الجنين ……عالم من الأسرار يكشفها الالتراساوند رباعي الأبعاد 4D
تبدأ حياة الجنين بالتقاء البويضة بالحيوان المنوي لتبدأ انقسامات الخلايا فيزداد عددها وتتشكل الأعضاء وتبدأ بأداء وظائفها مكونة بذلك مخلوق بشري متواضع الحجم معقد التطور و التصرفات يأخذ من الرحم محل إقامة له حتى يحين موعد التقائه بالعالم الخارجي !!
وقد فتح جهاز الالتراساوند الرباعي الأبعاد نافذة إلى رحم المرأة لكشف أسرار ذلك الكائن البشري و الإجابة على الكثير من التساؤلات التي تحيط به و التي أذهلت العلماء لفترة طويلة من الزمن وأثارت فضول الآباء :
متى تبدأ حركة الجنين ؟ و ما هي أشكال هذه الحركة؟ ومتى تشعر بها الأم؟ وهل للجنين حواس؟هل يشعر بالألم؟ هل ينام؟ هل يحلم؟ هل لديه قدرة على التعلم وهل لديه ذاكرة؟ وهل استثارة الجنين ظاهرة صحية؟ كثير من الأسئلة التي لم يكن ممكنا الإجابة عليها لولا التطورات الهائلة التي طرأت على أجهزة الالتراساوند .
تبدأ حركات الجنين الأولى- والتي تمكن الأطباء من مراقبتها- مابين الأسبوع السابع ومنتصف الأسبوع الثامن وهي با لطبع حركة غير محسوسة لدى الأم . وعبارة عن حركة فجائية تستمر من ثانية إلى ثانيتين وكأنها انتقال لجسم الجنين ككل و الذي يبلغ طوله(2سم) تقريبا في تلك الفترة من مكان لآخر ويسبق حركة الجنين هذه نبضات قلبه التي يمكن مراقبتها خلال الأسبوع السادس تقريبا. ومن هذه اللحظة تبدأ حياة الجنين العملية في رحم أمه وفي كل يوم ينمو به الجنين تزداد حركاته تعقيدا وتتوظف أعضاؤه تدريجيا. هذه الحركات تأخذ أشكالا متعددة وقد ظن العلماء لفترة طويلة من الزمن بأن هذه الحركات تبدأ كردود فعل غير أنه تبين أنها تبدأ كحركات تلقائية وعفوية غير مخطط لها وقد تكون هذه الحركات الابتدائية التي سبق الحديث عنها لمرة واحدة أو كحركات متتالية يفصلها ثوان عن بعضها البعض, وتتطور ليبدأ الجنين بضم وفرد جذعه وبعد ذلك ضم وفرد أطرافه و تحريك جسمه ككل بدون وضوح لحركة الأطراف. وهذه الحركة الإجمالية للجسم تزداد قوة من الأسبوع الثامن – حيث تبدأ- حتى الأسبوع الثاني عشر فتتراوح بين القوة و الضعف. إلا أن أعظم ما يميزها أنها تعطي إيحاء بالثقة العالية التي يحتفظ بها هذا المخلوق الصغير لنفسه دائما.
ومن الحركات الطريفة التي يمكن مراقبتها و التي تبدأ مع الأسبوع التاسع , الحازوقة(Hiccup ) و التي يصاحبها انقباض في الحجاب الحاجز يمكن أن يراقبه الأطباء بحركات البطن والصدر, وعادة تتكرر الحازوقة عند الجنين بفترات زمنية متقاربة و ثابتة ونادرا ما تحدث لمرة واحدة فقط.
أما حركات الفم فهي متنوعة و في غاية الروعة تبدأ بتحريك الفك بفتحه وإغلاقه وحركات شبيهة للمضغ منذ منتصف الأسبوع العاشر تقريبا ومن ثم التثاؤب في منتصف الأسبوع الحادي عشر و الذي يبدأ بفتح الجنين لفمه وإرخاء اللسان للأسفل و يبقى على هذا الوضع لمدة (ثانية إلى ثمان ثواني ) حتى يعود لوضعه الطبيعي وقد يتساءل البعض ما الذي يجعل الجنين يتثاءب؟!
إن السبب الذي يدفعنا نحن البالغين والأطفال للتثاؤب هو نفسه الذي يدفع هذا المخلوق الذي لا يتجاوز طوله السنتميترات القليلة للتثاؤب كذلك , وهو نقص الأكسجين المغذي للدماغ في حالات النعاس و الملل وقليلا ما يرتبط بالإرهاق .فيقوم الجسم بحركة لا إرادية للفم لتهيئة فرصة لاستنشاق أكبر نسبة أكسجين. والتثاؤب ظاهرة قد ترتبط ببعض الحالات المرضية كفقر الدم , وبذلك هي صفة مشتركة بين الأجنة الأصحاء وغير الأصحاء.
. أما المص والبلع فيمكن ملاحظته في منتصف الأسبوع الثاني عشر وعندها يمكن مراقبة الجنين وهو يمص إصبعه أو يضع يده على وجهه و يفرد ويضم أصابعه ويضع يد فوق الأخرى ويحرك بقدميه, ويتحرك بحركات بهلوانية و يمارس تمارينه الرياضية في محاولة منه لجذب انتباه أبويه وليوصل رسالة صغيرة من محيطه الصغير بأنه إنسان بشخصية منفردة و احتياجات خاصة , حتى قبل أن يتم الثلث الأول من الحمل . وكلما اقترب الجنين من النهاية كانت تصرفاته أقرب ما يكون لتصرفات حديث الولادة. وبالرغم من كل هذه الحركات و المشاكسات التي تبدأ في عمر رحمي صغير جدا إلا أن الأم لا تشعر بها إلا مابين الأسبوع السادس عشر و العشرين تقريبا. وما تشعر به الأم يشكل نسبة لا تذكر من حركات الجنين الذي ينام و يستيقظ ويمارس نشاطاته و يتحرك بمعدل خمسين حركة /ساعة بل أنه يمر بمراحل النوم التي نمر بها فهو يشعر بالنعاس ويغرق بنوم عميق يحلم خلاله بأحلام تجعله يبتسم أو يمتعض وفي كثير من الأحيان يغضب بل و يعقد حاجبيه , وهذا نراه في النوم واليقظة.
إن مراحل النوم هذه تتمحور و تأخذ شكلها النهائي مع تطورات الدماغ عند الجنين حتى تصبح مع اقتراب موعد الولادة متطابقة لتلك التي عند حديث الولادة. ويجدر بالذكر أن الجنين في الأسبوع (32) تقريبا ينام بنسبة 85-90% من يومه. بقي أن نقول أن حركات الجفون عند الجنين تظهر بين الأسبوعين الثامن عشر و العشرين إلا أن مراقبتها ليس بالأمر السهل, مما صرف اهتمام معظم الأطباء عنها.
أما السؤال الأكثر تعقيدا هو هل يحس الجنين وهل يمتلك الحواس التي نمتلكها ؟! بعد الأبحاث التي أجراها العلماء جاءت الإجابة بنعم.
وأول حاسة تبدأ عند الجنين هي حاسة اللمس , والإحساس باللمس يبدأ بالوجه في الأسبوع السابع تقريبا لينتقل بعدها تدريجيا لباقي أعضاء الجسم فنجد الجنين يلمس وجهه بيده ويتلمس جسده. ومع الأسبوع الرابع عشر تتشكل مستقبلات التذوق عند الجنين فنجده يمص ويبلع بل و الأغرب من ذلك أنه يراوح في سرعة بلع السائل الأمنيوسي بناء على النكهة التي تكون غالبة على هذا السائل والتي تأخذ طابعها من تغذية الأم. وقد وجد العلماء أن البلع يكون أنشط للمذاق الأحلى!! انه حقا مخلوق يستحق الاحترام.
أما حاسة السمع عند الجنين فتبدأ أبكر مما يظن الجميع , حيث تبدأ في الأسبوع السادس عشر بالرغم من أن الأذن نفسها تأخذ شكلها النهائي في الأسبوع الرابع و العشرين. ومن ذلك نستنتج أنه عندما يحين موعد الولادة يمتلك الجنين قدرة سمعية مطابقة تقريبا لقدرتنا نحن البالغين على السمع .. اكتسبها من خبرته العريقة التي مارسها ما يقارب الستة أشهر سمع من خلالها نبضات قلب أمه و تدفقات الدم وكل ما كان يصله عبر جدار البطن والرحم إضافة إلى صوت المعدة والأمعاء فهو محيط مزعج . ويمكن أن تراقب الجنين على جهاز الالتراساوند وهو يهتز بقوة للمنبهات الصوتية القوية بل إنه يولد وهو يفضل صوت أمه وقد سجلت حالات كان نبض الجنين يتباطىء بها عند سماع صوت أمه أو عند سماع قصة يميزها بصوت مألوف لديه فهو لا يسمع فقط بل يميز الأصوات كذلك وهذا برهان أن ملكة التعليم تتشكل عند الإنسان قبل أن يعانق العالم الخارجي , وكذلك الذاكرة .
وهذه الاستنتاجات خرج بها العلماء من المراقبة الطويلة للأجنة ضمن الأبحاث, إضافة لمراقبة تصرفات الخديج , حيث وجدوا ردود فعل للصوت لدى خديج بالأسبوع الرابع والعشرين .
حاسة البصر هي آخر الحواس تشكلا عند الجنين وقد اختبر علماء اليابانيين هذه الحاسة بتسليط ضوء شديد على بطن الأم وقد سجلوا استجابة من الجنين . غير أن معظم العلماء حذروا من إجراء تلك التجارب على الأجنة أو الخدج قبل أن يكون الجنين جاهزا لاستقبال مثل هذه المؤثرات و المنبهات . بل عزى بعضهم التلف الذي يصيب شبكية العين عند الخدج و الذي يعزيه الأطباء منذ زمن طويل لتركيز الأكسجين العالي الذي يزود به الخديج أن سببه الفعلي هو تعرض الخديج لدرجات عالية من الضوء هو غير مجهز فعليا لاستقبالها في هذه المرحلة العمرية.
فدماغ الجنين مثلا في عمر6 أشهر من الحمل لا يكون مجهزا لاستقبال أو ترجمة الإشارات التي ترسلها العين مما يؤثر على تطور الدماغ عند الجنين.
والعلماء بشكل عام ضد المؤثرات الخارجية فوق المتوقعة بأنواعها السمعية , البصرية أو الحسية . والتي تتجاوز حدود الأحاديث القصيرة الهادئة و رواية القصص لفترات قصيرة . لأن كل هذه المؤثرات تؤثر على نمط حياة الجنين من حيث النوم و اليقظة مما يؤثر على تطور الدماغ و الأعصاب و بالتالي يعطي نتائج عكسية للنتائج التي يتوقعها الأبوين كازدياد التطور الذهني للجنين في المستقبل . و الطريقة الأمثل لتحقيق هذا الهدف هو توفير بيئة رحمية للجنين خالية من المواد السامة لأم بدون ضغوطات نفسية وتحصل على تغذية سليمة . وقد أثبت العلماء أن نسبة الذكاء عند الأطفال تتأثر بالبيئة الرحمية أكثر مما تتأثر بالعامل الوراثي .
أما الإحساس بالألم فإنه – على غير المتوقع – يتشكل عند الجنين بسن مبكرة و يلاحظ الأطباء ذلك من خلال سحب السائل الأمنيوسي و الذي يتم به إدخال إبرة للرحم فإذا ما وخزت الإبرة الجنين عرضيا فإن الجنين ينسحب بسرعة في محاولة للهرب و الأكثر من ذلك أنه قد يهاجم الإبرة مرة ثانية ليدافع عن نفسه وقد تبين ارتفاع في هرمون بيتا- اندورفينز – وهو الهرمون المسئول عن تفاعل الجسم مع الضغوطات و التهديدات إلي (6) أضعاف بالإضافة إلى تسارع في التنفس عند تعرض الجنين لجسم حاد . وهذه نتيجة تجارب قام بها العلماء بلندن ليثبتوا أن الجنين يشعر بالألم بعد أن أنكر جراحي الأجنة ذلك لوقت طويل من الزمن .
بقي أن نقول أنه قد تم تسجيل حالة بكاء لخديج في الأسبوع الثالث و العشرين .
من كل ما ذكر أصبح كل ما نراه عبر جهاز الالتراساوند رباعي الأبعاد مفسر وواضح فلهذا الصغير شخصية مستقلة لها بصمات خاصة تعطي إيحاء عما سيكون في مستقبله البعيد.
و أجمل ما يمكن أن يراه المرء على جهاز الالتراساوند رباعي الأبعاد توائم في حالة وفاق يداعب أحدهم وجه الآخر أو يوقظ أحدهم الآخر أو حتى يضرب أحدهم الآخر .. إنه عالم مليء بالأسرار .
والصور المعروضة هي صور لأجنة بأعمار متفاوتة التقطت عن طريق جهاز الالتراساوند رباعي الأبعاد في عيادة الدكتور نجيب ليوس الكائنة في جبل الحسين,عمان.