و أثره في الأدب العربي
المذهـب الرومانسـي Le Romantisme
نص استهلالي: قال الدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : "…يمكن القول أنها قد كانت في جوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من تلك الآداب " .
1- تعريف الرومانسية
أ – لغــة* :الرومانسية من حيث الجذر اللغوي مشتقة من كلمة "رومانيوس" وقد أطلقت هذه الكلمة على اللغات والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن "رومانس" لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبيات ثمانية المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفردية مطلقة .
ب- اصطلاحا*:هي ثورة على المذهب الكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيه إغراقه في الصنعة ومبالغته في تعظيم العقل وإمعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم. فالرومانسية تفتح المجال واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساس المنطلق والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2- نشأتها:نشأت الرومانسية في فرنسا في أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس فلسفي هي الفلسفة العاطفية التي مثلها – جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي الذي توفي سنة 1778 وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي عبرت عنها الرومانسية مصورة حالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما اتسع نطاق الرومانسية من خلال بعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور هيغو "1806 – 1895" إلا أن وليام شكسبير "1564-1616" يعد بحق واضع القاعدة الأولى للرومانسية الغربية في مسرحه الشهير في إنجلترا وتميزت أعماله بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن رواد هذا المذهب أيضا الشاعران الإنجليزيان واردزوارث"1770-1850" وكلوريدج "1772-1834" اللذان نظما وأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وقد جعلا الإنسان بهمومه واهتماماته محورا لشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيين آخرين نالوا شهرة واسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليم بلاك "1757-1827" وجامس طومسون "1700-1742" .
3:تطور الرومانسية وخصائصها :
لقد شهدت الرومانسية تطورا كبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات بارزة في الأدب الرومانسي. وقد شهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب "آلام الشاب وارذر" وقد صدر سنة 1774م وترجم بعد ذلك إلى الإنجليزية والفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل الرواية "وارذر" بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسية بفرنسا فإنها جاءت متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانية حيث ظهر تأثيرها خاصة في حروب نابليون بونابرت "1769-1821" واحتلاله بجيشه لعدة دول أوروبية كإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلى بلدهم فرنسا وهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوح سنة 1830 بعد سفر كل من –لامارتين- "1790-1869" والأديب فيكتور هيجو -اللذان أعتبرا من أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد أخذ هذان الأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادءه وحملاها إلى فرنسا قادمين بها في رحلاتهما من ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو (البؤساء – وهرناني -وعمال البحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات المأخوذة من عصور غربية عنا ". وقد اهتمت الرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذا جاءت تعبيرا عن هذا المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعت الرومانسية بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .
4- أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية :
– بروز الذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي .
– اتخاذ الطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية .
– تسعى الرومانسية إلى التعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقل وتقديس النزعة العاطفية إلى حد الإسراف .
– التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهر القلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد طمحت إلى عالم تسوده مبادئ العدل والمساواة ، معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء والمحرومين ، وقد نادت الرومانسية بتحطيم القيود والقواعد المفروضة على الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة .
5- أثر الرومانسية في الأدب العربي
أشرنا أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدب العربي الحديث . إلا أننا نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربي وقد ظهرت بوادر هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبي ماضي) وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم الأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كما نلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله " الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية – الإبداعية – الإبتداعية …"
أ- عوامل ظهور الرومانسية في الأدب العربي –
تأثيرات الغرب : بدأ الاتصال بالثقافة الغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م فأخذت البعثات العلمية تقصد أوروبا لتغترف من الحضارة الجديدة وعادت تحمل هذا التأثير من المثقفين العرب فتأثر معظم الشعراء بنظرائهم في الغرب وفي مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذي كان على اتصال تراسلي مع –لامارتين- .
– معاناة الجيل العربي ما بين الحربين : يعزو بعض النقاد أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيل العربي أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيود ومصادرة الأفكار الحرة وممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلى دنيا الأحلام متقلبا بين اليأس والأمل .
– الرغبة في التجديد : لقد ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمة والصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيود القديمة التي كبلت حرية الشاعر في الإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية في الأدب العربي :
ظهرت الرومانسية في الأدب العربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها الأدباء في إنتاج فني وقد تبلور هذا الاتجاه في كتابين نقديين هما : الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد و إبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922"ميخائيل نعيمة" وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها :
1- مدرسة الديوان أو" مدرسة التجديد الذهني " : دعا إليها- العقاد والمازني – ومن شعرائها عبد الرحمان شكري وقد حملت لواء التجديد والثورة على الأدب المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية وقد نهجت في كتابها "الديوان" المنهج ذاته الذي نهجته" مجموعة الكنز الذهبي"وشعارها هو بيت "عبد الرحمان شكري"في قصيدته "ضوء الفجر" : ألا يــــا طـــائـر الفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان
وقد قامت هذه المدرسة على دعامتين أساسيتين هما :
• سعة ثقافة أصحابها : فقد عكفت هذه المدرسة على التراث العربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليل والدراسة
• الإطلاع الواسع على الأدب الغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب الأوروبية الغربية وخاصة الأدب الإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام . وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعض الخصائص الفنية نجملها فيما يأتي :
* كان أدبهم إنسانيا يحمل رسالة سامية ، ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم .
* البعد عن الصنعة والتكلف حتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيس الذاتية .
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة على خلاف النظام القديم.
* الصدق الفني في التجربة الشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما في نفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2- الرابطــــة القلميــة :
تمثل شعراء المهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباء المهجر . تتميز هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنها لا تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو رب الشعر والموسيقى عند اليونان ) :
هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا إليها أحمد زكي المعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي وبوفاته في شهر أكتوبر من نفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم إليها علي محمود طه توفي سنة 1949 والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934 وكذلك الأديب إبراهيم ناجي ومحمود حسن اسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلة فنية حملتها لسان حالها دعتها مجلة "أبولو" برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي موسيه، وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراء الأوروبيين المجددين . وهذا الشاعر أحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه في سوريا :
بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنا في الهم شرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدة العضوية ، الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
4- جماعات أدبية أخرى :
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليم الخوري .
• عصبة العشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشال معلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .