات وأحاسيس ودوافع متغيرة ومتقلبة تدفعه إلى القيام بأنماط سلوكية متعددة ، فتارة ينزع إلى الجانب العدواني فيميل إلى الاقتتال والمخاطرة ، والهجوم ، وتارة ينتابه شعور عاطفي انفعالي سلبي أو إيجابي فيحثه على الاقتراب أو الابتعاد عن بقية أفراد جنسه ، مما يجعله يعاني من حالة عدم التوازن التي تنتاب النفس البشرية عندما تعايش مواقف نفسية لا تجد لها تفسيرًا .
ولقد حاول الإنسان البدائي قديمًا ، أن يفسر الظواهر النفسية ، مسخرًا لدلك جميع قدراته العقلية البسيطة وتجاربه الحياتية المحدودة ، فأوجد تفاسير تبدو سطحية ،وغير منطقية على الأقل لإنسان هدا العصر ، ولكنها تعتبر تفاسير إبداعية بمنظوره آنذاك ، فكان يعتقد أن كل الحالات الانفعالية التي تنتابه ، يتحكم بها كائن حي آخر ، يوجد بداخله ، قد يكون شريرًا أو خيرًا ، وقد ساعد ذلك التفسير الخرافي للإنسان البدائي في فهم وتفسير ظاهرة الأحلام والموت . فقد كان يعتقد لهدا الكائن الحي القدرة على ترك الجسم والتجول في أماكن بعيدة ثم العودة إليه مجددًا وفي هدا تفسير للأحلام . كما أن له القدرة على المغادرة لجسم الإنسان وعدم العودة إليه ثانية ، وفي دلك تفسير للموت .
( أحمد علي الفنيش وآخرون : د.ت:73)
ومع تقدم الحياة البشرية للأمام وظهور الحضارات ظهرت الكثير من الخرافات والاعتقادات التي تعددت بتعدد جوانب الحياة الإنسانية ( الاجتماعية ، السياسية ، الاقتصادية ، النفسية …. الخ ) الخاصة منها والعامة ، فظهرت الخرافات والاعتقادات الغيبية وما تشمله من مفاهيم { كالأرواح الشريرة ، الأشباح ، الغول ، وقراءة الطالع والأبراج ، وقراءة الفنجان والكف … الخ } وكذلك الخرافات المتعلقة بصحة الإنسان ومرضه فربطت هده الخرافة بين صحة الإنسان وتأثير بعض القوى الوهمية لأشياء عدة، كتأثير الأحجار الكريمة ، وقرون الخروف والغزال ، والخرز الأزرق وما يطلق عليه في اللهجة الدارجة ( الحويتة ، الخميسة ، القرين ) والثمائم ( الأحجبة ) …. الخ فكانت كل هده الأشياء . تبعده عن الحسد والمرض والعين والموت أيضًا ، وتوفر له الحماية من كل سوء . ولكن بتتبع الخرافة وأنواعها ونشأتها يلاحظ أن لكل خرافة نشأة خاصة أو تكوين خاص ، يرجع لأسباب محددة وفقًا للتفسير الذي وضعه الناس لها ، فمثلاً { كان الإنسان قديما يفسر ظاهرة الزلازل على أساس أن الأرض محمولة على قرن ثور ، وأنه كلما شعر الثور بالتعب تولى نقل الأرض من قرن إلى القرن الآخر فتحدث الهزة الأرضية أو الزلازل التي يشعر بها الناس } .
وكذلك هو الأمر إذا ما نظرنا لتلك الخرافة القائلة بالتشاؤم من البوم ، إذا يرجع إلى أن البوم يسكن الأماكن الخربة ، وأنه يختفي نهارًا ويظهر ليلاً .. وكذلك لأن له صوتًا يختلف عن باقي الطيور إذ هو غريب ومزعج أيضًا .
وفي كثير من الأحيان تعمل الصدفة دورًا كبيرًا في نشأة الخرافة ، فنرى مثلاً قارئة الفنجان تقص قصصًا تنسجها من خيالها الواسع تكون بديهية في حياة الإنسان تصدف وتتحقق تلك القصص والمفاجآت ، وقد تخيب أيضًا ، مما يدفع المرء للتصديق والتشبث بلحظة أمل أو بلحظة سارة ، دون التركيز في قدرية وغيبية مثل هده الأحداث وفي واقع الأمر أن الإنسان يبحث عن أي مخرج لينفد منه ويخفف عن نفسه حتى وإن كان مخرجًا خرافيًا .
والتمسك بخرافة ما في حياة بعض المجتمعات قد يكون بسبب أن هده الخرافة أو عديد من الأفكار الخرافية والاعتقادات الخاطئة قد تؤدي دورًا أو وظيفة اجتماعية أو نفسية أو سياسية أو اقتصادية ، والخرافة والسحر والأسطورة ونسق المعتقدات الشعبية عامة ، هو ما يميل إليه علماء الأنثروبولوجيا لتسميته بالنسق الأيديولوجي والمقصود به نسق المعتقدات التي تفسر طبيعة علاقة الإنسان بالكون الممارسات والشعائر المتصلة بهذه المعتقدات ، فالنسق الأيديولوجي هو إذًا نوع من الاستجابة للحاجة التي يشعر بها الناس جميعًا لتحديد معنى وجودهم في الحياة.
( أحمد أبو زيد ، 1979: 534 : 535 )
بتبــــــــــــــــــــــــــــــع…
ثالثًا: انتشار الخرافة:
إن الكثير من المعتقدات والأفكار الخرافية سواء ما كان منها بدائيًا أو ما اتخذ شكلاً آخر ، أصبحت وكأنها واقع يستخدم أحيانًا في مساندة بعض الأوضاع أو النظم الاجتماعية المتبعة في مجتمع ما لتنظيم العلاقة بين الأفراد.
( محمد الجوهري 1978: 300)
ولا يخلو تراث أي شعب من الشعوب من الخرافات سواء كانت هذه الخرافات ضمنت أساطيره أو ممارساته الشعائرية والدينية والسحرية الغير صحيحة ، وقد يرجع استمرار هذه الخرافات إلى أن الجوانب اللا مادية لأي حضارة من الحضارات لا يتم تغييرها بسهولة عند عملية التغير الحضاري.
( فريدة محمود إلهامي 1982: 1 )
ويزداد انتشار الخرافات كلما زادت ظروف الحياة صعوبة ، وكلما زادت الأخطار التي تهدد كيان الجماعة ، أي أن الخرافات والمعتقدات الخاطئة تكثر وتعم وتنتشر بانتشار حالات القلق والاضطراب والشعور بالضعف والعجز عن مواجهة المشكلات الحياتية ومخاطرها.
( نجيب اسكندر إبراهيم، رشدي فام منصور 1962: 21 )
ولا شك أن انتشار الأفكار الخرافية والمعتقدات الخاطئة تشير إلى تخلف المجتمع في الجوانب التي تتناولها تلك الأفكار الخرافية والمعتقدات الخاطئة ، فانتشارها وشيوعها في الوقت الحاضر يرجع إلى الأصل التاريخي الذي تنحدر نته تلك الأفكار وانتقالها من جيل إلى جيل ، ويرجع كذلك إلى عدم الإلمام بالتفكير العلمي وعدم القدرة على دراسة الظاهرة موضوع الأفكار الخرافية والمعتقدات دراسة علمية تجريبية ، وتخص الأفكار الخرافية والمعتقدات الخاطئة إذا اختفت الظروف التي جاءت بهذه الأفكار والمعتقدات الخاطئة لتفسيرها.
( شريف يحيي محمود فهمي ، 1995: 29 )
ومن ذلك يمكن التعرف على أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الخرافة وهي كالآتي :
أسباب الخرافات والاعتقادات الخاطئة :-
إن أسباب الخرافات في كثير من المجتمعات تحظى بتأكيد العرف والعادات والتقاليد ، وفي هذه الحالة تحظى الخرافات من شرط التمحيص والنقد كالخرافات التي تكسب تأييدًا بسبب تحريف الدين أو التوسع في كلام العلماء وأهل الرأي ، ونجد من أهم أسباب الخرافات هو عدم قدرتنا في التعامل مع الكثير من مشاكل الحياة سواء كانت هذه المشاكل اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية ، والإيحاء النفسي ودوره في التأثير على المؤمنين بها .
فالخرافات والمعتقدات الخاطئة أصبحت مرتبطة بالتراث الاجتماعي الذي ورثناه عن الأجيال السابقة والذي أثر على أفكارنا وعواطفنا وشخصياتنا وأساليب في الحياة.
( شريف يحيي محمود فهمي 1995.ص19 )
ومن أهم العوامل التي تسبب انتشار الخرافات والمعتقدات الخاطئة:-
الجهل والأمية :-
نرى أنه كلما غرقت قرية من القرى في الجهل كثرت فيها الخرافات ، كما أن أفراد المجتمع القروي يسودهم الاعتقاد في الخرافات والاستسلام للمعتقدات المتوارثة شأنهم في ذلك شأن أي فرد قلق جاهل لا يعرف لماذا تهب الرياح ويعللها بأنها غضب من عند الله تعالى .
( محمد طلعت عيسى 1957 : 18)
وإن للجهل دخلا كبيرًا في التمسك بالخرافات والمعتقدات الخاطئة كما أنها لا يمكن أن تزول بزوال الجهل بل أن لها جذور تاريخية عميقة ، كما ترجع إلى عدم الاستقرار النفسي الذي يعتبر من أقوى الدوافع النفسية .
( حكمت أبو زيد – د.ت.: 28)
أما العلم فإنه يقوم على أساس الملاحظة الدقيقة والتجربة الموضوعية وتقليل الأحداث والظواهر ومعرفة مسبباتها وعلاقتها بغيرها من المتغيرات وتفاعلها مع بعضها البعض ، فالعلم يحاول أن يقضي على الخرافة والمعتقدات الخاطئة وعلى الرواسب المتبقية فينا. فالعقلية الخرافية لا تختفي بمجرد الانتقال من بيئة حضارية متخلفة إلى بيئة حضارية متقدمة بل هي جزء أساسي من التركيب العقلي والنفسي للفرد لذلك يجب علينا الاهتمام بتربية الأطفال في المدارس تربية علمية منذ الصغر.
( حسن صعب 1972: 177 )
وبذلك نتمكن من حماية أنفسنا من عواقب التفكير الخرافي الغير منطقي التي قد نقع فيها كنهاة متوقعة للجهل بحقائق الأمور .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع…
2. الشعور بالخوف والتوتر الانفعالي:-
معناه الفرد من التوتر الانفعالي والصراع والشعور بالتعب والإرهاق والتهيج واضطرابات المعدة والكوابيس الليلية ومن التذبذب الانفعالي والشعور بالنبذ والعزلة والوحدة والبعد عن الحياة والشعور بالقلق والتهديد ، كذلك الاعتقاد بأن الناس الآخرين سيئون وأشرار وأنانيون وعدوانيون والشعور بالغيرة والكراهية والعدوان إزاء الآخرين ، وتوقع أسوء الاحتمالات وعدم الرضا وعدم السعادة … كلها مظاهر للشخصية العصابية والتي تكون أميل إلى التفكير الخرافي . فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات شعورية وانفعالية تخلف مجالا واسعًا للتأويلات والتفسيرات الخرافية لما يواجههم ويصادفهم في حياتهم .
( عبد الرحمن محمد عيسوي 1974 : 2 )
3. الإيحاء النفسي :-
في الحقيقة أن الخرافة تؤثر في المؤمنين بها عن طريق الإيحاء النفسي بصرف النظر عن التأثير الفعلي للخرافة في حد ذاتها فالشخص الذي يؤمن بالتشاؤم من البوم ، فبمجرد رؤيته للبوم يتشائم لما يحدث له من تغيرات انفعالية . كما قد يقبل الفرد تأثير الخرافات من قبيل التقليد ، عندما يجد أن المحيطين به يؤمنون بها ، وكذلك نجد أن هنالك خرافة شائعة في مجتمعنا مؤداها أن القط له سبعة أرواح ، والمتأمل في هذه الخرافة يجد مرجعها في الغالب إلى أن حركة القط تبلغ درجة كبيرة من المرونة ، بحيث يستطيع التكيف سريعًا مع الصدمات ….
( شريف يحيي محمود فهمي 1995: ص24 )
4. الدور السلبي لوسائل الإعلام:-
حيث أن من العوامل المسببة للخرافات الدور السلبي لوسائل الإعلام المختلفة ولأن التلفزيون هدف فعال ذا تأثير قوي ، ويخاطب كل الفئات والمستويات والعقول سواء كانت متعلمة أو أمية أو ذات مستوى اقتصادي مرتفع أو منخفض ، أما وسائل الإعلام الأخرى ( الصحف والمجلات ) فهي تتجه وتخاطب جماهير متخصصة.
ونوضح هنا دور الإذاعة المرئية على وجه الخصوص نظر لأن الإذاعة المرئية تعتبر وسيلة من الوسائل التعليمية غير المباشرة ولها نتائجها الفعالة نضرًا لقدرتها على تقديم المضمون بحيوية وواقعية مما يزيد من تأثيرها على السلوك والعلاقات الاجتماعية والثقافية .
فالإذاعة المرئية لها تأثيرًا سلبيًا على الفرد بصفة عامة وعلى النشء بصفة خاصة ، فكثير من المسلسلات والأفلام والبرامج التي تعرض من خلالها تحتوي على العنف والجريمة والأنماط السلوكية الخاطئة والعادات والمعتقدات الخرافية وتدعم تلك الأفكار والمعتقدات وهي كافية لخلق السلوك المنحرف ، حيث أن التقليد والمحاكاة واستيعاب المادة الإعلامية الميتوثة إذاعياً تأثيرًا كبيرًا على الناشئة .
( عبد الرحمن عيسوي 1974 : 118 )
ونجد أيضًا أن وسائل الإعلام تتحدث عن تحضير الأرواح والسحر والدجل ومعرفة الطالع واستشارة الفلكيين وقراءة الفنجان والكف والأبراج فأجهزة الإعلام والثقافة تتعرض فقط للفكر الأسطوري و لا تحاول تصحيحه أو إحلال الفكر العلمي محله.
( عبد المحسن صالح 1979 : 362 )
5. تبرير السلوك والدفاع عن النفس:-
حيث أن التأثيرات المؤدية للخرافات تعضد السلوك الذي تفضله ، فإنها تؤيد السلوك الذي نرغب في إصداره على أية حال ، فبعض الناس يبررون اقتناعهم بزيارة الأولياء الصالحين بأنهم يبحثون عن الشفاء وطلب البركة بل يشعرون بالراحة والاطمئنان لما يفعلون . فالناس لا يعدمون حيلة في تبرير ما يرغبون في فعله ، وتبرر الخرافة أيضًا انعدام الفعل أو السلوك إذا كان ذلك مرغوبًا ، فمثلاً عدم إخاطة الملابس فوق صاحبها يبررونها أنهم يرغبون في الحياة أكثر .
رابعًا: التفكير الخرافي والتفكير العلمي:-
التفكير من العمليات العقلية العليا التي تتدخل في كثير من العمليات الأخرى ويتخذ التفكير كثيرًا من الأنماط . وتتضمن هذه العملية الحكم والتجريد والإدراك والاستدلال والخيال والتذكر والتنبؤ كل هذه العمليات أشكال من التفكير ، كما تتضمن أيضًا عملية حل المشكلات التي تعتمد على الأفكار أكثر من اعتمادها على الإدراك وعلى المعالجات الظاهرية.
ويبدو في الظاهر أنه لا يوجد فرق بين وظائف كل من التفكير العلمي والتفكير الخرافي ، إذ أن كليهما يسعى إلى تفسير الظواهر التي تحيط بالإنسان بهدف التحكم فيها وضبطها ، ويؤدي ذلك إلى إزالة حالة القلق والتوتر التي تنتج من الغموض.
ولكن التفكير الخرافي يختلف عن التفكير العلمي أو المنطقي ، ذلك لأنه لا يقوم على أساس إدراك علاقة العلية أو السببية العلمية ، وإن كان يقوم على أساس علية أخرى غير العلية العلمية ، فالتفكير الخرافي يرجع الظواهر الطبيعية إلى أسباب غير طبيعية .
( عبد الرحمن عيسوي 1982 : ص36-37 )
ومن مظاهر التفكير الخرافي لجوء كثير من الناس للمنجمين وقراء الطالع ، يستشيرونهم في أمورهم ، ويطلبون إليهم أن يكشفوا لهم حجب الغيب وما يخبئه المستقبل لهم ، وتنشر الصحف وكثير من المجلات الأسبوعية ما تتنبأ به النجوم عن مستقبل كل فرد . فالتفكير الخرافي يقف عند مستوى الربط بين ظواهر الأشياء المباشرة ، أي بين بدايات ونهايات الأحداث ويرجع ذلك إلى فكرة الحركة الذاتية التي ظلت تكمن في الأشياء وإلى القوة الغيبية التي تفسر أي شيء وتوحي للإنسان بأنه مجرد الالتقاء أو التتابع بين الظواهر يشكل صفة علية وهذا يعني أن السبب ( العلة ) قوة وقدرة علة خلق أو إحداث شيء آخر أو ظاهرة أخرى ( المعلول ) . أما التفكير العلمي فإنه يقوم على تتبع الأحداث في الزمان والمكان ، وتنظيم الملاحظة ، وتسجيل كافة العلاقات التي تحيط بالظاهرة موضوع البحث . ولا يذهب التفكير العلمي إلى تحديد العلة بالمعنى البسيط الساذج الذي ينطوي عليه التفكير الخرافي ، وإنما العلية في التفكير العلمي تعني إدراك الظاهرة في علاقاتها المختلفة المتغيرة ؛ ومعنى هذا أن التفكير العلمي لا يكتفي بربط المظاهر المباشرة للظواهر ولا بين البدايات والنهايات في الأحداث وإنما يهتم بتشبع العمليات والتغيرات التفصيلية التي تنطوي عليها الظواهر موضوع البحث.
( الدمرداش سرحان ، منير كامل 1909 39، 40)
وبالنظر إلى التفكير نجد أنه يبت في الأمور بشكل حاسم ونهائي وإن كان خاطئًا . أما الاتجاه العلمي فإنه يمتاز بإمكان تأجيل الحكم والنظر للمشكلات من جميع جوانبها وزواياها ، وجمع المعلومات والأدلة والشواهد والتمحيص ، وعدم القفز في إصدار الأحكام .
وإن تطور التفكير البشري يعبر في الواقع عن تزايد في إدراك الإنسان للترابط بين الحوادث ، والتداخل بين الظواهر المختلفة في الطبيعية وقد أدي هذا الاتجاه إلى تراجع المفهوم الساذج للعلية ، ونعني بالعلية المعنى الخرافي . ومعنى هذا أن تقدم التفكير العلمي تزايد في إدراك الإنسان للعلاقات في الكون ، ويعني هذا بدوره تراجعًا للتفكير الخرافي . والتقدم العلمي يؤدي إلى تراكم الحقائق العلمية مما يؤدي إلى انزواء المعتقدات الخرافات واختفائها تدريجيًا.
( نجيب اسكندر إبراهيم – رشدي فام منصور 1962: 48)
سادسًا: مجالات الخرافة
إن التفكير الخرافي يأخذ طابعًا محددًا حسب الموقف الذي صدر عنه أو الظاهرة التي يفسرها وهو بذلك يتوقف عند طبيعة حياة الإنسان ومواقفها وأحوالها .
وفي محاولة بسيطة من الباحثات سعت لوضع خط سير تسير وفقه خطوات البحث التالية وتسهل بعد ذلك عملية تصنيف الفقرات ، إذ تم تصنيف الخرافة والاعتقاد الخاطئ إلى ستة مجالات تضمنت أهم جوانب حياة الفرد وبصفة عامة في المجتمع المحلي وبصفة خاصة وتلك المجالات كالتالي :
الخرافات والاعتقادات الخاطئة المرتبطة بمجال ( الحياة الاجتماعية )
هنالك بعض الخرافات التي تتعلق بالحياة الاجتماعية والتي تؤثر على علاقاتنا مع الآخرين ونتعامل مع هذه الخرافات على أنها منزلات أو معطيات مطلقة فتعامل مع الظواهر والعلاقات الاجتماعية على أنها تجيء وتحدث اعتباطًا أي أنها قدرية ومنزلة وأصبحت وكأنها واقع يستخدم أحيانًا في مساندة بعض الأوضاع والنظم الاجتماعية المتبعة في مجتمعنا لتنظيم العلاقة بين الأفراد فيما يخص بالعلاقات النوعية بين الذكر والأنثى وبقدر ما تكون هذه العلاقات جامدة بقدر ما تتجه للاستناد إلى الأفكار الخرافية الغير منطقية.
مثال/
الحسد يسبب المرض للإنسان:
حيث يرجع البعض المرض لعين حاسده ولكن الحسد ليس سببًا في إصابة الإنسان بالمرض لأن مسببات الأمراض معروفة طبيًا وتعتمد على الفحوص والتدليلات وليس عين حاسدة ، حيث أن الحسد يعود إلى الغيرة من عدم امتلاك أو عدم الوصول إلى الغاية التي وصل إليها الآخرون أي حالة من الشعور بالنقص المادي والمعنوي الذي سبب العجز للحاسد فلا يستطيع أن يتغلب عليه فهو لا يرى وسيلة لتعويض نفسه ليصل إلى درجة التساوي بالآخرين أو التفوق عليهم بأن يتمنى لهم الشر وفقدان ما يمتلكون وهو بذلك يحسدهم .
بتبـــــــــــــــــــــــع…
في الحقيقة أن كل إنسان يسلم بأن كل شيء في هذا العالم يخضع لإرادة الله ولكنه يعتقد مع ذلك أن كل شر أو خير يمكن أن يصيب الإنسان يرجع إلى العلاقة بين الإنسان والجن والعفاريت والأسياد والأرواح الشريرة أو أي قوة خفية أخرى دون التفكير الإيجابي والواقعي بصحة هذه الأشياء أو عدمها مهما بدت في تفسير الظواهر الطبيعية وفي حل مشكلات الحياة اليومية.
مثال/
الاعتقاد السائد عند بعض الناس بإمكان الاطلاع على المستقبل من خلال قراءة الكف والفنجان.
نجد الكثير من الناس يهتمون بقراءة الأبراج والكف والفنجان ويقتنعون بما ينتج عنها من خير أو شر، كذلك تأكيدة من قبل المجلات والجرائد أن تكون الأبراج أحد المواد التي تعرض فيها ولذلك فهم يؤمنون بدور الحظ في حياتهم و يستطلعون ذلك عن طريق الأبراج ولكن هذه الخرافة ليس لها أساس منطقي وهي أمور تتعلق بعلم الغيب ) وما يعلم الغيب إلا الله ( وكما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( كذب المنجمون ولو صدقوا )
الخرافات والاعتقادات الخاطئة المرتبطة بمجال(الصحة والمرض)
إن أغلب الخرافات المتعلقة بالصحة والمرض وطريقة العلاج أيضًا ، يرجع تاريخها إلى الأفكار التي راودت عقل الإنسان القديم الذي عاش قبلنا آلاف السينين ، ولقد اعتقد أن ما يصيب الإنسان من أضرار وأمراض ليس إلا نتيجة عين شريرة أو روح خبيثة ، أو من الجن أو انتقام من آلهة بسبب ذنوب وأعمال ظالمة ، أو عدم توافق أفلاك البروج واختلال مطالع النجوم ، أو أي قوى خفية أخرى كانت لها في خياله مفاهيم كثيرة .
( عبد الحسن صالح . 1988: 390)
كما يرجع اعتقاد الإنسان الخاطئ فيما يخص حاله من حيث الصحة والمرض إلى عدم معرفته بطبيعة الأمراض وكيفية علاجها العلاج العلمي المناسب .
مثال/
لبس سلسلة من المعدن تشفي من مرض الروماتيزم
يوجد اعتقاد سائد حتى الآن أن لبعض المعادن والأحجار الكريمة قدرة تؤثر على جسم الإنسان فيصدر بعضها دبدبات لها فاعليتها في علاج بعض الأمراض الجلدية وأمراض العظام وخاصة تلك التي تحتاج إلى وقت طويل ليتم الشفاء والروماتزم هو إحدى هذه الأمراض المزمنة ، وعدم مواظبة المرضى على أخذ الدواء يدفعهم للتصديق بقدرة سلسلة من المعدن ( تفكير خرافي ) على الشفاء من مرض يدوم طويلاً كالروماتيزم
الخرافات والاعتقادات الخاطئة المرتبطة بمجال ( التفاؤل والتشاؤم)
تصنف بعض الخرافات في مجال التفاؤل والتشاؤم حيث أن العقلية الخرافية غالبًا ما تعتاد رؤية بعض الأشياء التي تعطيه صبغة تشاؤمية كربطها بالسواد مثلاً بحيث يصبح أي شيء حالك السواد مدعاة للتشاؤم ( كالتشاؤم من قط أسود أو غراب أسود ) كما يرجع التشاؤم أحيانًا من شيء معين لربطه بخبرة انفعالية بيئية كالتشاؤم من يوم معين حدث فيه حادثة غير سارة أو رقم معين لتاريخ حادثة مؤلمة أو غير سارة)
كما يلاحظ أن الأفراد ينتقون بعض الأشياء التي يجعلونها رمزًا للتفاؤل وربطها بخبرات مفرحة ومرغوبة كالاستعانة بحجر كريم أو معدن ثمين والاعتقاد بمدى قدرته على إحداث خبرات سارة في حياة الفرد أو دفع الضرر عنه ( كارتداء الخرزة الزرقاء للحماية من العين والحسد ).
الخرافات والمعتقدات الخاطئة المرتبطة بمجال ( الخطبة والزواج )
هناك الكثير من الخرافات التي نجدها في فترة الخطوبة وفي الحياة الزوجية ، حيث نجد بعض النساء في تعاملهن مع أزواجهن وفي تنشئة أطفالهن تلجأ إلى بعض الخرافات والاعتقادات الخاطئة وذلك نتيجة جهلها بالأساليب العلمية والمنطقية الصحيحة بما يخص الخطبة و الحياة الزوجية لتلافي المشاكل ودرء الخطر المتوقع بالطرق المنطقية .
مثال /
عدم زواج البنت سببه سحر
حيث يعتقد بعض الناس أن تأخر زواج بناتهم قد يكون سببه السحر، ولكن في الواقع هناك أسباب أخرى كأسباب اجتماعية كغلو المهور وأسباب اقتصادية كمشكلة السكن , وثقافية كالفروق في المستوى التعليمي والفارق العمري .هده الأسباب قد تؤدى إلي تأخر سن الزواج أو عدم حدوثه .
تسمى القصص الأسطورية وغير المعقولة والتي يصعب تصديقها تسمى (قصص خرافية) وذلك نسبة إلى (رجل اسمه خرافة من بني عذرة ) أدعى أن الجن خطفته وبقي عندهم فترة من الزمن ثم عاد إلى قومه يروي لهم مغامراته مع الجن وكان يصعب تصديقها لغرابتها وبعدها عن المعقول.
هانس كريستيان أندرسن في «قصص وحكايات خرافية» المترجمة إلى العربية: مخيلة خصبة، وبراعة في السرد، ومهارة في القص
حفلت ثفافات الشعوب وتراثها بإنتاج غزير من القصص والحكايات الخرافية، ومن الصعوبة بمكان تحديد تاريخ معين لظهور هذا النوع من الحكايات، فجذورها تمتد إلى العصور الغابرة في بلاد الرافدين، وشرق آسيا، واليونان القديم، ولعل شخصية إيسوب المشهورة صاحب الحكايات الخرافية الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد الإغريق، دليل على ذلك، وقد ورد ذكره في كتابات فلاسفة ومؤرخي ذلك العصر مثل أفلاطون، وارستوفان، وأرسطو وغيرهم…غير ان الحكاية الخرافية وجدت في فترة مبكرة من التاريخ اليوناني قبل إيسوب وربما ترجع إلى القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد حيث ورد بعضها في شعر هزيود، وفي كتابات الشاعر أرخيلوخوس 675 – 635 قبل الميلاد.
وتتميز الحكاية الخرافية، كما يقول إمام عبد الفتاح إمام، بأنها «قصيرة، وتروى في الأعم الأغلب على لسان الحيوان أو بعض ظواهر الطبيعة»، وتنطوي على مضمون أخلاقي هو المغزى من الحكاية، ولهذا كانت أقرب إلى الدروس التي تريد أن تغرس في النشء بعض المفاهيم والقيم الأخلاقية، وليس من الضروري ان يكون الإنسان بدائياً أو قريباً من الحيوانات لكي يكتب هذه الحكايات الخرافية، كما يقول بعض النقاد،، فقد تكون من إبداع الطبقات الدنيا، والشرائح المهمشة في المجتمع، التي كانت تستخدمها في نقد علية القوم دون أن تعرض نفسها لخطر العقاب!
فاللجوء إلى الخرافة، والأسطورة هو أسلوب تعتمده، في الغالب، جماعة مضطهدة في مرحلة تاريخية ما لنقد الأوضاع الاقتصادية، والسياسية بصورة رمزية حتى تتجنب العقاب، على نحو ما فعل إخوان الصفاء في روايتهم للشكوى التي تقدمت بها الحيوانات إلى ملك الجان ضد ظلم الإنسان لها وتجبّره عليها! وحتى في عصرنا الراهن نجد بعض الشعراء والأدباء يستخدمون الرمز، ويوظفون الأسطورة والخرافات الشعبية لتمرير بعض الأفكار
المعارضة، وذلك خشية من السلطات السياسية والدينية. وتحمل هذه الحكايات، في ثناياها، وعظاً، وتوجيهاً، ومغزى أخلاقيا كما نلاحظ مثلا في كتاب «كليلة ودمنة» التي تروى على لسان الحيوانات، والتي ترجمها ابن المقفع إلى العربية في القرن الثامن، وكذلك ما ورد في حكايات «ألف ليلة وليلة» التي تعتبر من التحف الأدبية النادرة التي أبدعتها مخيلة الإنسان.
الحكاية الخرافية في أوربا
يعتبر الدانماركي هانس كريستيان أندرسن، الذي نتحدث عنه في هذا المقال، أحد أبرز الكتاب الأوربيين في مجال القص الخرافي، ومن المفيد هنا وقبل ان نتوسع في الحديث عنه ان نرصد بعض الأسماء الأوربية الأخرى التي برزت في هذا المجال لكي تكون الصورة متكاملة.
وهنا لابد من العودة مرة أخرى إلى ما يقوله إمام، إذ يرى بان «الحكايات الخرافية ازدهرت في أوربا في العصور الوسطى كغيرها من صور الحكايات، وظهرت مجموعة من الحكايات في أواخر القرن الثاني عشر كتبتها ماري دي فرانس»، ويضيف «لقد أدى تطور الحكاية الخرافية في العصور الوسطى إلى ظهور صورة موسعة سميت باسم «ملاحم الحيوانات»، وهي قصة طويلة تدور حول الحيوان الذي يقوم بالبطولة، وأشهرها مجموعة مرتبطة بالثعلب رينار وهو البطل الذي يرمز إلى دهاء الإنسان»، وقد صاغ الشاعر الألماني غوته هذه الحكاية في ملحمة شعرية ساخرة وطويلة، كما استغل الشاعر الإنكليزي أدموند سبنسر (1552 – 1599 م) مادة هذه الحكايات في قصة (الأم هبرد)، وبدوره فعل ذلك المسرحي الإنكليزي جون درايدن ( 1631 – 1700 م) في قصيدته (الأيل والنمرة) التي أحيت من جديد ملاحم الحيوان كإطار رمزي للمناقشات اللاهوتية.
غير أن الانعطافة الحاسمة في مجال الحكايات الخرافية، ظهرت في القرن السابع عشر الميلادي في أعمال الكاتب الفرنسي الأشهر جان دي لافونتين (1621 – 1695 م) الذي تأثر بحكايات إيسوب اليوناني، وصاغ الكثير منها شعراً، كما تأثر بالتراث الشرقي من الحكايات مثل «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة» وغيرهما، واستوحى من بعضها بعض حكاياته وأشعاره إضافة إلى ما ابتدعه هو وابتكره من حكايات، وأشعار، وقصص انطوت على سخرية لاذعة من القضاء، ومن البيروقراطية، وسخرية من الكنيسة ومن الطبقة البرجوازية الصاعدة التي كانت في بداية ظهورها، وباختصار فان حكاياته تسخر من حماقة البشر وغرورهم بأسلوب شيق وسلس.
وبرز أدباء آخرون في القارة الأوربية بعد لافونتين، ومنهم، مثلا، الأديب الروسي إيفان اندريتش كريلوف (1768 – 1844 م) الذي كتب حكايات خرافية نالت التقدير كما ترجم حكايات لافونتين إلى الروسية، وفي ألمانيا برز اسم جوتهلد إفرايم لسنج ( 1729 – 1781 م)، وكذلك كرستيان ف. جليرت ( 1715 – 1769 م)، ولابد لنا قبل أن نختم هذه الفقرة أن نشير إلى اسم كبير ظهر في أوربا وهو الروائي الإنكليزي الشهير جورج أورويل ( 1903 – 1950 م) الذي كتب «الأسد ووحيد القرن» عام 1941 م، ثم نقد الأيديولوجيا الشيوعية في روايته الشهيرة «مزرعة الحيوان» التي اعتمد فيها على الحكاية الخرافية، وراح ينقد المجتمع السوفييتي في عهد جوزيف ستالين، وهو صاحب الرواية الأشهر في تاريخ الأدب الإنكليزي ونقصد بذلك روايته ( 1984 ) التي تعد من العلامات الأدبية البارزة ليس في مسيرة هذا الكاتب فحسب، بل في تاريخ الأدب عموما.
يبتــــــــــــــــــــــــــع…
تحتفل الدانمارك في هذا العام بالذكرى المئوية الثانية لولادة هانس كريستيان اندرسن (1805 – 1875 م) الذي يعد واحدا من الكتاب البارزين في مجال كتابة الحكاية الخرافية، وهو يعتبر شاعر الدانمارك الوطني، ورغم كونه كتب في مختلف حقول الأدب كالرواية، والنص المسرحي، والشعر غير ان موهبته تجلت، أكثر ما تجلت، في مجال الحكايات الخرافية التي برع في كتابتها ليحتل مكانة بارزة في هذا المجال من القص على مستوى العالم، فحكاياته تأخذ من ناحية الشكل قالب الحكاية الشعبية، وبعضها ينطلق من القصص الخرافية التي سمعها عندما كان صغيرا، كما ان حكاياته، رغم بساطتها، تحمل مستويات عدة في بنائها، فهي تتوجه للأطفال، وتجذب الكبار كما هي الحال مع المختارات التي ترجمتها له الكاتبة العراقية دُنى غالي، وصدرت عن دار المدى ( دمشق – 2024 ) تحت عنوان «قصص وحكايات خرافية»، ضمن سلسلة «الكتاب للجميع»، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الكاتب.
يقول ه. ك.أندرسن في معرض توضيحه لفحوى قصصه: «حكاياتي الخرافية هي للكبار كما هي للصغار في الوقت نفسه، فالأطفال يفهمون السطحي منها، بينما الناضجون يتعرفون على مقاصدها ويدركون فحواها. وليس هناك إلا مقدار من السذاجة فيها، أما المزاح والدعابة فليست إلا ملحا لها»، ويضيف الكاتب: «والراوي يجب ان يسمع صوته من خلال الأسلوب، واللغة يجب أن تقترب من الشفاهة. القص هو للأطفال ولكن الكبار يجب أن يصيبهم نصيب من المتعة أيضا».
وبهذا المعنى فان أندرسن يكتب لذلك الطفل الغافي في أعماق ذواتنا، ومن يقرأ «قصص وحكايات خرافية»، وهي مختارات تضم ثلاثاً وعشرين قصة وحكاية، يكتشف ان أندرسن يخاطب مشاعرنا وأحاسيسنا رغم كونه يضع القصة في قالب من التشويق والإثارة بشكل متعمد لأنها موجهة للأطفال، لكنها قصص، وكما جاء في المقدمة، تدور حول شخصياتنا جميعا بجوانبها المضيئة والمظلمة، فهي تتناول الطبيعة البشرية بكل ما تحمل من نفاق ونبل، من خير وشر، من أنانية وإيثار، من كبرياء ووضاعة…وهي، ومن زاوية أوسع، تنتقد بعض الأخلاقيات السلبية التي تسود في مجتمعات مختلفة في مراحل تاريخية معينة كالطمع، والتسلط، والانتهازية، والاستغلال، كما تحتفي بتلك القيم الأخلاقية النبيلة كالشجاعة، والعدل، والوفاء، والكرم، والصدق وباختصار هو يستقرئ دواخل كل من الفرد والمجتمع بشكل نقدي ساخر وبأسلوب فكاهي شيق.
نبذة مختصرة
ظهرت محاولات الكاتب الأدبية الأولى وهو دون سن العشرين، أي في العام 1822، وبعد حصوله على الثانوية، كتب في العام 1829 أول عمل أدبي له بقص إبداعي خفيف الظل يحمل عنوانا طويلا (السفر سيرا على الأقدام من قناة هولمن إلى الرأس الشرقي لجزيرة آما)، وبعده كتب مسرحية «حب في برج نيكولاي»، وفي عام 1831 اصدر كتاب في أدب الرحلات بعنوان «صور الظل» يحوي قصتين يتجلى فيهما بعد القص الخرافي، وصدرت روايته الأولى في العام 1835 بعنوان «الفنان المرتجل»، وبعدها كتب مجموعة من القصص الخرافية من أهمها «حورية البحر الصغيرة» التي تعد نقطة انطلاقته الفنية، ثم اصدر في العام 1836 رواية «واو، تاء»، وفي العام التالي رواية «مجرد عازف»، وفي عام 1839 اصدر مخطوطات نثرية بعنوان «كتاب مصور بدون صور» مستوحى من ألف ليلة وليلة، وكذلك اصدر في العام 1842 كتاب «سوق شاعر» وهو من أدب الرحلات، وبين العامين 1843 و1848 اصدر من جديد حكايات خرافية بينها «العندليب»، و«الظل»، وفي العام 1848 كتب رواية «البارونتان» التي تتناول انتقال المجتمع بأكمله من العصر القديم إلى العصر الجديد، وفي العام 1855 اصدر سيرته الذاتية بعنوان « قصة حياتي الخرافية»، وبعدها بعامين صدرت له رواية «نكون أو لا نكون»، واستمر الكاتب في كتابة القصص الخرافية فضلا عن كتابته في مجال أدب الرحلات التي تناولت مشاهداته ورحلاته في أسبانيا والبرتغال، وفي العام 1870 كتب رواية «بيير المحظوظ»، وتوفي في العام 1875 في كوبنهاغن.
عاش أندرسن في كنف أسرة فقيرة، فعانى، هو المرهف الإحساس، من شظف العيش، لكنه تعلق بالفنون منذ صغره، فأقام في ركن من الغرفة الوحيدة لأسرته مسرحا للدمى، وراح يمضي وقته في محاكاة دماه وتحريكها متخذا منها شخصيات لمسرحه الخيالي الصغير، وكان يتابع بشغف عروض مسرحيات شكسبير وسوفوكليس وسواهما من عباقرة المسرح التي كانت تقام على المسرح الملكي في كوبنهاغن.
وشأنه شأن الكثير من العباقرة فقد كان أندرسن في المدرسة، بليداً، ثقيل الفهم، اخرق، يرتبك في حركاته، يدلف بين الناس بقامته الطويلة يثير سخريتهم لمجرد رغبته في ان يكون ممثلا، لكنه ما لبث ان هجر المسرح، وتحول اهتمامه إلى الحكايات الشعبية والخرافات والقصص، وكان هذا الشغف والاهتمام يزدادان مع إصغائه إلى الروايات والقصص التي كان يسمعها من والدته التي استطاعت بأسلوبها الشفاهي البسيط أن تلهب خيال الطفل الغض، فانطبعت الخرافات كالحقيقة في وعيه، وكوشم جميل في ذاكرته البيضاء، وراح يؤمن بأن عالمه الخرافي أجمل من عالمه الواقعي الراكد.
لم يكن طريق الشهرة ممهدا لهذا الفتى الموهوب، بل لاقى الكثير من الصعوبات والعقبات، وحين سئل أندرسن، ذات مرة، عن سيرة حياته، أجاب: «اقرؤوا حكاية فرخ البط القبيح»! وهي حكاية تتحدث عن قصة النجاح التي لا تتحقق إلا بعد مشقة ومعاناة، فالحكاية تتحدث عن فرخ بط قبيح لم يلق المودة من شقيقاته البطات، فكان منبوذا نظرا لقبحه وضخامة حجمه، فراح يتنقل من مكان إلى آخر بحثا عمن يهتم به ويقدره، لكنه كان يعاني من نظرات الازدراء من جميع الطيور والحيوانات، حتى من المقربين له، إلى ان كبر واكتشف انه بجعة جميلة بيضاء وليس فرخ بط قبيحاً، فتباهى بنفسه بين أترابه كبجع جميل يثير الإعجاب، والواقع أن سيرة أندرسن تشبه إلى حد بعيد سيرة فرخ البط هذا، وقد كتب أحد النقاد معلقا: «لكل مبدع ولكل شاعر حكاية فرخ البط القبيح الخاصة به»، مضيفا: «إن هذه الحكاية هي العمل الإبداعي الذي يكشف فيه أندرسن عن معاناته، وأحلامه، عن نجاحاته الأولى المغمسة بمرارة الاخفاقات، وعن مكنوناته…».
زهور إيدا الصغيرة
في جميع قصصه وحكاياته الخرافية ثمة عالم جميل تنسج خيوطه مخيلة أندرسن الخصبة، وثمة افتتان بالمتعة، والجمال، والحكمة، والشجاعة، والنباهة، والفكاهة…وغالبا ما يقول فكرته على لسان الحيوان، والنبات، والطير، ففي قصة «زهور إيدا الصغيرة» نجد شفافية عالية، إذ يقص أندرسن حكاية طفلة صغيرة حزينة لأن زهور حديقتها قد ذبلت، لكن مخيلة الكاتب تجعل من زهور إيدا الصغيرة كائنات رقيقة ملونة تغني، وتتكلم، وترقص…فتمضي معها إيدا الصغيرة وقتا ممتعا، وحين تذبل هذه الأزهار من جديد، تقول لإيدا بان تدفنها في الحديقة لتنبت من جديد في الربيع القادم بألوان وأنواع مختلفة وجميلة، وفي قصة «القداحة» يتحدث الكاتب عن القدر الذي قاد جنديا معدما لأن يعثر على قداحة تحقق له أي مطلب، وبعد سلسلة من المغامرات اللطيفة يستطيع هذا الجندي ان يملك ثروة طائلة ويتزوج من بنت الأمير ويعيش في سعادة، أما قصة «كلاوس الصغير وكلاوس الكبير» فهي تدين استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتسعى إلى إيصال فكرة تقول بان الأمور لا تبقى على حالها كما قال، أيضا، الشاعر العربي: (لكل شيء إذا ما تم نقصان / فلا يغر بطيب العيش إنسان//هي الأمر كما شاهدتها دول / من سره زمن ساءته أزمان)، وهكذا فان كلاوس الكبير الذي كان غنيا يغدو فقيرا، بينما كلاوس الصغير الذي كان معدما يصبح رجلا غنيا، وهو لا يقدم أفكاره، ومقولاته بصورة مباشرة بل يضع كل ذلك في قالب قصصي تشويقي، جميل وممتع كما هي الحال مع قصصه المدرجة في هذه المختارات مثل «قطرة المطر»، «ثوب القيصر الجديد»، «زهرة البابونج البرية»، «الأميرة وحبة البازليا»، «الحقيبة الطائرة»، «الحنطة السوداء»…وغيرها.
انتهى
شكرااا جزيلا على الجهد المبذول
معلومة مفيدة