فيصل بن سعود الحليبي
ولكن .. أنّى لهذه الوردة الفاتنة كل هذه العطاء .. إن لم تسق بالماء !! وهي مع هذا آيلة إلى الذبول والفناء .
غير أني أدعوك أن تقترب من وردة تعطيك عطاء أبلغ من عطاء هذه الوردة التي انشرح صدرك لها ، وأنِسْت بالنظر إليها ، وهي مع هذا لا تعرف الفناء ، بل تتسم بالخلود والبقاء !!
وكما احتاجت تلك إلى الماء لتبقى .. ثم لتفنى ، فإن هذه الوردة تحتاج إلى أمر آخر لتبقى ولا تفنى .
لعلك أدركت المقصود .. فإن مثل هذه الوردة كمَثَلِ الحياة الزوجية السعيدة ، المملوءة بالمودة والصفاء ، الممزوجة بالمحبة والوفاء ، ألا يتمنى الزوجان فيها أن تبقى حياتهما كذلك ، لا في الدنيا فحسب ، .. بل في الآخرة أيضًا ؟
قل : نعم ..
إذاً … فإنها تحتاج إلى أن تسقى بالإيمان ، وترعى بالخشية من الرحمن ، وتصفو بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتتآلف على القرآن ، وتتعاهد على نبذ المعاصي ، وتتعاون على البر والتقوى ، وتنذر نفسها للدعوة إلى الله .. في نفسها ، وبين الذرية والأهل والإخوان ، وتتراحم بقيام الليل ، وتتزكى بصيام النهار ، وتسمو بالجود والكرم ، وتجتمع قلوبها على النصح بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتتحد صفوفها أمام إغراءات المنكر ، وتسارع في الخيرات ، وتقنع برزقها ، وتصبر في شدائدها ، وتهفو نفوسها إلى إعداد جيل صادق مع ربه ، باذل لدينه ، عامل لوطنه .
كم تشدني تلك الصورة الزوجية الحانية التي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى ، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ) رواه النسائي .
ألا ما أسعدها من ساعة إيمان ، وما أرقه من نضح وفيّ ، وما أعذبه من ماء مخلص .
ألا تستحق حياة هذين الزوجين أن تبقى ولا تفنى ، ولم لا تبقى ، والله تعالى يقول : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } .
وهو القائل سبحانه : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ }.
فما أرخص حياتنا إن كانت وسيلة إلى شقوة الآخرة ، وما أغلاها إذا كانت وسيلة إلى سعادتها .
———————-
(1) نشرت في نشرة ( التيسير ) بالأحساء ، العدد الثالث ، 1/5/1421هـ ، ونشرت في العدد ( 96 ) ، ربيع الأول 1445هـ من مجلة الأسرة .